قال الله تعالى ﷻ:
﴿
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا
﴾ ۞ [سورة
الكهف : 9]
تفسير العلامة السعدي
وهذا الاستفهام بمعنى النفي، والنهي. أي: لا تظن أن قصة أصحاب الكهف، وما جرى لهم، غريبة على آيات الله، وبديعة في حكمته، وأنه لا نظير لها، ولا مجانس لها، بل لله تعالى من الآيات العجيبة الغريبة ما هو كثير، من جنس آياته في أصحاب الكهف وأعظم منها، فلم يزل الله يري عباده من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم، ما يتبين به الحق من الباطل، والهدى من الضلال، وليس المراد بهذا النفي أن تكون قصة أصحاب الكهف من العجائب، بل هي من آيات الله العجيبة، وإنما المراد، أن جنسها كثير جدا، فالوقوف معها وحدها، في مقام العجب والاستغراب، نقص في العلم والعقل، بل وظيفة المؤمن التفكر بجميع آيات الله، التي دعا الله العباد إلى التفكير فيها، فإنها مفتاح الإيمان، وطريق العلم والإيقان. وأضافهم إلى الكهف، الذي هو الغار في الجبل، الرقيم، أي: الكتاب الذي قد رقمت فيه أسماؤهم وقصتهم، لملازمتهم له دهرا طويلا.
تفسير الإمام ابن كثير
هذا إخبار من الله تعالى عن قصة أصحاب الكهف على سبيل الإجمال والاختصار ثم بسطها بعد ذلك فقال " أم حسبت " يعني يا محمد " أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " أي ليس أمرهم عجيبا في قدرتنا وسلطاننا فإن خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار وتسخير الشمس والقمر والكواكب وغير ذلك من الآيات العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى وأنه على ما يشاء قادر ولا يعجزه شيء أعجب من أخبار أصحاب الكهف كما قال ابن جريج عن مجاهد " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " يقول قد كان من آياتنا ما هو أعجب من ذلك وقال العوفي عن ابن عباس " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " يقول الذي آتيك من العلم والسنة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم وقال محمد بن إسحاق : ما أظهرت من حججي على العباد أعجب من شأن أصحاب الكهف والرقيم وأما الكهف فهو الغار في الجبل وهو الذي لجأ إليه هؤلاء الفتية المذكورون وأما الرقيم فقال العوفي عن ابن عباس : هو واد قريب من أيلة وكذا قال عطية العوفي وقتادة . وقال الضحاك أما الكهف فهو غار الوادي والرقيم اسم الوادي وقال مجاهد الرقيم كتاب بنياتهم ويقول بعضهم هو الوادي الذي فيه كهفهم وقال عبد الرزاق : أخبرنا الثوري عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله الرقيم كان يزعم كعب أنها القرية وقال ابن جريج عن ابن عباس : الرقيم الجبل الذي فيه الكهف وقال ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال : اسم ذلك الجبل بنجلوس وقال ابن جريج : أخبرني وهب بن سليمان عن شعيب الجبائي أن اسم جبل الكهف بنجلوس واسم الكهف حيزم والكلب حمران وقال عبد الرزاق : أنبأنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : القرآن أعلمه إلا حنانا والأواه والرقيم وقال ابن جريج : أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة يقول قال ابن عباس ما أدري ما الرقيم ؟ كتاب أم بنيان ؟ وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : الرقيم الكتاب وقال سعيد بن جبير : الرقيم لوح من حجارة كتبوا فيه قصص أصحاب الكهف ثم وضعوه على باب الكهف . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الرقيم الكتاب ثم قرأ " كتاب مرقوم " وهذا هو الظاهر من الآية وهو اختيار ابن جرير قال الرقيم فعيل بمعنى مرقوم كما يقول للمقتول قتيل وللمجروح جريح والله أعلم .