مقال الرد على المالكي الشيخ عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم

الرد على المالكي
الأربعاء 27 جانفي 2016    الموافق لـ : 16 ربيع ثاني 1437
0
594

إماأنكلاتحسنالفهموإماأنكتتقول!

اطلعت على ما كتبه المالكي في العدد الماضي من مجلة «اليمامة» بتاريخ 11/7/1412هـ فألفيت مقالاً بعيداً عن قواعد الجدل، وأصول المناظرة، التي تكسو المحاورة ثوباً علمياً قشيباً. وهنا رأيت ما وراء الأكمة، وتيقنت أن ليس في الساحة خصم.

بيد أني سأكتب كلمتي الأخيرة، لا للعلماء، ولا لطبة العلم، وإنما لعامة الناس، ومن ليس من أهل الاختصاص.

فأقول: إنَّ أضرَّ ما يكون على العلم: المتعالمون، الذين يأخذون جانباً من العلم، ويَعْمَوْنَ عن جوانب، ويفهمون فرعاً، ويجهلون أصولاً، عندئذ تستحكم الهلكة.

وهذا المالكي أخذ هدبة من الثوب العلمي، وترك الكساء، فهو ناقد لا يدرك كلام الخصم، ولا يحسنُ التعبير عن الحقائق، ولا يبالي في أي وادٍ من التناقضات وقع.

ولا ريب أن أُسَّ العلم، وقاعدته: فهم الخطاب، وإجادة البيان؛ فتعال معي أيها المنصف الفاضل لنرى كيف فَهْمُ هذا الرجل!؟

قال في مقاله عن الكاتب: «وينكر حديث وضع اليدين على الصدر» لا أتردد حينما أقول:ـ إن من قرأ كلامي في العدد الماضي، وقرأ هذه الكلمة، سيظن بالمالكي أحد أمرين: إما أنك لا تحسن الفهم، وإما التَّقَوّل, وحملاً منَّا كلامه على المحمل الحسن، نقول: بل هو الظن الأول. وأنا من هذا المنبر مستعد لأن أتحاكم عند من شاء هذا الرجل أن نتحاكم إليه من أهل العلم: لينصف: هل أنكرتُ حديث وائل، أم لم أنكره؟

إن كلامي ـ يا مالكي ـ على حديث وائل متوازي الطرفين، لم أفصح فيه عمّا أراه في الحديث من صحة أو ضعف، وإنما سُقتُ خلاف العلماء فيه، لتعلم أنت أن المسألة اجتهادية، ليس فيها ما يقطع بصحته في حقيقة الأمر. فمجال الحديث إنما هو في التنظير للقاعدة، لا التقريرُ، وبيان الراجح، وفرق بين المسارين شاسع، يدركه طويلبُ العلم.

وقال أيضاً: «ويتخبط في زكاة الحلي» هذا كالذي قبله، ومن المؤسف أن أضطر إلى شرح كلام واضح لما أنك عِبْتَ «الزاد» بمسألة زكاة الحلي، قلتُ لك: ما ذهب إليه صاحب «الزاد» هو رأي جمهور المسلمين، وهو قول من وصف بالتحقيق من العلماء، كابن القيم، والنووي، ومفتي الديار السعودية محمد بن إبراهيم آل الشيخ.. فكأني أسألك ـ ما رأي جنابك في مؤلفات هؤلاء؟ هذا هو معنى كلامي عن زكاة الحلي، ولك الحق في أن لا تفهمه، فتخصصك في الإعلام، لا في الفقه وأصوله.

وقال أيضاً: «لزادت تناقضاته» فيا أيها الناقد: ما معنى التناقضات؟ إن كنت تعرف أن معنى التناقض: أن يقرر الإنسان مسألة، ثم يخالف ما قرره، دون شعور. فأنا أسألك أن تأتي بمناقضة لي في هذا المقال. ولأبين للقارئ الكريم من هو أحق بالتناقض، أقول:ـ

لقد انتقد المالكي كتاب «الزاد» لمخالفات وردت فيه، منها أن صاحب «الزاد» قال بمشروعية مسح الوجه بعد الدعاء. وقد قال المالكي: إن هذا بدعة.

أقول: يا مالكي ألم تمدح الآن كتاب «سبل السلام»؟ ألم أنقل لك عنه برقم الصفحة والجزء أنه قرر هذه البدعة في منظورك وقال: إنها مشروعة؟ فعلام التناقض!! أليس العدل من صفات المؤمنين؟

ألم تمدح كتاب «نيل الأوطار» وهو من القائلين بعدم وجوب زكاة الحلي، وتذمَّ كتاب «الزاد» لأنه قال بعدم وجوب زكاة الحلي؟ أليس هذا عين التناقض يا شهود الله في أرضه.

ولا أرضى لنفسي أن تنزل منزلة هذا الرجل: فأتتبع ما في الكتابين من المخالفات ـ على قاعدته ـ ومن البدع، ليظهر للناس أن الرجل مضطربٌ لا قاعدة له.

وبالمناسبة ـ لا يفوتني ـ أن أنبه على قوله عن كتاب «سبل السلام»:» فقد أورد أكثر من ألف ومائتي حديث صحيح» فمن أين له هذا الحكم. إن كان من عنده فلا قبول إلا ببينة، وإن كان اعتمد على من صحح هذه الأحاديث من العلماء، فأنا اقطع أن جُلَّها مما تنوزع في تصحيحه، فهلا عرف لمن صحح وضعف قدره، واجتهاده، أم أنه تعصب لمن صحح دون من ضعف كما تعصب لمن خالف اجتهاده اجتهاد صاحب «الزاد»؟ على أنه قد خلط بين «سبل السلام» و«بلوغ المرام» ولقد تفوه هذا المالكي بكلمة، لو تأملها، لما دخل في هذا النفق المظلم، والمغارة الموحشة؟ قال عن الكتب التي أوصى بها: «وهذه كتب ليست معصومة» فما دام أن هذه الكتب ليست معصومة، فالزاد أيضاً ليس بمعصوم، وهذا من الحيف على كتب أهل العلم، حيث أنك اعتذرت لنظير، وتركت أو ذممت نظيره.

«يقضي على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً مال ليس بالحَسَن«

وأنا جازم أن المالكي لو نظر في هذه الكتب التي مدحها، بمثل نظره إلى «الزاد» لنسفها من قواعدها، ولما بقي للمسلمين كتاب يفتخرون به.

ثم قال المالكي: «لكن البدع فيها ـ إن وجدت ـ قليلة جداً، وقد لا توجد» سبحان الله!! ما أسكر كثيره فملأ الكف منه حرامٌ، فإذا كنت صاحب مبدأ فاحلقه كله، أو دعه كله، أما أنك تجوز قليل البدع فيما تحب، وتمنعها فيما لا تحب، فهذا تفريق بين المتماثلات، وجمع بين المتناقضات.

وأخيراً أنصح المالكي بأن يصرف همَّه للتحصيل العملي، واحترام علماء الأمة.

أما عن مقال المالكي في عدد «اليمامة1190»، فقد أساء، وتعدى، وظلم، وقلب الحقائق، إذ لم يجد مندوحة سوى هذا القلب.

فلقد نقل هذا الرجل عني فقال: «ولا يخرج عما قرره الإمام أحمد في مسائله» هكذا بَتَرَ عبارتي ولم يكملها، وآخرها يقطع عليه الطريق إذ جاء في آخرها: «أو خرّجه الأصحاب» فأنا لم أزعم أن كل ما في الزاد قد قرره الإمام أحمد، بل هناك مسائل قررها أصحابه. فعلى هذا لا قيمة لسطورك في الرد. ولقد فهم المالكي أن قولي في ضرورة ربط الطالب بمذهب من المذاهب الأربعة في أول الأمر: «كما قرر ذلك المحققون من العلماء قولاً وعملاً» أن من ضربتُهم مثلاً قد نصوا على هذه العبارة بحروفها. ولذا لما رجع إلى أقوالهم؛ لم يجد هذا العبارة، ففهم بفهمه النقي أني تقولت عليهم, ولقد جرّه قلمه ـ ولله الحمد ـ إلى سياقة كلامهم, فظهر عواره، وافتضح أمره. نقل عن الذهبي قوله «لكن شأن الطالب أن يدرس أولاً مصنفاً في الفقه، فإذا حفظه بحثه، وطالع الشروح».. فهذا ما قررته، وهذا ما قرره الذهبي: يرى أن شأن ـ أي ديدنَ ـ الطالب أن يحفظ متناً فقهياً أول طلبه للعلم، ومعلومٌ أن الذهبي يعني بالمتن الفقهي من كان متون فقه الأئمة الأربعة، إذ لا يوجد في زمنه فقه لأهل السنة غير فقههم، فهل موهتُ أنا على القارئ، أم أنت فعلت ذلك؟

أما كلام ابن الجوزي فقه نقله المالكي فقال: «ثم ليقبل على الفقه فلينظر في المذهب» فهنا الشاهد، وهو أن ابن الجوزي يحث على التمذهب، وإلا لما قال للطالب: «ثم ليقبل» فهل أنا تقولت على ابن الجوزي ما لم يقل؟ أم أنت دلّستَ على القراء؟

ثم لم يفهم المالكي كلامي على مسألة «الإنكار» وأنا أوضحها له فأقول: نعم لا يعاب على عالم ـ وهذا قَيْدٌ ـ أخذ بالقول المرجوح عندنا ـ وهذا قيدٌ ثانيٍ ـ بعد أن تبين له صحته ـ وهذا قيدٌ ثالثٌ ـ فإذا اجتمعت هذه القيود: العلم، المسائل الخلافية الاجتهادية، بذل الوسع في الوصول إلى القول الصحيح: إذا اجتمعت فلا إنكار، وإنما السبيل بيان القول الراجح، والرد على أدلة المخالف، دون أن نعيبه. ولذا أنا لم أعب على من مثَّل، وإنما سقت الحجج، ونقضتُ الشبه، ومدحتُ أصحاب المراكز الصيفية.

أما عن مسألة الخلط بين مسح الوجه في الصلاة وخارجها، التي رماني بها الكاتب، فإن الخلط جاء من فهمه، إذ المسألة واحدة، والدليل عليها واحد، فحديث عمر عام خارج الصلاة وداخلها، ولا مخصص له، فالتفريق بين داخل الصلاة وخارجها في مسح الوجه باليدين، جهل بدلالات النصوص الشرعية.

ولذا فإن من استحبها في الصلاة بعد دعاء القنوت استدل بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يُعَبْ عليه ذلك.

هذا بعض ما شط فيه المالكي، وليس الأفضل تعقب كلامه كله في مثل هذا المقام.

عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم/ المحاضر بالمعهد العالي للقضاء

العدد1191ـ الأربعاء 25رجب 1412هـ ـ اليمامة ـ 63