مقال كيف كانت ثم صارت الشيخ أحمد بن محمد الشحي

كيف كانت ثم صارت
الأربعاء 12 جويلية 2017    الموافق لـ : 17 شوال 1438

لقد رفع الإسلام شأن المرأة، فاحترم إنسانيَّتها وأنوثتها وأكرمها غاية الإكرام، وأمر بالإحسان إليها أمّاً وأختاً وزوجةً وابنةً، وأعطاها حقوقها كاملةً غير منقوصة، وانتشلها من واقعٍ مريرٍ كانت فيه محرومةً مظلومةً مضطهدة، ومنع الإساءة إليها، وجعل التقوى ميزان التفاضل بين الخلق ذكوراً وإناثاً، كما في قوله تعالى: {إنَّ أكرَمكم عند الله أتقاكم}، وجعل مناط السعادة والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة هو العمل الصالح، لا فرق في ذلك بين ذكرٍ وأنثى، كما في قوله تعالى: {من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينَّه حياةً طيبةً ولنجزينَّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم، النساء شقائق الرجال، فهنَّ والرجال سواء في الأحكام إلا ما خصَّه الدَّليل، فعاشت المرأة في ظلِّ الإسلام كريمةً مُصانةً محترمة.

 

كما أَولى الإسلام المرأة دوراً كبيراً في النهوض بالمجتمع، وحثَّها على أن تنفع أمتها في المكان الذي يناسبها، وحضَّها على العلم والتعلُّم والعمل الصالح، وعلى رأس ذلك دورها الرئيس والأساس في تنشئة أجيالٍ صالحةٍ مصلحةٍ، تعرف للوطن قدره وللمجتمع حقَّه وللأسرة فضلها، ولذلك نجد تاريخ الأمة حافلاً بالنساء الفضلَيَات العالمات الزاهدات اللواتي تركن بصمات متميزة وخلَّد التاريخ ذكرهنَّ، كما نجد في الكتاب العزيز قَصَصَ نساءٍ فاضلاتٍ صدِّيقاتٍ أخبرنا الله عنهنَّ، وضرب لنا منهنَّ مثلاً لنعتبر بصبرهنَّ وتمسُّكهنَّ بالدِّين وثباتهنَّ على الطاعة.

 

إنَّنا حينما ننظر إلى المرأة في واقعنا الإماراتي كيف كانت وكيف صارت، ولو على وجه الإيجاز بضرب أمثلةٍ يسيرةٍ، فإننا نهدف إلى أمرين: المحافظة على إيجابيات الماضي وإيجابيات الواقع الحي، وتلافي سلبيات الماضي وسلبيات الحاضر، وهو ما يحتاجه كلُّ إنسان، ذكراً كان أو أنثى، فكثيرٌ منَّا حينما ينظر في نفسه ويستقرئ تاريخه، يجد ثَمَّ إيجابيات كان يتحلى بها في الماضي قد فقد شيئاً منها، كما يجد عنده اليوم إيجابيات اكتسبها كان مفتقداً لها في الماضي، وهكذا في جانب السلبيَّات يجد ثَمَّ أشياء قد تلاشت بحمد الله، ويجد في المقابل سلبيات استجدَّت تحتاج إلى تصحيح وتصويب، وهكذا الإنسان في دورة الحياة لا غنى له عن مراجعة الذات وتصحيح المسار والارتقاء بالنفس بصورة مستمرة، واللبيب من يحرص على أن يكون له أعلى رصيدٍ من الإيجابيات وأقلُّ ما يمكن من السلبيات.

 

لقد كانت المرأة في مجتمعنا في السنين الماضية محرومةً من التعليم، وكانت الأميَّة تغلب على معظم النساء، ثم شاء الله سبحانه بما سخَّره لنا من قيادةٍ حكيمةٍ رشيدةٍ، أن ينتشر التعليم وأن يكون للنساء من ذلك حظٌّ وافرٌ، ففُتحت المدارس والجامعات في مختلف المدن والمناطق، ونالت المرأة أعلى الشهادات العلمية، حتى أشارت الإحصائيات إلى أنَّ دولة الإمارات هي من بين أكثر دول العالم تطوُّراً في مجال تعليم المرأة، كما كان نفع المرأة في الماضي محصوراً في جوانب محدودة، بينما هي اليوم ذات نفعٍ متعدّد في مجالات متعددة، تسخِّر قدراتها العلمية والمهارية في نفع مجتمعها ووطنها والنهوض به.

 

وهكذا حينما ننظر من زاويةٍ أخرى، نجد أنَّ ثَمَّ إيجابيَّاتٍ كان للمرأة في الماضي حظًّ أوفر ونصيب أكبر منها اليوم في الجملة، كالصبر على شظف العيش، والوقوف مع شريك الحياة في الحلو والمر، وقوة تماسك الأسرة وترابطها وقلة معدلات الطلاق، والمعاني البليغة في الستر والحشمة، والبساطة في العيش بعيداً عن مظاهر الترف والإسراف والتكلُّف، والحرص الشديد على العناية بالأولاد وتنشئتهم التنشئة الاجتماعية القويمة، بعيداً عن الخدم والمربِّيات والمؤثِّرات الأخرى، حتى إنَّك ترى معاني الرجولة والرُّشد تتفتَّق في هؤلاء الصغار وهم لا يزالون في سنٍّ مبكِّرة، وغير ذلك من الأمور.

 

إنَّ المرأة اليوم ليست بمنأى عن هذه الأخلاق والقيم الفاضلة، كلا وحاشى، فلا يخلو كثير من النساء من هذه الخصال الكريمة، ولا يزال الخير موجوداً والحمد لله، غير أنَّ طُروء بعض النقص في بعض هذه الجوانب يقتضي دوام التذكير بتلك القيم الأصيلة وأن نذكر محاسن أمهاتنا وجدَّاتنا؛ ليقوى حضور هذه الخصال في واقعنا الحي، وتتجلى بيننا في خطٍّ متصاعد يُظهر جمال هذه القيم وصمودها أمام أي رياح عاتية.

 

إنَّ التحديات التي تواجه المرأة اليوم كبيرة، وبالخصوص مع ما يشهده العالم من عولمة وفضاءات مفتوحة، حيث تتزايد الحاجة إلى دور المرأة العاقلة الواعية الحصيفة، في المحافظة على الهوية الثقافية والوطنية وتحصين الأجيال من الأخطار التي تحدق بهم، بأن تربيهم على طاعة الله تعالى ومحبَّته، وعلى الخلق الجميل والسلوك القويم، وعلى حبِّ الوطن وولاة أمورهم، وعلى الوفاء لأسرهم ومجتمعهم، كما يتجلى دور المرأة أيضاً في المجتمع بترسيخ المبادئ والقيم الإيجابية، وعلى رأس ذلك نشر الثقافة الوسطية المعتدلة والمساهمة بجدٍّ واجتهاد في خدمة الدين والوطن.