مسائل الجاهلية شرح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي الدرس 2

شرح مسائل الجاهلية التعبد بإشراك الصالحين في دعاء الله وعبادته
الأربعاء 19 جويلية 2017    الموافق لـ : 24 شوال 1438
تحميل الشريط

عناصر الشريط

تفريغ الشريط

المسألة الأولى
التعبد بإشراك الصالحين في دعاء الله وعبادته

المسألة الأولى: أنهم يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله وعبادته، يريدون شفاعتهم عند الله، كما قال –تعالى-: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ وقال -تعالى-: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى .

وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتى بالإخلاص، وأخبر أنه دين الله الذي أرسل به جميع الرسل، وأنه لا يقبل من الأعمال إلا الخالص، وأخبر أن من فعل ما يستحسنونه فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، وهذه المسألة التي تفرق الناس لأجلها بين مسلم وكافر، وعندها وقعت العداوة، ولأجلها شرع الجهاد، كما قال -تعالى-: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ .

هذه المسألة الأولى: وهي أعظم المسائل التي جاء بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي مخالفة أهل الجاهلية الذين يشركون الصالحين في دعاء الله -عز وجل- فالمشركون كانوا يدعون الله ويدعون غيره، فهم يشركون الله في الدعاء كما قال -سبحانه وتعالى- ولكنه قصدهم من ذلك يريدون القربى والشفاعة، يزعمون أن هذه المعبودات تقربهم إلى الله -عز وجل- وتنقل حوائجهم إلى الله، وتشفع لهم عند الله، فهم يدعون هذه المعبودات.

وهم متنوعون في عباداتهم؛ منهم من يعبد الشمس يدعوها من دون الله، منهم من يدعو القمر، منهم من يدعو الملائكة منهم من يدعو الصالحين، منهم من يدعو الأنبياء كعيسى منهم من يدعو الصالحين، منهم من يدعو الأشجار والأحجار.

وهم حينما يدعونها يقولون: نريد القربى، نريد أن تقربنا إلى الله، نريد الشفاعة تشفع لنا عند الله، وإلا فإننا نعلم أنه ليس بيدها نفع ولا ضر؛ فالأصنام والأوثان والأشجار والأحجار والشمس والقمر والملائكة والأنبياء ما بيدهم شيء، ولا بيدهم ضر ولا نفع، يقولون: نعتقد هذا، لكن نريد وجاهتهم؛ لأنهم وجهاء عند الله، نريد أن يقربونا إلى الله، نريد شفاعتهم عند الله -عز وجل- كما أخبر الله عنه.

قال -سبحانه -: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ رد الله عليهم بقوله: قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ فهو -سبحانه وتعالى- لا يعلم أن له شريكا، فهل أنتم تخبرون الله بشيء لا يعلمه؟! قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ .

وقال -سبحانه وتعالى- في آية أخرى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ ؛ يعني قائلين، يعني على تقدير قائلين؛ لأن القرآن بليغ، أسلوب القرآن من أعظم الأساليب في الفصاحة والبلاغة، وهو نزل بلسان عربي مبين، وأسلوب العرب ولغة العرب فيها الحذف وفيها التقدير، فهنا فيه تقدير: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قائلين مَا نَعْبُدُهُمْ التقدير قائلين: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى .

هكذا يعبدون الأصنام والأوثان والأشجار، العبادة هنا دعاؤهم، يطلبون منها المدد، يطلبون المدد مثلا من الشمس، أو من القمر، أو من الملك، أو من النبي، أو من الشجر، أو الحجر، يقول: يا فلان، يا فلان أغثني، يا فلان فرج كربتي، يا فلان اشفع لي عند الله، يطلب منها أن يشفع لها عند الله؛ فبين الله أن هذا هو الشرك، وبين أنهم كذبة في قولهم، حكم عليهم بالكذب في قولهم إنهم يشفعون لهم، وحكم عليهم بالكفر؛ ولهذا قال –سبحانه-: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ؛ يعني قائلين: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى قال الله: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ .

حكم عليهم بالكذب في قولهم إنهم يشفعون لهم عند الله، وحكم عليهم بالكفر؛ فهم كذبة كفرة الآن، كذبة في قولهم إنهم يشفعون لهم، لا يشفعون ولا يقربون، يزعمون أنهم يشفعون لهم، ويدعون أنهم يقربونهم عند الله، كذبهم الله في هذا، فهم لا يشفعون ولا يقربون، وحكم عليهم بالكفر؛ فهم بهذا العمل كذبة كفرة: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ .

فهذه أعظم المسائل التي جاء بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي مخالفة المشركين في دعائهم غير الله -عز وجل- وإشراكهم الله في الدعاء، فهم يدعون الله ويدعون معه غيره؛ فخالفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وجاء بالإخلاص، إخلاص التوحيد وإفراد العبادة لله -عز وجل- لا يُدعى إلا الله، ولا يذبح إلا لله، ولا ينذر إلا لله، ولا يركع إلا لله، ولا يسجد إلا لله، هذا حق الله، ليس لأحد منه شيء، هذا محض حق الله.

التوحيد والعبادة محض حق الله، لا يستحقها أحد، ولا يصرفها إلى غيره، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل فضلا عن غيرهما، جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتوحيد الخالص، بإخلاص الدين، بإخلاص العبادة لله، بإفراد الله بالدعاء، بإفراد الله بالذبح، بإفراد الله بالنذر، بإفراد الله بالركوع بالسجود، بالطلب بالرغب بالرهب، بالرجاء بالخوف، هذا محض حق الله، خالفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وجاء بإخلاص الدين والتوحيد، وإفراد الله تعالى بالعبادة.

وهذه المسألة من أعظم المسائل، وهي التي بها يتفرق الناس شيعا وأحزابا، تفرقوا؛ فمنهم من استجاب لله ولرسوله، وأجاب دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- ووحّد الله، وآمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، استجاب لله، وقبل دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وآمن بالله وبرسوله، ومنهم من أصر على كفره وعناده؛ فشرع الله الجهاد في سبيله لإعلاء كلمة الله، ولإزالة الشرك، ولأجل أن يعبد الله -سبحانه وتعالى- ولإظهار الدين، لإظهار دين الله على الدين كله؛ ولهذا قال الله -سبحانه وتعالى-: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ الفتنة الشرك، حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وفي آية أخرى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ نعم.