خطبة علم الغيب – علم الساعة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

علم الغيب – علم الساعة
السبت 1 جانفي 2000    الموافق لـ : 24 رمضان 1420
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

الحمد لله الذي أحاط بكل شيءٍ علماً وهو على كل شيءٍ شهيد قدّر ما شاء بحكمته وهو الفعال لما يريد وقسم عباده إلى قسمين منيبٍ إلى ربه وعاصٍ مريب وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الولي الحميد وأشهد أن محمداٌ عبده ورسوله سيد الرسل وخلاصة العبيد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ في هديهم الرشيد وسلم تسليماً..

أما بعد

فقد قال الله عز وجل يصف نفسه الكريمة )عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً) (الجـن:26) )إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (الجـن:27) )لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (الجـن:28) إن العالم نوعان عالمٌ حسيٌ مشهود أو مسموع أو مدركٌ بغير ذلك من قوى الحس فهذا يشترك في الإحاطة به كل من له قوةٌ حاسةٌ تدركه ولا ينكره إلا مكابرٌ أو مجنون وعالمٌ غيبي لا يعلمه إلا الله أو من أطلعه الله من رسله على ما شاء منه لحكمةٍ اقتضت ذلك فمن العلوم الغيبية التي أختص الله بها ولم يطلع أحداً من خلقه عليها لانتفاء الحكمة في إطلاع الخلق عليها من هذه العلوم علم الساعة فإنه لا يدري أحدٌ متى تقوم الساعة إلا الله عز وجل يقول الله تعالى لنبيه )يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّه)(لأعراف: من الآية187) ولقد سأل جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) فمن أدعى أنه يعلم متى تقوم الساعة فهو كاذب ومن صدقه في ذلك فقد كذب الله ورسوله وإذا كنا لا نعلم متى تقوم الساعة فإننا لا نعلم بأي سببٍ تكون سوى أنها من آيات الله وقدرته إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيءٍ قدير فإذا نفخ في الصور نفخةٌ واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكةً واحدة فيومئذٍ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذٍ واهية ، ومن العلوم الغيبة التي أطلع الله عليها رسله وبلوغها إلى الناس لمصلحتهم ولا طريق إلى العلم بها إلا من طريق الرسل من هذه العلوم علم ما يجري على الناس بعد موتهم ومفارقة أرواحهم لأجسادهم فإن الناس قد علموا ذلك عن طريق الوحي الذي نزل على الرسل من الخلاّق العليم بكل شيء لقد أخبر الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بما يشفي ويكفي وتصلح به أمور ديننا ودنيانا أخبرنا عن ما يجري للمؤمن وما يجري للكافر فأما المؤمن الذي استقام على دين الله ولم تغره الحياة الدنيا ولم يغره بالله الغرور ولم يتخذ دنياه لهواً ولعباً بل كان جاداً عاملاً‌ لما يصلح دينه ودنياه لا يضيع وقته سبهللاً لا فائدة منه المؤمن المستقيم على ذلك له السرور والفرح والنعيم قال الله عز وجل )إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت:30) )نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) (فصلت:31) (نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) (فصلت:32) أيها المؤمن انتبه إلى قول الله عز وجل )إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا )(فصلت: من الآية30) لم يقل الله عز وجل إن الذين قالوا ربنا الله ثم يسكت ولكنه قال ثم استقاموا فلا بد مع الإيمان من الاستقامة على أمر الله وقال الله عز وجل ) كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ)(النحل: من الآية31) )الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل:32) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن المؤمن يبشر عند موته فيقال لروحه أخرجي أيتها الروح الطيبة راضيةً مرضية اخرجي إلى روحٍ وريحانٍ وربٍ غير غضبان) وأن المؤمن يفتح له في قبره مد بصره ويفتح له بابٌ إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ويفرش له من الجنة ويلبس منها فيكون ما أنتقل إليه من النعيم خيراً من الدنيا وما فيها أسال الله بمنه وكرمه أن يجعلني وإياكم من هؤلاء وأما الكافر الذي لا يدين بدين الإسلام سواءٌ كان يهودياً أم نصرانياً أم مجوسياً أم وثنياً أم ملحداً لا يؤمن بدين أو مرتداً عن دين الإسلام يسخر بالإسلام أو بشعيرة من شعائره كالصلاة أو غيرها فإن له الغم والحزن والعذاب فإن له الهم والحزن عند موته فإن له الغم والحزن والعذاب عند موته وفي قبره يقول الله تعالى ) وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)(الأنعام: من الآية93) ويقول تعالى )وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (لأنفال:50) )ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (آل عمران:182)  ويقول جل وعلا )فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ) (محمد:27) )ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ)(محمد: من الآية28) اتبعوا ما يسخط الله وكرهوا ما يرضي الله عز وجل وقال تعالى عن آل فرعون ) وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ)(غافر: من الآية45) )النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر:46) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة) يعني أمة الدعوة (يهوديٌ أو نصرانيٌ ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة) وصح عنه صلى الله عليه وسلم في الكافر أنه إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا وإقبالٌ من الآخرة يجيئه ملك الموت فيبشره بالعذاب ويقول لروحه أخرجي أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخطٍ من الله وغضب فتتفرق في جسده لسوء ما بشرت به فينزعها ما ينتزع السكود من الصوف المبلول المتشبث به ولا تفتح لها أبواب السماء وتعاد إلى جسده فيسأل عن ربه ودينه ونبيه فيحال بينه وبين الجواب وإن كان يعرفه في الدنيا ثم يضيق عليه القبر حتى تختلف له أضلاعه ويفتح له بابٌ إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضرب بمطارق من حديد فيصيح صيحةً يسمعها من يليه غير الثقلين أيها المسلمون هذه مآل كل حي سواءٌ أكان مؤمناً أم كافراً مآل كل إنسانٍ إلى الموت كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام فإن كان من أهل الخير وأهل الإيمان والعمل الصالح فإن له ذلك الثواب الذي سمعتم وإن كان من أهل النار والعياذ بالله فإن له هذا العقاب الذي سمعتم أيها المسلمون هل نحن عملنا لهذا اليوم الحق الذي لا بد منه أم نحن غفلنا عن هذا كأننا خلقنا لنذهب أوقاتنا فيما لا ينفعنا ولا ننتفع به لا في ديننا ولا في دنيانا أيها المسلمون انتبهوا لهذه الحقيقة اعلموا أن هذا مصيركم وأنكم لا تدرون متى تصيرون إليه فكم من إنسانٍ من بني آدم خرج من بيته ولم يرجع إليه وكم من إنسانٍ ربط أزارير ثوبه ولم يفكها إلا غاسله على نعشه أيها المسلمون انتبهوا لهذه الحقيقة وأعملوا لها كونوا جادين في عملكم كونوا مجتهدين في ما يقربكم إلى الله لا تمضوا أوقاتكم سبهللاً بلا فائدة إنكم والله ستندمون على مضى من الوقت بدون فائدة فكيف بما مضى من الوقت في أمورٍ حرمها الله عليكم فيا عباد الله هذا ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من نعيم المؤمنين وسرورهم عند موتهم وفي قبورهم جعلنا الله وإياكم منهم وهذا ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من عذاب الكافرين وحزنهم عند موتهم وفي قبورهم وإلى أبد الآبدين ليس للكافر أياً كان يهودياً أم نصرانياً أم مجوسياً أم وثنياً أم مرتداً عن الإسلام يسخر به أو بشيءٍ من شعائره أو يأتي بشيءٍ من أسباب الردة ليس له بعد الموت نعيمٌ ولا سرور ولا تخفيف من العذاب ولا فتور إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين إن الله لعن الكافرين وأعدّ لهم سعيراً خالدين فيها أبدا‌ً لا يجدون ولياً ولا نصيراً يوم تقلب وجههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ، وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيرا ، أيها المسلمون أيها المؤمنون اتقوا الله تعالى وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفورٌ رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيءٍ من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم لما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذه وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..

الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحبٍ ومعشر وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدأ الفجر وأنور وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد

فيا أيها المسلمون اعلموا أن الله خلق عباده وقسّمهم إلى قسمين منهم المؤمن ومنهم الكافر كما قال الله تعالى )هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (التغابن:2) وقال الله عز وجل )إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (البينة:6) )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (البينة:7) فهذا مآل المؤمنين وهذا مآل الكافرين أما الكافرون فإنهم يصدق عليهم هذا الوصف الذي ذكره الله عز وجل في قوله ) أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ)(البينة: من الآية6) فلو سئلنا من شر البرية؟ لقلنا هم الكفار من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى ومن المشركين إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعلقون ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون  ولو سئلنا من خير البرية؟ لقلنا كما قال الله عز وجل هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات إذن فهذان طرفا نقيض خيرٌ وشرٌ فلا يمكن أن يجتمعا أبداً ولهذا قال الله عز وجل )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقّ)(الممتحنة: من الآية1) وقال تعالى )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51) )فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة:52) هذه هي الخطط التي رسمها الله لنا في معاملة أعداء الله وأعدائنا من الكفار من أيّ صنفٍ كانوا وإذا كان الأمر كذلك فأسمعوا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريقٍ فاضطروهم إلى أضيقه) وهذا يدل على أنه لا يجوز لنا إكرام اليهود والنصارى ولا إكرام غيرهم من الكفار والمشركين لأنهم أعداءٌ لله وأعداءٌ لنا ومهما أبدوا مما ظاهره المودة فإن في قلوبهم شيئاً أيها المسلمون وأشد من ذلك أي أشد من إكرامهم وأعظم تهنيئتهم في أعيادهم فإنه لا يحل لأحدٍ أن يهنيء أحداً من النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفار بأعيادهم لأن ذلك خطره عظيم وأنا الآن سأتلوا عليكم كلاماً نقيته من كلام ابن القيم رحمه الله أحد تلاميذ شيخ الإسلام إبن تيميه يقول رحمه الله وأما تهنيئتهم بشعائر الكفر المختص به فحرامٌ بالإتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول عيدٌ مباركٌ عليك أو تهنؤ بهذا العيد ونحوه فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب وهو أعظم إثماً عند الله وأشد مغتاً من التهنئة بشرب الخمر وارتكاب الفرج الحرام ونحو ذلك وكثيرٌ ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل فمن هنأ عبداً بمعصيةٍ أو بدعةٍ أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه وقال رحمه الله فلا يجوز للمسلمين ممالأتهم عليه أي على أعيادهم ولا مساعدتهم ولا الحضور معهم في أعيادهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله أيها المسلمون إن تهنئة الكفار بأعيادهم عنوانٌ على رضا الإنسان بهذه الأعياد وهي أعيادٌ كفرية لا يرضاها الله ولا رسوله وإذا كان لا يرضاها الله ولا رسوله فإن الواجب علينا نحن المؤمنين بالله ورسوله أن لا نرضاها وأن لا نهنيء عليها وإن الواجب علينا معشر المسلمين علينا نحن أمة الإسلام أن ندعوا هؤلاء إلى دين الإسلام بقدر ما نستطيع من القول ومن البذل وغير ذلك أيها المسلمون إن الواجب علينا أن نحترم حرمات الله وأن نعظمها وأن لا نبدي تعظيما لمن لا قدر له عند الله عز وجل عباد الله هذه نصيحةٌ من أخٍ مخلصٍ لكم أرجو بها ثواب الله وأرجو بها هداية الله لي ولكم وأسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأن يجعلنا هداةً مهتدين وأن يجعلنا ممن يسمع فيستمع وينتفع إنه جوادٌ كريم عباد الله كونوا ممن هداهم الله فإن الذين هداهم هم أولوا الألباب هم أصحاب العقول هم أصحاب الخير والسعادة في الدنيا وفي الآخرة لا تغرنكم الحياة الدنيا لا يغرنكم بالله الغرور إنكم عن هذه الدنيا منتقلون وبأعمالكم في قبوركم مرتهنون ويوم القيامة بل وقبل يوم القيامة في قبوركم تجدون جزاءكم إن خيراً فخير وإن شراً فشر اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أهل السعادة الذين كتبت لهم الحسنى وزيادة اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى واغفر لنا في الآخرة والأولى أيها المسلمون كليمةً أقولها قبل أن أنزل من هذا المنبر تعلمون أيها المسلمون أن المطر تأخر عنا في هذا العام وما ذلك إلا بمصيبة أصبناها فإن الله عز وجل يقول في كتابه ) إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )(الرعد: من الآية11) ولقد سمعت في الإذاعة هذا الصباح من بعض الإذاعات العربية أنهم جندوا كل ما عندهم من إمكانيات من أجل أن يصدوا جنداً من جنود الله جنداً يسيراً حقيراً ألا وهو الجراد الذي قد يسلطه الله على المحصولات فيهلكها ويتلفها أيها المسلمون إن الله عز وجل غالبٌ على أمره فاتقوا الله أيها المسلمون ارجعوا إلى ربكم اعرفوا ماذا خلقتم له إنكم خلقتم لعبادة الله انظروا المظالم التي بينكم هل أنتم أديتموها إلى أهلها إنه ما منع قومٌ زكاة أموالهم إلا منعوا قطرة من السماء فيا عباد الله اتقوا لله عز وجل واستغفروه من ذنوبكم استغفروه وتوبوا إليه فإن الله تعالى عن نبيه نوحٌ عليه الصلاة والسلام أن قال لقومه )فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً) (نوح:10) )يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً) (نوح:11) )وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) (نوح:12) اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً الله أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا غيثاً مغيثا هنيئاً مريئاً غدقاً ًمجللاً اللهم أغثنا غيثاً تحي به البلاد وترحم به العباد وتجله بلاغاً للحاضر والباد الله إنا نقر بذنوبنا وإساءتنا ولكنك أنت أهل العفو والمغفرة اللهم أعفو عنا وأغفر لنا ولا تؤاخذنا بما فعلنا يا رب العالمين اللهم تب علينا اللهم تب علينا اللهم تب علينا اللهم أغفر لنا اللهم أغفر لنا اللهم أغفر لنا اللهم إنا عبيدك وأنت ربنا نحن الفقراء إليك وأنت الغني عنا اللهم  أنزل علينا الغيث وأجعل ما أنزلته قوةً لنا وبلاغاً إلى حين اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..