خطبة وجوب لزوم جماعة المسلمين الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

وجوب لزوم جماعة المسلمين
الجمعة 16 أفريل 2004    الموافق لـ : 25 صفر 1425
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

وجوب لزوم جماعة المسلمين

خطبة جمعة بتاريخ / 26-2-1425 هـ

 

الحمد لله الذي أتم لنا النعمة ، وجعل أمتنا أمة الإسلام خير أمة، وهدانا إليه صراطاً مستقيما وسبيلاً قويما ، أحمده تعالى وأشكره على ما هدانا للإسلام وجعلنا من أمة سيد الأنام ، ووالى علينا الفضل والعطاء والإنعام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد معاشر المؤمنين : أوصيكم ونفسي بتقوى الله ؛ فإنها العُدة في الشدة والرخاء ، والذخيرة في السراء والضراء، بها تُكشفُ الهمومُ وتُزال الغموم وتُجلَب الأرزاق وتَتَيسَّرُ الأمور ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق:2-3] ، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق:4-5] .

عباد الله : ومن نعمة الله علينا بهذا الدين القويم أن جعله سبحانه مباركاً على أهله ؛ تنتظم فيه أمورهم ، وتجتمع كلمتهم ، ويلتئم شملهم ، ويتحد صفهم ، وتقوى شكوتهم ، وتتحقق مصالحهم ، وتندفع به عنهم الشرور والآفات، وتزول عنهم المحن والرزيات.

عباد الله : وقد جاء الإسلام بقواعده الرصينة وتوجيهاته المباركة وإرشاداته الحكيمة مُحقِّقاً السعادة والطمأنينة والتمكين والعزَّ والقوة والمهابة والفوز والفلاح ، وليس شيء من ذلك متحققاً لأمة الإسلام إلا بتمسكٍ صادق واعتصام جاد بحبل الله المتين ودينه القويم وصراطه المستقيم .

عباد الله : ولنقف على حديث عظيم ثابت عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يبين فيه صلى الله عليه وسلم الجادة السوية والنهج السديد لانتظام مصالح المسلمين واستقامة أمرهم ، ويحذِّر فيه عليه الصلاة والسلام من المسالك المنحرفة والطرائق المُعْوَجَّة التي لا يُؤمَن معها العِثار ولا تجلب للمسلمين إلا الأضرار والأخطار , روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة  رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ )) .

عباد الله : لقد تضمن هذا الحديث العظيم ثلاث وصايا حكيمة يجب على كل مسلم أن يتأملها وأن يجِدَّ ويجتهد في تحقيقها وتطبيقها :

الوصية الأولى عباد الله : السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين والنصح لهم ، وعدمُ الخروج عليهم ونزعُ اليد من طاعتهم ، والحذر من مفارقة جماعتهم ، ومن خالف ذلك فمات مات ميتةً جاهلية ، ويجب أن يُعرَفَ – عباد الله- أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين إلا بها ، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع ، ولابد لهم عند الاجتماع من رأس وأمير ، ولا إمرة إلا بالسمع والطاعة ، فإن ولاة الأمر بإذن الله تعالى بهم تنتظم مصالح المسلمين وتجتمع كلمتهم وتؤمّن سبيلُهم وتُقام صلاتهم وَيُجَاهَد عدوُّهم ، وبدونهم تتعطل الأحكام وتعم الفوضى ويختل الأمن ويكثر السلب والنهب وأنواع الاعتداء وينثلم صرح الإسلام ولا يأمن الناس على أموالهم وأعراضهم ، فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربةً يُتقرب بها إلى الله مع النصح للولاة والدعاء لهم بالتوفيق والسداد والصلاح والمعافاة ، والحذر من سبِّهم والطعن فيهم وغشهم ، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي  صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لا تسبوا أمراءكم ولا تغشّوهم ولا تبغضوهم واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب )) رواه ابن أبي عاصم في السنة .

الوصية الثانية عباد الله : تحقيقُ الأخوة الإيمانية والرابطة الدينية ، والحذرُ من العصبيات المذمومة والتعصبات المحمومة والحميات الجاهلية والعصبيات العرقية التي تفرق ولا تجمع وتشتت ولا تؤلف وتفسد ولا تصلح ، ومن آثارها الوخيمة وأضرارها الأليمة نشوء القتال تحت راياتٍ عُمِّـيَّة يُغضب فيها لعصبية ويُدعى إلى عصبية ويُنتصَر لعصبية ، ومن كان على هذا النهج فقُتِل فقِتْلتُه جاهلية.

الوصية الثالثة عباد الله: حفظ وحدة المسلمين ومراعاة حرماتهم والوفاء بعهودهم وعقودهم والبعد عن الإضرار بهم وإيذائهم ، ومن ترك هذا السبيل المبارك وخرج على المسلمين يضرب بَرَّهم وفاجرهم ولا يتحاشى من مؤمنهم ولا يفي لذي عهد عهده فالنبي صلى الله عليه وسلم منه بَرَاء ، ولهذا قال في الحديث: (( فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ )) .

عباد الله : فما أعظمها من وصايا وما أشد حاجة المسلمين إلى تطبيقها لتتحقق لهم الخيرية وليأمن المسلمون من الأخطار الـمُحْدِقة والشرور المهلكة والعواقب الوخيمة .

معاشر المؤمنين : ومن يتأمَّل هذه الوصايا المباركة والتوجيهات السديدة يدرك سوء حال وقبيح فعال الفئة الضالة والمجموعة المنحرفة ممن اتخذوا إخافة المؤمنين وإرعاب الآمنين وقتل المسلمين والمستأمنين وتخريب المساكن وتفجير الدور سبيلاً وطريقا ويزعمون أنهم يصلحون ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ .

أَفَمِنَ الإصلاح – عباد الله - قتلُ النفوس المعصومة من الولدان والنساء والشِّيب ؟! أوَمِنَ الإصلاح - عباد الله- الخروجُ على ولي أمر المسلمين ونزعُ اليد من الطاعة وقتل رجال الأمن وتسفيه العلماء وتجهيل الفقهاء ؟! ، أوَمِنَ الإصلاح إتلاف الأموال المحترمة وتدمير الدور والمساكن ؟! أوَمِنَ الإصلاح نقضُ العهود وإخفارُ الذمم وقتل المعاهدين والمستأمنين ؟! هيهات وحاشى أن يكون هذا سبيل المصلحين ، وقد جاء في بيانٍ لهيئة كبار العلماء حول هذه الفئة المنحرفة ، جاء فيه تأييد ما تقوم به الدولة - وفقها الله - من تَتَبُّعٍ لتلك الفئة المنحرفة والكشف عنهم وتحذير العباد والبلاد من شرهم درءً للفتنة عن ديار المسلمين وحمايةً لبَيْضَتِهم ، وأنه يجب على الجميع التعاون في القضاء على هذا الأمر الخطير ؛ لأن ذلك من التعاون على البر والتقوى الذي أمر الله به ، والحذر والتحذير من التستر على هؤلاء أو إيوائهم وأن هذا من كبائر الذنوب ، وجاء في البيان التأكيدُ على وجوب الالتفاف حول قيادة هذه البلاد وعلمائها وأن الأمر يزداد تأكداً في مثل هذه الأوقات ؛ أوقات الفتن .

نعوذ بالله من الفتن كلها ما ظهر وما بطن ، ونسأله جل وعلا أن يجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى وأن يكبت أعداءه أعداء الدين وأن يرد كيدهم في نحورهم ، وأن يجنِّب بلاد المسلمين كل سوء ومكروه ، وأن يهتك ستر المعتدين على حرمات الآمنين ، وأن يكف البأس عنا وعن جميع المسلمين ، وأن يُوَفَّقَ ولاة أمرنا لما فيه صلاح العباد والبلاد ، وأن يهدينا جميعاً سبيل الرشاد ، إن ربي لسميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد عباد الله : اتقوا الله تعالى ، فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير دينه ودنياه .

ثم اعلموا - عباد الله - أن أمتنا أمةَ الإسلام أمةٌ واحدةٌ يشتركون في الآلام والآمال ؛ معبودهم واحد ، وغايتهم واحدة ، وقبلتهم واحدة ، دينهم واحد ، مثلهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى )) ، ومثلهم كما جاء في الحديث الآخر: (( كالبنيان يشد بعضُهُ بعضاً )) .

عباد الله : وإن إخواناً لنا من المسلمين يتعرضون في هذه الأوقات في العراق وفي فلسطين وفي غيرهما من الديار، لظلم غاشم واعتداء آثم وبغي وعدوان ، يتعرضون - عباد الله - لتخريب ديارهم وقتل الأنفس المعصومة من النساء والصبية والشيوخ وغيرهم . عباد الله : ومن يتأمل تلك الحال ويتبصر بذلك الأمر الذي حصل لهم يَأْلَـمُ غاية الألم لهذه الحال الأسيفة والوضع المؤلم الذي تمر به ديار أهل الإسلام.

عباد الله : إن الواجب علينا أجمعين أن نألم لألم إخواننا ، وأن نتأثر غاية التأثر لما حصل لهم ، وأن نقف معهم ؛ ومن أعظم ذلك وآكده - عباد الله - : الدعاء لهم بأن يُعِزَّ الله دينه وأن يُعلِيَ كلمته وأن ينصر عباده المؤمنين في كل مكان وأن يبطل كيد الكافرين ، فإن الدعاء عباد الله يجب أن يكون من كل مسلم لإخوانه ، والدعاء مستجاب ، وقد كان عليه الصلاة والسلام كما ثبت في الحديث إذا خاف قوما قال: (( اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ )).

عباد الله : وصلوا وسلموا على محمد بن عبد الله كما أمركم بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداء الدين ، اللهم انصر إخواننا المسلمين في العراق وفي فلسطين وفي كل مكان ، اللهم انصرهم نصرا مؤزراً ، اللهم أيِّدهم بتأييدك، اللهم احفظهم بحفظك يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم إنهم ضعفاء فَقَوِّهِم ، ذليلين فأعِزَّهم يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم ، اللهم وفقنا لما تحب وترضى وأعنا على البر والتقوى ، اللهم سددنا في أقوالنا وأعمالنا ، اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك ، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاح الإسلام وعز المسلمين ، اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكّاها ، أنت وليُّها ومولاها، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، والموت راحة لنا من كل شر . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك ، اللهم أذهب عن ديارنا الغلا والبلا والزلازل والمحن والفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا ، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا وأزواجنا واجعلنا مباركين أينما كنا ، اللهم اغفر لنا ذنبنا كلَّه ؛ دقَّه وجله ، أوَّله وآخره ، سرَّه وعلنه ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ) وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ( .