خطبة عبر شهر رمضان الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

عبر شهر رمضان
الجمعة 6 أكتوبر 2006    الموافق لـ : 13 رمضان 1427
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

عبر شهر رمضان

خطبة جمعة بتاريخ / 13-9-1427 هـ

 

الحمد لله الكريم الوهاب ، أمر بالصيام سبحانه ورتب عليه جزيلَ الأجر وعظيمَ المآب ، وجعل أجر الصائمين وافياً موفوراً بغير حساب ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له العبادة خالصةً وإليه المآب ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الرسول المصطفى والعبد الأوّاب ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أولي النهى والألباب.

أما بعد عباد الله : اتقوا الله تعالى وراقبوه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه ، واجتهدوا في طاعة الله وعبادته والتقرب إليه سبحانه واغتنام الأوقات قبل فواتها فإنكم في هذه الأيام في أشرف أوقاتها .

عباد الله : إننا نعيش أياماً فاضلة وأزمنةً كريمة وموسماً عظيماً للتنافس في عبادة الله والتقرب إليه سبحانه ، إننا-عباد الله - نعيش شهر رمضان ؛ نعيش أيامه الفاضلة ولياليه المباركة وموسمه موسم البذل والعطاء .

عباد الله : إنها أيام ثمينة وأوقات مباركة ينبغي على كل واحدٍ منا أن لا يفوّت خيرها وأجرها وبركتها ، ومما ينبغي أن نعلمه - عباد الله - أن موسم رمضان موسمٌ عظيم يتلقى فيه أهل الإيمان الدروس العظيمة والعبر البالغة والعظات المؤثرة من خلال أسراره وحِكمه وعظاته وبيِّناته ، والواجب علينا - عباد الله - أن نحسِن التلقي في موسم الصيام ، وأن نحسن الاستفادة من مدرسته العظيمة ؛ إن موسم الصيام - عباد الله - يُعدُّ مدرسة إيمانية تربوية مباركة يتلقى فيه أهل الإيمان عظات وعبر لا يجدونها في موسمٍ غير هذا الموسم العظيم .

عباد الله : إن الصيام عبره عظيمة وتربيته للمؤمن مؤثرة غاية التأثير ، إنك إذا تأملت أيها المؤمن في إمساكك عن الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في كل يوم من أيام هذا الشهر المبارك ؛ قيامك بهذا الأمر طاعةً لله وطلباً لثوابه وابتغاء مرضاته سبحانه تقوم بهذا العمل سراً بينك وبين الله لا يعلمه إلا هو جل وعلا ، فالصيام سر بين المؤمن وبين الله ، إنك وأنت على هذه الصفة العظيمة والحال الكريمة من حسن التقرب إلى الله جل وعلا وكمال خشيته والخوف منه والإحسان في مراقبته ؛ إن هذه الحال تدعوك إلى صلاحٍ دائم واستقامةٍ مستمرة وامتثالٍ دائم لله في كل وقتٍ وحين .

أيها المؤمن الصائم : إن صيامك عن المفطرات في شهر رمضان له وقتٌ محدود وأمدٌ معدود في هذا الشهر الفاضل، وأما صيامك عن المحرمات وعن كل ما يُسخط الله تبارك وتعالى فإنه صيامٌ مستمر دائمٌ معك في كل حياتك كلها وعمرك جميعه .

أيها المؤمن الصائم : وأنت تمتثل أمر الله جل وعلا في موسم الصيام بالامتناع عن المفطرات طاعةً لله تبارك وتعالى اعلم أنه يجب عليك أن تمتنع عن المحرمات وأن تصوم عن فعلها حياتك كلَّها وعمرك جميعه طاعةً لله تبارك وتعالى، إن الذي أمرك بالصيام فأطعته أمَرَك باجتناب الحرام والامتناع منه والصيام عن فعله طول حياتك ؛ فالواجب عليك أن تطيعه ، وهنا أيها المؤمن تتلقى في صيامك ما يعينك على طاعة الله بالبعد عن الحرام واتقاء الآثام امتثالاً لأمر الله عز وجل وطاعةً له سبحانه .

عباد الله : إن المؤمن مأمورٌ بنوعٍ من الصيام في حياته كلِّها ؛ صيام عن المحرمات والآثام ، وهذا الصيام - عباد الله- لا يختص بالفم ولا يختص بجارحة معيَّنة ، بل هو صيام على البدن كله وعلى الجوارح جميعها ؛ فعينك أيها المؤمن لها صيام وهو صيامٌ مستمرٌ دائم وهو أن تصوم عن النظر إلى الحرام ، وأذنك لها صيام وهو صيامٌ دائمٌ وهو بمنعها من سماع الحرام ، ولسانك له صيام وهو صيامٌ مستمرٌ دائم وهو منعه عن التكلم بالآثام ، ويدك عليها صيام وهو صيامٌ مستمرٌ دائم وهو بكفِّها عن العدوان ، وقدمك لها صيام وهو صيامٌ مستمرٌ دائم وهو بمنعها من المشي إلى الحرام ، وهكذا كل جارحة من جوارحك وكل عضو من أعضائك كل ذلك عليه صيام وهو صيامٌ مستمرٌ دائم، ورب العالمين جل وعلا يسألك عن هذا الصيام يوم القيامة كما يسألك عن صوم رمضان ، وستقف أمام الله جل وعلا ويحاسبك على ما قدمت في هذه الحياة ، وإذا كان نبينا عليه الصلاة والسلام قال في شأن صيام رمضان وعموم الصيام : ((لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ : فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ )) فإن للصائم عن الحرام فرحتان : فرحة في هذه الحياة الدنيا بلذة الامتناع عن المعصية ولذة حسن الامتثال لله ؛ فهي لذة لا يعادلها لذة وحلاوة لا يدانيها حلاوة ، وله فرحة أخرى عندما يلقى الله جل وعلا فيوفِّيه أجره ويعطيه جزاءه ويكون من أهل دخول الجنة بلا حساب ؛ فما أعظمها من فرحة وما أكملها من لذة .

نسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يحقق لنا صيامنا على الوجه الذي يرضيه ، وأن يوفقنا لطاعته كما يحب ؛ إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد عباد الله : اتقوا الله ؛ فإن من اتقى الله وقاه ، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه .

عبادَ الله : جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الصيام أن الله تعالى يقول: (( الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ )) ؛ اختص جل وعلا الصيام بهذه المكرمة وهذا الإنعام العظيم ، وإلا فإن العبادات كلها لله وثوابها كله على الله جل وعلا ، ولكن هذا تخصيص للصيام بمزيد إنعامٍ وجزيل إكرام .

عباد الله : وقيل في اختصاص الصيام بهذا الثواب ؛ أن الصائم صيامه سر بينه وبين الله ، وإلا فإن الإنسان يستطيع أن يتناول شيئاً من الطعام والشراب ويتظاهر أمام الناس بأنه صائم ، ولكنه لا يفعل شيئا من ذلك خوفاً من الله ومراقبةً لله ، وهنا - عباد الله - تظهر عبرةٌ مؤثرة وحكمةٌ بالغة لمن وعاها ألا وهي : أن من راقب الله جل وعلا هذه المراقبة بالامتناع عن هذا الأمر الذي اعتاده وألِفه أن الواجب عليه أن يراقب الله جل وعلا في كل وقت وحين مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه ، والكيِّس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .

وصلوا وسلموا - رعاكم الله - على خير من صلى وصام محمد ابن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم  : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين واحمِ حوزة الدين يا رب العالمين . اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك يا ذا الجلال والإكرام .

اللهم وآت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها . اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا واجعلنا مباركين أينما كنا . اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخره سره وعلنه . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ) وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ( .