خطبة خرافة التمائم والحروز الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

خرافة التمائم والحروز
الجمعة 27 أفريل 2012    الموافق لـ : 05 جمادة الثانية 1433
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

خرافة التمائم والحروز

خطبة جمعة بتاريخ / 6-6-1433 هـ

 

الحمد لله الذي لا إله إلا هو عليه توكلتُ وإليه أنيب ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ؛ بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حقَّ جهاده حتى أتاه اليقين ، ما ترك خيراً إلا دلَّ الأمة عليه ، ولا شراً إلا حذَّرها منه ،  فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى وراقبوه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعه ويراه . ومن توكل على الله كفاه ، ومن التجأ إليه أعانه وهداه ، فبِيَده وحده أزمَّة الأمور ومقاليدُ السماوات والأرض ، لا قابض لما بسط ، ولا باسط لما قبض ، ولا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع ، ولا معِزَّ لمن أذل ، ولا مذلَّ لمن أعز ، {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ  قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر:38] .

أيها المؤمنون عباد الله : إن دين الإسلام دينٌ عظيم مبناه على تكميل دين العباد بنبذ الوثنية وأنواع التعلقات بالمخلوقين ، وتكميل عقولهم بنبذ الخرافات والخزعبلات ، وحثِّ الناس على معالي الأمور ونافعها مما يكون فيه ترقي العقول وزكاء النفوس وصلاح الأحوال كلِّها دينيِّه ودنيويِّها .

أيها المؤمنون عباد الله : وإن من الخرافة التي تتنافى مع الدين ومع العقل السليم تلك التعلقات الباطلة بما يسمى بـــ« الحروز والتمائم » التي لا يزال كثيرٌ من الناس يتعلق بها مع محاربة الإسلام لها وبيانه لشرِّها وعظيم مفاسدها ؛ إنها خرافة جاء الإسلام بنبذها ومحاربتها وبيان فساد عواقبها ومآلاتها وأنها شرٌّ لا خير فيها وضررٌ لا نفع فيها ، ولقد تكاثرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنبذ هذه الخرافة خرافة التعلق بحروزٍ أو تمائم بأيِّ صفة كانت وعلى أيِّ شكلٍ كانت . ففي المسند للإمام أحمد عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : أَبْصَرَ النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى عَضُدِ رَجُلٍ حَلْقَةً مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ وَيْحَكَ مَا هَذِهِ ؟ قَالَ مِنْ الْوَاهِنَةِ ، قَالَ (( أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا ، انْبِذْهَا عَنْكَ ، فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا )) ؛ فتأمل هذا الإنكار على من يعلِّق التميمة أو يعلِّق خيطاً أو يعلِّق حرزاً أو يعلِّق ودعة أو غير ذلك ، وبيَّن عليه الصلاة والسلام أنَّ من يعلق هذه الأشياء جمع لنفسه بين خسارتين : خسارة الدنيا والآخرة ؛ أما خسارة الدنيا ففي قوله : (( أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا )) أي لا تنفعها بل تضرك . وأما خسارة الآخرة ففي قوله : (( فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا )) .

وجاء في المسند من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رهطاً أقبلوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فَبَايَعَ تِسْعَةً وَأَمْسَكَ عَنْ وَاحِدٍ ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايَعْتَ تِسْعَةً وَتَرَكْتَ هَذَا ؟ قَالَ : ((إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً)) ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا فَبَايَعَهُ النبي صلى الله عليه وسلم ثم قَالَ : (( مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ )) .

وروى الإمام أحمد في مسنده عن عقبة بن عامر رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدْعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ)) ؛ فأخبر عليه الصلاة والسلام أن تعليق التميمة شركٌ بالله ، ولم يمدَّ يده لمبايعة معلِّق التميمة ودعا عليه الصلاة والسلام على كل معلِّقٍ للتميمة بأن لا يُتمَّ اللهُ أمره وأن لا يبقي له دَعَةً ولا راحةً ولا سكونا .

وجاء في جامع الترمذي من حديث عبد الله بن عُكَيم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ)) ، وما أعظمها من خسارة - خسارةٍ دنيوية وأخروية - عندما يُوكل الشخص إلى خرزةٍ أو خيطٍ أو حبلٍ أو نحو ذلك مما لا ينفعه شيئاً بل يضره ضرراً عظيما كما تقدَّم في قول نبينا عليه الصلاة والسلام : (( أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا )) ، وهذه عقوبة من الله لمعلِّق هذه الأشياء بنقيض قصده ، علَّقها ليتم أمره وليحصل دعةً وراحةً وسكوناً فلم تزده إلا وهنا ، فلم تسْلَم له صحَّة ولم يسْلَم له توحيدٌ وإيمان ، فيكون بهذا الصنيع لم يحافظ على رأس ماله وهو التوحيد ولم يحصِّل ربحاً ولا فائدة بتعليقه هذه الأشياء بل نال ضرراً بحتا ووهَناً وضعْفا .

عباد الله : وإذا كانت الخرافة وتعليق هذه الأشياء في ماضي الأزمان وقديمها تلقى رواجاً بين الناس بطرق ساذجة وحكاياتٍ سخيفة وقصصٍ واهية ، فإن الخرافة تلبس في كل زمان لباسه ؛ ولهذا راجت الخرافة بتعليق تلك الحروز والتمائم في مثل هذا الزمان عندما أُلبست لباس هذا الزمان ، فهو زمانٌ حصل فيه تقدُّم بأنواع المعارف والعلوم الدنيوية من طبٍّ وغير ذلك فأُلبست لدى بعض الناس تلك الخرافة لباس هذا الزمان ، ولهذا تجد في من يروِّج هذه الخرافة أو بعض أنواعها من يقول : "ثبت في بعض الدراسات الطبية" ، أو "قرَّر بعض الأطباء المختصين" ، أو يقول : "جاء في بعض الأبحاث والدراسات" ، أو نحو ذلكم من العبارات التي تروج في الناس الخرافة وتُدرجها بينهم، والعاقل الحصيف لا يلتفتُ أبداً إلى شيء من تلك الخرافات والضلالات بأي لباسٍ أُلبست وبأيِّ صفة عُرضت ، فالخرافة تبقى خرافة تتنافى مع الإسلام وتتنافى مع العقول السليمة .

عباد الله : ولقد اتخذت هذه الخرافة - خرافة تعليق الحروز والتمائم - في زماننا هذا صوراً متنوعات وأشكالاً متعددات ؛ فأصبح يروَّج لأنواع من الأساور يُزعَم أن فيها شفاءً وعافيةً ودفعاً ورفعا . ويروَّج لأنواعٍ من الأحجار توصف بأنها أحجار كريمة وأنها تنفع في كذا وتمنع من كذا . ويروَّج وبشكل واسع لأشكالٍ هندسية إما سداسية أو غير ذلك ويقال : ثبت بالتجارب أنها نافعةٌ في كذا ومانعةٌ من كذا . ويروَّج لعينٍ لونها أزرق توضع في يد أو نحو ذلك أو في خاتم أو في سلسال أو تعلق في سيارة ويزعم أنها واقية وأنها نافعةٌ دافعة . إلى غير ذلكم من الخرافات والخزعبلات التي ما أنزل الله بها من سلطان .

أيها المؤمنون عباد الله : إنَّ المسلم الذي منَّ الله عليه بالإسلام وهداه إلى هذا الدين العظيم - دين الكمال والرفعة والسمو والعلو - لا يقع في شيء من تلك الخرافات بما أمدَّه الله سبحانه من تعاليم بيِّنات وهداياتٍ واضحات أفادها من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا في حديث عبد الله بن عُكيم المتقدم فيه قصة : أن نفراً أتوه في مرضه وقد اشتد به المرض فقالوا له : ألا تعلِّق شيئاً ؟ - أي ينفعك من هذا الذي تعانيه من شدةٍ ومرض - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ )) . فعصمه الله ونجَّاه بما منَّ الله عليه به من دراية ومعرفة بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وإذا كان أهل الخرافة ينشطون في نشرها وترويجها عبر وسائل كثيرة كالقنوات الفضائية ومواقع الانترنت وغيرها ؛ فعلى أهل الحق أن يسعَوا في نشر الحق وبيانه وإبرازه وإيضاحه ليحْيا من حيَّ عن بينة ويهلِك من هلك عن بينة .

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، أحمده تبارك وتعالى بمحامده التي هو لها أهل ، وأثني عليه الخير كله لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوله ، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى ؛ فإن من اتقى الله وقاه ، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه .

أيها المؤمنون عباد الله : وعندما يُتحدَّث عن رواج الخرافة فإن رواجها إنما يكون في أناسٍ ضعُف حظُّهم ونصيبهم من العلم الشرعي بآياته البينات وحججه الواضحات ، وهذا - عباد الله - يؤكد أيَّما تأكيد على حاجة الناس الشديدة وضرورتهم الماسَّة إلى تعلُّم العقيدة ودراسة التوحيد والوقوف على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي ترسِّخ العقيدة وتمكِّن لها في القلوب وتطرد الخرافة وتنبذها ، فما أحوج الناس بل ما أشدَّ ضرورتهم إلى ذلك . ونسأل الله عز وجل - جل في علاه - أن يحفظنا في أنفسنا وأهلينا وذرياتنا من الخرافة إنه سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .

وصلُّوا وسلِّموا - رعاكم الله - على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:56] وقال صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا))  .

اللهم صلِّ على محمَّد وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمَّدٍ وعلى آل محمد كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد . وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم ناصراً ومعِينا وحافظاً ومؤيدا .

اللهم آمنَّا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال يا ذا الجلال والإكرام .

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليُّها ومولاها . اللهم أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، اللهم إنا نسألك حبَّك وحبَّ من يحبك وحب العمل الذي يقربنا إلى حبِّك ، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين .

اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقه وجِلَّه ، أوله وآخره ، سرَّه وعلنه ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .