مقال يا أبا لجين لا لن نخفض رؤوسنا انخفض البترول أم ارتفع الشيخ علي بن يحيى الحدادي

يا أبا لجين لا لن نخفض رؤوسنا انخفض البترول أم ارتفع
الخميس 3 مارس 2016    الموافق لـ : 23 جمادة الأولى 1437
0
599

قرأت للكاتب (أبي لجين إبراهيم) مقالاً في الساحة السياسية عنوانه (إذا ارتفع البترول فاخفض رأسك يا السعودي أنت تنقص وغيرك يزودي فلم العجب).
طرح في هذا المقال أسئلة بلا إجابات عن نسبة المساكين والفقراء والمعوزين وأصحاب الديون في السعودية.
كما قرر أن أهل الوطن لا يشعرون بثروات البلد ومعادنه الثمينة .. إلى آخر ما ذكر مما يدور في هذا الفلك.
ونظراً لكثرة قراء مقالات الكاتب رأيت التنبيه على بعض ما جاء فيه من خلال النقاط التالية:
أولاً:
تبادر إلى ذهني سؤال وأنا أقرأ المقال مرة بعد مرة هل هو نصيحة لولاة الأمور؟ أم هو للضغط عليهم وإحراجهم ؟ أم هو لإثارة للكراهية في قلوب الشعب ضد دولتهم؟ أم هو لاحتمال آخر لم أفطن له؟
فإذا كان نصيحة لولاة الأمور فهل النصيحة تكون على شبكة الانترنت في مقال يقرؤه كل أحد: مسلم وكافر وناصح وحاقد وحليم وسفيه وصديق وعدو.. أم أن النصيحة تكون في السر بينك وبين المنصوح حتى يعلم أنك ناصح لا فاضح، تنشد الخير والبناء والإصلاح.
واجعل من نفسك حكماً على نفسك أيسرك أن ينصحك أحد على رؤوس الملأ لا أقول على شبكة الانترنت بل أمام أولادك وزملائك وجماعة مسجدك لا أظن لأن ذلك فضح لا نصح.
الذي أعرف أن وسائل اللقاء بولاة الأمور ليس من المستحيلات بل لهم مجالس مفتوحة إما في بيوتهم وإما في مكاتبهم. فما الذي يمنع من المحاولة مرة ومرة حتى تصل وتتكلم بكل ما يجول في خاطرك فإن شكروك فالحمد لله وإن _ فرض _ أنك تعرضت لشيء من الأذى فاصبر واحتسب وأجرك على الله مع أني على ثقة تامة أنك لن تجد إلا كل خير.
وإن فرض أنك لم تستطع أن تصل إلى ولاة الأمور فالوصول إلى كبار أهل العلم في غاية اليسر فبلغهم بما عندك وحملهم أمانة إيصالها إلى خادم الحرمين الشريفين أو سمو ولي عهده أو من يتعلق به الشأن والظن بأهل العلم أنهم لن يكتموا شيئاً في وصوله إلى أولي الأمر صلاح البلاد والعباد.
وإذا كان القصد من المقال إثارة الضغائن والأحقاد أو الضغط على ولاة الأمور وإحراجهم
_ كما يقال _ فهذا مزلق خطير، يجب عليك التوبة إلى الله منه لا أقول خشية عليك من عقوبة دنيوية بل خشية عليك من أمر أكبر منه بكثير وأخطر.
أتدري ما هو؟
إنه المزلق الذي وقع فيه (كلاب النار) الخوارج الذين توعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بأشد أنواع الوعيد. إذ هم يبدؤون بإشاعة المقالات التي تورث الضغائن في قلوب الرعية حتى إذا امتلأت القلوب حقداً وبغضاً جاءت المرحلة التالية وهي الخروج بالسيف والقوة.
لقد ذاق المسلمون الويلات من هذا المنهج الفاسد فذهب ضحيته ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهل تظن قتلهم جاء مصادفة لا يا أبا لجين ولكن بعد جهود مستميتة في تغيير الأفكار وقلب الحقائق وإخفاء المحاسن وإظهار المثالب _ إن وجدت _ وتضخيمها حتى سقط في هاوية المؤامرة من سقط فولغ في الدماء بعد أن ولغ في الأعراض.
لعظم هذا الأمر وفداحته جاءت الشريعة الإسلامية بسد هذا الباب وإقفاله بأقفال متينة لا تتحطم. لذلك يروغ عنها من يروغ إلى الرأي الفاسد والتعليلات التي لا تسمن ولا تغني من جوع لما فيها من المصادمة للنصوص التي تعبدنا الله باتباعها والوقوف عند حدودها وإن لم تستسغها كثير من العقول والنفوس .

ثانياً:
هل رفعة رؤوسنا وانخفاضها مرهون بارتفاع أسعار البترول وانخفاضه؟. أو بصيغة أخرى هل ولاؤنا لدولتنا وانقيادنا لها بالسمع والطاعة في المعروف مرهون بقدر ما ننال من الحظوظ الدنيوية؟
لا أبا لجين. ولكن المسلم ينطلق في بيعته لولاة أمره من منطلق ديني يفرضه عليه كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يستوي حاله في اليسر والعسر والمنشط والمكره. إن جاءه شيء من الدنيا حمد الله وشكر له وإن لم يصبه شيء منها صبر واحتسب واتقى الله في تعامله مع ولاة أمره حتى يرد الحوض. وانظر على سبيل المثال لهذه النصوص التالية:
عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: (دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن ترو كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان) رواه البخاري ومسلم وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اسمع وأطع في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك إلا أن يكون معصية) رواه ابن حبان
وعن وائل بن حجر قال سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله فقال يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم). مسلم
وعن حذيفة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس قال فلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع) رواه مسلم
وعن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع رجلاً من الخوارج يسب الأمير فقال له: اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله( رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب
وعن أنس بن مالك قال نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله قال: "لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله، واصبروا فإن الأمر قريب
وعن عياض بن غنم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ولكن يأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه). رواه ابن أبي عاصم بإسناد صحيح.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد وطاعة ولاة الأمور واجبة على كل أحد، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال فإن أعطوه أطاعهم وإن منعوه عصاهم فما له في الآخرة من خلاق) مجموع الفتاوى 35/16-17
أبا لجين:
إن مفخرة بلادنا الحقيقية ليست في آبار بترولها ولكن بما شرفها الله به في هذا العصر على غيرها من القيام بأمر التوحيد وحماية جنابه أرأيت لو غضت الطرف عن هذا الجانب كم كنا سنرى من الأضرحة التي تعبد من دون الله.
ولو غضت الطرف عن هذا الجانب ماذا سيكون شأن مناهجنا ومقرراتنا أكنا سنجد فيها تقرير أصل التوحيد وبيان ما يخالف أصله أو كماله.
إن مفخرة بلادنا الحقيقية هي فيما شرفها الله به من تحكيم الشريعة الإسلامية بصورة لا يدانيها فيه بلد من بلاد العالم الإسلامي اليوم.
نعم لا ندعي لها الكمال ولا تدعيه هي لنفسها فالنقص من طبيعة الجبلة البشرية. ولكن بحسبنا ما فيها من الخير الذي يجب أن يذكر ويشكر ويشجع عليه ولاة الأمور.
وما كان من نقص فلا بد من إصلاحه بالطريقة الشرعية التي تبني ولا تهدم وتصلح ولا تفسد (النصيحة على وجه السر) كما أرشد إلى ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم وسلكه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل مع ولاة أمرهم.

ثالثا:
صوّر المقال مجتمعنا بصورة قاتمة فجعله مجمتع بؤس وشقاء وفقر وعوز وحاجة. وأقول لا شك في وجود الفقير والمسكين والمدين وهذه حكمة الله في خلقه حيث قسم الناس على ذلك ابتلاء واختباراً ليتبين من يصبر ممن يسخط، ومن يشكر ممن يكفر.
ولا أظن المجتمع البشري خلا يوماً من هذين الصنفين الفقير والغني حتى في أفضل عهود التاريخ. فإذا كان قد وجد الفريقان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة ثم في عهود الخلفاء الراشدين من بعده فهل يستغرب أن يوجدا في العهد الحاضر الذي نعيشه.
ولكن هل الوضع هو كما صورته أم دخلته المبالغة المبالغ فيها؟
لو كان الوضع كما صورته فقراً وبطالة وقتامة فما سر ثمانية ملايين شخصاً غير سعودي يعيشون في أرض المملكة ويحول مجموعهم سنوياً مليارات الريالات إلى بلادهم؟.
لقد قال لي أحد العمالة العربية متأسفاً على وضع كثير من الشباب السعودي الذي لا يريد أن يعمل (إنكم تمشون على الذهب).
فلماذا لا نعالج مشكلاتنا السلوكية الاجتماعية والتي أدت إلى البطالة مع توفر كثير من الفرص التي تدر بإذن الله الخير الكثير.
والمشكلات السلوكية التي أدت إلى إغراق كثير من الناس في ديون كانوا في غنى عنها.
والمشكلات السلوكية التي أدت إلى إهدار كثير من الأموال فيما لا طائل من ورائه..
ومع ذلك فالمجتمع السعودي بحمد الله في غالبه يعيش عيشة طيبة ونعوذ بالله من كفران النعم.
والله أسال أن يديم على هذه البلاد أمنها واستقرارها واجتماع كلمتها، وأن يصلح ولاة أمورنا وأن يوفقهم لما فيه خير البلاد والعباد، وأن يرزقهم حسن البطانة إنه جواد كريم. كما أسأله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يجنبنا وإياهم الفتن والمحن والله أعلم
علي بن يحيى الحدادي
إمام وخطيب جامع أم المؤمنين
عائشة بنت أبي بكر
الرياض
www.haddady.com