مقال أحكام قضاء رمضان في شعبان وما قبله مِن الأشهر تحت شرح حديث: (كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان) الشيخ عبد القادر بن محمد الجنيد

أحكام قضاء رمضان في شعبان وما قبله مِن الأشهر تحت شرح حديث: (كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان)
الأربعاء 1 أفريل 2020    الموافق لـ : 07 شعبان 1441
244.9K
433

الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

وبعد:

فقد قالت أُمُّ المؤمنين عائشة ــ رضي الله عنها ــ:

(( كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ, فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إلاَّ فِي شَعْبَانَ )).

الشرح:ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سوف يكون الكلام عن هذا الحديث في أربع مسائل:

المسألة الأولى / عن تخريجه، وألفاظه.

هذا الحديث أخرجه البخاري (1950)، ومسلم (1146)، في “صحيحيهما”.

وفي لفظ عند الإمام مسلم: (( إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لَتُفْطِرُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَقْضِيَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ )).

المسألة الثانية / عن موضوعه.

وموضوعه هو:

بيان حكم تأخير قضاء شهر رمضان إلى ما قبْل دخول شهر رمضان الذي بعده.

المسألة الثالثة / عن بعض فوائده.

فمِن فوائد هذا الحديث:

وجوب قضاء ما فات مِن أيَّام رمضان فلم تُصَم.

لقول عائشة ــ رضي الله عنها ــ: (( كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ )).

إذ لفظ: (( عليَّ )) مِن صِيغ الوجوب.

ومِن فوائده أيضًا:

أنَّ قضاء رمضان ليس واجبًا على الفور ما لم يَدخل رمضان آخَر.

وشذَّ داود الظاهري فأوجب القضاء مِن ثاني يومٍ في شهر شوال، وزعَم إثْمَ مَن لم يَبدأ بالقضاء فيه.

وقال الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في “شرح صحيح مسلم” (8/ 23):

«ومذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وجماهير السَّلف والخلَف:

أنْ قضاء رمضان في حقِّ مَن أفطر بعُذر كحيض وسَفر يَجب على التراخي، ولا يُشترط المبادرة بَه في أوَّل الإمكان.

لكن قالوا: لا يجوز تأخيره عن شعبان الآتي، لأنَّه يُؤخِّره حينئذ إلى زمان لا يَقبَله، وهو رمضان الآتي، فصار كمَن أخَّرَه إلى الموت.

وقال داود: تَجب المبادرة بِه في أوَّل يوم بعد العيد مِن شوال، وحديث عائشة هذا يَرُدُّ عليه».اهـ

وقال الفقيه أبو الحسن ابن بطَّال المالكي ــ رحمه الله ــ في “شرح صحيح البخاري” (4/ 95):

«وأجمع أهل العلم على أنَّ مَن قَضى ما عليه مِن رمضان في شعبان بعدَه أنَّه مؤدِّ لفرضه غير مُفرِّط».اهـ

ومِن فوائده أيضًا:

أنَّ المبادرة بقضاء ما فات صيامه مِن أيَّام رمضان أوْلَى وأفضل.

لأنَّ عائشة ــ رضي الله عنها ــ اعتذرت عن التأخير فقالت: (( فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إلاَّ فِي شَعْبَانَ )).

وفي لفظ آخَر للحديث عند مسلم، أنَّها ــ رضي الله عنها ــ قالت: (( إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لَتُفْطِرُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَقْضِيَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ )).

وأمَّا زيادة:

(( الشُّغْلُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )).

فليست مِن كلام عائشة ــ رضي الله عنها ــ، بل هي مِن كلام مَن دونها، كما بيَّنته رواية البخاري ومسلم، ورواية غيرهما.

حيث قال الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ:

قال يحيى: «(( الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))».اهـ

وقال الإمام مسلم ــ رحمه الله ــ:

«وحدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا بِشر بن عمر الزهراني، حدثني سليمان بن بلال، حدثنا يحيى بن سعيد بهذا الإسناد، غير أنَّه قال: (( وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )).

وحدَّثنيه محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جُريج، حدثني يحيى بن سعيد بهذا الإسناد، وقال: (( فَظَنَنْتُ أَنَّ ذَلِكَ لِمَكَانِهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) يحيى يقوله.

وحدثنا محمد بن المُثنى، حدثنا عبدالوهاب.

ح: وحدثنا عمرو الناقد، حدثنا سفيان.

كلاهما عن يحيى بهذا الإسناد، ولم يَذكرا في الحديث: (( الشُّغْلُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))».اهـ
وقد نبَّه على ذلك بعض الحُفَّاظ مِن أئمة الحديث، وجماعة مِن شُرَّاح الصحيحين.

المسألة الرابعة / عن بعض الأحكام التي يَذكرها العلماء عند هذا الحديث.

الحكم الأوَّل: عن كيفية قضاء شهر رمضان لِمَن أفطر فيه.

لأهل العلم ــ رحمهم الله ــ في هذه المسألة قولان:

القول الأوَّل: وجوب التتابع في قضاء رمضان.

ونُقِل هذا القول عن بعض الصحابة والتابعين، وبِه قال داود، وابن حَزم.

وأخرج مالك في “الموطأ” (671)، عن نافع، أنَّ عبد الله بن عمر كان يقول: (( يَصُومُ قَضَاءَ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا مَنْ أَفْطَرَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ فِي سَفَرٍ )).

وإسناده صحيح.

القول الثاني: جواز التفريق في قضاء رمضان مع أفضلية التتابع.

ونُقِل هذا القول عن جماهير أهل العلم مِن الصحابة، والتابعين، فمَن بعدهم، مِنهم: الأئمة الأربعة.

وقد نَسبه إليهم:

ابن عبد البَرِّ المالكي في “الاستذكار” (10/ 180)، والماوردي الشافعي في “الحاوي الكبير” (3/ 454)، والبغوي الشافعي في “شرح السُّنة” (6/ 322)، والباجي المالكي في “المنتقى شرح الموطأ” (2/ 195 ــ رقم:593)، والنَّووي الشافعي في “شرح صحيح مسلم” (8/ 23)، وابن حَجَر العسقلاني الشافعي في “فتح الباري شرح صحيح البخاري” (4/ 189)، وغيرهم.

وذلك لقول الله تعالى في آيات الصيام مِن سورة البقرة:

{ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }.

حيث لم يَخُصّ مُتفرِّقة مِن مُتتابعة.

فدَلَّ على أنَّ مَن أَتَى بِها مُتفرِّقة فقد صام عِدَّةَ أَيَّامٍ أُخَر، فوَجَب أنْ تُجْزِئَه.

وصحَّ هذا القول عن ابن عباس، وأبي هريرة، ــ رضي الله عنهم ــ، مِن أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم.

حيث أخرج عبد الرزاق (7664- 7665 و 7672- 7673)، وابن أبي شَيبة (9114 و 9116 و 9121 و 9132) في “مصنَّفيهما”، عنهما ــ رضي الله عنهما ــ أنَّهما قالا: (( لَا بَأْسَ بِقَضَاءِ رَمَضَانَ مُتَفَرِّقًا )).

وصحَّحه عنهما:

الحافظ ابن عبد البَرِّ المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الاستذكار”.

وصحَّ أيضًا:

عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ.

حيث أخرج ابن أبي شَيبة في “مصنَّفه” (9115)، بإسناد صحيح، عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( إِنْ شِئْتَ فَاقْضِ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا، وَإِنْ شِئْتَ مُتَفَرِّقًا )).

وفُضِّلَ التتابع، لأنَّه أسرع في إبراء الذِمَّة، وأشبَه برمضان، لأنَّ صيام أيَّامه مُتتابِع.

وقال الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في “شرح صحيح مسلم” (8/ 23):

«قال الجمهور: ويُستحَبُّ المبادرة بِه».اهـ

وهذا القول أرجح.

الحكم الثاني: عن المُكلَّف يَترْك قضاء رمضان مِن غير عُذر حتى يدخل عليه رمضان الذي بعده.

ويجب على هذا أمران:

الأمْر الأوَّل: قضاء ما ترَكه مِن رمضان القديم بعد إنتهاء رمضان الجديد.

ولا خِلاف في ذلك.

الأمْر الثاني: الكفارة بإطعام مسكين عن كل يوم أخَّرَه، لأجل تأخير القضاء مع القُدرة عليه.

وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم مِن السَّلف الصالح، فمَن بعدهم.

وقد نَسَبه إليهم:

أبو محمد البغوي الشافعي في “شرح السُّنة” (6/ 321-321)، وابن حَجَر العسقلاني الشافعي في “فتح الباري شرح صحيح البخاري” (4/ 190)، وبدر الدين العَيني الحنفي في “عمدة القاري شرح صحيح البخاري” (11/ 55)، والشَّوكاني في “نيل الأوطار” (4/ 278)، وغيرهم.

ومِن حُجَّتِهم على ذلك:

الآثار الواردة عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ في وجوب الكفارة بالإطعام، مِن غير خلاف يُعرَف بينهم.

حيث أخرج ابن الجَعْد في “مسنده” (235)، بسند صحيح، عن ميمون بن مِهران أنَّه قال: (( سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ فِي رَمَضَانَ، وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ لَمْ يَصُمْهُ؟ قَالَ: «يَصُومُ هَذَا الَّذِي أَدْرَكَهُ، وَيَصُومُ الَّذِي عَلَيْهِ، وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا نِصْفَ صَاعٍ» )).

وإسناده صحيح.

وأخرج نحوه عبد الرزاق في “مصنَّفه” (7628)، بإسناد صحيح.

وصحَّحه:

البيهقي، والنَّووي.

وأخرج الدارقطني في “سُننه” (2343)، عن عطاء، عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ: في رجلٍ مرِض في رمضان ثم صَحَّ ولم يَصُم حتى أدرَكه رمضان آخَر؟ قال: (( يَصُومُ الَّذِي أَدْرَكَهُ، وَيُطْعِمُ عَنِ الْأَوَّلِ لِكُلِّ يَوْمٍ مَدًّا مِنْ حِنْطَةٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ, فَإِذَا فَرَغَ فِي هَذَا صَامَ الَّذِي فَرَّطَ فِيهِ )).

وقال الإمام الدارقطني ــ رحمه الله ــ عقبه:

«إسناده صحيح موقوف».اهـ

وله طُرق أُخْرى عند عبد الرزاق في “مصنَّفه” (7620)، والدارقطني في “سُننه” (2344 و 2348)، مِن طريق مُطرِّف، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ.

وقال الإمام الدارقطني ــ رحمه الله ــ عقبه:

«إسناده صحيح موقوف».اهـ

وصحَّحها أيضًا:

البيهقي.

وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي الحنفي ــ حمه الله ــ كما في “مختصر اختلاف العلماء” (2/ 22-23 ــ مسألة رقم:505):

«إلا أنَّ هذه الجماعة مِن الصحابة قد اتفقت على وجوب الإطعام بالتفرِيط إلى دخول رمضان آخَر.

وكان ابن أبي عِمران يَحكِي أنَّه سمع يحيى بن أَكْثَم يقول:

“وجدته ــ يعنى: وجوب الإطعام في ذلك ــ عن سِتَّة مِن الصحابة، ولم أجد لهم مِن الصحابة مُخالفًا”».اهـ

وقال الإمام مُوفَّق الدين ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغْنِي” (4 / 401)، في ترجيح هذا القول بآثار الصحابة:

«ولنا: ما رُوي عن ابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، أنَّهم قالوا: (( أَطْعِمْ عن كل يوم مسكينًا ))، ولم يُرْوَ عن غيرهم مِن الصحابة خِلافهم».اهـ

وقال الفقيه أبو الحسن الماوردي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الحاوي الكبير” (3 / 451):

«وإنْ أخَّرَه غير مَعذور فعليه مع القضاء الكفارة عن كل يوم بِمُدٍّ مِن طعام، وهو إجماع الصحابة».اهـ

وقال ــ رحمه الله ــ أيضًا (3 / 452):

«مع إجماع سِتَّةٍ مِن الصحابة لا يُعرَف لهم خلاف».اهـ

وقال صاحب كتاب “الإنباه” ــ رحمه الله ــ كما في كتاب ابن القطَّان الفاسي “الإقناع بمسائل الإجماع” (2/ 747 ــ رقم:1345)، في ترجيح هذا القول:

«وبِه قال عَديد أهل العلم، وهو عندنا إجماع الصحابة».اهـ

وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “أحكام القرآن” (1/ 416):

«غير أنَّا نظرنا إلى ما رُوي عن ابن عباس، وأبي هريرة، فِي إيجابهما الإطعام على مَن وجَب عليه قضاء رمضان، فلم يَقضه حتى دخل عليه رمضان آخَر، وقد أمكنه صومه مع القضاء الذي أوجبناه عليه في ذلك، فلم نَره منصوصًا في كتاب الله ــ عزَّ وجلَّ ــ، ولا في سُنَّة رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، ولا وجدناه يَثبت بالقياس، فعقلنا بذلك أنَّهما لم يقولاه رأيًا، ولا استنباطًا، وإنَّما قالاه توقيفًا، فكان القول بِه حسنًا عندنا، ولم نَجد عن أحد مِن أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم سواهما إسقاط الإطعام في هذا، فقلنا بِه، وخالفْنا أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا في نفيهم وجوب الإطعام في ذلك».اهـ

ولا ريب أنَّ هذا القول هو والصواب لِعدم الخلاف فيه بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الحكم الثالث: عمِّن مات وعليه قضاء مِن رمضان.

وهذا له حالان:

الحال الأوَّل: أنْ يتمكَّن مِن القضاء بحصول الشِّفاء له إلا أنَّه يفرِّط فلا يَقضِي حتى يموت.

ومِن أمثلته:

رجلٌ أفطر في شهر رمضان ثلاثة أيَّام، ثُمَّ عاش بعد رمضان شهرين وهو مُعافَى، يستطيع القضاء، إلا أنَّه لم يَقض إلى أنْ مات.

فهذا يُطعَم عنه عن كل يوم أفطره مسكينًا مِن تركته أو مِن متبرِّع.

وقد قال العلامة عبد الرحمن ابن قاسم الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “حاشية الروض المُرْبِع” (3 / 439):

«وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وغيرهم».اهـ

وقال الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في “شرح صحيح مسلم” (8/ 270- 271، عند حديث رقم:1146):

«وأجمعوا أنَّه لو مات قبل خروج شعبان لزمَه الفدية في تركِه عن كل يوم مُدّ مِن طعام، هذا إذا كان تمكَّن مِن القضاء فلم يَقض».اهـ

ونَقله أبو الحسن الماوردي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الحاوي الكبير” (3/ 452)، وابن تيمية ــ رحمه الله ــ في شرحه على “عُمدة الفقه” (2/ 189 – قسم الصيام):

إجماعًا مِن أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم.

ونَسَب الإمام ابن تيمية الحرَّاني ــ رحمه الله ــ الإطعام في شرحه على “عُمدة الفقه” (2/ 364- 365 ــ قسم الصيام)، إلى:

عائشة، وابن عباس، وابن عمر ــ رضي الله عنهم ــ مِن أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم.

ثُمَّ قال بعد ذلك:

«ولا يُعرَف لهم في الصحابة مُخالف».اهـ

وأخرج أبو الجَهم في “جزئه” (22)، بسند صحيح، عن نافع، أنَّ عبد الله بن عمر ــ رضي الله عنهما ــ كان يقول: (( مَنْ أَفْطَرَ مِنْ رَمَضَانَ أَيَّامًا وَهُوَ مَرِيضٌ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ، فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَ مِنْ تِلْكَ الْأَيَّامِ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ )).

وأخرجه البيهقي (8216)،  مِن طريق آخَر، عن نافع.

وصحَّحه:

الألباني.

وأخرج الطحاوي في كتابه “مشكل الآثار” (6/ 178 ــ بعد حديث رقم: 2396)، عن عَمْرة، أنَّها قالت: (( سَأَلْتُ عَائِشَةَ ــ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ــ فَقُلْتُ لَهَا: إِنَّ أُمِّيَ تُوُفِّيَتْ وَعَلَيْهَا رَمَضَانُ، أَيَصْلُحُ أَنْ أَقْضِيَ عَنْهَا؟ فَقَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ تَصَدَّقِي عَنْهَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ عَلَى مِسْكِينٍ، خَيْرٌ مِنْ صِيَامِكِ عَنْهَا )).

وقال المُحدِّث ابن التُّركماني الحنفي ــ رحمه الله ــ عقبه:

«وهذا أيضًا سند صحيح».اهـ

وقال العلامة الألباني ــ رحمه الله ــ في كتابه “أحكام الجنائز” (ص:170):

«قال ابن التُّركماني: “صحيح”.

وضعَّفه البيهقي، ثُمَّ العسقلاني، فإنْ كانا أرادا تضعيفه مِن هذا الوجْه، فلا وجْه له، وإنْ عَنيا غيره، فلا يضُره».اهـ

الحال الثاني: أنْ يَستمِر معه المرض حتى يموت ولم يتمكَّن مِن القضاء.

ومِن أمثلته:

رجلٌ أفطر آخِر عشرة أيَّام مِن شهر رمضان بسبب مرض مُبِيح للفطر، واستمَر في مرضه هذا إلى أنْ مات وهو لم يَقض.

وهذا لا شيء عليه، ولا على وليِّه، لا إطعام عنه، ولا صيام.

وقد قال الفقيه أبو سليمان الخطابي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “معالم السُّنن” (2 / 125 ــ عند حديث رقم:546):

«واتَّفق عامَّة أهل العلم على أنَّه إذا أفطر في المرض أو السَّفر، ثُمَّ لم يُفرِّط في القضاء حتى مات، فإنَّه لا شيء عليه، ولا يَجب الإطعام عنه، غير قتادة، فإنَّه قال: يُطعَم عنه، وقد حُكِي ذلك أيضًا عن طاوس».اهـ

وبنحوه أيضًا قال:

الإمام أبو محمد البغوي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “شرح السُّنة” (6/ 327).

وقال العلامة عبد الرحمن ابن قاسم الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “حاشية الرَّوض المُرْبِع” (3 / 439):

«لا شيء عليه، وذكَر النووي اتفاق أهل العلم، ولو مَضى عليه أحوال، لأنَّه حقٌ لله تعالى، وجَب بالشرع، ومات مَن وجَب عليه، قبل إمكان فِعله، فسقط إلى غير بدَل، كالحج».اهـ

وأخرج عبد الرزاق في “مصنَّفه” (7630)، بسند صحيح عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( فِي الرَّجُلِ الْمَرِيضِ فِي رَمَضَانَ فَلَا يَزَالُ مَرِيضًا حَتَّى يَمُوتَ: «لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ» )).

 

تنبيه:

شرح هذا الحديث مُقتطف مِن كتاب:

“الإتمام بشرح كتاب الصيام من عُمدة الأحكام”.

لعبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.