مقال أخطاء في الصيام الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

أخطاء في الصيام
الثلاثاء 8 أفريل 2014    الموافق لـ : 07 جمادة الثانية 1435
1.3M
1660


الحمد لله الذي جعل لعباده المؤمنين مواسم للخيرات يطهرهم فيها من الذنوب والسيئات فجعل الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا اُجتنبت الكبائر وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه وسار على سنته إلى يوم القيامة وسلم تسليمًا كثيرًا.
يستقبل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بعد أيام قلائل هي ما تبقى من شعبان يستقبلون شهر رمضان الذي جعله الله موسمًا للرحمة والغفران وفتح فيه أبواب الجنان وأغلق فيه أبواب النيران وصفد فيه كل مارد شيطان لأجل أن المسلمين يتزودون من الأعمال الصالحة ويتطهرون من ذنوبهم وسيئاتهم فهذا من رحمة الله جل وعلا بعباده ولطفه بهم وإحسانه إليهم.
أيها الإخوة إن شهر رمضان شهر عظيم موسم كريم والمسلم لا يفرح بطول العمر من أجل أن يجمع المال أو أن يبني القصور أو يجمع الأرصدة الضخمة من الأموال هذا شأن أهل الدنيا المغترون بها وإنما المؤمن يفرح بطول العمر ليدرك هذه المواسم العظيمة اليومية والأسبوعية والحولية ليدركها ليتدارك نفسه ويتزود من الخير للدار الآخرة هذا هو مهمة المؤمن من الحياة فإنه وإن جُمعت له الدنيا بحذافيرها ونال من لذاتها ومسراتها ما نال فإن ذلك عرض ذلك، وإنما الغنيمة كل الغنيمة والذخيرة كل الذخيرة هي ما يوفق الله به عبده لاغتنام مواسم الخير واغتنام عمره في طاعة الله سبحانه وتعالى.
إننا بعد أيام قلائل لمن له بقية من العمر بعد أيام قلائل نستقبل شهرًا عظيمًا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر به أصحابه قبل قدومه ويرغبهم للأعمال الصالحة في هذا الشهر العظيم فينبغي لنا أن نحمد الله ونشكره إذا بلغنا هذا الشهر وأن يوفقنا لاغتنامه فيما ينفعنا عنده سبحانه وتعالى.
كثير من المسلمين اعتادوا أن يخرجوا زكاة أموالهم في شهر رمضان لأجل شرف الزمان ومضاعفة الأجر وهذا شيء طيب ونرجو الله لهم القبول ولكن قبل أن يزكوا أموالهم عليهم أن يزكوا أنفسهم وان يزكوا أبدانهم ثم يزكوا أموالهم.
أما زكاة النفس يكون بطاعة الله سبحانه وتعالى وترك معاصيه والزكاة معناها الطهارة أو من معانيها الطهارة فيطهر العبد نفسه من الذنوب والسيئات قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [سورة الشمس:7- 10]، أفلح من زكى نفسه بالأعمال الصالحة وطهرها من الذنوب والسيئات بالتوبة والأعمال الصالحة هذا هو المفلح وأما من أهمل نفسه وضيعها وأعطاها ما تشتهي من الكسل والخمول ونيل الشهوات فهذا خاب (خَابَ مَن دَسَّاهَا) مع أنه يظن أنه يكرمها الإنسان عندما يعطي نفسه ما تشتهي ويطيعها فيما تأمره به يظن أنه زكاها في حين أنه دنسها ودساها أما إذا حملها على طاعة الله ومرضاته وترك محرماته فإنه هو الذي زكاها التزكية الصحيحة وطهرها من الذنوب والمعاصي ونماها بالطاعة، ومن معاني الزكاة أيضًا النماء فإذا نمى أعماله فقد زكاها فعلى الإنسان أن يهتم بتزكية نفسه وفي الحديث "اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها".
وأما الذي يمدح نفسه ويزكيها بالكذب فقد قال الله جل وعلا: (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) [سورة النجم: 32]، لا تمدحوا أنفسكم وتعجبوا بأعمالكم هذا شيء نهى الله عنه وإنما تزكي نفسك بالأعمال الصالحة تشكر الله على ذلك وفي الحقيقة أن الله هو الذي زكاها حيث وفقك لتزكيتها بالأعمال الصالحة، قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [سورة النساء: 49]، فعليك أيها المسلم أن تزكي نفسك بالأعمال الصالحة بأداء الفرائض واجتناب المحرمات والإكثار من الطاعات فرصتك في هذه الحياة الزائلة هذه هي التزكية المطلوبة للنفس، وأما التزكية بالمدح والتزكية بالثناء على النفس والإعجاب بالأعمال هذه تزكية باطلة وصاحبها خائب وخاسر (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)، دل على أن التقوى هي الزكاة وأما غير التقوى فإنه ليس زكاة للنفس مهما ادعى الإنسان وأيضًا الإنسان لا يعجب بأعماله وهو لا يدري هل تقبلت أم لا، لا يدري هل هي خالصة لله أم لا، (بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ) فلا تعجب بأعمالك أو تستكثر أعمالك تدلي بها على الله جل وعلا، بل اعتبر نفسك مقصرًا مهما فعلت أنت مقصر ولا تدري هل تقبلت أم لا أدعو الله بالقبول (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [سورة المائدة: 27]. هذه تزكية النفس.
النوع الثاني: تزكية البدن وذلك بدفع زكاة الفطر بعد صيام رمضان صدقة الفطر زكاة الفطر وهي زكاة للبدن ولذلك تجب على كل مسلم غنيًا كان أو فقيرًا ذكرًا كان أو أنثى حرًا كان أو عبدًا لأنها زكاة للبدن هذا البدن الذي أعطاك الله إياه وركبه من أعضاء وقوى التركيب العجيب هذا يحتاج إلى زكاة فصدقة الفطر زكاة لهذا البدن وهي صاع من الطعام فرضه الله على كل مسلم عند نهاية شهر رمضان فليعتني المسلم بهذه الزكاة ويؤديها من كسب طيب ويؤديها للفقراء والمساكين في وقتها في وقت إخراجها هذه زكاة البدن.
والنوع الثالث زكاة المال وهذه إنما تجب على الأغنياء الذين عندهم أموال تبلغ النصاب فأكثر، قال تعالى: (فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [سورة الذاريات:19]، والزكاة زكاة المال هي الركن الثالث من أركان الإسلام قرنها الله بالصلاة في مواضع كثيرة من كتابه فلا يأتي ذكر الصلاة في الغالب في القرآن إلا ومعه ذكر الزكاة لأهميتها وفائدتها وهي طهرة للمال وتنمية للمال. (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أي ادعوا لهم (إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ). فهي طهرة (تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) ليست مغرمًا وإنما هي مغنم فالمؤمن يدي الزكاة على أنها مغنم أما المنافق فيؤديها على أنها مغرم ولا يعتقد أنها مغنم، (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [سورة التوبة: 97-99]. فالمؤمن يفرح بأداء هذه الزكاة طيبة بها نفسه ويعتبرها مغنمًا ويعتبرها طهرة لنفسه طهرة لماله طهرة لأعماله فيؤديها راغبًا في ثوابها طامعًا في أجرها عند الله سبحانه وتعالى. هذه زكاة المال.
ليس المقصود أنك تدفع مبالغ من المال بدون أن تعتقد أنها ركن من أركان الإسلام وبدون أن تعتقد أنها بركة وأنها خير ونماء وطهارة لا بد من هذا حتى تكون هذه الزكاة واقعة موقعها ومفيدة، لا بد أيضًا أن تدفعها للأصناف التي حدد الله عددهم في كتابه ما تدفعها لأي أحد تدفعها للأصناف التي جعلها الله فيها فالله لم يكل الزكاة إلى رسوله ولم يكلها إلى أحد بل هو سبحانه تولى قسمتها بنفسه. (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [سورة التوبة: 60]. ليس بلازم أنك تشمل هذه الأنواع الثمانية إذا أخرجتها لنوع واحد كفى هذا كأن تعطيها للفقراء المساكين هذا يكفي والحمد لله، لكن لا تخرج الزكاة على هذه الأصناف الثمانية لو دفعتها كلها في سبيل لله للغزاة والمجاهدين الذين ليس لهم راتب من الدولة المتطوعون يكفي هذا أيضًا يكفي أن تضعها في صنف واحد إذا كان هذا الصنف يستغرقها وكان محتاجًا إليها إلا إنك لا تخرج عن هذه الأصناف حتى في المشاريع الخيرية لا تصرف الزكاة فيها فلا تصرفها في بناء المساجد لا تصرفها في بناء المدارس لا تصرفها في بناء المستشفيات والمشاريع التي تنفع العموم من المسلمين لا توضع فيها الزكاة هذه تمول من التبرعات لا تُعطل مطلوبة لكن لا تمولها من الزكاة مولها من التبرع وصدقة التطوع. فهذه مصارف الزكاة.
فلو أنك أخرجتها كاملة لكن لم تتقيد بمصارفها فإنها لا تجزيك ولا تبرأ ذمتك كذلك لا بد من إحصاء المال بأن لا يبقى شيء منه لم تخرج زكاته فلا يكفي أنك تدفع مبلغًا مقطوعًا من باب التخمين وتقول هذا يكفي لا لازم من الحساب تحسب أموالك تحصيها تجردها ثم تخرج زكاتها كل شيء بمقداره الشرعي فالدراهم النقود هي ربع العشر، الخارج من الأرض إن كان يسقى بمؤونة نصف العشر وإن كان يسقى بدون مؤونة كالذي يشرب من الأنهار أو من الأمطار فهذا فيه العشر كاملاً، وإن كانت من المواشي الإبل البقر والغنم هذه لها مقادير بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وحددها فلا بد أن تعرف هذا وأن تُخرج زكاتها على الوجه المشروع وإن كانت الأموال التي عندك عروض تجارة سلع للبيع والشراء فإنك تقومها عند رأس الحول تجردها عند رأس الحول تجردها أولاً ثم تحصيها تحصي السلع التي عندك بالكامل ثم تقومها بما تساوي بالسعر الحاضر ثم تخرج ربع العشر من قيمتها المقدرة.
لا بد أن تفقه فقه الزكاة لأنها ركن من أركان الإسلام من أجل أن تبرأ ذمتك منها لأنها الركن الثالث من أركان الإسلام قرينة الصلاة في كتاب الله ولما منع قوم الزكاة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا ما ندفعها إلا للرسول ولما مات لا ندفعها لغيره فأبوا أن يدفعوها لخليفة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه عند ذلك جهز الجيوش لقتالهم قاتلهم حتى أدوها وخضعوا لحكم الإسلام.
فمن امتنع من إخراج الزكاة فإن كان امتناعه عن جحود لفرضيتها هو كافر بإجماع المسلمين أما إن كان امتناعه من أجل البخل منعها بخلاً فهذا تؤخذ منه قهرًا يأخذها ولي الأمر منه قهرًا لأنها حق للفقراء والمساكين حق واجب عليه فإن لم يمكن أخذها قهرًا وكان معه جنود وشوكة وغلبة فإن ولي أمر المسلمين يقاتله ويجهز الجيوش لقتاله كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه مما يدل على أهمية الزكاة ومكانتها في الإسلام، هذا ما يتعلق بالزكاة.
وأما ما يتعلق بمخالفة الصائمين أو مخالفة بعض المسلمين بما ينبغي في شهر رمضان، مخالفات كثيرة. من الناس الذين وفقهم الله من يعد العدة لشهرة رمضان بالأعمال الصالحة يستعد للصيام يستعد للقيام لقيام الليل يستعد لتلاوة القرآن يستعد لذكر الله يستعد للصدقات والإحسان إلى الفقراء والمساكين وهذا هو الموفق الذي عرف قدر الشهر وأدى واجبه ومن الناس من يستعد لشهر رمضان لشراء الحاجيات والكماليات وكأن شهر رمضان شهر الأكل والشهوات وليس شهر الصيام، المطلوب من المسلم أن يقلل الطعام والشراب في شهر رمضان من أجل أن ينشط على العبادة وعلى قيام الليل وعلى ذكر الله عز وجل لأن الإكثار من الطعام يكسل ويثقل الإنسان عن الطاعة، فلا تنبغي هذه المبالغات في شراء الكماليات المنوعة من الأطعمة والأشربة ينبغي أن يكون شهر رمضان أقل من غيره في شراء الحاجيات لأنه ليس شهر أكل وشرب وشهوات وإنما هو شهر الصيام والإقلال من الطعام فهذا ينبغي التنبه له، فبعض الناس لا يعرف شهر رمضان إلا أنه شهر الأكل والشرب وإعطاء النفس ما تشتهي والسهر بالليل والنوم بالنهار على أنه صائم يقول صائم وينام كل النهار حتى أنه يترك الصلوات الخمس في مواقيتها ومع الجماعة ولا يصليها إلا إذا استيقظ في آخر النهار أو عند الإفطار هذه خسارة عظيمة المطلوب منه أن ينشط في الطاعات المستحبة ويكثر منها فكيف يضيع الفرائض التي أوجبها الله عليه في شهر رمضان وينام بحجة أنه صائم نعم ينام لا بأس لكن ينام بقدر ينام نومًا لا يثقله عن طاعة الله ولا يغفل قلبه عن ذكر الله ولا يترك به الصلوات في مواقيتها مع الجماعة لا يترك تلاوة القرآن والذكر يجعل للنوم وقتًا ويجعل للطاعات وقتًا أكثر فهذا هو الموفق كذلك وهذا أسوأ وأشر الذين يعدون البرامج الملهية في وسائل الإعلام يعدون البرامج والمسلسلات والمضحكات والشرور لشهر رمضان أين حرمة الشهر أين قدر الشهر عند هؤلاء، وليت شرهم يقتصر عليهم بل إنهم يتعدى شرهم إلى المسلمين الذين يشاهدون هذه المسلسلات وهذه التمثيليات وهذه السواقط، فعلى المسلم أن يحذر من هؤلاء ولا يشغل وقته بهذه المسلسلات وهذه الملهيات والمغفلات يسهر عليها وتأخذ وقته تغفله عن ذكر الله (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) [سورة الكهف: 28]. نسأل الله العافية، هؤلاء حرموا أنفسهم وحرموا غيرهم وصاروا قدوة سيئة صدوا عن سبيل الله وانتهكوا الشهر بهذه المسلسلات والتمثيليات والمضحكات والترهات والمسابقات التي أغلبها من القمار مسابقات أغلبها قمار ضياع للأموال أكل للمال بالباطل ليشغلوا الناس يخسرون أموالهم ليشغلوا الناس، نسأل الله العافية. فعلينا أن نتنبه لهذه الأمور، كذلك مما ينبغي التنبيه عليه بيان آداب الصيام التي يخل بها كثير من الناس. آداب الصيام وذلك بأن يجعل السحور قبل طلوع الفجر ينتهي بطلوع الفجر بعض الناس يتسحر مبكرًا إذا أراد أن ينام يسهر أول الليل وإذا أراد أن ينام ملأ بطنه ثم نام يقول هذا سحور فيصوم قبل وقت الصيام ويقدم السحور قبل وقته، الله جل وعلا قال: (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) [سورة البقرة: 187]. فمن آداب الصيام تأخير السحور بحيث ينتهي عند طلوع الفجر، من الناس من إذا استيقظ وتنبه تسحر ولو كان الفجر قد طلع وقد يجامع زوجته أيضًا والفجر قد طلع فيكون صيامه باطلاً لأنه لم يصم الصوم الذي أمره الله به فلا أكل ولا شرب ولا جماع بعد طلوع الفجر (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ)، فيؤخر السحور فيجعله قبيل طلوع الفجر عملاً بالسنة ويكون السحور مقويًا له على الصيام، أما إذا قدمه مبكرًا فإنه لن يعينه على الصيام مخالفة للسنة، ولننبه على مسألة حصلت ويدعو إليها بعد المتعالمين وهو أنهم يقولون: لا تصوموا على طلوع الفجر مع الآذان، الآذان خطأ، يخطئون المسلمين كلهم ويقولون ما بعد صار الفجر ويأكلون ويشربون بعد الناس ويؤخرون الصلاة بعد الناس وربما يجامعون زوجاتهم بعد الناس بعد ما يصوم الناس فهذا شذوذ ومخالفة لما عليه المسلمون، والمسلمون ولله الحمد واثقون من وقت صيامهم فلا يأتي أحد ويشكك في هذا الأمر ويقول للناس تأخروا ثلث ساعة عن صيام الناس والناس كلهم مخطئون إلا هذا فهو المصيب ولا حول ولا قوة إلا بالله. فلنحذر من هؤلاء.
كذلك من آداب الصيام تعجيل الإفطار عند غروب الشمس (ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ) والليل يبدأ عند غروب الشمس، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل الليل من هاهنا"، يعني من المشرق، "وأدبر النهار من هاهنا"، يعني من جهة المغرب "وغابت الشمس فقد أفطر الصائم"، هذا وقت الإفطار إذا غربت الشمس وعلامة غروبها ما هو الغروب أنها تتواري وراء جبل ولا وراء عمارة لا الغروب علامته الصادقة أن يأتي الظلام من جهة المشرق فالتفت إلى المشرق فإذا رأيت ظلام الليل مقبلاً فقد غربت الشمس "إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم" علامة واضحة، هناك من المبتدعة من يؤخر الإفطار إلى ظلام الليل إلى أن تشتبك النجوم وهذا مخالفة للسنة. "أحب عباد الله إليه أعجلهم فطر" هؤلاء يخالفون السنة فلا يفطرون إلا إذا اشتبكت النجوم وأظلم الليل في منتصف ما بين العشاءين هذا فعل المبتدعة، المسلم يتقيد بالسنة التي أمر الله بها وأمر بها رسوله في الإفطار.
كذلك وهذه مسألة مهمة وكثر السؤال عنها وكثر الواقعون فيها وهي أنهم يعاشرون زوجاتهم وهم صائمون يعاشرونهن حتى ربما أنهم يقعون في الجماع، الصائم منهي عن الرفث وهو الجماع ودواعيه، يتجنب ما يسبب له الشهوة ويثير الشهوة مع زوجته فلا ينظر إليها نظر شهوة ولا يلمسها أو يقبلها تقبيل شهوة لأن هذا يوقعه في المحرم وهو الجماع فعليه أن يتجنب هذه الأمور. نعم كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل زوجاته وهو صائم لأنه كان مالكًا لإربه لا تثور شهوته صلى الله عليه وسلم، الذي يملك إربه ولا تثور شهوته لا بأس أن يقبل تقبيل عِشرة لا تقبيل شهوة إنما هو تقبيل مودة ولا تثور شهوته أما الشاب الذي تثور شهوته فإنه يتجنب الأسباب التي تفسد صيامه.
كذلك بعض الناس بل كثير من الناس يصومون عن الطعام والشراب وعن الجماع يصومون عن المفطرات الحسية لكنهم لا يصومون عن المفطرات المعنوية وهي الغيبة والنميمة والشتم وقول الزور وفي الحديث "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". فعلى المسلم أنه إذا صام عن الطعام والشراب أن يصوم أيضًا عن الغيبة وعن النميمة وعن الشتم والسباب، قال صلى الله عليه وسلم: "فإن سابه أحد أو شاتمه أحد فليقل إني صائم إني صائم" يذكر نفسه ويعلن ذلك بأن يمنع نفسه من الرد السيئ، هذا إذا كان يرد فكيف إذا كان هو البادي باللغو والنميمة وقول الزور فهذا أمر أشد، فعلى المسلم أنه يصون صيامه عما يخل به ويلزم طاعة الله وذكر الله وتلاوة القرآن والمحافظة على الصلوات مع الجماعة في وقتها حتى يكونوا صومهم صومًا صحيحًا تامًا ولا يخرقه بالغيبة والنميمة والسباب والشتم وقول الزور وغير ذلك من آفات اللسان.
كذلك يصون صيامه عن الاستماع للمحرمات الاستماع للغيبة الاستماع للنميمة الاستماع للأغاني والمزامير من الإذاعات ووسائل الإعلام أو من غيرها من آلات اللهو، يصون سمعه من سماع الأغاني والمزامير ومن سماع الغيبة والنميمة وكل سماع محرم.
كذلك يصون بصره يغض بصره عن النظر إلى الحرام فلا ينظر إلى النساء المتبرجات سواءً في الأسواق أو في الشاشات في التلفزيون والفضائيات فيها نساء كاسيات عاريات متبرجات مائلات مميلات تعرض في شاشات التلفاز والفضائيات فعلى المسلم أن يتجنبها دائمًا، وفي حالة الصيام يكون هذا أشد فيصون لسانه ويصون نظره ويصون سمعه عما حرم الله سبحانه وتعالى فليس الصيام هو مجرد ترك الطعام والشراب والجماع هذا صوم هيّن ولكن الصوم الصعب أن يصون لسانه وأن يصون نظره وأن يصون سمعه هذا هو الصوم الصعب لأن كثير من الناس ما يقدر يصوم لسانه ولا يقدر يصوم سمعه ولا بصره ولا حول ولا قوة إلا بالله هو يقدر يترك الطعام والشراب ولكن ما يقدر يترك الغيبة والنميمة ولا يقدر يترك النظر المحرم وكذلك النظر إلى الصور الماجنة في الصحف والمجلات لا يتصفحها وينظر إليها لا يجوز هذا دائمًا وهو من الصائم أشد.
فعلى المسلم أن يصون صيامه عما يبطله وعما ينقصه ويخل به حتى يكون صيامًا صحيحًا ولا يكون حظه من صيامه الجوع والعطش كما قال صلى الله عليه وسلم: "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وربما قائم حظه من قيامه السهر" ليس له أجر في ذلك، يتعب ولا يؤجر بسبب منه هو لأنه لم يصن صيامه ولم يصن قيامه بما حرام الله سبحانه وتعالى، فعلينا أن نستعد لهذا الشهر بما يليق به كذلك على المسلم أن يكون دائمًا في طاعة الله وعبادته حافظًا على الفرائض تاركًا للمحرمات في رمضان وفي غيره لأن بعض الناس يجتهد في رمضان فإذا خرج رمضان انفلت وعاد إلى الأحوال السيئة هذا لا ينفعه رمضان لأنه بنيته أنه إذا خرج رمضان أنه يعود إلى ما كان من قبل من المعاصي والسيئات واللغو والغفلة فهذا لا ينفعه شهر رمضان لأن طاعة الله ليست مؤقتة بوقت ثم ينتهي –لا- وإنما طاعة الله دائمة، قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [سورة الحجر: 99]، يعني الموت. فلا ينتهي عمل المسلم إلا بالموت "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له".
أيها الإخوة يجب أن نعظم حرمات الله (وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) [سورة الحج: 30]. (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [سورة الحج: 32]، علينا أن نعظم شعائر الله في رمضان وفي غيره نسأل الله لنا ولكم التوفيق بالعلم النافع والعمل الصالح. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.