مقال المملكة اجتمع فيها الحبان.. الحب الفطري.. والحب الشرعي الشيخ عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم

المملكة اجتمع فيها الحبان.. الحب الفطري.. والحب الشرعي
الأربعاء 27 جانفي 2016    الموافق لـ : 16 ربيع ثاني 1437
0
645

أبان الشيخ الدكتور عبدالسلام بن برجس العبدالكريم أن الحب لهذا الوطن من منطلق إسلامي صحيح متأصل في نفوسنا كامن في قلوبنا، وقال الشيخ العبدالكريم إن الوطن (المملكة العربية السعودية) له فضل علينا فهو بلد الأمن والأمان وبلاد الحرمين الشريفين، فمن الواجب المحافظة عليه والذب عنه والدفاع والحفاظ عليه ونبذ الأقاويل والحملات المغرضة، وقال: في هذه الأيام نعيش مرارة الحملات الإعلامية التي يشنها اليهود وأذناب اليهود على عالمنا الإسلامي وعلى بلادنا المباركة والمسلم أيها الأحبة لا تزيده هذه الحملات الشرسة إلا ثباتاً على مبادئه ويقيناً بما هو عليه من عقيدة أهل الإسلام الصحيحة فإن هذه الفتن يجريها الله عز وجل على المؤمنين ليختبرهم وليمحص إيمانهم ولا ريب أن تلك الحملات المسعورة سوف ترجع مغبتها على أعدائنا كما قال الله عز وجل {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} فهي وإن كانت في ظاهرها شراً محضاً إلا أنه رب شر ينقلب إلى خير فهم {يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}. ولنتأمل ما جرى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الإفك حيث افترى اليهود وأذناب اليهود من المنافقين على رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الفرية الشنيعة فضاقت صدور
المؤمنين جداً بهذا فأنزل الله عز وجل لتثبيت قلوبهم وطمأنة نفوسهم }لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم} فعسى أن يكره المؤمن شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً. وكلمتي هذه أتناول فيها شيئاً مما يجب على كل مؤمن تجاه وطنه المؤمن من الدفاع عنه والذب عنه والحفاظ عليه فحديثي إليكم أيها الأحبة هو عن فضل وطننا هذا الذي نعيش فيه فإن الحديث عن فضل الوطن في مثل هذه الظروف على وجه الخصوص مما يفطن المسلم على مواطن الفضل في بلده فإن كان عارفاً لها كان ذلك من باب التذكير وإن كان جاهلاً كان ذلك من باب التعليم وهذا أراه سبيلاً من سبل الحفاظ على البلد والحرص على استمرار رخائه ورغده وأمنه وقبل ذلك ما يقوم عليه من الإسلام والدين الصحيح فلعل ما نحن فيه من أوائل الخير الذي تجنيه الأمة من مغبة فتنة اليهود وأذناب اليهود في حملاتهم الإعلامية على بلادنا المملكة فنحن حينما نتذاكر موضوع فضل هذه البلاد من الناحية الشرعية فإن ذلك يعني أن الحب لهذا الوطن من منطلق إسلامي صحيح متأصل في نفوسنا كامن في قلوبنا فمهما حاول أعداؤنا أن يمسونا بالسوء فلن يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً ما دام أننا نعتقد هذه العقيدة وندين بالفضل لأهل الفضل ما دمنا يداً واحدة في ا
لحفاظ على بلدنا والذب عنه ليسلم لنا موطناً نعبد الله عز وجل فيه ونرفع فيه شعائر الإسلام ونطبق فيه أحكام شريعة الله سبحانه وتعالى وأيضاً ننطلق فيه بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فحديثي إليكم هو عن موضوع الولاء للوطن المسلم حبه الحفاظ عليه التضحية في سبيله.

حب الوطن
وأضاف الشيخ العبدالكريم: نريد أن نتحدث عن مصطلحنا معشر المسلمين حب الوطن، الحنين إلى الوطن، فنتحدث عن هذا المصطلح بما هو فطرة الله التي فطر الله الناس عليها وفطر عليها سائر الحيوانات. فالإبل تحن إلى أوطانها والطيور تحن إلى أوكارها وقد نبّه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على هذا المعنى في عبارة جميلة ذكرها البيهقي صاحب المحاسن والمساوئ وذكرها غيره وهي قوله رضي الله تعالى عنه لولا حب الوطن لخرب البلد السوء وذكر بلفظ "عمّر الله البلدان بحب الأوطان". فهذه إشارة إلى أن حب الوطن موجود في الفطر مغروس في النفوس وأن هذا الحب الذي أودعه الله عز وجل قلوب بني البشر هو الذي يبعث على حب الأرض التي نشأ عليها الإنسان حتى أنه ليألفها ولو كانت قليلة الأمطار أو شديدة الحر أو كثيرة الزلازل والبراكين أو غير ذلك من مظاهر السوء في البلدان، فهناك فطرة تنزعه إلى البقاء فيها والحنين إليها مهما كانت ظروفها فكيف بالبلد إذا كان خيراً رغداً آمناً مستقراً فيجتمع فيه حبان الحب الفطري وحب ما فيه من محاسن. ولهذا يقول الشاعر العربي القديم:
وكنا ألفناها ولم تك مألفاً
وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن
كما تؤلف الأرض التي لم يطب بها
هواء ولا ماء ولكنها وطن
وأشار إلى المعنى أيضاً ابن حمدون في تذكرته حيث قال في عبارة مسجوعة: (محبة الوطن مستولية على الطباع مستدعية لشدة التشوف إليها والنزاع).
ولهذا فإن حنين الشعراء وحنين الكتاب إلى أوطانهم عندما يفارقونها معروف مشهور بل منهم من يبكي أوطانه كما قال امرؤ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
والله سبحانه وتعالى قد نبهنا على فضل الوطن الذي نعيش فيه لأجل عمارة الأرض بعبادة الله عز وجل وحده لا شريك له فذكر الله سبحانه وتعالى في إشارة ان الوطن قرين النفس فكما ان الإنسان يحب نفسه ويخشى عليها من القتل ونحوه هو كذلك يحب وطنه فطرة ويخشى عليه من أي سوء يمسه وتأمل قول الله عز وجل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم}.
فالله سبحانه وتعالى لا يكلفنا بما يشق علينا {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}.
ومن أبرز صور المشقة هاتان الصورتان أن اقتلوا أنفسكم فلو امرنا بها لشق ذلك علينا. والثانية أو أخرجوا من دياركم فلو أمرنا بها لشق علينا. فإذاً هذه إشارة واضحة إلى أن الوطن قرين النفس قرين الروح ولهذا نقل الصفدي عن القاضي الفاضل انه قال: الخروج من الديار مقرون بالقتل في كتاب الله عز وجل وإذا كانت النفوس كما قال الشاعر (أو إذا كان الناس كما قال الشاعر) نفوس الديار: فخروجهم منها قتلها وانتقال ولايتهم عنها عزلها، إذاً فالوطن له منزلة عالية ورفيعة فهو قرين الروح سواء بسواء وكيف لا تكون بلادك ولا يكون وطنك بهذه المنزلة منك وهو ميدان تهيئتك مكان ولادتك مكان تهيئتك مكان عمارتك مسرح حضارتك، أرضه: مسجدك الذي تعبد الله سبحانه وتعالى فيه وتقيم فيه الشعائر فأرض المسلمين أيها الأخوة اكتسبت حرمتها بكونهم ملكوها وكونها أرضا يقيمون عليها شعائر دين الله سبحانه وتعالى ومن هنا أوجب الله عز وجل على المسلم الذي يعيش في أرض الشرك أن ينتقل إلى أرض التوحيد واستحب أهل العلم بمن كان في أرض المعصية والفتن أن ينتقل إلى أرض الطاعة والأمن.

أمور في حب الوطن
ونبّه الشيخ العبدالكريم على أمور تؤكد لنا أن حب الوطن بهذا الاعتبار حب مشروع حب صحيح فقال: أول هذه الأمور أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يرقي المريض فيقول في رقيته كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أو هو في الصحيحين في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام كان يرقي فيقول في رقيته (باسم الله تربت أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا أو يشفي سقيمنا بإذن ربنا) فهو عليه الصلاة والسلام كان يجعل في أصبعه الشريف ريقا من ريقه الشريف شيئاً ثم يغمس الاصبع الشريف في الأرض في التراب فيعلق به من التراب شيء ثم يضعه على موضع الألم من المريض فيقول هذه الكلمات: بسم الله تربت أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا.
ما دخل هذا في موضوعنا الذي نتحدث عنه الآن العلماء رحمهم الله تعالى تكلموا عن قوله عليه الصلاة والسلام تربت أرضنا فتناولوا أن التربة الوطن الذي يعيش فيه الإنسان لها تأثير عليه ومن هنا تحدثوا طبياً عن هذه الخاصية لتراب الوطن فابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أطال في الكلام عن هذه الجزئية ونقل عن حكماء اليونان والأطباء المتقدمين ما يؤيد أن تربة الوطن لها تأثير على الإنسان طبياً بل نقل الحافظ ابن حجر عن البيضاوي رحمه الله تعالى قوله على هذا الحديث قد شهدت المباحث الطبية على أن للريق مدخلا في النضج وتعديل المزاج وتراب الوطن أيضاً وشهدت المباحث الطبية أن تراب الوطن له تأثير في حفظ المزاج ودفع الضرر فقد ذكر أنه ينبغي للمسافر ان يستصحب تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائها حتى إذا ورد المياه المختلفة جعل شيئاً منه في سقائه ليأمن مضرة ذلك. انتهى كلام البيضاوي رحمه الله تعالى وأشار الجاحظ أنه رأى بعض المتفلسف من البرامكة إذا سافر يأخذ معه تربة مولده في جراب يتداوا به والنقول عن الأطباء ونحوهم في هذا الباب كثيرة جداً إذاً فهناك ارتباط بين الإنسان وبين تربة وطنه من هذا المنطلق ومن هذا المجال وهو المجال الطبي إذاً فالصلة قوي
ة بين الإنسان وبين تراب وطنه أمر آخر أنك لم تكتسب أي معلومة إلا عن طريق هذا البلد الذي تعيش فيه بالنظر إلى أهله وما هم عليه من عوائد وأخلاق وآداب ومعاملات فإذن هذا الوطن له أيضاً فضل عليك في هذا الباب حيث جمع هؤلاء الناس وكون لهم قاعدة حضارية يتعايشون من خلالها ويلقح بعضهم أذهان وأفكار بعض ومن هنا كان عند أهل الإسلام عرف البلدان له اعتبار له وزن فالعلماء يرجعون كثيرا من الأحكام إلى أعراف البلدان مثل أحكام في الطلاق مثل ألفاظ الطلاق وألفاظ النذر والأيمان أيضاً في باب النفقات نفقات الزوجات ونحو ذلك أيضاً في البيوع يرجعون كثيراً من المسائل إلى عرف البلد الفلاني وعرف البلد الفلاني فيختلف الحكم باعتبار اختلاف الأعراف ولهذا بوب البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه فقال باب من أجرى أمر الأمصارعلى ما يتعارفون بينهم في البيوع والإيجارة والمكيال والوزن وسننهم على نياتهم ومذاهبهم المشهورة بل ذكر القاضي حسين من الشافعية أن الرجوع إلى العرف أحد القواعد الخمس التي بني عليها الفقه وهو يشير بذلك إلى القاعدة الفقهية المشهورة العادة محكة. ثالث الأمور التي أردت أن أنبّه عليها هي أن الوطن له حرمة في قلوب أصحاب الفطر كحرمة أنفسهم وحر
مة أموالهم وحرمة أهليهم ولهذا فإن القتال وإرخاص النفوس دون الوطن سبب مشروع فتأمل قول الله سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل عندما طلبوا القتال {قالوا ومالنا لا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} فعللوا سبب القتال هو الأمر العظيم الشاق على بني آدم عللوه بالإخراج من الديار والإخراج عن الأبناء فهو إذاً سبب مشروع فالإسلام جاء وأكد هذا المعنى وبيّن أن إرخاص النفس دون بلد المسلمين أمر مشروع بل هو فرض متأكد إذا دهم العدو بلد المسلمين لأن ذلك من صور التقاء الفئتين والتقاء الفئتين لا يجوز للمسلم أن يتولى عن القتال فيه كما قال الله سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا}.
إذاً هذا الأمر الذي يجده الإنسان في نفسه لبلده من هذه الحرمة وهذه المكانة موجود عندنا معشر المسلمين وهو موجود عند سائر الأمم ولهذا ذكر الجاحظ وغيره أن الهند كانوا يقولون حرمة بلدك عليك كحرمة أبويك إذ كان غذاؤهما أو إذ كان غذاؤك منهما وغذاؤهما منه.وقالت الفرس أيضاً تربة الصبا تغرس في النفس أو تغرس في القلب حرمة كما تغرس الولادة في القلب رقة. أما رابع هذه الأمور فهو تاريخك ذكرياتك التي تحن نفسك إليها هي على تراب هذا الوطن ولهذا أكثر العرب في أشعارهم وخطبهم من الإشادة بهذا الجانب بما لا تجده عند غيرهم من الأمم فهم أهل الوفاء وأهل مكارم الأخلاق ولهذا جاء الإسلام فأقرهم على ما هم عليه من محاسن الأخلاق ومكارمها فأصبح كل ما عند العرب من محاسن الاخلاق أمراً مشروعاً يتقرب به المسلمون إلى الله سبحانه وتعالى لان الإسلام صبغه بالصبغة الإسلامية فأصبح فيه من حسن الخلق ونية التقرب إلى الله عز وجل ما يرفع به المسلم نفسه إلى درجات الاولياء وإلى المنازل العالية في جنة عدن. يذكرون ان ابن الرومي في بعض اشعاره حن إلى وطنه فقال:
ولي وطن آليت الا أبيعه
والا ارى غيري له الدهر مالك
عهد به شرح الشباب ونعمة
كنعمة قوم أصبحوا في ظلالك
وحبب أوطان الرجال اليهموا
مآرب قضاها الشباب هنالك
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم
عهود الصبا فيها فحنوا لذلك
فقد ألفته النفس حتى كأنه
لها جسد ان يان غودر هالك
وهذا الباب لو أردنا ان نطيل فيه لطال الكلام جداً فإن العلماء سواء كانوا من علماء الشريعة أو من علماء الأدب قد ذكروا من هذا شيئاً كثيراً بل منهم من كتب في ذلك استقلالاً كإبن المرزبان فإنه ألف كتابه (الحنين إلى الاوطان) وقد قيل لاعرابي اتشتاق إلى وطنك قال كيف لا اشتاق إلى رملة كنت جنين ركامها ورضيع غمامها. وقال الشيخ العبدالكريم ان الوطن حبه في النفوس كامن وانما تظهر مشاعر الحب واضحة بادية للعيان في صورتين تقريباً أو لا نحصرها في صورتين وانما أهم ظهور المشاعر يكون في صورتين الصورة الأولى اذا سافر الانسان عن وطنه فهنا تهيج المشاعر تتحرك العواطف لهذا الوطن فيجد الإنسان في نفسه حنيناً لا يدري من اين يأتي وهو انما تأتي من الفطرة التي فطر الله الناس عليها وهذا الحنين إلى الوطن هو من علامات العقل ورجوحه كما قال بعض الحكماء من امارات العاقل بره بإخوانه وحنينه إلى أوطانه ومداراته لاهل زمانه وابن الرومي نرجع إليه مرة أخرى كان مرة في بعض اسفاره فحن إلى بغداد فقال في أبيات جميلة مشهورة عن الادباء:
بلد صحبت به الشبيبة والصبا
ولبست فيه العيش وهو جديد
أما الأمر الثاني فهو اذا مست بلد الانسان بسوء صغيراً كان هذا السوء أو كبيراً اذا سبت مثلاً بلاده تحركت فيه مشاعر الحب فدفعت عنه كذلك اذا وقع عليها حرب او عبثت بها يد مفسد فهنا كل المشاعر الكامنة فيك تنفجر فلا ترى النفس إلا في أرخص عهودها تجود بها وتحملها على يدك لعل وطنك المسلم لا يصاب بأذى ولا يسلبه مغتصب وهذا أمر مودع بالفطر ومقرر في الشريعة الاسلامية ولهذا جاء في الصحيحين واللفظ لمسلم عن ثابت مولى عمر ابن عبدالرحمن قال: لما كان بين عبدالله بن عمرو بن العاص وبين عنبسة بن ابي سفيان ما كان تيسرو للقتال فركب خالد ابن العاص إلى عبدالله ابن عمر ليعظه فوعظه خالد وعظ عبدالله ابن عمر وقال له كيف تقاتل على هذه الأرض أو على نحوها فقال عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما اما علمت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قتل دون ماله فهو شهيد والمال هنا هو الأرض ويراد ايضاً به كل ما هو مال وأرض المسلمين هي مال للمسلمين ملك لجميع المسلمين يقوم ولي الأمر. وولي الأمر قائم عليها بالمصلحة لهم وفي هذا يقول الله عز وجل {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين} فيجب الدفاع عن البلاد والا
عراض والاموال واستنفاذ ما يستولي عليه الاعداء. اذن فحب المسلم لوطنه منبعث من إيمانه بأن اكثر الشعائر الدينية لا تتم إلا بجماعة والجماعة لا تتم إلا بإمارة والإمارة لا تقوم إلا على وطن. ومن هذا المنطلق صحح بعض العلماء كالعلامة السخاوي في المقاصد الحسنة وغيره الكلمة المشهورة حب الوطن من الإيمان فهي وان لم تكن قد جاءت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن معناها صحيح بهذا الاعتبار وبهذا المعنى فالمعنى في هذه الجملة إذا تناول الوطن الذي يعمره المسلمون يستقرون فيه يقيمون فيه شعائر الله يتواصلون بينهم يدعون إلى ربهم فلا ريب ان حب الوطن خير وفضل.
ومما يؤيد صحة هذه الجملة من حيث المعنى ان العلماء - رحمهم الله تعالى - ذكروا ان المسافر يستحب له اذا قضى نهمته من سفره ان يعجل بالرجوع إلى أهله في اي سفر كان اي سواء كان سفر طاعة وقربة أو سفر نزهة أو سفر مباح ومما يؤيد هذا الفهم قول البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في آخر كتاب العمرة باب السفر قطعة من العذاب ثم ذكر حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (السفر قطعة من العذاب يمنع احدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله) والمراد بالاهل هنا البلد سواء كان الانسان فيه أهل زوجة ابوان إخوان نحو ذلك أو لم يكن له اهل وهذا ذكره العلماء - رحمهم الله تعالى - فإذا كان هذا في السفر انه يمنع الانسان من الاتيان بالطاعات على وجه الكمال او ينقص من طاعته ونحو ذلك فكيف بما اذا أخرج المسلم من وطنه قهراً وغصباً كيف سيكون حاله ايضاً اذا كان البلد هرجاً ومرجاً ونهباً وسلباً كيف سيكون حاله. فهاتان الصورتان الاخيرتان اشد وقعاً من السفر في اضعاف المسلم عن طاعة الله سبحانه وتعالى واشغاله بما لا يعود عليه بنفع وقد جاء ايضاً حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في المستدرك عن عائشة رضي الله عنها ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قضى أحدكم حجة فليعجل الرجوع إلى أهله فإنه أعظم لاجره) هذا نص في انه يستحب الرجوع حتى في سفر الطاعة عندما ينتهي المسلم من مأربه في سفره. وقد تكلم العلامة المناوي - رحمه الله - بكلام جميل على هذا الحديث انقله إليكم فقد قال كما في كتابه فيض القدير قال اذا قضى احدكم اي اتم حجة أو نحوه من سفر طاعة كغزو فليعجل اي فليسرع ندباً الرجوع إلى أهله اي وطنه وان لم يكن له أهل فإنه اعظم لاجره لما يدخله على أهله واصحابه من السرور بقدومه لأن الإقامة بالوطن يسهل معها القيام بوظائف العبادات أكثر من غيرها. واذا كان هذا في الحج الذي هو احد دعائم الإسلام فطلب ذلك في غيره من الاسفار المندوبة والمباحة أولى ومنه أخذ ابو حنيفة كراهة المجاورة بمكة وخالفه صاحباه والشافعي وفيه ترجيح الاقامة على السفر غير الواجب انتهى كلام المناوي رحمه الله تعالى.
وطننا هذا المملكة العربية السعودية اجتمع فيها الحبان الحب الفطري والحب الشرعي فهذه البلاد تميزت ولا فخر بميزات جليلة بميزات عظيمة جعلتها تتربع على قائمة العالم الإسلامي في هذا الزمن قولاً وعملاً. فأول ذلك انها بلاد الحرمين الشريفين البلاد التي ضمت مكة المكرمة والمدينة النبوية وحب مكة وحب المدينة قربة يتقرب بها المسلم إلى الله عز وجل ولهذا جاءت الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بفضل هاتين المدينتين وان حبهما دين يدان الله عز وجل به.
ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ان النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد واخبر النبي عليه الصلاة والسلام ان المدن ستفتح كالعراق والشام واليمن وان اناساً يلحقون بها ثم قال والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون فالنبي عليه الصلاة والسلام كان حريصاً على عمارة المدينة والبقاء فيها حتى ان بني سلمة لما ارادوا ان ينتقلوا من ديارهم إلى قرب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالبقاء في أماكنهم ومن الحكم في ذلك الا تعرى المدينة اي ان تبقى مسكونة آهلة أرضها بالناس يعمرونها ويقيمون فيها ذكر الله عز وجل وهذا وذكر البخاري - رحمه الله - عز وجل في صحيحه حيث بوب في كتاب فضاء المدينة باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم ان تعرى المدينة والعلماء كما تعلمون قد ألفوا في فضائل مكة والمدينة كتباً كثيرة يعني بينوا فيها الفضل لهاتين المدينتين على سائر مدن الدنيا وبقاع الدنيا وألف ابن الجوزي ممن ألف من العلماء كتابه المعروف (مثيروا الغرام الساكن إلى أفضل أو إلى أشرف المساكن) فهذه ميزة تميز بها هذه البلاد توجب ان يكون حبها حباً شرعياً ميزة أخرى ما تميزت به هذه البلاد ايضاً
من العمل بشريعة الله عز وجل وتطبيق احكامه، هذا البلد الإسلام فيها ظاهر قوي جلي بل لا وجود لغير الإسلام فيها بحمد الله عز وجل فمحاكمها انما تحكم بشريعة الله عز وجل بالكتاب والسنة كما هو الحال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والقرون المفضلة وهذه ميزة لا توجد في غير هذه البلاد في هذا الوقت فهي مما تخلع على هذه البلاد الحب والاعتزاز والتقدير وان يكون المسلم مقدراً لهذه الجهد الكبير في حفظ شريعة الله سبحانه وتعالى فإن حفظ الشريعة مما يمدح به الانسان ويثنى عليه به وإذا نظرنا يمنة ويسرة فوجدنا الانظمة الفاسدة التي تخالف الإسلام من أصوله كالديمقراطية وغيرها رأينا أننا بحمد الله عز وجل في خير عظيم وفي نعمة كبيرة لا يقدرها إلا من كان ذا انصاف وذا عقل ومن نظر ايضاً في سائر الدوائر الحكومية عندنا رأى بحمد الله عز وجل خيراً عظيماً من حيث تطبيق الشريعة الإسلامية وكون الشريعة هي المهيمنة على الجميع فليست الامور الشرعية مختصة بدوائر شرعية كالافتاء ووزارة الشؤون الإسلامية أو وزارة الحج أو نحو ذلك لا. بل الشريعة حاكمة على الجميع بحمد الله سبحانه وتعالى.
تقود خطانا دولة عز ركنها
ترى الدين نحو الشامخات سبيلا
سعودية لم يعرف الوهن عزمها
ولم تر للإسلام قط عديلا
رخاءً وعز منعة وتقدم
تبسم بشراً كالصباح خجولا
وما الذي اقض مضاجع الاعداء وجعلهم يكيلون هذا الكيل لهذه البلاد ويطعنون هذا الطعن الفاسق إلا لانها ما زالت ملتزمة بشرع الله عز وجل ما زالت متمسكة بالاقوال الثابتة للدين الإسلامي ترعاه وتؤيده وتقوم به وتأمر به وتنهى عن ما خالفه فلا يعرف الفضل لاهل الفضل إلا من كان من أهل الفضل. أما الميزة الثالثة فهي والله ميزة خص الله عز وجل بها هذا البلاد في هذا الوقت ومنذ ازمان متقادمة الا وهي تلك العقيدة السليمة النقية الصافية التي نشأت عليها هذه البلاد وقامت عليها بحمد الله سبحانه وتعالى فالسنة مرفوعة والبدعة مقموعة والشرك لا اثر له ولا ناصر له ولا داع إليه فذلك من أعظم الفضائل ومن اجلها فتوحيد الله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبادة هو أعظم ما أمر الله سبحانه وتعالى به ومن جاء بالتوحيد يوم القيامة فإنه ناج بإذن الله عز وجل من النار اما ناج بالكلية واما ان يدخلها لمعصية ونحو ذلك إذا شاء الله ثم يخرج منها ويكون مصيره إلى الجنة وذلك معلوم مقرر في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهو مما أجمع عليه المسلمون وهذه الميزة يعرفها أهل الفضل ويقدرونها قدرها ولهذا فإن سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعا
لى أشاد بهذا الجانب اشادة قوية وهو من هو في الصدق والصلاح والاستقامة نحسبه كذلك والله حسيبه يقول رحمه الله كما في مجموع فتاويه الذي طبع في حياته في المجلد الأول صفحة 384يقول عندما تكلم عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب واثر هذه الدعوة في نشر العقيدة الصحيحة قال رحمه الله تعالى ومن ابرز هؤلاء الدعاة المصلحين الامام الشيخ محمد بن عبدالوهاب مجدد القرن الثاني عشر الهجري رحمه الله الذي وفقه الله للقيام بدعوة اصلاحية عظيمة اعادت للاسلام في الجزيرة العربية قوته وصفاءه ونفوذه وطهر الله به الجزيرة من الشرك والبدع وهداهم به الى الصراط المستقيم وامتدت آثار هذه الدعوة المباركة الى اجزاء كثيرة من العالم الاسلامي وتأثر بها عدد من العلماء والمصلحين فيه وكان من اقوى اسباب نجاح هذه الدعوة ان هيأ الله له حكاماً آمنوا بها ونصروها وآزروها او وآزروا دعاتهم فذلكم هم الحكام من آل سعود بدداً من الامام المجاهد محمد بن سعود رحمه الله مؤسس الدولة السعودية ثم ابنائه واحفاده من بعده ان دعوة الامام الشيخ محمد بن عبدالواهاب رحمه الله هي الدعوة الاسلامية التي دعا اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وسلف هذه الامة الصالح ولهذا ن
جحت وحققت آثاراً عظيمة رغم كثرة اعدائها ومعارضيها في العالم الاسلامي اثناء قيامها وهذه الدعوة وان كانت سلسلة في دعوة الاصلاح ومرتبطة بمذهب السلف الصالح السابق لها ولم تخرج عنه الا انها تستحق المزيد من الدراسة والعناية وتبصير الناس بها لان الكثير من الناس لايزال جاهلاً حقيقتها ولأنها اثمرت ثمرات عظيمة لم تحصل على يد مصلح قبله بعد القرون المفضلة وذلك لما ترتب عليها من قيام مجتمع يحكمه الاسلام ووجود دولة تؤمن بهذه الدعوة وتطبق احكامها تطبيقاً صافياً نقياً في جميع احوال الناس في العقائد والاحكام والعادات والحدود والاقتصاد وغير ذلك مما جعل بعض المؤرخين لهذه الدعوة يقول ان التاريخ الاسلامي بعد عهد الرسالة والراشدين لم يشهد التزاماً تاماً بأحكام الاسلام كما شهدته الجزيرة العربية في ظل الدولة السعودية التي ايدت هذه الدعوة ودافعت عنها ولا تزال هذه البلاد والكلام موصول لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى قال ولا تزال هذه البلاد والحمد الله تنعم بثمرات هذه الدعوة امناً واستقراراً ورغداً في العيش وبعداً عن البدع والخرافات التي اضرت بكثير من البلاد الاسلامية حيث انتشرت فيها والمملكة حكاماً وعلماء يهمهم امر المسل
مين في العام كله ويحرصون على نشر الاسلام في ربوع الدنيا لتنعم بما تنعم به هذه البلاد. انتهى كلامه رحمه الله تعالى هذا الكلام نأخذه من معين هذا العالم الصادق الصابر المجاهد فلا نلتفت الي غيره من اوباش واقزام لاوجود لهم في العلم ولا حضور لهم في الدعوة ولاقدم صدق لهم في خدمة الاسلام فمن التفت الى مثل هؤلاء واخذ عنهم فهو كمثل الذي يريد ان يبني بيتاً ويأخذ تخطيط بيته او مخطط بيته من صاحب بقالة او من صاحب مطعم او نحو ذلك فجعل الامور في نصابها واخذ الشيء من اهله هو الطريق الحق وهو السبيل الذي عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم وعليه علماء اهل الاسلام فإذا لم نأخذ مثل هذا الكلام من مثل سماحته رحمه الله وغيره من علماء هذه البلاد المباركة كسماحة المفتي الحاضر الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ وغيرهم فمن نأخذه عنه وعمن نتلقى هذه الامور التي خطرها كبير وآثارها عظيمة فالعاقل الذي يريد لنفسه النجاة لا يأخذ هذه الامور الا عن اهل العلم الصادقين اهل العلم الذين شهدت لهم الامة بالعلم الشرعي والعمل الصالح والدعوة الى الله عز وجل على طريقة السلف الصالح لا على طريقة فلان وفلان او على هوى ومزاج فلان وفلان هذا ما تميزت به هذه البلا
د من النواحي الدينية اما الناحية الدنيوية فالحديث فيها لن يكون ابلغ من الواقع العملي فإن واقع هذه البلاد بحمد لله عز وجل انها تمر بعصور رخاء ورغد عيش لم يمر على هذه البلاد قبل هذه الفترة والدنيا يفرح بها المؤمن اذا كانت عوناً على الآخرة ومعينة على طاعة الله سبحانه وتعالى فقد جمع الله عز وجل في هذا البلد ما لم يجمعه في اي بلد اخر لا من حيث الدين ولا من حيث الدنيا فالواجب حمد الله عز وجل على هذه النعمة والقيام في شكرها واما الاخطاء والزلل فهذا لا يسلم منه بشر فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون واولئك الذين يحاولون ان يتصيدوا الاخطاء وان يحجموها ويكبروها صارفين النظر عن المحاسن والميزات التي تميزت بها هذه البلاد هم في الحقيقة مخطئون وهم في الحقيقة لم يشتغلوا بعيوب انفسهم عن عيوب الناس والا لو فعلوا ذلك لما خاضوا فيما لا يعنيهم وتحدثوا فيما لا يخصهم بجهل وفي هوى هؤلاء اذكرهم بالله سبحانه وتعالى وبقول النبي صلى الله عليه وسلم من حسن اسلام المرأ تركه ما لايعنيه. وقد ذكر بعض السلف ان من تحدث فيما لا يعنيه فقد مكر به والامور في شريعة الله عز وجل قد قسمت اختصاصاتها فهناك ولاة امر لهم اختصاص وهناك علماء لهم اختصاص
ايضاً في التعليم وفي التوجيه وفي النصح وفي البيان في تصحيح الاخطاء ونحوها فالاخطاء لايزعم احد انها لا تقع بل تقع وهذا من شأن البشر ووقوعها ليس سبيلاً الى تأييدها وتبريرها لا وانما ترد بما يناسب فلا يرد الشر بما هو اكبر شراً منه وهكذا واذا لم يثق هؤلاء بما اذكره الان فإنني اتقدم اليهم بقصة جاءت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه رواه ابن جرير الطبري وغيره باسناد حسَّنه ابن كثير وصحَّحه غيره من اهل العلم لنتأمل هذه القصة وما جرى فيها حتى نعلم ان الاخطاء في الدول لا بد من وقوعها وان النظر الى مجمل ما عندها من الخير واما الاخطاء فإنه يسعى بتصحيحها بالقنوات التي شرعها الله سبحانه وتعالى وسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرى عليها الخلفاء الراشدون اما اذا تغيرت هذه القنوات فإن الفساد سوف يعم والضرر سوف يقع على الجميع يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى ان ناساً سألوا عبدالله بن عمرو بن العاص بمصر قالوا نرى اشياء من كتاب الله امر ان يعمل بها لا يعمل بها فأردنا ان نلقى أمير المؤمنين في ذلك فهم الان انتقدوا والي مصر وهو عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه وارضاه وقالوا انه لا يعمل بما جاء في كتاب الله عز وجل قال فقدم وقدم
وا معه فلقيه عمر فقال متى قدمت قال مذ كذا وكذا قال عمر أبإذن قدمت قال فلا ادري كيف رد عليه يعني الراوي يقول لا ادري كيف رد عبدالله بن عمرو على عمر بن الخطاب في هذا السؤال فقال عبدالله بن عمرو يا أمير المؤمنين ان ناساً لقوني بمصر فقالوا انا نرى اشياء من كتاب الله امر ان يعمل بها فلا يعمل بها فأحبوا ان يلقوك في ذلك قال عمر اجمعهم لي قال فجمعتهم له فأخذ ادناهم رجل فقال عمر له نشدتك الله نشدتك بالله وبحق الاسلام عليك اقرأت القرآن كله قال نعم قال عمر فهل احصيته في نفسك قال اللهم لا قال أي الراوي ولو قال نعم لخصمه فإنه لو قال نعم لكان قد زكى نفسه بالباطل اذ لا يسلم احد من النقص ومن الخطأ مهما كان الا من عصم الله عز وجل كأنبيائه ورسله قال عمر ايضاً في أسئلة موجهة الى هذا الشخص فهل احصيته في بصرك فهل احصيته في لفظك هل احصيته في اثرك ثم تتبعهم حتى اتى على آخرهم يعني كل واحد يجلس معه ويسأله هذه الأسئلة ثم قال عمر ثكلت عمر أمه أتكلفونه يعني واليه أن يقيم الناس على كتاب الله تبارك وتعالى قد علم ربنا انه ستكون لنا سيئات قال ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً ثم قال: هل علم اهل المدينة بم
ا قدمنك فقالوا لا قال لو علموا لوعظت بكم فانظر الى فقه عمر وجلالة قدره وحكمته اتكلفونه ان يقيم الناس على كتاب الله عز وجل أي اتكلفونه بأن لا يقع في أي خطأ وان لا يحصل منه أي هنة ان ذلك مستحيل على بشر وانتم في انفسكم قد اقررتم بأن عندكم من الاخطاء وعندكم من التقصير ما عندكم فكيف تكلفون الناس بما لا تلتزمون به في انفسكم ثم احتج عليهم بأن الخطأ واقع لا محالة من جنس البشر فقال قارئ الآية {ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً} فإذا عمر رضي الله تعالى عنه كان موفقاً كما هو في سائر اموره في معالجة هؤلاء واقناعهم بالطرق النقلية وبالطرق العقلية فكان ماكان منهم من توجه ومن انكفاف هذه الفتنة ولم ترجع الا بعد ان قتل عمر رضي الله تعالى عنه وارضاه. فيا اخواني نحن في هذا البلد محسودون لا اقول اننا محسودون في امور الدين فحسب او في امور الدنيا فحسب بل اننا محسودون في امور الدين وامور الدنيا فوضعنا الديني افضل الاوضاع مقارنة بجميع الدول والحسد في الدين وارد ليس الحسد على الدنيا فقط لذلك اليهود حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم وجاء عن النبي عليه الصلاة والسلام ان اليهود يحسدوننا على التأمين في ال
صلاة وعلى السلام السلام التحية ونحو ذلك وهذا الحسد الموجود علينا في امور الدين هو الذي جعل اعداءنا يسعون الى تمزيقنا فرقاً واحزاباً جلبوا المناهج الدخيلة على البلاد ايضاَ شوهوا صورة الدعوة التي تتبناها هذه البلاد فوصفوها زوراً وبهتاناً بأنها وهابية فاخترعوا لها هذا الاسم ثم صوروه في صورة سيئة فنشروها في العالم الاسلامي حتى يضلوا الناس عن سبيل الله عز وجل ولكن ولا يحيق المكر السيئ الا بأهله اذن فكل ذلك من مظاهر الحسد لنا والحقد علينا واهل الأهواء والبدع لهم نصيب من ضلال اهل الكتاب اليهود والنصارى كما ان اليهود والنصارى يحسدوننا فكذلك اهل الأهواء والبدع يحسدوننا ويحاولون ان يفسدوا بل ان بعضهم قد يتعاون مع الاعداء الحقيقيين من اليهود والنصارى وغيرهم في سبيل الاضرار بهذه الدعوة المباركة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وذلك معلوم مشهور اما بالنسبة للحسد في امور الدنيا فيعني كيف يريد الانسان ان يتحدث عنه حسد ظاهر بين العبارات تقصر عن ايصال حجمه الى العقول لأن الافعال اكبر.

نشرت في جريدة الرياض بتاريخ : 16 صفر 1424 - العدد 12719.