الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله.. أما بعد:
فإن نبأ حادث الانفجار الذي وقع في مدينة الرياض نبأ مؤلم وخبر سيء، تنغلق له النفس، ويتكدر منه العيش..
حادث «مشين«، تتجلى فيه اقبح صور الظلم والعدوان، واشنع مظاهر السعي في الأرض بالفساد، كما تظهر منه خساسة نفس القائم بهذا الجرم، وجبنه، وخيانته لأمته، وغدره بها حيث تخطى حدود الشرع المظهر، وتجاوز سياج الأخلاق، وتجرد من الإنسانية بكل مدلولاتها، .. فلا عطف ولا مودة، ولا شفقة ولا رحمة ولا ضمير ولا إحساس { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا } وهذا حال المجرمين: تجرد من كل معنى حس، وتعر من خلق كريم.
لقد اشتمل هذا الحادث الأليم على عدد من الجرائم البشعة، والتجاوزات المقيتة حيث تسبب في قتل الأبرياء، واتلاف الأموال وترويع الآمنين، وكل ذلك من الافساد في الأرض { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } قال تعالى عن بعض الناس { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ . وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ }.
كيف يقدم مسلم على قتل مسلم بغير حق والله يقول: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا }.
كيف يقتل مسلم كافراً معاهداً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ», أخرجه البخاري في صحيحه، والمعاهد من عوهد, أي: صولح مع المسلمين بنحو جزية أو هدنة من إمام أو أمان من مسلم.
كيف يقدم مسلم على ترويع الآمنين والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يَحِلُّ لمسلم أن يُرَوِّعَ مُسْلِماً», إن كل هذه العظائم التي ارتكبها ذلك المجرم لمما يدل على شدة حقده على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وكبير ما ينطوي عليه قلبه من حسد هذه البلاد على أمنها واستقرارها وترابط شعبها مع قادتها الأكارم {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} والله {لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} سوف يعود ذباب سيفه عليه، وستدور الدائرة عليه {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.
وواجب جماعة المسلمين أن يزيدهم مثل هذا الحادث ترابطاً وتلاحماً مع قياداتهم، وأن يزيدوا بصيرة بأولئك الذين يحاولون الاخلال بأمن هذه البلاد إما بالكلمة، ـ وهم أساس الشر ـ وإما بالفعل ـ وهو ثمرة الكلمة ـ وأن يحذروا منهم ويبتعدوا عنهم ولا ينخدعوا بمن ينمق الكلام ويظهر التنسك فيه: إذا كان كلامه داعياً إلى فتنة محرضاً عليها، فنحن بحمد الله في مجتمع تكامل خيره: الدين والدنيا فيه قائمة، شرع الله مرفوع، وحكم الله منفذ، والأمن عانق السحاب، وعم الحاضر والباد.
أما عن الدنيا فلا تسأل حيث رغد العيش ووفرة القوت ورخص الأسعار وهلم جراً .. فالواجب الحفاظ على هذه النعم التي حُرمها أكثر الخلق وخصنا الله تعالى بها، ولنعلم أن حسادنا كثيرون وكثيرون، فلنكن يداً واحدة وشعباً نسعى إلى ما يصلح بلدنا وينهض بها، ونزود عنها بمالنا وأهلنا وأنفسنا: فبقدر محافظتنا على هذا البلد بقدر ما يعطينا بفضل الله ورحمته.
أسأل الله تعالى بأن له الحمد لا إله إلا هو المنان بديع السموات والأرض والجلال والإكرام الحي القيوم أن يعجل بكشف هذا المجرم، وأن يحفظ بلادنا من كل مكروه، وأن يوفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وسائر إخوانه الميامين إلى كل خير وأن يجنبه واياهم كل مكروه وأن يديم عليهم نعمه ظاهرة وباطنة .. ومن أرادهم وأراد بلادهم بسوء أن يشغله بنفسه ويجعل دائرة السوء عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.