مقال القصد القصد تبلغوا الشيخ محمد بن غيث غيث

القصد القصد تبلغوا
الأربعاء 12 جويلية 2017    الموافق لـ : 17 شوال 1438

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن السير إلى الله تعالى لا يقطع إلى بالاقتصاد، وهو أن يكون الإنسان وسطا بين الغلو والتفريط، والنفس كالدابة: إذا ترك ترويضها نفرت، وإذا شدد عليها هلكت، قال الحسن رحمه الله: "نفوسكم مطاياكم؛ فأصلحوا مطاياكم تبلغكم إلى ربكم عز وجل"([1]).

والله عزوجل ما شرع الشرائع ليشقى بها العباد وإنما لسعادتهم، كما قال تعالى: }مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 2] وقال: }يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ{[البقرة: 185].

ولذلك أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من شدد على نفسه في العبادة، فعن عائشة رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ، قَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟» قَالَتْ: فُلاَنَةُ، تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا، قَالَ: «مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَادَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ"([2]).

فهذه المرأة كانت لا تنام الليل كما في بعض روايات الحديث، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الفعل الذي فيه شدة على النفس ولا يستطيع الانسان المداومة عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ»([3]).

وفي رواية: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَالقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا».

فمن لم يقتصد لا يبلغ، قال بن المنير: "في هذا الحديث علم من أعلام النبوة فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع"([4]).

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلاَثًا»([5]).

فالتشدد في غير موضع الشدة باب من أبواب الهلاك والخسارة، قال الذهبي: "وقد جعل الله لكل شيء قدرا، والسعادة في متابعة السنن، فزن الأمور بالعدل"([6]).

وقال: "وكل من لم يزم نفسه في تعبده وأوراده بالسنة النبوية، يندم ويترهب ويسوء مزاجه، ويفوته خير كثير من متابعة سنة نبيه الرؤوف الرحيم بالمؤمنين، الحريص على نفعهم"([7]).

وقال: "فلا خير إلا في الاتباع، ولا يمكن الاتباع إلا بمعرفة السنن"([8]).

وهذا أمر عام في كل أبواب الدين، قال الطحاوي: "دين الله في الأرض والسماء واحد، وهو بين الغلو والتقصير"([9]).

والحمد لله رب العالمين

 

 


([1])  فتح الباري لابن رجب (1/153).

([2])  متفق عليه.

([3])  رواه البخاري.

([4])  فتح الباري (1/94).

([5])  رواه مسلم.

([6])  سير أعلام النبلاء (14/70).

([7])  سير أعلام النبلاء (3/85).

([8])  سير أعلام النبلاء (9/409).

([9])  العقيدة الطحاوية.