لمعة الإعتقاد شرح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي الدرس 7

شرح لمعة الإعتقاد القاعدة الثالثة في صفات الله
الأربعاء 19 جويلية 2017    الموافق لـ : 24 شوال 1438
تحميل الشريط

عناصر الشريط

تفريغ الشريط

القاعدة الثالثة في صفات الله صفات الله كلها عليا

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد فقد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

القاعدة الثالثة: في صفات الله، وتحتها فروع أيضا:

الفرع الأول: صفات الله كلها عليا، صفات كمال ومدح ليس فيها نقص بوجه من الوجوه، كالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر، والحكمة والرحمة والعلو، وغير ذلك لقوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ولأن الله كامل فوجب كمال صفاته.

نعم وهذه قاعدة معلومة، صفات الله كلها عليا وكلها كمال، كما قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى يعني وصف له ولله المثل الأعلى الوصف الكامل، كما أن أسماءه -سبحانه وتعالى- حسنى وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا فكلها كمال، العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر؛ ولهذا إذا كانت الصفة تحتمل الكمال وتحتمل النقص فلا يوصف الله بها، إذا كانت تحتمل هذا وهذا فلا يوصف الله بها، ذلك مثل ما أحدثها بعض المبتدعة الجسم والحيز والعرض والحد والجهة هذه كلها تحتمل حقا وباطلا، فلذلك ما جاء الشرع بإثباتها، أما صفات الله فإنها كلها كاملة وأسماء الله كلها حسنى؛ فلذلك أطلقها الله -سبحانه وتعالى- على نفسه. نعم.

وإذا كانت الصفة نقصا لا كمال فيها فهي ممتنعة في حقه كالموت والجهل والعجز والصمم والعمى ونحو ذلك؛ لأنه سبحانه عاقب الواصفين له بالنقص ونزه نفسه عما يصفونه به من النقائص.

نعم سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ سبح نفسه ونزه نفسه عما يصفه به المشركون من النقائص والعيوب، نعم.

ولأن الرب لا يمكن أن يكون ناقصا لمنافاة النقص للربوبية.

فالرب كامل سبحانه وتعالى. الربوبية تقتضي الكمال، فلا يمكن أن يكون الرب إلا كاملا، نعم.

وإذا كانت الصفة كمالا من وجه ونقصا من وجه لم تكن ثابتة لله، ولا ممتنعة عليه على سبيل الإطلاق، بل لا بد من التفصيل فتثبت لله في الحال التي تكون كمالا، وتمتنع في الحال التي تكون نقصا كالمكر والكيد والخداع ونحوها، فهذه الصفات تكون كمالا إذا كانت في مقابلة مثلها لأنها تدل على أن فاعلها ليس بعاجز عن مقابلة عدوه بمثل فعله، وتكون نقصا في غير هذه الحال، فتثبت لله في الحال الأولى دون الثانية.

ولا تطلق على الله إلا باللفظ الذي ورد به مثل لفظ المكر جاء بلفظ الفعل وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ تقول: ويمكر الله بمن مكر به، الله خير الماكرين، أما أن يشتق وصف لله: الماكر، لا هذا نقص، ما يقال: من أوصاف الله الماكر، ولا من صفات الله المكر هكذا، لكن يوصف الله بأنه يمكر بمن مكر به وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ويكيد الله من كاده، ولا يشتق وصف الله بها، ولا يقال: من أوصاف الله الكائد، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ يستهزئ الله بالمنافقين على لفظ الفعل، ولا يقال: من أوصاف الله المستهزئ، بخلاف الصفات التي جاء إطلاقها مثل: العلم والحياة والسمع، والتي تطلق على الله، فالصفات لها أحوال ثلاثة:

فالحالة الأولى: أن تأتي الصفة مطلقة على الله كالعلم والحياة مطلقة على الله.

الحالة الثانية: تأتي مقيدة بفعل، تأتي على لفظ الفعل، فلا تطلق على الله إلا على لفظ الفعل يَكِيدُونَ كَيْدًا ، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ فلا يقال: من صفات الله المستهزئ، الله يستهزئ بالمنافقين

الثالثة: تأتي على لفظ الفعل وتأتي أيضا مضافة مثل يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ تقول الله خادع المنافقين يخدع الله المنافقين الله خادع المنافقين فإذا جاءت على لفظ الفعل تبقى على لفظ الفعل، وإذا جاءت مضافة مع لفظ الفعل تثبت لله على الإضافة، وإذا جاءت مطلقة تثبت مطلقة، العلم والحياة والسمع والبصر كلها صفات مطلقة على الله بدون قيد.

قال الله تعالى وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ، إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا ، إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ إلى غير ذلك.

فإذا قيل: هل يوصف الله بالمكر مثلا؟ فلا تقل: نعم ولا تقل: لا، ولكن قل: هو ماكر بمن يستحق ذلك، والله أعلم.

من ذلك قول الله تعالى كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ الله تعالى كاد ليوسف في مقابل كيد إخوته له، إخوة يوسف كادوا له، ماذا كادوا له؟ قال الله تعالى في أول سورة يوسف لما رأى يوسف الرؤيا وأخبر أباه قال: يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ كادوا له، كيف كادوا له؟ كادوا يعني دبروا حيلة إنهم يأخذونه من أبيهم وجاءوا لأبيهم وقالوا: يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ فما زالوا حتى دفعه إليهم، فكادوا وألقوه في غيابة الجب كما قص الله -عز وجل- في القرآن الكريم.

ثم بعد ذلك بعد مدة طويلة لما صارت العاقبة الحميدة له، وصار على خزائن مصر وجاءوا إخوته إليه، صار الناس كلهم يجيئون من كل مكان يكتالون، بعد ما جاءت سنين الجدب كما هو معروف، يوسف عليه السلام قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ وإلا ما في شيء ائتوا بأخ لكم من أبيكم، عرفهم وهم لم يعرفوه، قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ لنا أخ لكن متمسك بأبيه، فما زالوا بأبيهم حتى جاءوا به.

بعد ذلك كاد الله ليوسف يوسف قال: اجعلوا الصواع في رحل أخيهم، يعني يوهم أنه أخذه، ثم بعد ذلك ذهبوا، فجاءهم المنادي، مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ما جئنا نفسد، وما جئنا نسرق، نحن نريد الآن نكتال ونذهب إلى أهلنا، قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ من يوجد في رحله فيقيد، هذا من الكيد، قال الله: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ كاد الله ليوسف قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ

بعد ذلك قال الله: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ يعني لو لم يقولوا هذا القول ما استطاعوا أن يأخذوه، لأنه في دين الملك أو في شريعة الملك ما يؤخذ بالصواع، يكون له عقوبة أخرى غير هذا، لكن لما هم حكموا على أنفسهم قالوا: من وجد في رحله فهو جزاؤه، خلاص، بعد ذلك قالوا: خذ أحدنا مكانه قال: لا نحن لسنا ظالمين، مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ أنتم حكمتم خلاص، وجدناه نأخذ من وجدناه، هذا من الكيد الذي كاده الله ليوسف في مقابل كيدهم السابق، كيد في مقابل كيد، كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ يعني في شريعة الملك ما كان يأخذه إلا بهذا الكيد، نعم.