لمعة الإعتقاد شرح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي الدرس 23

شرح لمعة الإعتقاد التسليم والقبول لآيات وأحاديث الصفات
الأربعاء 19 جويلية 2017    الموافق لـ : 24 شوال 1438
تحميل الشريط

عناصر الشريط

تفريغ الشريط

التسليم والقبول لآيات وأحاديث الصفات

تقسيم نصوص الصفات وطريقة الناس فيها

تقسيم نصوص الصفات وطريقة الناس فيها

تنقسم نصوص الكتاب والسنة الواردة في الصفات إلى قسمين: واضح جلي ومشكل خفي، فالواضح ما اتضح لفظه ومعناه، فيجب الإيمان به لفظا، وإثبات معناه حقا بلا رد ولا تأويل ولا تشبيه ولا تمثيل؛ لأن الشرع ورد به فوجب الإيمان به وتلقيه بالقبول والتسليم.

وأما المشكل فهو ما لم يتضح معناه لإجمال في دلالته أو قصر في فهم قارئه فيجب إثبات لفظه لورود الشرع به والتوقف في معناه وترك التعرض له؛ لأنه مشكل لا يمكن الحكم عليه، فنرد علمه إلى الله ورسوله.

وقد انقسمت طرق الناس في هذا المشكل إلى طريقين:

الطريقة الأولى: طريقة الراسخين في العلم الذين آمنوا بالمحكم والمتشابه، وقالوا كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وتركوا التعرض لما لا يمكنهم الوصول إلى معرفته والإحاطة به تعظيما لله ورسوله، وتأدبا مع النصوص الشرعية وهم الذين أثنى الله عليهم بقوله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا .

الطريقة الثانية: طريقة الزائغين الذين اتبعوا المتشابه طلبا للفتنة وصدا للناس عن دينهم وعن طريقة السلف الصالح فحاولوا تأويل هذا المتشابه إلى ما يريدون لا إلى ما يريده الله ورسوله، وضربوا نصوص الكتاب والسنة بعضها ببعض، وحاولوا الطعن في دلالتها بالمعارضة والنقص ليشككوا المسلمين في دلالتها ويعموهم عن هدايتها وهؤلاء هم الذين ذمهم الله بقوله: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ

نصوص الصفات تنقسم إلى قسمين:

قسم واضح بمعنى أنه واضح المعنى جلي لا إشكال فيه، مثل: إثبات العلم والقدرة والسمع والبصر وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ، وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ، إثبات الإرادة وإثبات أن الله بكل شيء عليم، وأنه على كل شيء قدير، وسائر الصفات، صفة العلو للرب عز وجل، صفة الاستواء على العرش، هذه كلها نصوص محكمة واضحة.

والقسم الثاني: ما فيه اشتباه، وهذا الاشتباه يشتبه على بعض الناس دون بعض، وهو الذي لم يظهر معناه للإنسان فهذه الطريقة، الطريقة في المتشابه الذي لم يظهر معناه يرده إلى المحكم الواضح ويفسر به حتى يزول الإشكال، هذه طريقة الراسخين في العلم طريقة أهل الحق، يرد المتشابه.. كل شيء يشكل عليك رده إلى الواضح حتى تفسره به، والطريقة الثانية طريقة أهل الزيغ، وهم الذين يتعلقون بالمتشابه ويردون المحكم إليه فيكون الكل متشابها.

مثلا: جاء في الحديث: إذا صلى أحدكم فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه وفي لفظ إن الله أمامه بعض أهل الزيغ تعلقوا بالمتشابه، قالوا كيف.. إن الله قبل وجهه، إن الله أمامه في الجدار، هؤلاء أهل الزيغ، نقول لهم: هذا متشابه ردوه إلى المحكم ما هو المحكم؟ النصوص الكثيرة التي دلت على أن الله في العلو أكثر من ثلاث آلاف دليل منها قوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ في سبعة مواضع، وقوله تعالى أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ وقوله: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ، سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ، وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ، تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ هذه نصوص كثيرة تزيد أفرادها -كما ذكر العلماء على ثلاثة آلاف دليل، كلها صريحة واضحة في أن الله فوق العرش فوق الخلق، فوق السماوات وفوق العرش بعد أن تنتهي المخلوقات التي سقفها عرش الرحمن، فالله فوق العرش.

فهذا الحديث نرده إلى النصوص الواضحة، إن الله قبل وجهه يعني هو فوق العرش، ومن كان فوقك فهو أمامك، لا منافاة، فالله تعالى قبل المصلي وفوق العرش، ومن كان فوقك فهو أمامك، وفي هذا نعمل بالنصوص جميعا، لكن أهل الزيغ يقولون لا يتعلق بالروح.. هذا دليل على أن الله مختلط بالخلق، وأن الله مع الخلق.

ومن ذلك أن أهل الزيغ تتعلق بنصوص المعية وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وأبطلوا منها نصوص الفوقية والعلو وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ قالوا: إن الله مختلط بالمخلوقات، وقالوا: إن هذه النصوص تبطل نصوص الفوقية والعلو، وهذا من أبطل الباطل، المعية لا تفيد الاختلاط، المعية في لغة العرب التي نزل بها القرآن لمطلق المصاحبة، تأتي لمطلق المصاحبة، كلمة (مع) في لغة العرب لا تفيد الاختلاط ولا الالتزام تقول لفلان: اذهب وأنا معك يعني لها ألوان متعددة من ألوانها أكون أنا بنفسي معك، وأحيانا أقول: اذهب وأنا معك يعني لأن اهتمامي معك، أو لأن قوتي معك أو لأن رئيسي معك، أو لأن مالي معك، ويقال: فلان معه زوجته، وهي في المشرق وهو في المغرب، وتقول العرب ما زلنا نسير والقمر معنا، والنجم معنا، والقمر فوق، وليس مختلطا بالمخلوقات.

وهذا أسلوب عربي معروف، ويقال: مع فلان دار كذا وضيعة كذا، ويقال فلان معه متاع وإن كان فوق رأسه، فالمعية لا تفيد الاختلاط، لكن أهل الزيغ قالوا: المعية تفيد الاختلاط، وأبطلوا بها نصوص الفوقية، وضربوا النصوص بعضها ببعض، الذين في قلوبهم زيغ يتعلقون بالنصوص المتشابهة ويتركون المحكم، أما أهل الحق فإن الأصل عندهم المحكم، ويردون إليه النصوص المتشابهة ويفسرونها بها فليس هناك إشكال كما قال سبحانه: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ .

وطريقة أهل الحق الأصل النصوص المحكمة الواضحة هي الأصل، وإذا جاء نص مشكل أشكل علي اشتبه علي أرده إلى محكم، يكون هذا نص مجمل أفسره، النصوص المحكمة هي الأصل وأرد هذا النص إلى النصوص الواضحة وأفسره به، فتتفق النصوص ولا تختلف، أما أن يتعلق الإنسان بالمتشابه ويترك المحكم فهذه طريقة أهل الزيغ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم ، وفي قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ نعم.