لمعة الإعتقاد شرح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي الدرس 55

شرح لمعة الإعتقاد كلام الله تعالى
الأربعاء 19 جويلية 2017    الموافق لـ : 24 شوال 1438
تحميل الشريط

عناصر الشريط

تفريغ الشريط

كلام الله تعالى

الصفة الخامسة عشر الكلام

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن استن بسنته، واقتفى أثره، واتبع هداه إلى يوم الدين. أما بعد:

فقال المؤلف -حفظه الله تعالى-: فصل: كلام الله تعالى.

ومن صفات الله -تعالى- أنه متكلم بكلام قديم، يسمعه من يشاء من خلقه، سمعه موسى -عليه السلام- منه من غير واسطة، وسمعه جبريل -عليه السلام-، ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه -سبحانه- يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه، ويأذن لهم فيزورنه، قال الله -تعالى-: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا وقال -سبحانه-: يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي وقال -سبحانه-: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وقال -سبحانه- وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وقال -سبحانه-: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ وقال -سبحانه-: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي .

وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله.

وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء روي ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وروى عبد الله بن أنيس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراة حفاة غرلًا بُهْما، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان رواه الأئمة واستشهد به البخاري

وفي بعض الآثار: أن موسى -عليه السلام- ليلة رأى النار فهالته ففزع منها، فناداه ربه: يا موسى فأجاب سريعًا استئناسا بالصوت، فقال: لبيك، لبيك أسمع صوتك ولا أري مكانك! فأين أنت؟ قال: أنا فوقك وأمامك، وعن يمينك وعن شمالك. فعُلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى، قال: كذلك أنت يا إلهي، أفكلامك أسمع، أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى

صفة الكلام هذه من الصفات العظيمة التي اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين المخالفين لهم من أهل البدع، فهي من العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع، فمن أثبتها فهو من أهل السنة ومن نفاه فهو من أهل البدع، وكذلك صفة العلو والاستواء والرؤية، هذه الصفات هي من العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع، من أثبت الكلام والرؤية وعلو الله فوق خلقه فهو من أهل السنة ومن نفاه فهو من أهل البدعة، وهذه النصوص التي نقلناها كلها دليل على أن الله -تعالى- يتكلم بكلام، بحرف وصوت، وكلام الله نوعان:

النوع الأول: يسمع بغير واسطة، كما سمعه موسى -عليه الصلاة والسلام-، سمع كلام الله، كلَّمه؛ ولهذا اصطفاه الله قال: يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي وكما سمعه جبرائيل من دون واسطة، وكما سمعه نبينا -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج؛ لأن الله كلمه من دون واسطة، فرض عليه الصلاة خمسين صلاة، والنصوص في هذا كثيرة، يا النداء، والنداء لا يكون إلا بحرف وصوت، وفي حديث عبد الله بن أنيس ينادي بالصوت، وفي الحديث الآخر أن الله -تعالى- ينادي، لو أتى به المؤلف كان أولى، في الصحيحين: أن الله تعالى ينادي آدم يوم القيامة، يقول: يا آدم فيقول لبيك وسعديك، يقول: أخرج بعث النار، فيقول: ربي وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعون -يعني إلى النار- وواحد إلى الجنة ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، وهذا لا يكون لغير الله، كلام الله يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، بخلاف كلام المخلوق: فإن القريب يسمعه والبعيد لا يسمعه.

وقد نفى صفة الكلام الجهمية والمعتزلة وغيرهم من أهل البدع، أنكروها قالوا: إن الله لا يتكلم، قالوا: إنه يلزم من الكلام التشبيه، وأن الله يشبه المخلوقين. وهذا من أبطل الباطل. والأشاعرة أثبتوا الكلام على غير وجهه، قالوا: إن الكلام معنًى بالنفس، ليس بحرف ولا صوت. وقالوا: إن القرآن هذا عبارة عن كلام الله، ليس هو كلام الله، المصحف ما فيه كلام الله. عند الأشاعرة

وإذا قالوا: كلام الله قالوا: نريد، أرادوا بذلك المجاز. قد يقولون: إن المصحف فيه كلام الله، عند المناقشة يقولون: نحن قصدنا من قولنا كلام الله، يعني: مجازًا؛ لأنه تأدَّى به كلام الله، أما كلام الله معنًى قائم بنفسه لا يسمع، ليس بحرف ولا صوت. وقالوا: إن الله -تعالى- اضطر جبريل ففهم المعنى القائم بنفسه، فعبر بهذا القرآن، فالقرآن عبارة عبَّر به جبريل وبعضهم يقول: إنه عبارة عبَّر به محمد

والقول الثالث للأشاعرة أن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ. هذه كلها أقوال باطلة، قصدهم من هذا الفرار من إثبات الحرف والصوت، قالوا: إن الله ما يتكلم لا بحرف ولا بصوت، الكلام معنى قائم بالنفس كالعلم، كما أن العلم معنى قائم بالنفس، فكذلك الكلام معنى قائم بالنفس. وهذا من أبطل الباطل، وكلامهم هذا نصف مذهب المعتزلة المعتزلة يقولون: كلام الله مخلوق، لفظه ومعناه، خلق من المخلوقات. والأشاعرة يقولون: المعنى غير مخلوق، واللفظ مخلوق، الحرف والصوت مخلوق. فهو نصف مذهب المعتزلة

قد رد عليهم العلماء وناقشوهم، ناقشهم ابن القيم -رحمه الله- وأطال النَّفَس معهم في القصيدة النونية "الكافية الشافية"، رد عليهم بها بردود كثيرة، وكذلك في "مختصر الصواعق"، وغيرهم من أهل العلم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم من أهل العلم والإمام أحمد -رحمه الله- في رسالته كذلك: "الرد على والزنادقة والجهمية ".

والصواب الذي دلت عليه النصوص، أن الله -تعالى- تكلم بحرف وصوت يسمع، وأن كلام الله نوعان: نوع بغير واسطة، كما سمعه جبرائيل وكما سمعه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في ليلة المعراج، ونوع بواسطة، نحن الآن سمعنا كلام الله بواسطة الصحابة الذين نقلوه والتابعين والصحابة سمعوا كلام الله بواسطة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وكلام الله بحرف وصوت، وكلام الله هو القرآن -كلام الله-، معناه وحروفه، والله -تعالى- بائن من خلقه بذاته وصفاته، ليس كلامه مستحِلًّا فيهم، ولا حالًّا فيهم، والقرآن كلام الله لفظه ومعناه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني، والمعاني دون الحروف، هذا هو الصواب الذي دلت عليه النصوص. نعم.

والصفة الخامسة عشرة: الكلام:

الكلام صفة من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف قال الله -تعالى-: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا

.

بعض الجهمية حرَّف الآية: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا حرَّفها وقال: (وَكَلَّمَ اللَّهَ مُوسَى تَكْلِيمًا ) حتى يكون المكلم موسى: ( وَكَلَّمَ اللَّهَ مُوسَى تَكْلِيمًا ) قرأها هكذا بعض الجهمية جعل اسمه الشريف منصوب على التعظيم، والمعنى: أن موسى هو المكلِّم والله هو المكلَّم، وأن الله لا يتكلم، وكلَّم اللهَ موسى … فقال له بعضهم: هب يا عدو أنك حرَّفت هذه الآية، فكيف تقول في قوله -تعالى-: وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ؟ قال: جرحه بأظافر الحكمة. لأن الكَلْم هو الجرح، من قولهم: فلان كَلْمه يدمي، يعني: جُرحه. قال: جرحه بأظافر الحكمة. فمن يرد الله فتنته فلا حيلة فيه، هذا تحريف، حرَّف المعنى نسأل الله السلامة والعافية، نعم.

حتى أن بعضهم، بعض الجهمية تمنى عليه حذف بعض الآيات، آيات الاستواء وغيرها، أعوذ بالله. نعم.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إذا أراد الله أن يوحي بأمره تكلم بالوحي أخرجه ابن خزيمة وابن جرير وابن أبي حاتم وأجمع السلف على ثبوت الكلام لله، فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تزييف ولا تمثيل، وهو كلام حقيقي يليق بالله، يتعلق بمشيئته.

نعم، وهو لا يشبه كلام المخلوقين، الله -تعالى- لا يشبه المخلوقين، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، الله -تعالى- يتكلم بكلام لا يشبه كلام المخلوقين، كما أن علمه لا يشبه علم المخلوقين، وقدرته لا تشبه قدرة المخلوقين وهكذا، فالله -تعالى- ليس كالمخلوقين، ليس له مثيل، لا يشبهه أحد من خلقه، + لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، هو يتكلم بكلام يليق به -سبحانه وتعالى-، لا نعلم كيفيته. نعم.

وهو كلام حقيقي يليق بالله، يتعلق بمشيئته، بحروف وأصوات مسموعة.

نعم، والكلام قديم النوع يقول العلماء "قديم النوع حادث الآحاد". يعني: أصل الكلام قديم، ولكن أفراده حادثة، يتكلم متى شاء وكيف شاء بما شاء -سبحانه وتعالى-، كلم موسى ويكلم آدم يوم القيامة، ويكلم الناس، يتكلم كما يشاء -سبحانه وتعالى-، فالكلام من الصفات الذاتية والفعلية، فالصفة ذات وفعل، نوع الكلام قديم وأفراده حادثة، ولا يلزم منه الحدوث كما قال الجهمية أن هذا الحدوث حدوث الكلام. لا ليس كحدوث كلام المخلوق، إنما هذا الحدوث إنما يلزم في كلام المخلوق، كلام المخلوق حادث مخلوق، أما كلام الله فهو يليق به، نعم.