لمعة الإعتقاد شرح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي الدرس 56

شرح لمعة الإعتقاد المخالفون لأهل السنة في كلام الله تعالى
الأربعاء 19 جويلية 2017    الموافق لـ : 24 شوال 1438
تحميل الشريط

عناصر الشريط

تفريغ الشريط

المخالفون لأهل السنة في كلام الله تعالى

والدليل على أنه بمشيئة -قوله تعالى-: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ فالتكليم حصل بعد مجيء موسى فدل على أنه متعلق بمشيئته تعالى.

المخالفون لأهل السنة في كلام الله -تعالى-:

خالف أهلَ السنة في كلام الله طوائفُ، نذكر منهم طائفتين:

الطائفة الأولى: الجهمية قالوا: ليس الكلام من صفات الله، وإنما هو خلق من مخلوقات الله يخلقه الله في الهواء، أو في المحل الذي يُسمع منه.

هذا كلام الجهمية والمعتزلة يعتبرون طائفة واحدة، كلهم قالوا: إن الكلام مخلوق، وإن كان الجهمية أبلغ، لكن المعتزلة يسمون جهمية؛ لأن الجهمية ثلاثة أصناف: الجهمية المحضة وجهمية المعتزلة وجهمية الأشاعرة كلهم يسمون جهمية، هذا قول الجهمية والمعتزلة جميعا، كلهم يقولون: كلام الله مخلوق لفظه ومعناه. يقولون: يتعلق قدرته ومشيئته إلا أنه خلق من المخلوقات، قالوا: إن الله خلق الكلام في الهواء أو في الشجرة، الشجرة هي التي كلمت موسى وقالت: إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ سبحان الله! تقول الشجرة: إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟! لكن هذا عمى البصيرة هكذا، نسأل الله السلامة والعافية. نعم.

الطائفة الثانية: الأشعرية قالوا: "كلام الله معنًى قائم بنفسه، لا يتعلق بمشيئته، وهذه الحروف والأصوات المسموعة مخلوقة للتعبير عن المعنى قائم بنفس الله.

يقولون: المصحف ليس فيه كلام الله، لكن تأدَّى به كلام الله، تأدى به كلام الله، مجاز، يسمى كلام الله مجازا، لأن كلام الله تأدى به. نعم. ولهذا بعضهم -والعياذ بالله- قد يدوس المصحف بقدميه، لأنه يقول: ما فيه كلام الله. نسأل الله السلامة والعافية، وهذا خطير، وهم يصرحون بهذا يقولون: ليس فيه كلام الله. لكن عند إطلاق الكلام يقولون: القرآن كلام الله. فإذا قيل لهم: كيف تقولون: إن القرآن كلام الله وأنتم تقولون إنه معنى قائم بالنفس؟ قالوا: قصدنا أنه تأدى به كلام الله. فنقول: كلام الله مجاز، مجاز لأنه تأدى به كلام الله. نعم.

ونرد عليهم ما يلي:

أولا: أنه خلاف إجماع السلف ثانيا: خلاف الأدلة، لأنها تدل على أن كلام الله يسمع، ولا يسمع إلا الصوت، لا يسمع المعنى القائم بالنفس. ثالثا: خلاف المعهود، لأن الكلام المعهود هو ما ينطق به المتكلم، لا ما يضمره في نفسه.

ثم أيضا هذا يتضمن التنقص لله -عز وجل-، إذا كان الله لا يتكلم والكلام ليس معنى قائما بنفسه، هذا تنقص لله، وإذا كان المخلوق يتكلم بمشيئته، والخالق لا يتكلم بمشيئته، معنى ذلك أنه جعل المخلوق أكمل من الخالق والعياذ بالله، الكلام صفة الكمال، والكمال إنما يكون إذا كان المتكلم يتكلم بمشيئته واختياره، وهم يقولون: الله لا يتكلم بمشيئته واختياره، الكلام معنى قائم بنفسه ملازم، ليس بمشيئة واختياره، لأنه يلزم من المشيئة والاختيار الحدوث، حتى لا يحدث الكلام في ذاته -بزعمهم-، وهذا باطل. إذا كان الكلام صفة من صفة الكمال، كيف يخلو الله من الكلام في وقت من الأوقات؟! نعم.

هذه المسألة فيها تفصيل، من أنكر الكلام، من جحد، إذا كان جحود، يكون كفرًا، من جحد قال: إن الله لا يتكلم، ثم استوى على العرش..، لكن إذا كان متأولًا لا يكفر، كذلك شخص قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى أنكر الآية، جحدها، هذا يكفر، لكن شخص قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى آية، على العين والرأس، لكن معنى "استوى": استولى. هذا لهم شبهة، ما يكفر المتأول غير الجاحد، الجاحد يكفر، ينكر آية، من أنكر آية، بل من أنكر حرفا من كلام الله كفر، لكن شخص ما أنكر، قال: على العين والرأس وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا لكن معناه معنى قائم بالنفس. تأوله، هذا ما يكفر للشبهة التي حصلت له، من هذه الشبهة. المتأول غير الجاحد: الجاحد يكفر، والمتأول له شبهة، يدرأ عنه التكفيـر بالشبهة. نعم.

والدليل على أنه حروف قوله -تعالى-: يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فإن هذه الكلمات حروف، وهي كلام الله.

والدليل على أنه بالصوت قوله -تعالى-: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا وأخرجه المصنف في الأدب المفرد والنداء والمناجاة لا تكون إلا بصوت.

نعم، النداء يكون بالصوت، النداء: هو الصوت من بُعد. والنجاء: من قرب، كلام من قرب. نعم.

وروى عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم...

قف على وروى، هذا الإسناد.

هذا كلام الله، كلام الله عن نبيه يعني: الله -تعالى- قال في القرآن: قال موسى كذا، وقال عن إبليس إنه قال كذا، وقال عن فرعون إنه قال كذا، فالقرآن كلام الله حكاية عنه، الذي أخبر عنه، وأما كلام موسى في ذلك الوقت، وكلام إبليس وكلام فرعون مخلوق، أما هذا كلام الله إخبارا عنه. نعم، +المراد بحكاية: يعني إخبارًا عنه. نعم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن استن بسنته، واقتفى أثره واتبع هداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقال المؤلف -حفظه الله تعالى-: والدليل على أنه حروف قوله تعالى: يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ -والدليل على أيش؟- والدليل على أنه حروف قوله تعالى …

يعني كلام الله، كلام الله حروف، كلام الله لفظه ومعناه، كلام الله اللفظ والمعنى، بحرف وصوت يسمع، هذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة وهو الذي دلت عليه النصوص: أن الله -تعالى- يتكلم بحرف وصوت، وهو ألفاظ ومعاني، القرآن كلام الله، لفظه ومعناه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف. نعم.

فإن هذه الكلمات حروف، وهي كلام الله.

والدليل على أنه بصوت قوله -تعالى-: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا والنداء والمناجاة لا تكون إلا بصوت.

النداء يكون بالصوت من بعيد، النداء: هو الصوت من بعد، والنجاء: من قرب، ناديناه وقربناه نجيا، فالنجاء: هو النداء من قرب، والنداء: من بعد. نعم.

وروى عبد الله بن أنيس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: يحشر الله الخلائق، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان علقه البخاري بصيغة التمريض، قال: في "الفتح"، وأخرجه المصنف في "الأدب المفرد"، وأحمد وأبو يعلى في مسنديهما، وذكر له طريقين آخرين

أصح من هذا ما ثبت في الصحيحين: أن الله -سبحانه وتعالى- ينادي يوم القيامة، ينادي آدم: إذا كان يوم القيامة نادى الله آدم فيقول: يا آدم أخرج بعث النار، فيقول: يا ربي، من كم؟ من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، وواحد إلى الجنة هذا ثابت في الصحيحين، هذا أصح، كان ينبغي يؤتى، أصح من حديث عبد الله بن أنيس ؛ لأنه نداء يناديه على رؤوس الخلائق، يناديه الله -سبحانه وتعالى-، يسمع بالصوت، بحرف وصوت: يا آدم فيقول: لبيك، لبيك ربي وسعديك. فيقول: أخرج بعث النار، فيقول: يا ربي من كم؟ -يعني: أهل النار - يقول: من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعون ولما قال النبي ذلك، أشكل هذا على الصحابة وقالوا: يا رسول، أينا ذلك الواحد؟ واحد! واحد إلى الجنة! وتسع وتسعين... واحد من الألف إلى الجنة. ولهذا قال ابن القيم -رحمه الله- في "النونية":

يا سلعة الرحمن لست رخيصة

بل أنت غالية على الكسلان

يا سلعة الرحمن ليس ينالهـا

في الألف إلا واحد لا اثنـان

واحد، في الألف واحد، فالصحابة شق عليهم ذلك، قال: أبشروا؛ فإن من يأجوج ومأجوج يصير من كل ألف تسعمائة وتسعون منهم، وواحد منكم أو كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي اللفظ الآخر: إن يأجوج ومأجوج أمتان، ما سارتا على شيء إلا كثرتاه أمتان كافرتان من بني آدم: يأجوج ومأجوج وهم الذين بنى ذو القرنين السد بينهم وبين الناس، يخرجون في آخر الزمان، وهم العلامة الرابعة من أشراط الساعة الكبار التي تتبعها الساعة. أولها خروج المهدي وهو رجل من سلالة فاطمة اسمه كاسم النبي -صلى الله عليه وسلم، وكنيته كنيته، محمد بن عبد الله المهدي يبايع له في ذلك الوقت، في آخر الزمان، وفي وقت ليس للناس فيه إمام، فيكون هو إمام الناس، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، جاء فيه أحاديث، بعضها صحيح، وبعضها ضعيف، وبعضها موضوع، لكن ثابتة.

وهو غير المهدي الذي عند الشيعة مهدي الشيعة خرافة لا أصل له، أشكل هذا على بعض الناس، المهدي الذي عند الشيعة خرافة، شخص موهوم لا حقيقة له، صاحب السرداب، يزعمون أنه محمد بن الحسن المهدي الذي دخل سرداب سامرا في العراق سنة مائتين وستين، ولم يخرج إلى الآن! وهو شخص لا حقيقة له، لأن أباه الحسن مات عقيما ولم يولد له، أبوه الحسن مات عقيما ولم يولد له، فاختلقوا له ولدًا وأدخلوه السرداب، سنة مائتين وستين من الهجرة.

يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: "ومضى عليه الآن أربعمائة سنة ولم يخرج حتى الآن" في زمانه، ونحن الآن نقول: مضى عليه الآن ألف ومائتين سنة، الآن ما خرج ألف ومائتين سنه! فهو شخص موهوم لا حقيقة له.

هكذا ينتظرونه، خرافة، ويقولون: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي حتى ينادي مناد من السماء: اتبعوه، يقولون: إنه دخل السرداب من سنتين أو ثلاث أو خمسة، مثل هذا طفل يحتاج إلى حضانة، ويحتاج إلى من يقوم ليطهره وينظفه، ثم أيضا هذه المدة الطويلة كيف يبقى؟! وكيف تبقى الأمة معلقة؟! الأمة كلها الآن عند الرافضة لا يكون هناك أحد سعيد حتى يعمل بأوامر هذا المهدي المنتظر ما يكون أحد سعيد إلا بهذا، معناه أنه تعطلت مصالح الأمة، وقد قرر العلماء أن المرأة إذا غاب عنها زوجها مدة طويلة، ترفع أمرها إلى الحاكم حتى يفسخ النكاح، حتى يزول الظلم عن هذه المرأة الواحدة، فكيف يبقى الظلم على أمة؟! أمة الإسلام كلها عند الرافضة كلها معلق أمرها حتى يخرج هذا المهدي، ولما لم يخرج المهدي اضطروا إلى أن يجعلوا ولاية الفقيه، ويجعلوا نائبا عنه، قالوا: الخميني إنه نائب، الخميني نائب عن المهدي حتى يخرج، هذه من خرافة الشيعة

المقصود أن المهدي عند أهل السنة غير المهدي عند الرافضة ما يلتبس هذا، ثم في زمنه يخرج الدجال، في زمن المهدي بعد الحرب، بعد حروب طاحنة، وبعد فتح القسطنطينية يعلقون سيوفهم بشجر الزيتون، يصيح الشيطان: إن الدجال خلفكم في دياركم، ثم ينزل عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- في زمانه -العلامة الثالثة- ويقتل الدجال، ثم يخرج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى هذا يأجوج ومأجوج أمتان. نعم.

وكلام الله -تعالى- قديم النوع حادث الآحاد، ومعنى قديم النوع: إن الله لم يزل ولا يزال متكلما، ليس الكلام حادثا منه بعد أن لم يكن، ومعنى حادث الآحاد: أن آحاد كلامه، أي: الكلام المعين المخصوص حادث، لأنه متعلق بمشيئته، متى شـاء تكلم بما شـاء كيف شاء.

هذا مذهب أهل السنة والجماعة أن الكلام قديم النوع حادث الآحاد، نوعه قديم يعني: ليس له أول، لم يزل الله متكلما، خلافا للكرامية الذين يقولون: إن الكلام ممتنع على الله، ثم انقلب فجأة فصار ممكنا، يقولون: ممتنع ما يستطيع أن يتكلم. نعوذ بالله، ثم انقلب فجأة فصار ممكنا. معنى هذا أنهم عطلوا الرب -سبحانه وتعالى-، يقولون -بزعمهم-: إنه إذا جعلنا الكلام قديما تسلسلت الحوادث، ولم نستطع أن نثبت أن الله هو الأول الذي ليس قبله شيء، فلا بد أن يجعل فترة، ما فيها كلام ولا حركة، حتى يكون الله هو الأول، بزعمهم.

الله -تعالى- هو الأول ليس قبله شيء، وهو -سبحانه- لم يزل فعالًّا: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ والفعل صفة كمال، والكلام صفة الكمال، فلا يخلو الله من هذا الكمال في وقت من الأوقات، وكل فرد من أفراد المخلوقات مسبوق بالعدم، خلقه الله بعد أن لم يكن، ويكفي هذا، لكن نوع الحوادث متسلسلة، لم يزل الله يخلق ويخلق، الله خلاق: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ فعَّال -سبحانه وتعالى- في كل وقت، لا يخلو من هذا الكمال في وقت من الأوقات، أما أفراد الكلام حادثة، تكلم متى يشاء.

لما جاءت المُجادِلة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم،- وهي خولة بنت حكيم وجادلته في زوجها، أنزل الله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا هذا كلام حادث، وحدوث كلام الرب ليس كحدوث كلام المخلوق، كلام الله صفة من صفاته، ليس ككلام المخلوق، ولهذا قالت عائشة سبحان من وسع سمعه الأصوات! جاءت المُجادِلة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنه ليخفى عليّ بعض كلامها، فسمع الله كلامها من فوق سبع سماوات، وأنزل: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ نعم.