لمعة الإعتقاد شرح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي الدرس 73

شرح لمعة الإعتقاد القدر ليس حجة للعاصي على فعل المعصية
الأربعاء 19 جويلية 2017    الموافق لـ : 24 شوال 1438
تحميل الشريط

عناصر الشريط

تفريغ الشريط

القدر ليس حجة للعاصي على فعل المعصية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقال المؤلف -رحمه الله- تعالى: ولا نجعل قضاء الله، وقدره حجة لنا في ترك أوامره، واجتناب نواهيه، بل يجب أن نؤمن ونعلم أن لله علينا الحجة، بإنزال الكتب، وبعثة الرسل، قال الله تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ .

نعم -هكذا- يجب على المؤمن، ألا يجعل القدر حجة له في ترك الأوامر، وفعل النواهي، فليس القدر حجة، لأن الحجة قامت على الناس في إرسال الرسل، وإنزال الكتب، قال الله تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ أنت عبد مأمور، أمرك الله بتوحيده وطاعته، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فعليك أن تمتثل الأوامر، وتجتنب النواهي، قد قامت عليك الحجة، ببعثة الرسل وإنزال الكتب، والله تعالى لا يكلف أحدا لا يستطيع، قال تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا .

ولهذا فاقد العقل لا يكلف، المجنون والصغير لا يكلف، والعاجز لا يكلف، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمران بن حصين صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب زاد النسائي فإن لم تستطع فمستلقيا يعني ورجلاه إلى القبلة، ولا يحتج الإنسان بالقدر، وإنما يحتج بالقدر المشركون، المشركون هم الذين يحتجوا بالقدر، قال الله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ .

وفي الآية الأخرى: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فاحتجوا بالقدر، فالقدر ليس حجة، ليس حجة للعاصي، لأن الحجة قامت على الناس بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ قال سبحانه: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ .

فأنت عبد مأمور، أعطاك الله السمع والبصر والفؤاد والعقل، سميع بصير قادر على امتثال الأمر، واجتناب النهي، عليك أن تمتثل، ولا تحتج بالقدر، فالقدر ليس من شأنك، من شئون الله، من شأن الله -عز وجل-، فلا يتشبه الإنسان بالمشركين، الذين يحتجون بالقدر، نعم.

+ + لما احتج موسى وآدم وقال آدم إن هذا شيء قد كتب علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة، لا، ليس من احتجاج القدر، لما التقى موسى وآدم تخاصما، فقال موسى لآدم أنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، قال: نعم. قال: فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال له آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، فهل وجدت أن ذلك كتب علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ قال نعم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فحج آدم موسى فحج آدم موسى .

فحج يعني غلبه، فموسى ما لام آدم على القدر، وإنما لامه على المصيبة التي لحقته وذريته، من الخروج إلى الجنة، فاحتج آدم أن المصيبة مكتوبة عليه، فالمصيبة لا بأس، فالمصائب يحتج الإنسان بالقدر على المصائب، لكن لا يحتج بالقدر على الذنوب، + والمعاصي لا، أو أن آدم احتج بأنه تاب من الذنب، والتائب من الذنب لا يلام عليه، التائب من الذنب كمن لا ذنب له .

فالمقصود أن موسى ما احتج بالقدر، وما لامه على القدر، وإنما لامه على المصيبة، التي لحقته وذريته، وهي الخروج من الجنة، فاحتج آدم بأن المصيبة مكتوبة، نعم.

قال الشارح حفظه الله تعالى: القدر ليس حجة للعاصي على فعل المعصية.

أفعال العباد كلها من طاعات ومعاص، كلها مخلوقة لله كما سبق ولكن..

قال الله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ يعني خلقكم، وخلق أعمالكم، نعم.

ولكن ليس ذلك حجة للعاصي على فعل المعصية، وذلك لأدلة كثيرة منها:

أولا: إن الله أضاف عمل العبد إليه، وجعله كسبا له، فقال:

الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ولو لم يكن له اختيار في الفعل وقدرة عليه، ما نسب إليه.

نعم، وفي الآية الأخرى: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فأضاف العمل إليهم، والكسب إليه، دل على أن أفعالهم اكتسبوها وباشروها مختارين، نعم.

الثاني: أن الله أمر العبد ونهاه، ولم يكلفه إلا ما يستطيع، لقوله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ولو كان مجبورا على العمل، ما كان مستطيعا على الفعل أو الكف، لأن المجبور لا يستطيع التخلص منه.

نعم، الله تعالى لا يكلف الإنسان إلا ما يستطيع؛ ولهذا يفرق بين المستطيع، وغير المستطيع، العاجز ما يكلف، فالمريض الذي لا يستطيع القيام، لا يكلف بالقيام، لأنه عاجز، والصحيح يكلف بالقيام، لأنه قادر، والمجنون والصغير الذي لم يبلغ لا يكلف، لا يكلف بالصلاة، ولا بالصيام، لأنه فاقد العقل، والعاقل يكلف، لأنه قادر وهكذا.

الثالث: أن كل واحد يعلم الفرق بين العمل الاختياري والإجباري، وأن الأول يستطيع التخلص منه.

الاضطراري مثل حركة المرتعش والنائم، ونبض العروق، خلافا للجبرية الجبرية يقولون: الإنسان مجبور على عمله، لا يفرق بين الأفعال الاختيارية، والأفعال الاضطرارية، يقول: كل أفعال الإنسان اضطرارية، حركاته وأعماله كلها اضطرارية، لا فرق بين الاختياري والاضطراري، كلها اضطرارية فكل الإنسان مجبور على عمله، يساق إلى العمل سوقا، ويقولون: إن الأفعال أفعال الله -والعياذ بالله- والعبد مجبور عليها، وهو وعاء لها، تصب فيه، كما يصب الماء في الكوز، وهذا من أبطل الباطل.

هذا كلام الجبرية يقولون: لا فرق، الأفعال كلها اضطرارية وهذا من أبطل الباطل، أنها تفرق بين الاختياري وبين الاضطراري، ألا تفرق بين كونك تذهب باختيارك، تتكلم باختيارك، وبين حركة المرتعش، حركة النائم، نبض العروق، هذه اضطرارية، حركة المرتعش، اضطراري، نبض العروق هذا اضطراري، حركة النائم كذلك، أما الإنسان المختار الصحيح يفعل الشيء باختياره، يقال: أن هذا اضطراري، هذا من أبطل الباطل، نعم.

الرابع: أن العاصي قبل أن يقدم على المعصية، لا يدري ما قدر له، وهو باستطاعته أن يفعل أو يترك، فكيف يسلك الطريق الخطأ، ويحتج بالقدر المجهول، أليس من الأحرى أن يسلك الطريق الصحيح، ويقول هذا ما قدر لي.

نعم، لأنه مغيب عن الإنسان، القدر مغيب عن الإنسان، ولأن القدر أيضا من شئون الله، من خصوص الله، أنت عبد مأمور، من شئونك أنك تعمل، تمتثل الأوامر، تجتنب النواهي، أما القدر فهو من اختصاص الله، ليس لك أن تنظر إليه، لا تنظر إليه، اتركه لله، أنت الآن نفذ ما أمرت به، أنت عبد مأمور، خلقك الله لعبادته وتوحيده وطاعته، فامتثل الأمر، واجتنب النهي، ولا تنظر إلى القدر، فالقدر ليس إليك، نعم.

الخامس: أن الله أخبر أنه أرسل الرسل لقطع الحجة، فقال تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ -صحيح نعم-، ولو كان القدر حجة للعاصي، لم تنقطع بإرسال الرسل.

نعم، لو كان القدر حجة للعاصي، لكان حجة لكل كافر، ولكل عاصي، ولا قامت الحجة على الناس، فيكون الحجة لإبليس، ويكون حجة لقوم نوح وقوم هود وقوم صالح كل هؤلاء ليس لهم حجة، نعم.