لمعة الإعتقاد شرح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي الدرس 81

شرح لمعة الإعتقاد الأمر الأول الإسراء والمعراج
الأربعاء 19 جويلية 2017    الموافق لـ : 24 شوال 1438
تحميل الشريط

عناصر الشريط

تفريغ الشريط

الأمر الأول الإسراء والمعراج

وقد ذكر المؤلف من ذلك أمورًا: الأمر الأول: الإسراء والمعراج.

الإسراء لغة: السير بالشخص ليلا، وقيل: بمعنى سرى، وشرعا: سير جبريل -عليه الصلاة والسلام- بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى بيت المقدس ؛ لقوله -تعالى-: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى والمعراج لغة: الآلة التي يعرُج بها، وهي المِصْعد، وشرعا: السُّلّم الذي عرج به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأرض إلى السماء؛ لقوله -تعالى-: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى إلى قوله -: لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى .

وكان في ليلة واحدة عند الجمهور، وللعلماء خلاف: متى كانت؟ فيروى بسند منقطع عن ابن عباس وجابر -رضي الله عنهم-: أنها ليلة الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، ولم يعينا السنة، رواه ابن أبي شيبة ويروى عن الزهري وعروة أنها قبل الهجرة بسنة، رواه البيهقي ؛ فتكون في ربيع الأول ولم يعينا الليلة، وقاله ابن سعد وغيره، وجزم به النووي

ويروى عن السّدِّي أنها قبل الهجرة بستة عشر شهرا، رواه الحاكم ؛ فتكون في ذى القعدة، وقيل: قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل: بخمس، وقيل: بست، وكان يقظة لا مناما؛ لأن قريشاً أكبرته وأنكرته، ولو كان مناما لم تنكره؛ لأنها لا تنكر المنامات.

هذا هو الصواب أن الإسراء والمعراج -وهما من المغيبات- من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها، من السمعيات أخبر الله -تعالى- بها في كتابه، وأخبر بها الرسول -عليه الصلاة والسلام-، والصواب أن الإسراء والمعراج في ليلة واحدة، هذا هو الصواب.

قال بعض العلماء في ليلتين: الإسراء في ليلة، والمعراج في ليلة. والصواب أنه في ليلة واحدة، والصواب أن الإسراء والمعراج كانا مرة واحدة، وكانا يقظة لا مناما، بروحه وجسده، قبل الهجرة، على خلاف بين العلماء قبل الهجرة بسنة، أو بسنتين أو بثلاث سنين.

والإسراء معناه: السفر من مكة إلى المدينة على البراق، سافر النبي -صلى الله عليه وسلم- بصحبة جبرائيل على البراق، والبراق: دابة فوق الحمار ودون البغل، وخطوه مد بصره، -يضع خطوه مد البصر، يكون سريع، يقطع المسافة في وقت وجيز، يعني: يضع الحافر منتهى طرفه هو، قد يكون منتهى طرفه طويل فتكون القفزة طويلة، يرفع الحافر ولا يضعه إلا منتهى طرفه-، أُسري به عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس كما قال -عز وجل-: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .

ثم لما وصل إلى بيت المقدس ربط البراق بحلقة الباب الذي يربط به الأنبياء وجُمع له الأنبياءُ جُمِعوا له إما قبل المعراج أو بعد المعراج، صلى بهم -عليه الصلاة والسلام- إماما، قدمه جبرائيل وصلى بالأنبياء إماما، ثم أُتي بالمعراج، وهو كهيئة الدرج -كهيئة السُّلَّم- فعرج به -عليه الصلاة والسلام- من بيت المقدس إلى السماء، وقطع هذه المسافة في وقت وجيز.

والمسافة بين السماء والأرض مسافة خمسمائة عام، كما في الحديث، قطع هذه المسافة ومعه جبرائيل -عليهما الصلاة والسلام-، حتى وصلا السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقالوا: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معه؟ فقال: محمد قيل: أوَ بعث إليه؟ قال: نعم، ففتح لهما؛ وفيه دليل على أن السموات لها أبواب ولها حراس، وليس كل أحد يدخل، مع أن الشياطين لا يصلون إلى السماء، يُرمون بالشهب، ومع ذلك لها حراس، ولذا استفتح جبريل

ثم وجد في السماء الأولى آدم -كما جاء في الحديث-، فسلم عليه، قال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، ثم صعد إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل كما استفتح في السماء الدنيا، قيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معه؟ قال: محمد آدم قال: مرحبا بالنبي الصالح والإبن الصالح، ثم وجد في السماء الثانية عيسى ويحيى -ابني الخالة- فرحَّبَا به وأقرَّا بنبوّته فقالا: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح.

ثم صعدا إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل قيل من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد فوجد في السماء الثالثة إدريس فرحب به وأقر بنبوته، ثم صعدا إلى السماء الرابعة فوجد فيها يوسف فرحب به وأقر بنبوته، ثم صعدا إلى السماء الخامسة فوجد فيها هارون فرحب به وأقر بنبوته، ثم صعدا إلى السماء السادسة فوجد فيها موسى فرحب به وأقر بنبوته، ثم صعدا إلى السماء السابعة فوجد فيها إبراهيم فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح.

كلهم لم يقولوا: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، إلا آدم وإبراهيم ؛ لأنهما في السلسلة الأبوية، ووجدا إبراهيم مُسنِدًا ظهره إلى البيت المعمور وهو الكعبة السماوية، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك في الطواف، ثم لا يعودوا إليها إلى آخر الدهر، من كثرة الملائكة والبيت المعمور يحاذى الكعبة الأرضية في مكة يحازيه يعني ++، ثم تجاوز -صلى الله عليه وسلم- حتى وصل إلى سدرة المنتهى، وتجاوزها حتى وصل إلى مكان يسمع فيه صريف الأقلام، ثم كلمه رب العزة والجلال بدون واسطة من وراء حجاب.

لم يرَ ربَّه على الصحيح، لكن سمع كلامه بدون واسطة، وفرض عليه رب العزة والجلال خمسين صلاة، في أول الأمر، ثم هبط -عليه الصلاة والسلام- فوجد موسى في السماء السادسة فسأله: ماذا فرض عليك ربك؟ قال: خمسين صلاة في اليوم والليلة. قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك؛ فإن أمتك ضعيفة، لا تطيق خمسين صلاة في اليوم والليلة. فالتفت إلى جبريل كأنه يستشيره فأشار إليه: نعم.

فَعَلَا به جبرائيل إلى الرب جل جلاله، فسأل ربه التخفيف فوضع عنه عشرًا -وفي رواية خمسا-، ثم هبط إلى السماء السادسة فسأله موسى فقال: ماذا فرض عليك ربك؟ قال: أربعين صلاة، أو خمسة وأربعين صلاة، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك؛ فإن أمتك ضعيفة لا تطيق أربعين صلاة في اليوم والليلة. فاستشار جبريل فأشار إليه: أن نعم. فَعَلاَ به إلى الجبار جل جلاله.

وهكذا لم يزل يتردد بين ربه وبين موسى في كل مرة يضع عنه عشرا، وفي بعض الروايات: خمسا، حتى صارت إلى خمس صلوات، فهبط النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى إلى موسى في السماء السادسة فقال: ماذا فرض عليك ربك؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة. قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك؛ فإن أمتك ضعيفة لا تطيق خمس صلوات في اليوم والليلة. فقال نبينا -عليه الصلاة والسلام-: إني سألت ربي حتى استحييت، ولكن أرضي وأسلم. فنادى منادٍ من السماء: إني أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ما يبدل القول لي، هي خمس في العدد، وهي خمسون في الميزان والأجر.

هذا يدل على عظم شأن الصلاة وأن أمرها عظيم، في المحل الأعلى فرضها رب العزة بدون واسطة، ثم خففت إلى خمس صلوات، يدل على أهميتها وعناية الإسلام بها، وأنها أعظم صلة وأعظم عَلاقة وأعظم رابطة تصل الإنسان بربه، فالذي لا يصلي قطع الصلة بينه وبين الله؛ ولهذا فإن الصلاة لها من المزايا ما ليس لغيرها، هذه المزايا العظيمة تدل على أهميتها.

الزكاة فرضت في الأرض بواسطة جبريل الصوم فرض في الأرض بواسطة جبريل الحج.. أما الصلاة فقد فرضت في المحل الأعلى، ثم فرضت خمسين، ثم خففت إلى خمس صلوات، وهي الفارقة بين الإسلام والكفر، وهذا مما يدل ويؤيد أن تركها كفر؛ لأن من تركها قطع الصلة بينه وبين الله، ولو لم يجحدها، الصواب أن تركها كفر، والذي تدل عليه النصوص؛ لأن النبي أخبر أن الخروج على الأمراء لا يجوز إلا إذا وجد الكفر والبواح، وقال في حديث آخر: لا ما أقاموا فيكم الصلاة فدل على أن ترك الصلاة كفر بواح.

فالإسراء والمعراج من الغيبيات التي يجب على المسلم أن يؤمن بها، والصواب أن الإسراء والمعراج قيل: إنها في ليلة واحدة. وقال بعض أهل العلم إنها في ليلتين. والصواب أن الإسراء في اليقظة. وقال بعض أهل العلم إنه في النوم. والصواب أن الإسراء بالروح والجسد، وقال بعض أهل العلم أن الإسراء بالروح والجسد والصواب أن الإسراء والمعراج مرة واحدة. وقال بعض أهل العلم: مرارا.

وقال بعض أهل العلم إن الإسراء في ليلة ++والمعراج في ليلة، قال بعض أهل العلم أنه مرارا وقال بعض أهل العلم إنه بالروح فقط. قال بعض أهل العلم أنه مرارا أنه أسري به مرارا عدة مرات، والصواب أن الإسراء والمعراج في ليلة واحدة، مرة واحدة، في اليقظة لا في النوم، بالروح والجسد.

وما قاله بعض الملاحدة كيف يصعد الجسد وهو ثقيل، ما يستطيع أن يصعد للسموات! هؤلاء عارضوا النصوص بآرائهم وعقولهم الفاسدة، الله على كل شيء قدير، يقولون: الأجساد من طبيعتها الثقل ما يستطيعون أن يصعدوا، بخلاف الروح والملائكة والجن ؛ فهي أرواح تصعد من طبيعتها الخفة. هذا اعتراض بعقول فاسدة، وهذا ليس من شأن المسلم؛ شأن المسلم أن يقول: سمعنا وأطعنا، أى: يصدق بالغيبيات. نعم.

وقصته: أن جبريل أمره الله أن يسري بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت المقدس على البراق، ثم يعرج به إلى السموات العلى سماءً سماء، حتى بلغ مكانا سمع فيه صريف الأقلام -هي أقلام القدر، التي تكتب القدر-، وفرض الله عليه الصلوات الخمس، واطّلع على الجنة والنار، واتصل بالأنبياء الكرام - نعم، هذا دخل الجنة ورأى أناسا فيها، واطلع على النار ورأى أناس يعذبون -، وصلى بهم إماما، ثم رجع إلى مكة فحدَّث الناس بما رأى، فكذبه الكافرون وصدق به المؤمنون وتردد فيه أخرون.

نعم، شك بعض الناس وارتد بعض الناس قال الله -تعالى-: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وفتنة أى: بلاء، صدقه قوم وكذبه آخرون،. نعم، ثبت الله المؤمنين.