مقال الشرك أشد من الاحتلال يا عامر الشيخ علي بن يحيى الحدادي

الشرك أشد من الاحتلال يا عامر
الخميس 3 مارس 2016    الموافق لـ : 23 جمادة الأولى 1437

(بدأ يتغير كثيراً وخاصة أثناء حرب العراق وكان يقرأ القرآن الكريم كثيراً ثم يبكي بكاءً طويلاً وسألته عن تغييره فقال ألا ترى الذي يحدث في العراق وسكانها إضافة إلى أنه كان يتابع باستمرار الأخبار والصحف.. ويضيف والد المطلوب إن آخر مرة رأى فيها ابنه منذ ما يقارب الستة أشهر حيث اختفى فجأة ولم نعلم عنه شيئاً إلا بعد إعلان وزارة الداخلية..)
بهذه الكلمات تكلم الأب عن ابنه في لقاء صحفي، وظاهر أن هذا الشاب أصيب بالأسى والحزن وهو يشاهد دولة كافرة تغزو بلداً إسلامياً ولهذا استسلم للبكاء ثم أراد أن يجاهد لرفع الضيم عن الأمة…؟
أيها القارئ الكريم:
إن الذي يبعث الأسى في قلوب جمهور المسلمين اليوم هو رؤية المذابح والمآسي التي تتوالى على الشعوب الإسلامية، لكن جمهورهم لا يأسى إذا علم أو سمع بما يجري في بلاد المسلمين من صرف العبادة لغير الله من الدعاء والاستعاذة والاستغاثة والذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة، وهو أعظم الذنوب، وأكبرها على الإطلاق كما قال تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، وهو الذي بعثت الرسل أصلاً لمحاربته والتحذير منه وتقرير التوحيد الذي هو إفراد الله بالعبادة كما قال تعال (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)، وما كتب الله الخلود في النار لأحد إلا لمن لقيه على الشرك الأكبر والعياذ بالله كما قال تعالى (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار).
لكن لما جهل كثير من الناس حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك، وضعف فهمهم لحقيقة الإسلام اختلت موازينهم، فأسفوا للمصيبة الصغرى، ولم يأسوا للمصيبة العظمى.
لا شك أن تسلط الدولة الكافرة على الشعب المسلم مصاب عظيم، ولكن أعظم منه أن يتسلط الشرك على كثير من المسلمين ثم لا يحترق المسلم ولا سيما من ينتسب إلى العلم والدعوة لهذا المصاب الجلل. ولا يكون له دور في الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك ولو باليسير مع قدرته على فعل الشيء الكثير.
والشرك الأكبر وما هو من شعبه من البدع والخرافات هو الداء الذي به سلط الله من سلط على من شاء ممن ينتسب إلى الإسلام فسامهم سوء العذاب (وما ربك بظلام للعبيد).
إن الكفار إذا استولوا على بلاد المسلمين أفسدوا الديار والأموال والأنفس ولا يفسدون القلوب والعقائد إلا تبعاً كما نبه عليه شيخ الإسلام رحمه الله، ولكن أهل البدع و الخرافات والشركيات يفسدون الدين والإيمان والقلوب ابتداءً ، فشرهم أعظم، وضررهم أكبر.
إن أعظم ما يمكن أن يناله المشرك من المسلم من حيث النكاية به قتله ومع ذلك يبين ربنا تبارك وتعالى أن قتل المسلم على التوحيد أهون من لقائه ربه مشركاً قال تعالى (والفتنة أشد من القتل) قال مجاهد رحمه الله (ارتداد المؤمن إلى الوثن أشد عليه من القتل).
والذي هوّن خطر الشرك في قلوب كثير من الشباب حتى إن جلودهم تقشعر لبعض المعاصي والمنكرات التي هي دون الشرك بمراتب ولا تقشعر جلودهم، ولا تتمعر وجوههم غيضاً وغضباً لله إذا رأوا الشرك الأكبر هو سوء التربية من معلميهم ودعاتهم ومناهجهم التبليغية أو الإخوانية أو القطبية أو غيرها من المناهج التي لا ترفع بالتوحيد رأساً، ولا تعترف بالشرك الأكبر في توحيد العبادة ذنباً حقيقة أو واقعاً، ولو تأملوا كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم واطمأنت قلوبهم بما قرره أئمة السنة في شأن التوحيد وخطر الشرك لما حصل منهم ما حصل، و لوضعوا الأمور في مواضعها اللائقة بها.
إن المسلم لا يضره عند الله شيئاً إذا كان تحت قهر الكافر وأسره ما دام موحداً يفعل ما أمر به قدر استطاعته، تاركاً لما حرم الله عليه، فقد كان بعض أنبياء الله يعيشون في بلاد تحت حكم من لا يؤمن بالله و اليوم الآخر كما وقع لموسى وهارون و زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة والأمر فيها بيد صناديد قريش ومات من مات من المسلمين كخديجة وياسر وسمية وغيرهم رضوان الله عليهم في تلك الظروف أفضرهم ذلك عند الله شيئاً ؟؟ هيهات.
لكن الذي يضره الضرر كله هو أن يلقى الله مشركاً ولو كان في خير بلاد الله عز وجل.
وهذا الخلط في المفاهيم يقتضي من أهل السنة أن يضاعفوا جهودهم في بيان التوحيد والعقيدة الصحيحة وما يضادها ، في أوساط المسلمين، وألا يلتفتوا لدعاوى المهونين من شأن العقيدة، ومن المتضجرين من ذكرها ومن الدعوة إليها، فما أحوج الناس إلى معرفتها، وما أعظم جهل الأكثرين بها والله المستعان.
علي بن يحيى الحدادي 19/10/1424هـ