محاضرة كلمة الشيخ لأبنائه التونسيين الشيخ محمد بن هادي المدخلي

كلمة الشيخ لأبنائه التونسيين
الثلاثاء 30 جانفي 2018    الموافق لـ : 13 جمادة الأولى 1439
مسجد بدري العتيبي
تحميل المحاضرة

تفريغ المحاضرة

...السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته؛

أهل تونس يرفعوا أيديهم، لا يبقى تونسي إلا يرفع يده يريني إياها،

حياكم اللّه جميعا وحيّ اللّه إخوانكم الآخرين، فليس هذا الأمر مخصوصا بأحد دون أحد.

أقول الحمد لله والصلاة والسلام الأَتَمَّانِ الأَكْمَلاَنِ على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وصفيه وخليله نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فما عسى أن يقول لكم محمد بن هادي بعدما سمعتم من هذا الكلام العظيم، ما عسى أن أقول لكم أيها الأحبة بعدما سمعتم من هذا الكلام العظيم،

سمعتموه، سمعتموه !؟ وقرّ في قلوبكم كلام من ...!؟ كلام شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمه اللّه تعالى، وأظن أنّه قد كفاني -رحمه اللّه- ورضي عنه عن كل كلام أقوله، وليس عندي الليلة لكم إلّا أن أكرر لكم ما سمعتموه،

ونَخْلُصُ بشيء واحد وهو: أنّ كل أحد من بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم يُؤخذ من قوله ويُترك، ما من أحد إلا ويَرُد ويُرد عليه، ما منا إلا راد ومردود عليه.

وليست العصمة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأحد، فما من أحد إلى ويصيب ويخطأ مهما بلغ في الصلاح والتقى والعلم والزهد والخشية والورع،

ما من أحد إلّا ويخطأ، وإذا كان كذلك فلا يجوز أن يُزعم لأحد أنه معصوم من الخطأ،

وإذا كان كذلك وجب علينا جميعا أن نعرض ما يقوله أهل العلم وأهل الفضل والصلاح وأهل وِلاية اللّه جلا وعلا، أنْ نعرضه على كتاب اللّه وعلى سنّة رسوله صلى اللّه عليه وسلم، فما وافقهما فعلى الرأس والعين قُبِل، ومـا لا: فـــلا، يرد على صاحبه مع حفظ مكانة أهل العلم كما سمعتم قبل قليل،

وأما الغلو فليس من منهج أهل الإسلام والإيمان، وإنّما هذا من مناهج المخالفين المنحرفين من غلاة الصوفية والروافض ومن نحى نحوهم من غلاة المقلدين المتعصبين لأقوال أشياخهم وأئمتهم، الذين كما ذكر شيخ الإسلام عن بعضهم إلا أن يصل بهم الحال إلى أنه لا يرى أنّه يقع الخطأ من إمامه ويسلم له في كل ما يقول ويزعم له ويزعم،

فهذه مصيبة عظيمة وإذا كان كذلك نخلص إلى النتيجة، وهي أنّ:

العلم معرفة الهدي بدليله
ما ذاك والتقليد يستويان.
والجهل داء قاتل ودواءه
أمران في التركيب متفقان.
نص من القرآن أو من سنّة
وطبيب ذاك العالم الرباني.

فدواء الجهل العلم، والعلم هو قال اللّه قال رسوله صلى اللّه عليه وسلم والإدلاء بالحجة، فمن أدلى بالحجة فهو على المحجة ويجب قَبول قوله، ومن لم يدل بالحجة فلا قَبول، ويحفظ له مكانته إن كان من أهل العلم ويحترم ويرد عليه،

والرد عليه ليس فيه انتقاص له كما يزعم بعض من يزعم ليس فيه انتقاص، بل فيه تعظيم للحق وهداية للخلق، ليس هذا انتقاصا للعالم وإنّما هو تعظيم للحق وهداية للخلق: (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم من يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)،

فالواجب علينا جميعاً معشر الأحبة ألا نأخذ الشيء إلا بدليله، فالعلم معرفة الهدى بدليله، الحق بدليله وهذا هو رتبة كما سمعتم قبل قليل رتبة من رتبة الصادقين،

والصديق أبوبكر رضي -اللّه عنه- كان يعرض كل أقواله وأفعاله على ما جاء به النبي صلى اللّه عليه وسلم فلذلك كان في رتبة الصِّدِّيقين، ورتبة الصديقين أعلى من رتبة المُحَدَّث الملهم وهو عمر -رضي الله تعالى عنه- فلهذا كان أكمل من عمر رضي الله تعالى عنه، وعمر بعده فإذا كان هذا مع عمر فكيف مع غيره معشر الأحبة،

فأوصيكم معشر الأحبة جميعا ونفسي بذلك أن يكون الحق هو المقصد وأن لا يُأخذ القول إلا بدليله، فمن جاء بالدليل أُخذ قوله ومن لم يأتي بالدليل رد قوله، والرد ليس فيه انتقاص له كما نسمعه اليوم من بعض الجهلة يغردون به، في الحقيقة ينعِقون ويهرفون بما لا يعرفون.

وأنتم سمعتم كلام أهل العلم والتحقيق ولله الحمد ما هو كلام محمد بن هادي وإنما كلام أئمة الهدى، من هو جبل في هذا الدين رسوخا: شيخ الإسلام تقي الدين، وهذا واللّه من عجائب الموافقات أن يكون هذا الدرس في هذه الليلة، هذا من عجائب الموافقات أن يكون الدرس هذا في هذه الليلة ولا أجد لكم أبلغ منه و أكتفي به،

وأصلي وأسلم على عبده ورسوله الذي أمرنا بالصلاة والسلام عليه محمد صلى اللّه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، ففي ذلك الكفاية والحمد لله رب العالمين.