لمعة الإعتقاد شرح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي الدرس 85

شرح لمعة الإعتقاد عذاب القبر أو نعيمه
الأربعاء 24 شوال 1438 هـ   الموافق لـ : 19 جويلية 2017 م
تحميل الشريط

عناصر الشريط

تفريغ الشريط

عذاب القبر أو نعيمه

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقال المؤلف -حفظه الله تعالى-:

عذاب القبر أو نعيمه حق ثابت بظاهر القرآن وصريح السنة وإجماع أهل السنة قال الله -تعالى- في سورة الواقعة: فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ إلى قوله: فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ

هذا دليل على عذاب القبر ونعيمه: فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ عند الموت، +++ ثم جعل +++ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وكذلك قوله تعالى من الدليل على تنعم الروح: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ هذا يبشر في الدنيا عند خروج الروح.

ومن الأدلة على تعذيب الروح قوله -تعالى-: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ وكذلك قوله -تعالى- في سورة الأنفال: إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ هذا من عذاب القبر عند خروج الروح، هذه الآيات كلها دليل على عذاب القبر ونعيمه. نعم.

والسنة صريحة في هذا، القصة في هذا الحديث الطويل حديث البراء بن عازب وفيه: أن المؤمن تخرج روحه تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، ثم تصعد إلى السماء، ويخرج منها كأحسن ريح وجدت على وجه الأرض، وأنه يوسع له في قبره ويأتيه رجل حسن الوجه وحسن الثياب، والكافر -بالعكس والعياذ بالله- تنزع روحه نزعا، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة منتنة وجدت على وجه الأرض، وتغلق أبواب السماء دونها، ثم تطرح روحه إلى الأرض طرحا، ويضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح المنظر وهو عمله كل هذا من أدلة عذاب القبر ونعيمه. نعم.

قصة الرجلين يعذبان: أحدهما لا يستنزه من البول، والثانى يمشي بالنميمة، والأدلة في هذا كثيرة. نعم.

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ بالله من عذاب القبر، وأمر أمته بذلك.

وهذا من الأدلة، نعوذ بالله من عذاب القبر، شرع للأمة أن يستعيذوا بالله في آخر الصلاة من أربع: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، هذا من أدلة عذاب القبر. نعم.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- المشهور في قصة فتنة القبر قال في المؤمن: فينادي مناد من السماء: أن صدق، عبدي فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة فيأتيه من ريحها وطيبها ويفسح له في قبره مُدَّ بصره وقال في الكافر: فينادي منادٍ من السماء أن كذب عبدي، فافرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه والحديث رواه أحمد وأبو داود

وقد اتفق السلف وأهل السنة على إثبات عذاب القبر ونعيمه، ذكره ابن القيم -رحمه الله- في كتاب الروح، وأنكر الملاحدة عذاب القبر متعللين بأننا لو نبشنا القبر لوجدناه كما هو، ونرد عليهم بأمرين:

الأول: دلالة الكتاب والسنة وإجماع السلف على ذلك.

ثانيا: إن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا، فليس العذاب أو النعيم في القبر كالمحسوس في الدنيا.

نعم، هؤلاء الملاحدة الذين لا يؤمنون إلا بالمحسوسات وبالعقليات، ينكرون عذاب القبر، بعض الملاحدة وبعض المعتزلة وغيرهم من أهل البدع، ينكرون عذاب القبر ونعيمه، يقولون: لو كشفنا ما وجدنا فيه نعيم ولا عذاب، ولا وجدنا فيه ثعابين ولا وجدنا فيه نار، وكيف يضيق عليه قبره، وهذا يوسع عليه مد البصر، وإذا كشفنا القبرين وجدناهما شيئا واحدا، المساحة واحدة، مساحة هذا ومساحة هذا، كيف هذا يضيق عليه حتى تختلف أضلاعه، وهذا يفسح في قبره مد البصر.

نقول: أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا، أمور البرزخ ليست كأمور الدنيا، فنحن الآن لو كشفناه ما وجدنا شيئا، فالميت يحس بهذا، كل هذه الأمور الميت يدركها وتقع ويلابسها، ويعذب وينعم وتشتعل عليه في قبره نار، ويفسح في قبره مد البصر، وهذا يضيق عليه قبره، كل هذه أمور البرزخ، ما تقاس على أمور الدنيا؛ هذه من أمور الغيب، لكن هؤلاء المبتدعة والملاحدة لا يؤمنون إلا بما تدركه عقولهم بزعمهم. نعم.

هل عذاب القبر أو نعيمه على الروح أو البدن؟

قال: المعتزلة إنه على الروح فقط. والصواب أنه على الروح والبدن، وأن الروح تنعم وتعذب مفردة، وتنعم وتعذب متصلة بالجسد، لكن الأحكام على الروح أكثر، الأحكام في دار البرزخ على الروح أكثر، كما أن الأحكام في الدنيا على البدن أكثر، فالإنسان إذا تنعم أو عذب في الدنيا يتنعم أو يتعذب الجسد أكثر، والروح كذلك ينالها، وفي حال البرزخ يكون على الروح أغلب، والجسد يناله ما قدر له، وفي يوم القيامة يكون الروح والجسد على حد سواء في النعيم والعذاب.

فالدور ثلاث: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، كل دار لها حكم, دار الدنيا الأحكام على البدن أغلب، ودار البرزخ الأحكام على الروح أغلب، دار الآخرة الأحكام على الجسد والروح على حد سواء. نعم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: مذهب سلف الأمة وأئمتها أن العذاب أو النعيم يحصل لروح الميت وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة.

نعم، روح المؤمن تنقل إلى الجنة، وروح الكافر تنقل إلى النار، كما في الحديث: نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه تنعم تأخذ شكل طائر، وأما أرواح الشهداء فتتنعم بواسطة حواصل طير خضر، تَرِد أنهارَ الجنة وتأكل من ثمارها؛ لأنهم لما بذلوا أبدانهم لله في الجهاد في سبيل الله عوّضهم الله أبدانا تتنعم أرواحهم بواسطتها، أما المؤمن غير الشهيد فروحه تتنعم وحدها، تأخذ شكل طائر، والجسد يناله ما قدر له. نعم

وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانا، ويحصل له معها النعيم أو العذاب.