مسائل الجاهلية شرح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي الدرس 5

شرح مسائل الجاهلية أهل الجاهلية دينهم مبني على أصول أعظمها التقليد
الأربعاء 19 جويلية 2017    الموافق لـ : 24 شوال 1438
تحميل الشريط

عناصر الشريط

تفريغ الشريط

المسألة الرابعة
أهل الجاهلية دينهم مبني على أصول أعظمها التقليد

بسم الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

أما بعد فقال المؤلف -رحمنا الله تعالى وإياه-: المسألة الرابعة: أن دينهم مبني على أصول أعظمها التقليد، فهو القاعدة الكبرى لجميع الكفار، أولهم وآخرهم، كما قال -تعالى-: وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ وقال -تعالى-: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ فأتاهم بقوله: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ وقوله: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ .

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فالمسألة الرابعة من مسائل الجاهلية التي خالف فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- الكفرة من أهل الكتاب والأميين أن أصول دينهم مبني على التقليد أي تقليد الآباء والأجداد والأسلاف ولو كانوا على الباطل ولهذا أخبر الله -سبحانه وتعالى- عنهم أنهم يتبعون آباءهم على الضلال: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ وفي الآية الأخرى يقول -تعالى-: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ؛ يعني ما وجدنا عليه آباءنا: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ .

وقال سبحانه وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ؛ يعني ما أرسل الله في قرية من نذير، يعني من نبي ينذر قومه عذاب الله وسخطه ونقمته، ويدعوهم إلى توحيد الله، إلا قال المترفون: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ يعني على دين وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ والأمة لها معان، تطلق الأمة على الدين، و تطلق على الطائفة، وتطلق على الزمان، وتطلق على الدين كما في هذه الآية إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ تطلق على الزمان كقوله -سبحانه وتعالى- في سورة يوسف وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِي وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أي بعد زمان، وتطلق الأمة على الطائفة من الناس كقوله سبحانه في سورة القصص في قصة موسى وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ يعني طائفة.

فـ"الأمة" لها معان، والمراد بها هنا "الدين" في الآية: وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا يعني: المترفون منهم.. أهل الترف إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ على دين، وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ يعني: وجدنا آباءنا على هذا الدين وسوف نسير على آثاره، قلّدوهم بالباطل، قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ .

فأتاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بإبطال التقليد، وأنه يجب على الإنسان أن يكون على بصيرة في دينه، وأن يتبع ما أنزل إليه من الله عز وجل، يعمل بالكتاب، القرآن الذي أنزله الله على محمد ويتبع الرسول عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا قال الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ وقال سبحانه: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ .

لا بد من التفكر، لا يلغي الإنسان عقله ويقلد غيره، فيكون الإنسان إمّعة تبعًا لغيره، فليس هناك تقليد في العقيدة وأصول الدين والتوحيد والإيمان بالله والرسول واليوم الآخر، لا تقليد في ذلك، يجب على الإنسان أن يكون على بصيرة، وأن يتبع الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن يعمل بالكتاب العظيم، كل إنسان يعلم أن له ربًّا خالقًا مدبرًا، وأنه هو المعبود بالحق، ويؤمن بالملائكة ويؤمن بالكتب ويؤمن بالرسل ويؤمن باليوم الآخر، ويؤمن بالقدر خيره وشره ليس في ذلك تقليد، في التوحيد وأصول الدين، والبراءة من الشرك وأهله.

لا بد أن يكون المسلم على بصيرة وعلى بينة من أمره فلا يقلد الآباء والأجداد والأسلاف فيما هم عليه من الشرك والكفر بالله، وما هم عليه من البدع والخرافات والضلال، ولكن التقليد يكون في الأشياء الدقيقة الخفية، ويكون للعامي ومن في حكمه الذي ليس عنده أهلية النظر في الأدلة، يقلد من يثق بدينه وعلمه وورعه، كما قال سبحانه وتعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أما في مسائل أصول الدين، في العقيدة، في التوحيد فليس هناك تقليد، بل الواجب العمل بالكتاب المنزل واتباع الرسول عليه الصلاة والسلام.

هذه المسألة العظيمة التي خالف فيها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الكفرةَ وهي أن الكفرة يقلدون آباءهم وأجدادهم وأسلافهم في الضلال والباطل، فخالفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي من أكبر أمورهم، ومن أعظم أصول دينهم اتباع الآباء والأجداد والأسلاف في الباطل، فخالفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمرهم أن يعلموا وأن يتعلموا وأن يعبدوا ربهم على بصيرة وعلم لا عن تقليد، وأن يعلموا ما أوجب الله عليهم من التوحيد وإخلاص الدين له سبحانه وتعالى، والإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام، والبعد عن الشرك والبدع والخرافات، وأنه لا يجوز للإنسان أن يقلد آباءه وأجداده وأسلافه في الكفر والضلال.

أما المسائل الفرعية التي يشتبه أمرها فإن العامي لا يكون في ذلك عنده أهلية للنظر وإنما يقلد من يثق بدينه وعلمه وورعه، يجتهد في مَن يسأل ثم إن أفتاه يأخذ بقوله؛ لقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أما من كان عنده أهلية النظر فليس له أن يقلد بل عليه أن يعمل بالدليل، نعم.