اقتضاء الصراط المستقيم شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين الدرس 8

شرح اقتضاء الصراط المستقيم الدرس الثامن
الخميس 4 جوان 2015    الموافق لـ : 16 شعبان 1436
تحميل الشريط

عناصر الشريط

  1. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقال سبحانه: { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيءٍ إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون }. ومعلوم أن الكفار فرقوا دينهم ، وكانوا شيعا، كما قال سبحانه : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات }. وقال: { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة } . وقال: { ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظًا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة }. وقال عن اليهود: { وليزيدن كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانًا وكفرًا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة }. "
  2. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد قال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: { لست منهم في شيءٍ } وذلك يقتضي تبرؤه منهم في جميع الأشياء. ومن تابع غيره في بعض أموره فهو منه في ذلك الأمر ؛ لأن قول القائل : أنا من هذا ، وهذا مني - أي أنا من نوعه ، وهو من نوعي - لأن الشخصين لا يتحدان إلا بالنوع ، كما في قوله تعالى : { بعضكم من بعضٍ } وقوله عليه الصلاة والسلام لعلي : " أنت مني وأنا منك "، فقول القائل : لست من هذا في شيء ، أي لست مشاركا له في شيء ، بل أنا متبرئ من جميع أموره . وإذا كان الله قد برأ الله رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع أمورهم ؛ فمن كان متبعا للرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة كان متبرئا كتبرئه ، ومن كان موافقا لهم كان مخالفا للرسول بقدر موافقته لهم ، فإن الشخصين المختلفين من كل وجه في دينهما، كلما شابهت أحدهما ؛ خالفت الآخر. وقال سبحانه وتعالى: { لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } إلى آخر السورة وقد روى مسلم في صحيحه عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله }. الآية ، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم بركوا على الركب ، فقالوا : " أي رسول الله كلفنا ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد نزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا؟ بل قولوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " فلما اقترأها القوم ، وذلت بها ألسنتهم ، أنزل الله تعالى في إثرها : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحدٍ من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } فلما فعلوا ذلك نسخها الله ؛ فأنزل الله : { لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } ، قال : نعم { ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا } قال : نعم { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } ، قال : نعم { واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين } ، قال : نعم ". فحذرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلقوا أمر الله بما تلقاه. أهل الكتابين، وأمرهم بالسمع والطاعة ؛ فشكر الله لهم ذلك ، حتى رفع الله عنهم الآصار والأغلال التي كانت على من كان قبلنا ".
  3. أسئلة.
  4. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقال الله في صفته صلى الله عليه وسلم : { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } فأخبر الله سبحانه أن رسوله عليه الصلاة والسلام يضع الآصار والأغلال التي كانت على أهل الكتاب . ولما دعا المؤمنون بذلك أخبر الرسول أنه قد استجاب دعاءهم وهذا وإن كان رفعا للإيجاب والتحريم فإن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته، قد صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
  5. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يكره مشابهة أهل الكتابين في هذه الآصار والأغلال ، وزجر أصحابه عن التبتل وقال : " لا رهبانية في الإسلام " وأمر بالسحور ونهى عن المواصلة، وقال فيما يعيب به أهل الكتابين ويحذر موافقتهم: " فتلك بقاياهم في الصوامع " وهذا باب واسع جدا . وقال سبحانه: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ ومن يتولهم منكم فإنه منهم } وقال سبحانه : { ألم تر إلى الذين تولوا قومًا غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم } يعيب بذلك المنافقين الذين تولوا اليهود إلى قوله : { لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحٍ منه } إلى قوله : { أولئك حزب الله }. وقال تعالى : { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعضٍ } إلى قوله : { والذين كفروا بعضهم أولياء بعضٍ } إلى قوله : { والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم }. فعقد سبحانه الموالاة بين المهاجرين والأنصار ، وبين من آمن بعدهم وهاجر وجاهد إلى يوم القيامة . والمهاجر: من هجر ما نهى الله عنه والجهاد باق إلى يوم القيامة. فكل شخص يمكن أن يقوم به هذان الوصفان ، إذ كان كثير من النفوس اللينة تميل إلى هجر السيئات دون الجهاد ، والنفوس القوية قد تميل إلى الجهاد دون هجر السيئات ، وإنما عقد الموالاة لمن جمع الوصفين ، وهم أمة محمد حقيقة . وقال : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } ونظائر هذا في غير موضع من القرآن : يأمر سبحانه بموالاة المؤمنين حقا - الذين هم حزبه وجنده - ويخبر أن هؤلاء لا يوالون الكافرين ولا يوادونهم . والموالاة والموادة: وإن كانت متعلقة بالقلب ، لكن المخالفة في الظاهر أعون على مقاطعة الكافرين ومباينتهم . ومشاركتهم في الظاهر : إن لم تكن ذريعة أو سببا قريبا أو بعيدا إلى نوع ما من الموالاة والموادة ، فليس فيها مصلحة المقاطعة والمباينة ، مع أنها تدعو إلى نوع ما من المواصلة - كما توجبه الطبيعة وتدل عليه العادة - ولهذا كان السلف رضي الله عنهم يستدلون بهذه الآيات على ترك الاستعانة بهم في الولايات ."
  6. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي موسى رضي الله عنه قال : " قلت لعمر رضي الله عنه : إن لي كاتبا نصرانيا قال : ما لك؟ قاتلك الله ، أما سمعت الله يقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ } ألا اتخذت حنيفا؟ قال : قلت : يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه . قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم الله ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله " ولما دل عليه معنى الكتاب: وجاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين التي أجمع الفقهاء عليها بمخالفتهم وترك التشبه بهم."
  7. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم " أمر بمخالفتهم ؛ وذلك يقتضي أن يكون جنس مخالفتهم أمرا مقصودا للشارع ؛ لأنه إن كان الأمر بجنس المخالفة حصل المقصود ، وإن كان الأمر بالمخالفة في تغيير الشعر فقط ، فهو لأجل ما فيه من المخالفة فالمخالفة : إما علة مفردة أو علة أخرى ، أو بعض علة ، وعلى التقديرات تكون مأمورا بها مطلوبة من الشارع "
  8. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه: " لأن الفعل المأمور به إذا عبر عنه. بلفظ مشتق من معنى أعم من ذلك الفعل ؛ فلا بد أن يكون ما منه الاشتقاق أمرا مطلوبا ، لا سيما إن ظهر لنا أن المعنى المشتق منه معنى مناسب للحكمة ، كما لو قيل للضيف : أكرمه ، بمعنى أطعمه ، أو للشيخ الكبير : وقره ، بمعنى اخفض صوتك له ، أو نحو ذلك . وذلك لوجوه: أحدها: أن الأمر إذا تعلق باسم مفعول مشتق من معنى كان المعنى علة للحكم ، كما في قوله عز وجل : { فاقتلوا المشركين } وقوله: { فأصلحوا بين أخويكم } وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " عودوا المريض وأطعموا الجائع وفكوا العاني " وهذا كثير معلوم . فإذا كان نفس الفعل المأمور به مشتقا من معنى أعم منه ؛ كان نفس الطلب والاقتضاء قد علق بذلك المعنى الأعم ، فيكون مطلوبا بطريق الأولى ".
  9. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " الوجه الثاني : أن جميع الأفعال مشتقة ، سواء كانت مشتقة من المصدر ، أو كان المصدر مشتقا منها ، أو كان كل منهما مشتقا من الآخر ، بمعنى : أن بينهما مناسبة في اللفظ والمعنى ، لا بمعنى : أن أحدهما أصل والآخر فرع ، بمنزلة المعاني المتضايفة كالأبوة والبنوة أو كالأخوة من الجانبين ، ونحو ذلك . فعلى كل حال : إذا أمر بفعل كان نفس مصدر الفعل أمرا مطلوبا للآمر ، مقصودا له كما في قوله : {اتقوا الله }و { وأحسنوا إن الله يحب المحسنين } و { آمنوا بالله ورسوله } و { اعبدوا الله ربي وربكم } و { فعليه توكلوا } . فإن نفس التقوى ، والإحسان ، والإيمان ، والعبادة ، أمور مطلوبة مقصودة ، بل هي نفس المأمور به . ثم المأمور به أجناس لا يمكن أن تقع إلا معينة ، وبالتعيين تقترن بها أمور غير مقصودة للآمر ، لكن لا يمكن العبد إيقاع الفعل المأمور به ؛ إلا مع أمور معينة له ، فإنه إذا قال : { فتحرير رقبةٍ } فلا بد إذا أعتق العبد رقبة أن يقترن بهذا المطلق تعيين : من سواد ، أو بياض ، أو طول ، أو قصر ، أو عربية ، أو عجمية ، أو غير ذلك من الصفات ، لكن المقصود : هو المطلق المشترك بين هذه المعينات . وكذلك إذا قيل : اتقوا الله وخالفوا اليهود ؛ فإن التقوى تارة تكون بفعل واجب : من صلاة ، أو صيام ، وتارة تكون بترك محرم من كفر أو زنا ، أو نحو ذلك ، فخصوص ذلك الفعل إذا دخل في التقوى لم يمنع دخول غيره ، فإذا رئي رجل على زنا فقيل : له اتق الله ؛ كان أمرا له بعموم التقوى ، داخلا فيه خصوص ترك ذلك الزنا ؛ لأن سبب اللفظ العام لا بد أن يدخل فيه ".
  10. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " كذلك إذا قيل: " إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم " كان أمرا بعموم المخالفة، داخلا فيه المخالفة بصبغ اللحية، لأنه سبب اللفظ العام. وسببه : أن الفعل فيه عموم وإطلاق لفظي ومعنوي فيجب الوفاء به ، وخروجه على سبب يوجب أن يكون داخلا فيه لا يمنع أن يكون غيره داخلا فيه - وإن قيل: إن اللفظ العام يقصر على سببه - لأن العموم هاهنا من جهة المعنى - فلا يقبل من التخصيص ما يقبله العموم اللفظي . فإن قيل: الأمر بالمخالفة أمر بالحقيقة المطلقة وذلك لا عموم فيه بل يكفي فيه المخالفة في أمر ما ، وكذلك سائر ما يذكرونه فمن أين اقتضى ذلك المخالفة في غير ذلك الفعل المعين ؟ . قلت : هذا سؤال قد يورده بعض المتكلمين في عامة الأفعال المأمور بها ويلبسون به على الفقهاء وجوابه من وجهين: أحدهما: أن التقوى والمخالفة ونحو ذلك من الأسماء والأفعال المطلقة قد يكون العموم فيها من جهة عموم الكل لأجزائه لا من جهة عموم الجنس لأنواعه ؛ فإن العموم ثلاثة أقسام : 1 - عموم الكل لأجزائه: وهو ما لا يصدق فيه الاسم العام، ولا أفراده على جزئه 2 - عموم الجميع لأفراده: وهو ما يصدق فيه أفراد الاسم العام على آحاده 3 - عموم الجنس لأنواعه وأعيانه: وهو ما يصدق فيه نفس الاسم العام على أفراده"