اقتضاء الصراط المستقيم شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين الدرس 51

شرح اقتضاء الصراط المستقيم الدرس الحادي والخمسون
الخميس 4 جوان 2015    الموافق لـ : 16 شعبان 1436
تحميل الشريط

عناصر الشريط

  1. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومع هذا فأنت ترى الذين يحكون أنهم وقعوا في شدائد ، فنذروا نذورًا تكشف شدائدهم ، أكثر - أو قريبًا - من الذين يزعمون أنهم دعوا عند القبور ، أو غيرها ، فقضيت حوائجهم ، بل من كثرة اغترار المضلين ، بذلك ؛ صارت النذور المحرمة في الشرع مآكل لكثير من السدنة والمجاورين ، والعاكفين عند بعض المساجد أو غيرها ، ويأخذون من الأموال شيئًا كثيرًا ، وأولئك الناذرون يقول أحدهم : مرضت فنذرت . ويقول آخر : خرج علي المحاربون فنذرت ، ويقول الآخر : ركبت البحر فنذرت . ويقول الآخر : حبست فنذرت . ويقول الآخر : أصابتني فاقة فنذرت . وقد قام بنفوسهم ، أن هذه النذور هي السبب في حصول مطلوبهم ، ودفع مرهوبهم . وقد أخبر الصادق المصدوق أن نذر طاعة الله - فضلًا عن معصيته - ليس سببًا لحصول الخير ، وإنما الخير الذي يحصل للناذر يوافقه موافقة كما يوافق سائر الأسباب ، فما هذه الأدعية غير المشروعة ، في حصول المطلوب بأكثر من هذه النذور في حصول المطلوب . بل تجد كثيرًا من الناس يقول : إن المكان الفلاني ، أو المشهد الفلاني ، أو القبر الفلاني ، يقبل النذر ، بمعنى أنهم نذروا له نذرًا إن قضيت حاجتهم ، وقضيت . كما يقول القائلون : الدعاء عند المشهد الفلاني ، أو القبر الفلاني ، مستجاب ، بمعنى أنهم دعوا هناك مرة ، فرأوا أثر الإجابة . بل إذا كان المبطلون يضيفون قضاء حوائجهم إلى خصوص نذر المعصية مع أن جنس النذر لا أثر له في ذلك ، لم يبعد منهم إذا أضافوا حصول غرضهم إلى خصوص الدعاء بمكان لا خصوص له في الشرع ، لأن جنس الدعاء هنا مؤثر ، فالإضافة إليه ممكنة ، بخلاف جنس النذر فإنه لا يؤثر . والغرض أن يعرف أن الشيطان إذا زين لهم نسبة الأثر إلى ما لا يؤثر نوعًا ولا وصفًا ، فنسبته إلى وصف قد ثبت تأثير نوعه أولى أن يزين لهم . ثم كما لم يكن ذلك الاعتقاد منهم صحيحًا ، فكذلك هذا ، إذ كلاهما مخالف للشرع . ومما يوضح ذلك : أن اعتقاد المعتقد أن هذا الدعاء أو هذا النذر كان هو السبب ، أو بعض السبب في حصول المطلوب لا بد له من دلالة ، ولا دليل على ذلك في الغالب إلا الاقتران أحيانًا ، أعني : وجودهما جميعًا ، وإن تراخي أحدهما عن الآخر مكانًا أو زمانًا مع الانتقاض ، أضعاف أضعاف الاقتران ، ومجرد اقتران الشيء بالشيء بعض الأوقات مع انتقاضه ، ليس دليلًا على الغلبة باتفاق العقلاء ، إذا كان هناك سبب آخر صالح ، إذ تخلف الأثر عنه يدل على عدم الغلبة . فإن قيل : إن التخلف بفوات شرط ، أو لوجود مانع . قيل : بل الاقتران لوجود سبب آخر ، وهذا هو الراجح ، فإنا نرى الله في كل وقت يقضي الحاجات ويفرج الكربات ، بأنواع من الأسباب ، لا يحصيها إلا هو ، وما رأيناه يحدث المطلوب مع وجود هذا الدعاء المبتدع ، إلا نادرًا ، فإذا رأيناه قد أحدث شيئًا وكان الدعاء المبتدع قد وجد ، كان إحالة حدوث الحادث على ما علم من الأسباب التي لا يحصيها إلا الله ، أولى من إحالته على ما لم يثبت كونه سببًا . ثم الاقتران : إن كان دليلًا على العلة ، فالانتقاض دليل على عدمها .
  2. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وهنا افترق الناس ثلاث فرق : مغضوب عليهم ، وضالون ، والذين أنعم الله عليهم . فالمغضوب عليهم ، يطعنون في عامة الأسباب المشروعة وغير المشروعة ، ويقولون : الدعاء المشروع قد يؤثر ، وقد لا يؤثر ويتصل بذلك الكلام في دلالة الآيات على تصديق الأنبياء عليهم السلام . والضالون : يتوهمون من كل ما يتخيل سببًا ، وإن كان يدخل في دين اليهود والنصارى والمجوس ، وغيرهم . والمتكايسون من المتفلسفة يحيلون ذلك على أمور فلكية ، وقوى نفسانية ، وأسباب طبيعية ، يدورون حولها ، لا يعدلون عنها . فأما المهتدون ، فهم لا ينكرون ما خلقه الله من القوى والطبائع في جميع الأجسام والأرواح ، إذ الجميع خلق الله ، لكنهم يؤمنون بما وراء ذلك من قدرة الله التي هو بها على كل شيء قدير ، ومن أنه كل يوم هو في شأن ، ومن أن إجابته لعبده المؤمن خارجة عن قوة نفسه ، وتصرف جسمه وروحه ، وبأن الله يخرق العادات لأنبيائه ، لإظهار صدقهم ، ولإكرامهم بذلك . ونحو ذلك من حكمه . وكذلك يخرقها لأوليائه : تارة لتأييد دينه بذلك ، وتارة تعجيلًا لبعض ثوابهم في الدنيا ، وتارة إنعامًا عليهم بجلب نعمة ، أو دفع نقمة ، ولغير ذلك ، ويؤمنون بأن الله يرد بما أمرهم به ، من الأعمال الصالحة ، والدعوات المشروعة - ما جعله في قوى الأجسام والأنفس ، ولا يلتفتون إلى الأوهام التي دلت الأدلة العقلية ، أو الشرعية على فسادها ، ولا يعملون بما حرمته الشريعة ، وإن ظن أن له تأثيرًا .
  3. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما العلم بغلبة السبب: فله طرق في الأمور الشرعية ، كما له طرق في الأمور الطبيعية منها : الاضطرار ، " فإن الناس لما عطشوا وجاعوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ غير مرة ماء قليلًا ، فوضع يده الكريمة فيه حتى فار الماء من بين أصابعه ، ووضع يده الكريمة في الطعام ، وبرك فيه حتى كثر كثرة خارجة عن العادة " ، فإن العلم بهذا الاقتران المعين ، يوجب العلم بأن كثرة الماء والطعام كانت بسببه صلى الله عليه وسلم ، علمًا ضروريًا ، كما يعلم أن الرجل إذا ضرب بالسيف ضربة شديدة صرعته فمات ، أن الموت كان منها ، بل أوكد ، فإن العلم بأن كثرة الماء والطعام ليس له سبب معتاد في مثل ذلك أصلًا ، مع أن العلم بهذه المقارنة ، يوجب علمًا ضروريًا بذلك . وكذلك لما " دعا صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك أن يكثر الله ماله وولده " ، فكان نخله يحمل في السنة مرتين ، خلاف عادة بلده ، ورأى من ولده وولد ولده أكثر من مائة ، فإن مثل هذا الحادث يعلم أنه كان بسبب ذلك الدعاء . ومن رأى طفلًا يبكي بكاء شديدًا ، فألقمته أمه الثدي فسكن ، علم يقينًا أن سكونه كان لأجل اللبن . والاحتمالات ، وإن تطرقت إلى النوع ، فإنها قد لا تتطرق إلى الشخص المعين . وكذلك الأدعية ، فإن المؤمن يدعو بدعاء فيرى المدعو بعينه مع عدم الأسباب المقتضية له ، أو يفعل فعلًا كذلك فيجده كذلك ، كالعلاء بن الحضرمي رضي الله عنه لما قال : يا عليم ، يا حليم ، يا علي ، يا عظيم ، اسقنا ، فمطروا في يوم شديد الحر ، مطرًا لم يجاوز عسكرهم . وقال : احملنا فمشوا على النهر الكبير مشيًا لم يبل أسافل أقدام دوابهم وأيوب السختياني لما ركض الجبل لصاحبه ركضة ، نبعت له عين ماء فشرب ، ثم غارت . فدعاء الله وحده لا شريك له ، دل الوحي المنزل ، والعقول الصحيحة على فائدته ومنفعته ، ثم التجارب التي لا يحصي عددها إلا الله . فتجد أكثر المؤمنين قد دعوا الله وسألوه أشياء أسبابها منتفية في حقهم ، فأحدث الله لهم تلك المطالب على الوجه الذي طلبوه ، على وجه يوجب العلم تارة ، والظن الغالب أخرى - أن الدعاء كان هو السبب في هذا ، وتجد هذا ثابتًا عند ذوي العقول والبصائر ، الذين يعرفون جنس الأدلة ، وشروطها ، واطرادها . وأما اعتقاد تأثير الأدعية المحرمة ، فعامته إنما نجد اعتقاده ، عند أهل الجهل الذين لا يميزون بين الدليل وغيره ، ولا يفهمون ما يشترط للدليل من الاطراد ، وإنما يتفق في أهل الظلمات ، من الكفار والمنافقين ، أو ذوي الكبائر الذين أظلمت قلوبهم بالمعاصي حتى لا يميزوا بين الحق والباطل .
  4. هل صحيح أن خزاعة كانوا مسلمين ، كما يقول بعض من يدعي علم التاريخ ؟
  5. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وبالجملة : فالعلم بأن هذا كان هو السبب أو بعض السبب ، أو شرط السبب ، في هذا الأمر الحادث ، قد يعلم كثيرًا ، وقد يظن كثيرًا ، وقد يتوهم كثيرًا وهمًا ليس له مستند صحيح ، إلا ضعف العقل . ويكفيك أن كل ما يظن أنه سبب لحصول المطالب مما حرمته الشريعة من دعاء أو غيره ، لا بد فيه من أحد أمرين : إما أن لا يكون سببًا صحيحًا ، كدعاء من لا يسمع ولا يبصر ، ولا يغني عنك شيئًا . وإما أن يكون ضرره أكثر من نفعه . فأما ما كان سببًا صحيحًا منفعته أكثر من مضرته ، فلا ينهى عنه الشرع بحال . وكل ما لم يشرع من العبادات مع قيام المقتضي لفعله من غير مانع فإنه من باب المنهي عنه . كما تقدم .
  6. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما ما ذكر في المناسك ، أنه بعد تحية النبي صلى الله عليه وسلم ، وصاحبيه ، والصلاة والسلام يدعو ، فقد ذكر الإمام أحمد وغيره : أنه يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره لئلا يستدبره ، وذلك بعد تحيته والصلاة والسلام ، ثم يدعو لنفسه . وذكر أنه إذا حياه وصلى عليه يستقبل وجهه - بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم ، فإذا أراد الدعاء جعل الحجرة عن يساره واستقبل القبلة ودعا ، وهذا مراعاة منهم لذلك ، فإن الدعاء عند القبر لا يكره مطلقًا ، بل يؤمر به ، كما جاءت به السنة فيما تقدم ضمنًا وتبعًا ، وإنما المكروه أن يتحرى المجيء إلى القبر للدعاء عنده . وكذلك ذكر أصحاب مالك قالوا : يدنو من القبر ، فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يدعو مستقبل القبلة ، يوليه ظهره ، وقيل : لا يوليه ظهره ، وإنما اختلفوا لما فيه من استدباره ، فأما إذا جعل الحجرة عن يساره ، فقد زال المحذور بلا خلاف وصار في الروضة ، أو أمامها . ولعل هذا الذي ذكره الأئمة ، أخذوه من كراهة الصلاة إلى القبر ، فإن ذلك قد ثبت النهي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ، فلما نهي أن يتخذ القبر مسجدًا أو قبلة ، أمروا بأن لا يتحرى الدعاء إليه ، كما لا يصلى إليه . وقال مالك في المبسوط : لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ، لكن يسلم ويمضي " . ولهذا - والله أعلم - حرفت الحجرة وثلثت لما بنيت ، فلم يجعل حائطها الشمالي على سمت القبلة ، ولا جعل مسطحًا .
  7. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك قصدوا قبل أن تدخل الحجرة في المسجد . فروى ابن بطة ، بإسناد معروف عن هشام بن عروة ، حدثني أبي ، وقال : " كان الناس يصلون إلى القبر ، فأمر عمر بن عبد العزيز ، فرفع حتى لا يصلي إليه الناس ، فلما هدم بدت قدم بساق وركبة ، قال : ففزع من ذلك عمر بن عبد العزيز ، فأتاه عروة فقال له : هذه ساق عمر وركبته . فسري عن عمر بن عبد العزيز . وهذا أصل مستمر ، فإنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلى إليه ، ألا ترى أن الرجل لما نهي عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها ، فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء ، ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها الرجل الصالح ، سواء كانت في المشرق أو غيره ، وهذا ضلال بين ، وشرك واضح ، كما أن بعض الناس يمتنع من استدبار الجهة التي فيها بعض الصالحين ، وهو يستدبر الجهة التي فيها بيت الله وقبر رسوله صلى الله عليه وسلم وكل هذه الأشياء من البدع التي تضارع دين النصارى . ومما يبين لك ذلك ، أن نفس السلام على النبي صلى الله عليه وسلم قد راعوا فيه السنة ، حتى لا يخرج إلى الوجه المكروه الذي قد يجر إلى إطراء النصارى عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تتخذوا قبري عيدا " . وبقوله : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله " ، فكان بعضهم يسأل عن السلام على القبر خشية أن يكون من هذا الباب ، حتى قيل له : إن ابن عمر كان يفعل ذلك . ولهذا كره مالك رضي الله عنه ، وغيره من أهل العلم ، لأهل المدينة كلما دخل أحدهم المسجد ، أن يجيء فيسلم على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه . وقال : " وإنما يكون ذلك لأحدهم إذا قدم من سفر ، أو أراد سفرًا ونحو ذلك . ورخص بعضهم في السلام عليه إذا دخل المسجد للصلاة ونحوها ، وأما قصده دائمًا للصلاة والسلام ، فما علمت أحدًا رخص فيه ، لأن ذلك النوع من اتخاذه عيدًا ، مع أنا قد شرع لنا إذا دخلنا المسجد أن نقول : " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " كما نقول ذلك في آخر صلاتنا . بل قد استحب ذلك لكل من دخل مكانًا ليس فيه أحد : أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، لما تقدم من أن السلام عليه يبلغه من كل موضع . فخاف مالك وغيره ، أن يكون فعل ذلك عند القبر كل ساعة ، نوعًا من اتخاذ القبر عيدًا . وأيضًا فإن ذلك بدعة ، فقد كان المهاجرون والأنصار على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم يجيئون إلى المسجد الحرام كل يوم خمس مرات يصلون ، ولم يكونوا يأتون مع ذلك إلى القبر يسلمون عليه ، لعلمهم رضي الله عنهم بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرهه من ذلك ، وما نهاهم عنه ، وأنهم يسلمون عليه حين دخول المسجد والخروج منه ، وفي التشهد ، كما كانوا يسلمون عليه كذلك في حياته . والمأثور عن ابن عمر يدل على ذلك . قال سعيد في سننه : حدثنا عبد الرحمن بن زيد ، حدثني أبي ، عن ابن عمر : أنه كان إذا قدم من سفر أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال : السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبتاه . وعبد الرحمن بن زيد وإن كان يضعف ، لكن الحديث المتقدم عن نافع - الصحيح - يدل على أن ابن عمر ما كان يفعل ذلك دائمًا ولا غالبًا .
  8. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وما أحسن ما قال مالك : " لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها " ، ولكن كلما ضعف تمسك الأمم بعهود أنبيائهم ، ونقص إيمانهم ، عوضوا ذلك بما أحدثوه من البدع والشرك وغيره . ولهذا كرهت الأئمة استلام القبر وتقبيله ، وبنوه بناء منعوا الناس أن يصلوا إليه . فكانت حجرة عائشة التي دفنوه فيها منفصلة عن مسجده ، وكان ما بين منبره وبيته هو الروضة ، ومضى الأمر على ذلك في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم ، وزيد في المسجد زيادات وغير ، والحجرة على حالها هي وغيرها من الحجر المطيفة بالمسجد من شرقيه وقبليه ، حتى بناه الوليد بن عبد الملك ، وكان عمر بن عبد العزيز عامله على المدينة ، فابتاع هذه الحجر وغيرها وهدمهن وأدخلهن في المسجد ، فمن أهل العلم من كره ذلك ، كسعيد بن المسيب ، ومنهم من لم يكرهه . قال أبو بكر الأثرم : قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - : قبر النبي صلى الله عليه وسلم يمس ويتمسح به؟ فقال : ما أعرف هذا . قلت له : فالمنبر؟ فقال : أما المنبر فنعم قد جاء فيه . قال أبو عبد الله : شيء يروونه عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن عمر : أنه مسح على المنبر . قال : ويروونه عن سعيد بن المسيب في الرمانة . قلت : ويروون عن يحيى بن سعيد ، أنه حين أراد الخروج إلى العراق ، جاء إلى المنبر فمسحه ودعا ، فرأيته استحسنه ثم قال : لعله عند الضرورة والشيء .
  9. الصواب أنه لا يتمسح بالمنبر ولا بشيء موجود على الأرض إلا الحجر الأسود والركن اليماني .
  10. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " قيل لأبي عبد الله : إنهم يلصقون بطونهم بجدار القبر . وقلت له : رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسونه ويقومون ناحية فيسلمون . فقال أبو عبد الله : نعم ، وهكذا كان ابن عمر يفعل . ثم قال أبو عبد الله : بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم . فقد رخص أحمد وغيره في التمسح بالمنبر والرمانة ، التي هي موضع مقعد النبي صلى الله عليه وسلم ويده ، ولم يرخصوا في التمسح بقبره . وقد حكى بعض أصحابنا رواية في مسح قبره ، لأن أحمد شيع بعض الموتى ، فوضع يده على قبره يدعو له . والفرق بين الموضعين ظاهر . وكره مالك التمسح بالمنبر . كما كرهوا التمسح بالقبر . فأما اليوم فقد احترق المنبر ، وما بقيت الرمانة ، وإنما بقي من المنبر خشبة صغيرة ، فقد زال ما رخص فيه ، لأن الأثر المنقول عن ابن عمر وغيره ، إنما هو التمسح بمقعده . وروى الأثرم بإسناده عن القعنبي عن مالك عن عبد الله بن دينار قال : رأيت ابن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر .
  11. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " الوجه الثالث : في كراهة قصدها للدعاء : أن السلف رضي الله عنهم كرهوا ذلك ، متأولين في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تتخذوا قبري عيدًا " كما ذكرنا ذلك عن علي بن الحسين والحسن بن الحسن ابن عمه ، وهما أفضل أهل البيت من التابعين ، وأعلم بهذا الشأن من غيرهما ، لمجاورتهما الحجرة النبوية نسبًا ومكانًا . وذكرنا عن أحمد وغيره ، أنه أمر من سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، وصاحبيه ، ثم أراد أن يدعو : أن ينصرف فيستقبل القبلة . وكذلك أنكر ذلك غير واحد من العلماء المتقدمين ، كمالك وغيره . ومن المتأخرين : مثل أبي الوفاء ابن عقيل ، وأبي الفرج بن الجوزي . وما أحفظ - لا عن صاحب ولا تابع ، ولا عن إمام معروف - أنه استحب قصد شيء من القبور للدعاء عنده ، ولا روى أحد في ذلك شيئًا ، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن أحد من الأئمة المعروفين .