اقتضاء الصراط المستقيم شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين الدرس 61

شرح اقتضاء الصراط المستقيم الدرس الحادي والستون
الخميس 4 جوان 2015    الموافق لـ : 16 شعبان 1436
تحميل الشريط

عناصر الشريط

  1. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأصل هذا : أن المساجد التي تشد إليها الرحال ، هي المساجد الثلاثة ، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا " وقد روي هذا من وجوه أخرى ، وهو حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل العلم ، فتلقي بالقبول عنه . فالسفر إلى هذه المساجد الثلاثة للصلاة فيها والدعاء والذكر والقراءة والاعتكاف ، من الأعمال الصالحة . وما سوى هذه المساجد لا يشرع السفر إليه باتفاق أهل العلم ، حتى مسجد قباء يستحب قصده من المكان القريب كالمدينة ، ولا يشرع شد الرحال إليه ، فإن في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيا وراكبا " وكان ابن عمر يفعله . وفي لفظ لمسلم : " فيصلي فيه ركعتين " ، وذكره البخاري بغير إسناد وذلك أن الله تعالى نهاه عن القيام في مسجد الضرار فقال تعالى : { والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون }{ لا تقم فيه أبدًا لمسجدٌ أسس على التقوى من أول يومٍ أحق أن تقوم فيه فيه رجالٌ يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين }{ أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوانٍ خيرٌ أم من أسس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين. لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبةً في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليمٌ حكيمٌ } وكان مسجد الضرار قد بني لأبي عامر الفاسق ، الذي كان يقال له : أبو عامر الراهب ، وكان قد تنصر في الجاهلية ، وكان المشركون يعظمونه ، فلما جاء الإسلام حصل له من الحسد ما أوجب مخالفته للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقام طائفة من المنافقين يبنون هذا المسجد ، وقصدوا أن يبنوه لأبي عامر هذا ، والقصة مشهورة في ذلك فلم يبنوه لأجل فعل ما أمر الله به ورسوله ، بل لغير ذلك . فدخل في معنى ذلك : من بنى أبنية يضاهي بها مساجد المسلمين لغير العبادات المشروعة ، من المشاهد وغيرها ، لا سيما إذا كان فيها من الضرار والكفر والتفريق بين المؤمنين ، والإرصاد لأهل النفاق والبدع المحادين لله ورسوله ، ما يقوى بها شبهها ، كمسجد الضرار ، فلما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { لمسجدٌ أسس على التقوى من أول يومٍ أحق أن تقوم فيه } وكان مسجد قباء أسس على التقوى ، ومسجده أعظم في تأسيسه على التقوى من مسجد قباء ، كما ثبت في الصحيح عنه : أنه سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال : " مسجدي هذا " فكلا المسجدين أسس على التقوى ، ولكن اختص مسجده بأنه أكمل في هذا الوصف من غيره ، فكان يقوم في مسجده يوم الجمعة ، ويأتي مسجد قباء يوم السبت .
  2. هل كل مسجد حصل به الضرار يجب هدمه سواء قصد به الضرار أو لا ؟
  3. هل يصح الاستدلال بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في ذهابه يوم السبت لمسجد قباء أنه يشرع لنا الذهاب يوم السبت لمسجد قباء ؟
  4. إذا كان بناء مسجد قريب من آخر وتسبب في تقليل الجماعة في المسجد الأول هل يهدم ؟
  5. ما حكم من يتنقل بين المساجد يتتبع حسن التلاوة والخطبة وغيرها ؟
  6. في بعض المناطق عندنا تكون المساجد قليلة والناس يحتاجون إلى مسجد في السوق ومنطقة السوق لا يصلح فيها بناء مسجد لكثرة الماء فيها فيبني الناس مسجدا من قماش مثل الخيمة فما رأيكم في الصلاة فيه؟
  7. إذا كان المسجد يضيق بالمصلين هل يهدم ويبنى غيره ؟
  8. سؤال حول الصلاة في قباء
  9. من حج بمال حرام فهل حجه صحيح ؟
  10. ما صحة حديث الذي يحج بمال حرام فيقال له لا لبيك ولا سعديك ؟
  11. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وفي السنن عن أسيد بن ظهير الأنصاري رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الصلاة في مسجد قباء كعمرة » رواه ابن ماجه ، والترمذي وقال : " حديث حسن غريب " . وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء ، فصلى فيه صلاة ، كان له كأجر عمرة » رواه أحمد والنسائي وابن ماجه . قال بعض العلماء : قوله : " من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء " تنبيه على أنه لا يشرع قصده بشد الرحال ، بل إنما يأتيه الرجل من بيته الذي يصلح أن يتطهر فيه ، ثم يأتيه فيقصده كما يقصد الرجل مسجد مصره دون المساجد التي يسافر إليها . وأما المساجد الثلاثة : فاتفق العلماء على استحباب إتيانها للصلاة ونحوها ، ولكن لو نذر ذلك ، هل يجب بالنذر ؟ فيه قولان للعلماء : أحدهما : أنه لا يجب بالنذر إلا إتيان المسجد الحرام خاصة ، وهذا أحد قولي الشافعي ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وبناه على أصله في أنه لا يجب بالنذر إلا ما كان من جنسه واجب بالشرع . والقول الثاني : وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهما : أنه يجب إتيان المساجد الثلاثة بالنذر ، لكن إن أتى الفاضل أغناه عن إتيان المفضول ، فإذا نذر إتيان مسجد المدينة ، ومسجد إيلياء ؛ أغناه إتيان المسجد الحرام . وإن نذر إتيان مسجد إيلياء ؛ أغناه إتيان أحد مسجدي الحرمين . وذلك أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه » وهذا يعم كل طاعة ، سواء كان جنسها واجبا ، أو لم يكن . وإتيان الأفضل إجراء للحديث الوارد في ذلك . وليس هذا موضع تفصيل هذه المسائل ، بل المقصود : أنه لا يشرع السفر إلى مسجد غير الثلاثة ، ولو نذر ذلك ؛ لم يجب عليه فعله بالنذر باتفاق الأئمة وهل عليه كفارة يمين ؟ على قولين مشهورين . وليس بالمدينة مسجد يشرع إتيانه إلا مسجد قباء ، وأما سائر المساجد فلها حكم المساجد ، ولم يخصها النبي صلى الله عليه وسلم بإتيان ، ولهذا كان الفقهاء من أهل المدينة لا يقصدون شيئا من تلك الأماكن ، ، إلا قباء خاصة . وفي المسند عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : « أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد الفتح ثلاثا : يوم الاثنين ، ويوم الثلاثاء ، ويوم الأربعاء ، فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين ، فعرف البشر في وجهه » . قال جابر : فلم ينزل بي أمر مهم غليظ ، إلا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها ، فأعرف الإجابة " وفي إسناد هذا الحديث : كثير بن زيد ، وفيه كلام ، يوثقه ابن معين تارة ، ويضعفه أخرى . هذا الحديث يعمل به طائفة من أصحابنا وغيرهم ، فيتحرون الدعاء في هذا ، كما نقل عن جابر . ولم ينقل عن جابر رضي الله عنه أنه تحرى الدعاء في المكان ، بل تحرى الزمان ، فإذا كان هذا في المساجد التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم وبنيت بإذنه ، ليس فيها ما يشرع قصده بخصوصه من غير سفر إليه ، إلا مسجد قباء ؛ فكيف بما سواها ؟
  12. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل: وأما المسجد الأقصى : فهو أحد المساجد الثلاثة ، التي تشد إليها الرحال ، وكان المسلمون لما فتحوا بيت المقدس على عهد عمر بن الخطاب - حين جاء عمر إليهم ، فسلم النصارى إليه البلد - دخل إليه فوجد على الصخرة زبالة عظيمة جدا ، كانت النصارى قد ألقتها عليها ، معاندة لليهود الذين يعظمون الصخرة ، ويصلون إليها ، فأخذ عمر في ثوبه منها ، واتبعه المسلمون في ذلك . ويقال: إنه سخر لها الأنباط حتى نظفها، ثم قال لكعب الأحبار: " أين ترى أن أبني مصلى المسلمين ؟ فقال : ابنه خلف الصخرة ، قال : يا ابن اليهودية ، خالطتك يهودية -أو كما قال- : بل أبنيه في صدر المسجد ، فإن لنا صدور المساجد . فبنى مصلى المسلمين في قبلي المسجد " . وهو الذي يسميه كثير من العامة اليوم : الأقصى . والأقصى : اسم للمسجد كله ، ولا يسمى هو ولا غيره حرما ، وإنما الحرم بمكة والمدينة خاصة . وفي وادي " وج " - الذي بالطائف- نزاع بين العلماء . فبنى عمر المصلى الذي هو في القبلة ، ويقال : إن تحته درجا كان يصعد منها إلى ما أمام الأقصى ، فبناه على الدرج حيث لم يصل أهل الكتاب ، ولم يصل عمر ولا المسلمون عند الصخرة ، ولا تمسحوا بها ، ولا قبلوها ، بل يقال : إن عمر صلى عند محراب داود عليه السلام الخارج . وقد ثبت أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : كان إذا أتى بيت المقدس دخل إليه ، وصلى فيه ، ولا يقرب الصخرة ولا يأتيها ، ولا يقرب شيئا من تلك البقاع ، وكذلك نقل عن غير واحد من السلف المعتبرين ، كعمر بن عبد العزيز ، والأوزاعي ، وسفيان الثوري ، وغيرهم . وذلك أن سائر بقاع المسجد لا مزية لبعضها عن بعض ، إلا ما بنى عمر رضي الله عنه لمصلى المسلمين . وإذا كان المسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، اللذان هما أفضل من المسجد الأقصى بالإجماع ، فأحدهما قد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما ، سواه إلا المسجد الحرام " ، والآخر هو المسجد الذي أوجب الله حجه والطواف فيه ، وجعله قبلة لعباده المؤمنين . ومع هذا ، فليس فيهما يقبل بالفم ولا يستلم باليد ، إلا ما جعله الله في الأرض بمنزلة اليمين وهو الحجر الأسود ، فكيف يكون في المسجد الأقصى ما يستلم أو يقبل ؟
  13. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكانت الصخرة مكشوفة ، ولم يكن أحد من الصحابة ، لا ولاتهم ولا علماؤهم يخصها بعبادة ، وكانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان رضي الله عنهما ، مع حكمهما على الشام . وكذلك في خلافة علي رضي الله عنه ، وإن كان لم يحكم عليها ثم كذلك في إمارة معاوية ، وابنه ، وابن ابنه . فلما كان في زمن عبد الملك وجرى بينه وبين ابن الزبير من الفتنة ما جرى ، كان هو الذي بنى القبة على الصخرة ، وقد قيل : إن الناس كانوا يقصدون الحج فيجتمعون بابن الزبير ، أو يقصدونه بحجة الحج ، فعظم عبد الملك شأن الصخرة ، بما بناه عليها من القبة ، وجعل عليها من الكسوة في الشتاء والصيف ، ليكثر قصد الناس للبيت المقدس ، فيشتغلوا بذلك عن قصد ابن الزبير ، ( والناس على دين الملك ) . وظهر من ذلك الوقت تعظيم الصخرة وبيت المقدس ما لم يكن المسلمون يعرفونه بمثل هذا ، وجاء بعض الناس ينقل الإسرائيليات في تعظيمها ، حتى روى بعضهم عن كعب الأحبار ، عند عبد الملك بن مروان ، وعروة بن الزبير حاضر : " إن الله قال للصخرة : أنت عرشي الأدنى " ، فقال عروة : " يقول الله تعالى : { وسع كرسيه السماوات والأرض } ، وأنت تقول : إن الصخرة عرشه ؟ " وأمثال هذا . ولا ريب أن الخلفاء الراشدين لم يبنوا هذه القبة ، ولا كان الصحابة يعظمون الصخرة ، ولا يتحرون الصلاة عندها ، حتى ابن عمر رضي الله عنهما مع كونه كان يأتي من الحجاز إلى المسجد الأقصى ، كان لا يأتي الصخرة ؛ وذلك أنها كانت قبلة ، ثم نسخت . وهي قبلة اليهود ، فلم يبق في شريعتنا ما يوجب تخصيصها بحكم ، كما ليس في شريعتنا ما يوجب تخصيص يوم السبت . وفي تخصيصها بالتعظيم مشابهة لليهود ، وقد تقدم كلام العلماء في يوم السبت وعاشوراء ونحو ذلك .
  14. ما هي الجهة التي تعظم في المسجد الأقصى ؟
  15. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد ذكر طائفة من متأخري الفقهاء ، من أصحابنا وغيرهم : أن اليمين تغلظ ببيت المقدس ، بالتحليف عند الصخرة ، كما تغلظ في المسجد الحرام ، بالتحليف بين الركن والمقام ، وكما تغلظ في مسجده صلى الله عليه وسلم بالتحليف عند قبره ، ولكن ليس لهذا أصل في كلام أحمد ونحوه من الأئمة ، بل السنة أن تغلظ اليمين فيها كما تغلظ في سائر المساجد عند المنبر ، ولا تغلظ اليمين بالتحليف عند ما لم يشرع للمسلمين تعظيمه ، كما لا تغلظ بالتحليف عند المشاهد ومقامات الأنبياء ، ونحو ذلك . ومن فعل ذلك فهو مبتدع ضال ، مخالف للشريعة .
  16. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد صنف طائفة من الناس مصنفات من فضائل بيت المقدس ، وغيره من البقاع التي بالشام ، وذكروا فيها من الآثار المنقولة عن أهل الكتاب ، وعمن أخذ عنهم ما لا يحل للمسلمين أن يبنوا عليه دينهم . وأمثل من ينقل عنه تلك الإسرائيليات : كعب الأحبار ، وكان الشاميون قد أخذوا عنه كثيرا من الإسرائيليات ، وقد قال معاوية رضي الله عنه : " ما رأينا من هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب أمثل من كعب ، وإن كنا لنبلو عليه الكذب أحيانا " . وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ، فإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه ، وإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه " . ومن العجب أن هذه الشريعة المحفوظة المحروسة مع هذه الأمة المعصومة التي لا تجتمع على ضلالة : إذا حدث بعض أعيان التابعين عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث - كعطاء بن أبي رباح ، والحسن البصري ، وأبي العالية ، ونحوهم ؛ وهم من خيار علماء المسلمين ، وأكابر أئمة الدين -توقف أهل العلم في مراسيلهم ، فمنهم من يرد المراسيل مطلقا ، ومنهم من يتقبلها بشروط ، ومنهم من يميز بين من عادته لا يرسل إلا عن ثقة ، كسعيد بن المسيب ، وإبراهيم النخعي ، ومحمد بن سيرين ، وبين من عرف عنه أنه قد يرسل عن غير ثقة : كأبي العالية ، والحسن ، وهؤلاء ليس بين أحدهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا رجل أو رجلان ، أو ثلاثة مثلا . وأما ما يوجد في كتب المسلمين في هذه الأوقات من الأحاديث التي يذكرها صاحب الكتاب مرسلة ؛ فلا يجوز الحكم بصحتها باتفاق أهل العلم ، إلا أن يعرف أن ذلك من نقل أهل العلم بالحديث ، الذين لا يحدثون إلا بما صح ، كالبخاري في المعلقات التي يجزم فيها بأنها صحيحة عنده ، وما وقفه كقوله : وقد ذكر عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده " ونحو ذلك ، فإنه حسن عنده . هذا ، وليس تحت أديم السماء بعد القرآن كتاب أصح من البخاري . فكيف بما ينقله كعب الأحبار وأمثاله عن الأنبياء ؟ وبين كعب ، وبين النبي الذي ينقل عنه ألف سنة وأكثر وأقل ، وهو لم يسند ذلك عن ثقة بعد ثقة ، بل غايته أن ينقل عن بعض الكتب التي كتبها شيوخ اليهود ، وقد أخبر الله عن تبديلهم وتحريفهم ، فكيف يحل للمسلم أن يصدق شيئا من ذلك ، بمجرد هذا النقل. بل الواجب أن لا يصدق ذلك ، ولا يكذبه أيضا إلا بدليل يدل على كذبه ، وهكذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم . وفي هذه الإسرائيليات مما هو كذب على الأنبياء ، أو ما هو منسوخ في شريعتنا ، ما لا يعلمه إلا الله .
  17. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومعلوم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من السابقين الأولين ، والتابعين لهم بإحسان ، قد فتحوا البلاد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ، وسكنوا بالشام والعراق ومصر ، وغير هذه الأمصار ، وهم كانوا أعلم بالدين ، وأتبع له ممن بعدهم ، فليس لأحد أن يخالفهم فيما كانوا عليه . فما كان من هذه البقاع لم يعظموه ، أو لم يقصدوا تخصيصه بصلاة أو دعاء ، أو نحو ذلك ؛ لم يكن لنا أن نخالفهم في ذلك ، وإن كان بعض من جاء بعدهم من أهل الفضل والدين فعل ذلك ؛ لأن اتباع سبيلهم أولى من اتباع سبيل من خالف سبيلهم ، وما من أحد نقل عنه ما يخالف سبيلهم إلا وقد نقل عن غيره ممن هو أعلم وأفضل منه ، أنه خالف سبيل هذا المخالف . وهذه جملة جامعة لا يتسع هذا الموضع لتفصيلها . وقد ثبت في الصحيح : " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى بيت المقدس ليلة الإسراء صلى فيه ركعتين " ، ولم يصل بمكان غيره ولا زاره . وحديث المعراج فيه ما هو في الصحيح ، وفيه ما هو في السنن والمسانيد ، وفيه ما هو ضعيف ، وفيه ما هو من الموضوعات المختلقات ، مثل ما يرويه بعضهم فيه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له جبريل : هذا قبر أبيك إبراهيم ، انزل فصل فيه ، وهذا بيت لحم ، مولد أخيك عيسى ، انزل فصل فيه " . وأعجب من ذلك ، أنه قد روي فيه : " قيل له في المدينة : انزل فصل هنا " قبل أن يبني مسجده ، وإنما كان المكان مقبرة للمشركين ، والنبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إنما نزل هناك لما بركت ناقته هناك . فهذا ونحوه من الكذب المختلق باتفاق أهل المعرفة ، وبيت لحم كنيسة من كنائس النصارى ليس في إتيانها فضيلة عند المسلمين ، سواء كان مولد عيسى أو لم يكن ، بل قبر إبراهيم الخليل : لم يكن في الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان من يأتيه للصلاة عنده ، ولا الدعاء ولا كانوا يقصدونه للزيارة أصلا . وقد قدم المسلمون إلى الشام غير مرة مع عمر بن الخطاب واستوطن الشام خلائق من الصحابة وليس فيهم من فعل شيئا من هذا ولم يبن المسلمون عليه مسجدا أصلا لكن لما استولى النصارى على هذه الأمكنة في أواخر المائة الرابعة ، لما أخذوا البيت المقدس ، بسبب استيلاء الرافضة على الشام ، لما كانوا ملوك مصر ، والرافضة أمة مخذولة ، ليس لها عقل صحيح ولا نقل صريح ولا دين مقبول ، ولا دنيا منصورة ، قويت النصارى ، وأخذت السواحل وغيرها من الرافضة ؛ وحينئذ نقبت النصارى حجرة الخليل صلوات الله عليه ، وجعلت لها بابا ، وأثر النقب ظاهر في الباب . فكان اتخاذ ذلك معبدا ، مم أحدثته النصارى ، ليس من عمل سلف الأمة وخيارهم .
  18. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل وأصل دين المسلمين : أنه لا تختص بقعة يقصد العبادة فيها إلا المساجد خاصة ، وما عليه المشركون و أهل الكتاب ، من تعظيم بقاع للعبادة غير المساجد _ كما كانوا في الجاهلية يعظمون حراء ، ونحوه من البقاع _ فهو مما جاء الإسلام بمحوه و إزالته ونسخه . ثم المساجد جميعها تشترك في العبادات ، فكل ما يفعل في مسجد يفعل في سائر المساجد ، إلا ما خص به المسجد الحرام ، من الطواف ونحوه ، فإن خصائص المسجد الحرام لا يشاركه فيها شيئ من المساجد ، كما أنه لايصلى إلى غيره .