اقتضاء الصراط المستقيم شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين الدرس 65

شرح اقتضاء الصراط المستقيم الدرس الخامس والستون
الخميس 4 جوان 2015    الموافق لـ : 16 شعبان 1436
تحميل الشريط

عناصر الشريط

  1. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وطائفة: ظنوا أن التوحيد ليس إلا الإقرار بتوحيد الربوبية، وأن الله خلق كل شيء، وهو الذي يسمونه توحيد الأفعال . ومن أهل الكلام: من أطال نظره في تقرير هذا التوحيد: إما بدليل أن الاشتراك يوجب نقص القدرة وفوات الكمال، وبأن استقلال كل من الفاعلين بالمفعول محال، وإما بغير ذلك من الدلائل، ويظن أنه بذلك قرر الوحدانية وأثبت أنه لا إله إلا هو ، وأن الإلهية هي: القدرة على الاختراع أو نحو ذلك، فإذا ثبت أنه لا يقدر على الاختراع إلا الله، وأنه لا شريك له في الخلق، كان هذا معنى قولنا: لا إله إلا الله، ولم يعلم أن مشركي العرب كانوا مقرين بهذا التوحيد، كما قال تعالى { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله } وقال تعالى { قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل أفلا تذكرون } الآيات، وقال تعالى { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } . قال ابن عباس وغيره: " تسألهم: من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله، وهم مع ذلك يعبدون غيره " . وهذا التوحيد هو من التوحيد الواجب، لكن لا يحصل به الواجب، ولا يخلص بمجرده عن الإشراك الذي هو أكبر الكبائر، الذي لا يغفره الله، بل لا بد أن يخلص لله الدين ، فلا يعبد إلا إياه ، فيكون دينه كله لله . والإله: هو المألوه الذي تألهه القلوب، وكونه يستحق الإلهية مستلزم لصفات الكمال، فلا يستحق أن يكون معبودا محبوبا لذاته إلا هو، وكل عمل لا يراد به وجهه فهو باطل، وعبادة غيره وحب غيره يوجب الفساد، كما قال تعالى { لو كان فيهما آلهةٌ إلا الله لفسدتا } . وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع ، وبينا أن هذه الآية ليس المقصود بها ما يقوله من يقوله من أهل الكلام، من ذكر دليل التمانع الدال على وحدانية الرب تعالى، فإن التمانع يمنع وجود المفعول، لا يوجب فساده بعد وجوده، وذلك يذكر في الأسباب والبدايات التي تجري مجرى العلل الفاعلات، والثاني يذكر في الحكم والنهايات التي تذكر في العلل التي هي الغايات، كما في قوله: { إياك نعبد وإياك نستعين } ، فقدم الغاية المقصودة على الوسيلة الموصلة، كما قد بسط في غير هذا الموضع .
  2. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم إن طائفة ممن تكلم في تحقيق التوحيد على طريق أهل التصوف، ظن أن توحيد الربوبية هو الغاية، والفناء فيه هو النهاية، وأنه إذا شهد ذلك سقط عنه استحسان الحسن واستقباح القبيح، فآل بهم الأمر إلى تعطيل الأمر والنهي، والوعد والوعيد، ولم يفرقوا بين مشيئته الشاملة لجميع المخلوقات، وبين محبته ورضاه المختص بالطاعات، وبين كلماته الكونيات التي لا يجاوزها بر ولا فاجر -لشمول القدر لكل مخلوق- وكلماته الدينيات التي اختص بموافقتها أنبياؤه وأولياؤه . فالعبد مع شهوده الربوبية العامة الشاملة للمؤمن والكافر، والبر والفاجر، عليه أن يشهد ألوهيته التي اختص بها عباده المؤمنين، الذين عبدوه وأطاعوا أمره، واتبعوا رسله .
  3. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " قال تعالى { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } ، وقال تعالى: { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } ، وقال تعالى { أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون } . ومن لم يفرق بين أولياء الله وأعدائه، وبين ما أمر به وأحبه : من الإيمان والأعمال الصالحة ، وما كرهه ونهى عنه وأبغضه: من الكفر والفسوق والعصيان مع شمول قدرته، ومشيئته، وخلقه لكل شيء، وإلا وقع في دين المشركين، الذين قالوا { لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيءٍ } . والقدر يؤمن به ولا يحتج به، بل العبد مأمور أن يرجع إلى القدر عند المصائب، ويستغفر الله عند الذنوب والمعايب ، كما قال تعالى { فاصبر إن وعد الله حقٌ واستغفر لذنبك } ، ولهذا حج آدم موسى عليهما السلام، لما لام موسى آدم لأجل المصيبة التي حصلت لهم بأكله من الشجرة، فذكر له آدم : " أن هذا كان مكتوبا قبل أن أخلق. فحج آدم موسى "
  4. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " كما قال تعالى { ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتابٍ من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسيرٌ } ، وقال تعالى { ما أصاب من مصيبةٍ إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه } ، قال بعض السلف: " هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم " . فهذا هو جهة احتجاج آدم بالقدر، ومعاذ الله أن يحتج آدم - أو من هو دونه من المؤمنين- على المعاصي بالقدر، فإنه لو ساغ هذا لساغ أن يحتج إبليس ومن اتبعه من الجن والإنس بذلك، ويحتج به قوم نوح وعاد وثمود، وسائر أهل الكفر والفسوق والعصيان، ولم يعاقب أحد، وهذا مما يعلم فساده بالاضطرار شرعا وعقلا . فإن هذا القول لا يطرده أحد من العقلاء، فإن طرده يوجب أن لا يلام أحد على شيء، ولا يعاقب عليه . وهذا المحتج بالقدر لو جنى عليه جان لطالبه، فإن كان القدر حجة للجاني عليه، وإلا فليس حجة لا لهذا ولا لهذا . ولو كان الاحتجاج بالقدر مقبولا، لم يمكن للناس أن يعيشوا، إذا كان لكل من اعتدى عليهم أن يحتج بذلك، فيقبلوا عذره ولا يعاقبوه، ولا يمكن اثنان من أهل هذا القول أن يعيشا ، إذ لكل منهما أن يقتل الآخر، ويفسد جميع أموره، محتجا على ذلك بالقدر .
  5. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم إن أولئك المبتدعين، الذين أدخلوا في التوحيد نفي الصفات، وهؤلاء الذين أخرجوا عنه متابعة الأمر، إذا حققوا القولين؛ أفضى بهم الأمر إلى أن لا يفرقوا بين الخالق والمخلوق، بل يقولون بوحدة الوجود كما قاله أهل الإلحاد القائلين بالوحدة والحلول والاتحاد ، الذين يعظمون الأصنام وعابديها، وفرعون وهامان وقومهما، ويجعلون وجود خالق الأرض والسماوات هو وجود كل شيء من الموجودات ، ويدعون التوحيد والتحقيق والعرفان، وهم من أعظم أهل الشرك والتلبيس والبهتان . يقول عارفهم: السالك في أول أمره يفرق بين الطاعة والمعصية -أي نظرا إلى الأمر- ثم يرى طاعة بلا معصية- أي نظرا إلى القدر- ثم لا طاعة ولا معصية- أي نظرا إلى أن الوجود واحد -ولا يفرقون بين الواحد بالعين والواحد بالنوع، فإن الموجودات مشتركة في مسمى الوجود. والوجود ينقسم إلى: قائم بنفسه. وقائم بغيره، وواجب بنفسه، وممكن بنفسه. كما أن الحيوانات مشتركة في مسمى الحيوان، والأناسي يشتركون في مسمى الإنسان، مع العلم الضروري بأنه ليس عين وجود هذا الإنسان هو عين وجود هذا الفرس، بل ولا عين هذا الحيوان وحيوانيته وإنسانيته هو عين هذا الحيوان وحيوانيته وإنسانيته، لكن بينهما قدر مشترك تشابها فيه، قد يسمى كليا ومطلقا وقدرا مشتركا، ونحو ذلك، وهذا لا يكون في الخارج عن الأذهان كليا عاما مطلقا، بل لا يوجد إلا معينا مشخصا، فكل موجود فله ما يخصه من حقيقته، مما لا يشركه فيه غيره، بل ليس بين موجودين في الخارج شيء بعينه اشتركا فيه، ولكن تشابها؛ ففي هذا نظير ما في هذا، كما أن هذا نظير هذا، وكل منهما متميز بذاته وصفاته عما سواه، فكيف الخالق سبحانه وتعالى؟ وهذا كله مبسوط في غير هذا الموضع البسط الذي يليق به ، فإنه مقام زلت فيه أقدام، وضلت فيه أحلام، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
  6. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومن أحكم الأصلين المتقدمين في الصفات، والخلق والأمر؛ فيميز بين المأمور المحبوب المرضي لله، وبين غيره، مع شمول القدر لهما، وأثبت للخالق سبحانه الصفات التي توجب مباينته للمخلوقات، وأنه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، أثبت التوحيد الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، كما نبه على ذلك في سورتي الإخلاص { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحدٌ } . فإن { قل هو الله أحدٌ } تعدل ثلث القرآن، إذ كان القرآن باعتبار معانيه ثلاث أثلاث: ثلث توحيد، وثلث قصص، وثلث أمر ونهي؛ لأن القرآن كلام الله. والكلام: إما إنشاء، وإما إخبار، والإخبار: إما عن الخالق، وإما عن المخلوق. والإنشاء: أمر ونهي وإباحة . فـ { قل هو الله أحدٌ } فيها ثلث التوحيد، الذي هو خبر عن الخالق، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن " وعدل الشيء -بالفتح- يكون: ما سواه، من غير جنسه ، كما قال تعالى: { أو عدل ذلك صيامًا } وذلك يقتضي: أن له من الثواب ما يساوي الثلث في القدر، ولا يكون مثله في الصفة، كمن معه ألف دينار وآخر معه ما يعدلها من الفضة والنحاس وغيرهما . ولهذا يحتاج إلى سائر القرآن، ولا تغني عنه هذه السورة مطلقا، كما يحتاج من معه نوع من المال إلى سائر الأنواع، إذ كان العبد محتاجا إلى الأمر والنهي والقصص .
  7. بيان الفرق بين عدل وعدل بفتح العين وكسرها.
  8. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وسورة { قل هو الله أحدٌ } فيها التوحيد القولي العملي، الذي تدل عليه الأسماء والصفات، ولهذا قال تعالى : { قل هو الله أحدٌ. الله الصمد } . وقد بسطنا الكلام عليها في غير هذا الموضع .
  9. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وسورة: { قل يا أيها الكافرون } فيها التوحيد القصدي العملي، كما قال تعالى { قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون } وبهذا يتميز من يعبد الله ممن يعبد غيره وإن كان كلاهما يقر بأن الله رب كل شيء ، ويتميز عباد الله المخلصون الذين لم يعبدوا إلا إياه، ممن عبد غيره وأشرك به، أو نظر إلى القدر الشامل لكل شيء، فسوى بين المؤمنين والكفار، كما كان يفعل المشركون من العرب . ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " إنها براءة من الشرك " . وسورة { قل هو الله أحدٌ } فيها إثبات الذات، وما لها من الأسماء والصفات التي يتميز بها مثبتو الرب الخالق، الأحد الصمد، عن المعطلين له بالحقيقة، نفاة الأسماء والصفات، المضاهين لفرعون وأمثاله ممن أظهر التعطيل والجحود للإله المعبود، وإن كان في الباطن يقر به، كما قال تعالى { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا } وقال موسى { لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورًا } .
  10. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والله سبحانه بعث أنبياءه بإثبات مفصل، ونفي مجمل، فأثبتوا له الأسماء والصفات، ونفوا عنه مماثلة المخلوقات. ومن خالفهم من المعطلة المتفلسفة وغيرهم عكسوا القضية، فجاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل، يقولون ليس كذا، ليس كذا، ليس كذا . فإذا أرادوا إثباته قالوا: وجود مطلق بشرط النفي، أو بشرط الإطلاق، وهم يقرون في منطقهم اليوناني: أن المطلق بشرط الإطلاق لا يكون في الخارج، فليس في الخارج حيوان مطلق بشرط الإطلاق، ولا إنسان مطلق بشرط الإطلاق، ولا موجود مطلق بشرط الإطلاق، بخلاف المطلق لا بشرط الذي يطلق على هذا وهذا، وينقسم إلى هذا وهذا، فإن هذا يقال: إنه في الخارج لا يكون إلا معينا مشخصا. أو يقولون إنه الوجود المشروط بنفي كل ثبوت عنه ، فيكون مشاركا لسائر الموجودات في مسمى الوجود، متميزا عنها بالعدم . وكل موجود متميز بأمر ثبوتي، والوجود خير من العدم ، فيكون أحقر الموجودات خيرا من هذا الذي ظنوه وجودا واجبا، هذا إذا أمكن تحقيقه في الخارج، فكيف وذلك ممتنع؛ لأن المتميز بين الموجودين لا يكون عدما محضا، بل لا يكون إلا وجودا؟ فهؤلاء الذين يدعون أنهم أفضل المتأخرين، من الفلاسفة المشائين يقولون: في وجود واجب الوجود، ما يعلم بصريح المعقول الموافق لقوانينهم المنطقية: أنه قول بامتناع الوجود الواجب ، وأنه جمع بين النقيضين، وهذا في غاية الجهل والضلال.
  11. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما الرسل صلوات الله عليهم: فطريقتهم طريقة القرآن، قال سبحانه وتعالى: { سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلامٌ على المرسلين. والحمد لله رب العالمين }.
  12. القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والله تعالى يخبر في كتابه أنه: حي، قيوم، عليم، حكيم، غفور، رحيم، سميع، بصير، علي، عظيم، خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش، وكلم موسى تكليما، وتجلى للجبل فجعله دكا، يرضى عن المؤمنين، ويغضب على الكافرين ، إلى أمثال ذلك من الأسماء والصفات . ويقول في النفي { ليس كمثله شيءٌ }، { ولم يكن له كفوًا أحدٌ } ، { هل تعلم له سميًا } ، { فلا تجعلوا لله أندادًا } ، فنفى بذلك أن تكون صفاته كصفات المخلوقين، وأنه ليس كمثله شيء، لا في نفسه المقدسة، المذكورة بأسمائه وصفاته، ولا في شيء من صفاته ولا أفعاله سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا : { سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليمًا غفورًا } .
  13. هل في قوله تعالى: {وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده } هل يدخل فيه الكافر والجمادات؟، وبيان أن الجمادات لها إرادة .