خطبة التقوى- الكسوف والخسوف إنذار من الله لعباده الشيخ محمد بن صالح العثيمين

التقوى- الكسوف والخسوف إنذار من الله لعباده
السبت 1 جانفي 2000    الموافق لـ : 24 رمضان 1420
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق أرسله بالعلم النافع والعمل الصالح فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) إن تقوى الله عز وجل ليست بالتمني ولا بالتحلي إنما تقوى الله عز وجل باتباع أوامره واجتناب نواهيه لأن التقوى مأخوذة من الوقاية وهي أن يتخذ الإنسان ما يقيه من عذاب الله ولا يقيك أيها العبد من عذاب الله إلا فعل أوامر الله واجتناب نواهيه . أيها الأخوة إن الله تعالى فرض بحكمته ورحمته فرض عليكم فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها إن الله تعالى فرض عليكم تعظيم شعائره وحرماته وبين أن ذلك من التقوى فقال جل وعلا (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ألا وإن من شعائر الله وحرماته مناسك الحج والعمرة كما قال عز وجل )إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ( فعظموا أيها المسلمون عظموا هذه المناسك مناسك الحج و العمرة فإنها عبادة عظيمة ونوع من الجهاد في سبيل الله سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم هل على النساء جهاد قال عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة فعظموا أيها المسلمون هذه الشعائر عظموها وانتم تعتقدون أنكم من حين أن تلبوا داخلون في عبادة الله خاشعون لله معظمون لله عز وجل يقول الله تعالى ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) عظموا هذه المناسك عظموا هذه المناسك بالإخلاص إلى الله عز وجل أخلصوها لربكم أنوا بها التقرب إلى الله تعالى وعظموها باتباع النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في حجه لتأخذوا عني مناسككم قوموا أيها المسلمون بما أوجب الله عليكم من الطهارة والصلاة جماعة في أوقاتها والنصح للمسلمين واجتنبوا ما حرم الله عليكم من المحرمات العامة من الفسوق بجميع أنواعه فاجتنبوا الكذب والغش والخيانة والغيبة والنميمة والاستهزاء بالمسلمين والسخرية منهم واجتنبوا الاستماع إلى المعازف والأغاني المحرمة اجتنبوا التدخين وهو شرب الدخان فإن شرب الدخان حرم في كل وقت ويتأكد اجتنابه في حال الإحرام فمن دخن وهو محرم فإن ذلك ينقص من حجه وعمرته لأن الله عز وجل يقول ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) واجتنبوا ما حرم الله عليكم تحريما خاصا بسبب الإحرام وهو ما يسمى عند الفقهاء بمحظورات الإحرام فاجتنبوا الرفث وهو الجماع ومقدماته من اللمس والتقبيل والنظر بشهوة وتلذذ فالجماع أعظم محظورات الإحرام وأشدها تأثيرا من جامع في الحج قبل التحلل الأول ترتب على جماعه عدة أمور الأول الإثم والثاني فساد الحج والثالث لزوم الاستمرار فيه والرابع قضاءه من العام المقبل والخامس فدية هي بدنة يذبحها ويتصدق بها على الفقراء في مكة أو في منى أو حيث فعل هذا المحظور العظيم واجتنبوا كذلك خطبة النكاح فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب ) واجتنبوا الأخذ من شعر الرأس فإن الله تعالى يقول ( ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ) وألحق جمهور العلماء شعر بقية البدن بشعر الرأس وقاسوا عليه أيضا إزالة الأظفار وقالوا لا يجوز للمحرم أن يأخذ شيئا من شعره أو أظفاره إلا أن ينكسر ظفره فيؤذيه فله أخذ ما يؤذيه فقط فمن حلق رأسه لعذر أو لغير عذر فعليه فدية لقول الله تبارك وتعالى (ومن كان مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا المجمل من الفدية والصيام والصدقة بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا المجمل من الفدية وهو الصيام والصدقة والنسك فبين أن الصيام ثلاثة أيام وأن الإطعام إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وأن النسك شاة يذبحها ويتصدق بها على المساكين ولا يأكل منها شيئا ويكون الإطعام والذبح في مكة أو في المكان الذي فعل المحظور فيه واجتنبوا قتل الصيد فإن الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُم ) سواء كان الصيد طائرا كالحمام أم سائرا كالظباء والأرانب فمن قتل صيدا متعمدا فعليه الجزاء وهو إما ذبح ما يماثله من الإبل والبقر والغنم فيتصدق به على المساكين في مكة أو في منى وإما تقويمه بدراهم يتصدق بما يساويها من الطعام على المساكين في مكة أو في منى لكل مسكين ربع صاع من البر أو نصفه من غيره وإما أن يصوم عن إطعام كل مسكين يوما وأما قطع الشجر فلا تعلق له بالإحرام فيجوز للمحرم وغير المحرم أن يقطع الشجر إذا كان خارج أميال الحرم أي خارج حدوده مثل عرفة وأما إذا كان داخل حدود الحرم مثل مزدلفة ومنى ومكة فلا يجوز له أن يقطع الشجر إلا ما غرسه الآدمي بنفسه فله قطعه وعلى هذا فيجوز قطع الأشجار في عرفة ولا يجوز في مزدلفة ولا في منى ولكن يجوز للإنسان أن يبسط الفراش على الأرض ولو كان فيها نبات لأنه لم يقصد إتلاف النبات الذي تحت البساط ولأنه ربما لا يتلف ولو كان تحت هذا الفراش لو كان تحته حشيش أخضر فمات بسبب وضع الفراش عليه فإنه لا حرج على الإنسان في ذلك . واجتنبوا أيها المسلمون اجتنبوا عقد النكاح وخطبة النساء لأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكرناه آنفا أن المحرم لا ينكح ولا يخطب فلا يجوز للمحرم أن يتزوج سواءا كان رجلا أم امرأة ولا يجوز أن يزوج غيره ولا يجوز أن يخطب امرأة واجتنبوا الطيب بجميع أنواعه دهنا كان أم بخورا فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( لا تلبسوا ثوبا مسه الزعفران ولا الورس) وقال في الرجل الذي مات بعرفة وهو محرم (اغسلوه بما وسدر ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ) والحنوط هو الطيب الذي يجعل في القطن على بدن الميت بعد تغسيله فلا يجوز للمحرم أن يدهن بالطيب أو يتبخر به أو يضعه في أكله أو شربه أو يتنظف بصابون مطيب ويجوز له أن يغتسل ويزيل ما لوثه من وسخ وأما التطيب عند عقد الإحرام فهو سنة ولا يضر بقاءه بعد عقد الإحرام فقد قالت عائشة رضي الله عنها كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم وقالت كأني أنظر إلى وبيص المسك أي بريقه ولمعانه في مفارق النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم . واجتنبوا تغطية الرأس بما يغطى به عادة ويلاصقه كالعمامة والقطرة والطاقية والمنديل وشبهها لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي مات لا تخمروا رأسه أي لا تغطوه فأما ما لم تجر العادة بكونه غطاءا كالعفش يحمله المحرم على رأسه فلا بأس به وكذلك ما لا يلاصق الرأس كالشمسية ونحوها لا بأس به لأن المنهي عنه تغطية الرأس لا تظليله وتحريم تغطية الرأس خاص بالرجال أما المرأة فيجوز أن تغطي رأسها وأما وجهها فإن المشروع لها كشفه إلا أن يراها الرجال إلا أن يراها الرجال غير المحارم فإنه يجب عليها أن تستر وجهها عنهم ولكن لا تستره بالنقاب ولا بالبرقع لأن المرأة المحرمة منهية عن لبس النقاب والبرقع مثله أو أولى واجتنبوا من اللباس ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سئل ما يلبس المحرم فقال لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا الخفاف هذه خمسة أشياء نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه قال من لم يجد نعلين فليلبس الخفين ولم يجد إزارا فليلبس السراويل وتحريم هذا اللباس خاص بالرجال فلا يجوز للرجل إذا أحرم أن يلبس القميص وهي ثيابنا هذه ولا ما كان بمعناه كالفنيلة والصدرية والكوت ولا يلبس العمامة ولا ما كان بمعناها كالقطرة و الطاقية ولا يلبس البرمس وهو ثوب يوصل بغطاء للرأس ولا ما كان بمعناه كالمشلح ولا يلبس السراويل سواء كانت السراويل نازلة عن الركبتين أم فوق الركبتين ولا يلبس الخفين ولا ما كان بمعناهما كالشراب ويجوز له يجوز له لبس الساعة في يده والخاتم ونظارة العين وسماعة الأذن وعقد الإزار وشبك الرداء وشبك الرداء إن احتاج إليه وإلا فالأولى أن لا يشبكه ولكن لا يشبكه بمشابك متواصلة لأنه يشبه القميص حينئذ ويجوز للمرأة أن تلبس ما شاءت من الثياب المباحة لها قبل الإحرام غير متبرجة بزينة لأن النساء ليس لهن ثياب خاصة للإحرام ويحرم على المرأة وعلى الرجل أيضا لبس القفازين وهما شراب اليدين ويحل للرجل وللمرأة أيضا تغيير ثياب الإحرام إلى ثياب أخرى يجوز لبسها في الإحرام سواء غيرها لوسخ أو نجاسة أو غيرهما هذه محظورات الإحرام منها ما هو عام للرجال والنساء ومنها ما هو خاص بالرجال ومنها ما هو خاص بالنساء من فعلهن متعمدا عالما ذاكرا فهو آثم ويترتب على فعله ما أوجبه الله ورسوله من الفدية وأما إذا فعل ذلك جاهلا أو ناسيا أو مكرها فإنه لا شيء عليه لقول الله تبارك وتعالى ( ربنا لا تؤاخذنا أن نسينا أو أخطأنا ) فقال الله تعالى بفضله ورحمته قد فعلت ولقوله تعالى ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ً) ولقوله تعالى في أعظم الذنوب وأكبرها وهو الكفر ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) وإذا كان يعفى عن الإكراه في الكفر فما دونه من المعاصي من باب أولى ولما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) ولكن متى زال العذر وجب على الإنسان أن يتخلى عن المحظور فلو أن الإنسان أحرم وعليه السراويل ونسيها فلا شيء عليه حتى لو أتم جميع النسك لكن متى ذكر وجب عليه أن يخلعها ولو أن الإنسان تطيب ناسيا أنه محرم فلا شيء عليه ولكن عليه أن يغسل الطيب فور تذكره ولو أن الإنسان فعل شيئا من هذه المحظورات يظن أنه لا حرج في ذلك فإنه لا شيء عليه و هذا من فضل الله ورحمته نسأل الله جميعا أن يرزقنا شكر نعمته وحسن عبادته وأن يتولانا في الدنيا والآخرة وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها من عذاب الله يوم يلاقيه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله تعالى للعالمين بشيرا ونذيرا فبلغ رسالة ربه وجاهد في الله حق جهاده فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد

فقد قال الله عز وجل مبينا نعمته على عباده وفضله وإحسانه إليهم قال جل وعلا : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ واتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) فهذه الشمس وهذا القمر سخرهما الله عز وجل لمصالح العباد ومنافع العباد أجراهم الله عز وجل على وجه منظم لا ولا يختل ولا يتغير لا بارتفاع أو نزول ولا بتيامن أو تياسر وذلك لكمال قدرته وفضله ورحمته على عباده ولكنه جل وعلا يقدر أن تنكسف الشمس أو ينخسف القمر إنذارا للعباد إنذارا للعباد انعقدت أسبابه كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في اليوم التاسع والعشرين من شهر شوال سنة عشر من الهجرة فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فزعا وأمر أن ينادى الصلاة جامعة فاجتمع المسلمون في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وصلى بهم صلاة طويلة فريدة في نوعها لا تشبه غيرها من الصلوات وذلك لأن سببها فريد في نوعه لا يشبه ما يجري في العادة من سير الشمس والقمر فكانت آيه شرعية لآية قدرية وهذا يدل على كمال حكمة الله عز وجل في شرعه وفي قدره صلى بهم صلى الله عليه وسلم صلاة طويلة طويلة طويلة حتى قرأ في أول وقفة منها سورة البقرة أو قريبا منها ثم ركع ركوعا طويلا ثم قام من الركوع الأول فقرأ الفاتحة وسورة معها وقرأ قراءة طويلة طويلة لكنها دون الأولى ثم ركع صلى الله عليه وسلم ركوعا طويلا لكنه دون الأول ثم رفع قائلا سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ووقف وقوفا طويلا نحوا من ركوعه ثم سجد صلى الله عليه وسلم سجودا طويلا ثم قام فقعد قعودا طويلا ثم سجد السجدة الثانية سجودا طويلا فصار في هذه الركعة الأولى ركوعان وسجودان ثم قام في الركعة الثانية فقرأ فيها قراءة طويلة لكنها دون الأولى ثم ركع ركوعا طويلا لكنه دون الأول ثم قام فقرأ قراءة طويلة لكنها دون الأولى ثم ركع ركوعا طويلا لكنه دون الأول ثم قام قياما طويلا نحو ركوعه لكنه دون الأول ثم سجد سجودا طويلا لكنه دون السجود في الركعة الأولى ثم جلس وقعد قعودا طويلا لكنه دون القعود الأول في الركعة الأولى ثم سجد كذلك سجودا طويلا لكنه دون السجود الأول في الركعة الأولى فصارت هذه الركعة الثانية كالركعة الأولى فيها ركوعان وسجودان لكنها دونها في كل ما يفعل وذلك مراعاة لأحوال الناس لأن الناس في الركعة الأولى أنشط منهم في الركعة الثانية فكان من الحكمة العظيمة البالغة مراعاة أحوال الناس لأن شريعة الله وله الحمد والمنة في هذه الأمة شريعة سهلة ميسرة فيها القيام بحق الله جل وعلا وفيها القيام بحق النفس إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم في مقامه هذا رأى أمرا لم ير شيئا أفظع منه رأى النار فتأخر عليه الصلاة والسلام خشية أن يصيبه من لفحها ورأى أهلها يعذبون فيها ورأى فيها عمر بن لحي الخزاعي يجر قصنه يعني أمعاءه في النار لأنه كان أول من أدخل الشرك على العرب ورأى الجنة كذلك وتقدم صلى الله عليه وسلم وحاول أن يأخذ من ثمرها ولكن بدا له أن لا يفعل صلوات الله وسلامه عليه ثم بعد صلاته خطب خطبة عظيمة بليغة أشير على كل من سمع كلامي هذا أن يراجعها لما فيها من حياة القلوب وترقيقها وإنابتها وخشوعها خطب خطبة عظيمة بليغة قال فيها إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لعذابه لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن الله يخوف بهما عباده وكان ذلك اليوم هو اليوم الذي مات فيه إبراهيم بن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أن إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات في ذلك اليوم فكان الناس يقولون على عادتهم في الجاهلية إن الشمس كسفت بموت إبراهيم إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أمته حين يرون الكسوف أمرهم أن يفزعوا إلى الصلاة وإلى الذكر والاستغفار والصدقة فأمرهم بالفزع وهذا دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يبادر مبادرة تامة حين يرى الكسوف كالفازع الذي فزع من عدو أراده فافزعوا أيها المسلمون إلى الصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة إذا رأيتم ذلك لتمتثلوا أمر الله ورسوله فإن أمر النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الله وما يدرينا لعل هذا الإنذار الذي أنذرنا الله به يلحقه فورا عذاب من الله عز وجل يستأصل به من شاء من عباده أيها المسلمون إن الكسوف يؤذن يؤذن بمعاصي في الأرض فعلينا أن نفكر في أنفسنا ماذا عصينا الله به أفي ترك الواجب أم في فعل المحرم أم فيهما جميعا حتى نصلح من أمرنا ما فسد نسأل الله أن يعيننا جميعا على ذلك وإن مما فشا في هذه الأمة ولاسيما في النساء تلك الثياب التي يقلد فيها يقلد فيها أعداء المسلمين فهم ينشرونها إما بإرسالها مخيطة وإما بإرسال صحف بإرسال صحف فيها أنواع شتى من اللباس الذي يخالف العادة بل يخالف الشريعة لما فيه من حصول الفتنة وعدم السترة إلى غير ذلك من ما غزونا به وكثير من النساء رجال في الثياب فقط وليسوا رجالا في العقول تغلبهم النساء فيخضعون للنساء وكأنهن السيدات عليهم وهذا نقص في الرجولة ونقص في الأمانة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته ) أنت أيها الرجل إن الذي نصبك على أهلك راعيا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتقبل هذه الرعاية أم تردها إنك إن قبلتها وقمت بواجبها فقد سعدت وكنت ممتثلا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإن أنت أهملتها فإنك في الحقيقة قد رفضتها وإن لم ترفضها باللسان فقد رفضتها بالأفعال فاتقي الله أيها الرجل إتق الله مثل نفسك في أهلك رجلا مؤمنا عاقلا تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر لا تستسلم للنساء وعقولهن فإن النساء بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أعلم الخلق بحكم الله قدرا وشرعا قال عليه الصلاة والسلام ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ) اتق الله في نفسك إنك والله مسئول عن هذا المنصب الذي علقه النبي صلى الله عليه وسلم بك اسمع إلى قول الله تعالى )وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ) إنك مسئول ماذا أجبت به الرسول فما جوابك يوم القيامة ؟ أنا لا أدري ما جواب هؤلاء المفرطين في أمانتهم ما جوابهم عند الله وأهلوهم من ذكور ونساء أمانة في أعناقهم إنهم سيكونون خصماءكم يوم القيامة إذا لم تقوموا بما أوجب الله عليكم من الرعاية إني لأقول ذلك حقا لأنه مؤيد بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمع الله يقول ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ) واسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم ( الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته ) وإن من ما انتشر من ما انتشر ما تضعه النساء من البكلات التي هي شعر أو شعر طبيعي أو مصنوع تضع البكلة على رأسها لتكثر بها شعرها وهذا من الوصل الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله لعن الواصلة والمستوصلة فعلى هذا فلا يجوز بيع هذه البكلات الشعورية ولا شراؤها ولا لبسها لأن من فعل ذلك أي من لبسها فإنه ملعون على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم ومن باعها فإنه معين على ذلك عاص لله عز وجل في قوله ( ولا تعاونوا عل الإثم والعدوان ) حج أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه ذات سنة فقدم المدينة وصعد المنبر فخطب الناس وقال يا أهل المدينة أين علماؤكم وأخذ كبة من شعر من يد أحد الجنود الحراس فقال أين علماؤكم إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهي عن ذلك ويقول إنما هلك بنو إسرائيل حين اتخذ نساءهم هذه أفتريدون أن تهلكوا كما هلكت بنو إسرائيل ؟ لا أعتقد أن مؤمنا يؤمن بالله واليوم الآخر يريد ذلك ولكن العمى والجهل والتغافل أوجب للناس أن يغفلوا عن مثل هذه الأمور وأن يقبلوا كل ما ورد من طيب وخبيث ولا يقدروا ذلك حق قدره ولهذا أقول يجب على الإنسان أن لا يقدم على شيء يخالف العادة حتى يسأل عن حكمه أما ما جرت به العادة من ما أباحه الله فالأصل بقاءه على ما كان لا تنسابوا أمام هذه الأمور التي ترد إلينا بدون تفكير ولا تأمل ولا رجوع إلى أهل العلم في ذلك فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم أسأل الله عز وجل بأسمائه وصفاته أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا اللهم اسلك بنا طريق المؤمنين طريق السلف الصالح في العقيدة والقول والعمل يا رب العالمين اللهم اجعلنا متآمرين بالمعروف متناهين عن المنكر متواصين بالحق متواصين بالصبر متواصين بالمرحمة إنك على كل شيء قدير وأقول لمن عنده مثل هذه الأشياء يحرقها وسوف يخلف الله عليه لأن من ترك شيء لله عوضه الله خيرا منه ومن أعان على إثم كان كفاعله والله الموفق والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .