خطبة رسالة التوحيد الشيخ محمد بن صالح العثيمين

رسالة التوحيد
السبت 1 جانفي 2000    الموافق لـ : 24 رمضان 1420
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد

فيا أيها الناس أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأشكره على نعمه العظيمة التي أجلها وأفضلها وأسعدها في الدنيا والآخرة ما أنعم به عليه حين بعث فيكم رسولا في أنفسكم يتلوا عليكم آياته ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة بعد أن كان الناس في ضلال مبين رسولا أخرج الله به من الظلمات إلى النور من ظلمات الجهل إلى لنور العلم ومن ظلمات الشرك والكفر إلى نور التوحيد والإيمان ومن ظلمات الجور والإساءة على نور العدل والإحسان ومن ظلمات الفوضى الفكرية والمنهجية على نور الاستقامة بالهدف والمنهج ومن ظلمات القلق النفسي وضيق الصدر إلى نور الطمأنينة وانشراح الصدر قال الله عز وجل ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) المعنى وإنهم كانوا من قبل لفي ضلال مبين أيها الإخوة أشكروا الله على هذه النعمة التي بها سعادتكم في الدنيا والآخرة وراحتكم وطمأنينتكم يقو ل الله تعالى (الذين آمنوا تطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) اللهم أعمر قلوبنا بذكرك حتى تطمئن وتنشرح صدورنا وقال الله عز وجل ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ) يعني كمن لم يكن كذلك لا والله لا يستويان فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين وقال الله تعالى ( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) (الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد الذين يستحبون الحياة الدنيا والآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبقونها عوجا أولئك في ضلال بعيد ) لقد بعث الله تعالى نبيه محمد صلي الله عليه وسلم والناس يتخبطون في الجهالات والضلالات ففتح لهم أبواب العلم من كل وجه حتى يصلوا إلى أسمى الغايات فتح لهم فتح لهم أبواب العلم بالله عز وجل وبما له من الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا والأفعال والأفعال التي مبناها على الحكمة والغاية الحميدة وما له جل وعلا من الحقوق وإخلاص التوحيد له وفتح لهم أبواب العلم في عالم الكون في مبدأه ومنتهاه والغاية منه والحساب والجزاء قال الله تعالى ( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتيه فأصفح الصفح الجميل ) وقال الله تعالى ( وما خلقنا السماء والأرض وبينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار )وقال الله تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة ة المتين ) وقال الله عز وجل (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في غرار متين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) فانظروا أيها الأخوة كيف ذكر الله في هذه الآيات العظيمة مبدأ هذا الكون وغايته ومنتهاه من أين لم هذا العلم إلا من طريق محمد صلي الله عليه وسلم وفتح الله تعالى فتح الله ببعثة النبي صلي الله عليه وسلم أبواب العلم في عبادة الله عز وجل والسير إلى رضوانه ودار كرامته فبين لهم كيف تكون العبادة ومتى تكون العبادة وأين تكون وفتح لهم أبواب العلم في معامله الخلق ناطقه وبهيمة فما من شي ناطقه وبهيمة ففتح لهم أبواب العلم في طلب الرزق واستخراج ما أودعه الله في ألأرض من كنوز الذهب والفضة وغير ذلك فما من شي يحتاج الناس إلى معرفته من أمور الدين والدنيا الا بينه لهم أتم بيان قال الله تعالى ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) فكان الناس ولله الحمد بعد بعثة هذا النبي الكريم كانوا على محجه بيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتيه فيه الا أعمى القلب قال أبو ذر رضي الله عنه: ( لقد توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء الا ذكر لنا منه علما) فالحمد لله على نعمه والحمد لله على ما آتانا من فضله أيها الإخوة بعث الله نبيه محمدا صلي الله عليه وسلم وأكثر الناس من هم منقسمون في الشرك فمنهم من يعبدون البشر ومنهم من يعبد الشجر ومنهم من يعبد صنما ينحته بيده ومنهم من يعبد حجرا يلتقطه من الأرض حتى قيل أن الواحد منهم إذا سافر فنزل منزلا ألتقط أربعة أحجار فوضع ثلاثة منها تحت القدر ونصب الرابع إله يعبده وقيل إن بعضهم يعجن من العجوة من التمر شكلا على صنم فيعبده فإذا جاع أكله أترون جهلا أعظم من هذا الجهل لكن الله عز وجل أنقذهم في بعثه محمد صلي الله عليه وسلم من هذه الهوة السحيقة والسفه البالغ من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق فحقق التوحيد تحقيقا بالغا وذلك في أن تكون العبادة لله وحده لا شريك له يتحقق فيها الإخلاص بالقصد والمحبة والتعظيم فيكون العبد مخلصا لله في قصده مخلصا لله في محبته مخلصا لله في تعظيمه ظاهرا وباطنا قال الله تعالى في نبيه محمد صلي الله عليه وسلم ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) هكذا أمر الله تعالى في كتابه أن يقول محمد صلي الله عليه وسلم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين وبهذا أمرت وأنا أول المسلمين ولهذا ولهذا جاءت السنة النبوية المطهرة مبينه لكتاب الله تعالى في حماية هذا التوحيد وسد كل طريق يودي إلى نقصه أو نقضه روى النسائي عن بن عباس رضى الله عنهما أن رجلا قال للنبي صلي الله عليه وسلم ( ما شاء الله وشئت فقال النبي صلي الله عليه وسلم منكرا عليه أجعلتني لله ندا ما شاء الله وحده) فانكر النبي صلي الله عليه وسلم أنكر على هذا الرجل أن يقرن مشيئة النبي صلي الله عليه وسلم بمشية الله بحرف يقتضي التسوية بينهما وجعل ذلك من اتخاذ الند له عز وجل واتخاذ الند لله تعالى شرك لله سبحانه وقريب من ذلك قريب من ذلك ما يكتبه بعض الجهال في لوحات يعلقها أو في بعض الساعات الحائطية يكتب اسم الله من الجانب الأيمن اسم محمد صلي الله عليه وسلم من الجانب الأيسر بصف متساو فإن الناظر اليه من الجهال والعوام يظن أنهما في مرتبه واحده لذلك نرى أنه يجب المسح عليهما حماية لجانب التوحيد وابتعاد للشرك والشرك يكون خفيا وربما يسري من القلب من حيث لا يشعر الإنسان فاتقوا الله عباد الله وابتعدوا عما يخل بالتوحيد وفروا منه فراركم من الأسد وروى النسائي أيضا في سند جيد أن ناسا جاءوا إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقالوا: ( يا رسول الله يا خيرنا يا ابن خيرنا يا سيدنا وأبن سيدنا فقال صلي الله عليه وسلم يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد عبد الله ورسوله ما أحب أن توضعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل) هذا مع أن صلي الله عليه وسلم سيد بني آدم وخير بني آدم بلا شك ولكنه صلي الله عليه وسلم خاف أن يستهوينه الشيطان فيوقعهم في الغلو حتى يرفعوه إلى منزلة الخالق فقال صلي الله عليه وسلم أنه عبد الله ورسوله حماية لجانب التوحيد وسدا لطرق الشرك وبيانا للحقيقة والمنزلة التي هي أعلى منازل البشر وهي العبودية لله عز وجل والرسالة وروية الإمام أحمد بن ماجة و الترمذي وحسان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( قال رجل يا رسول الله الرجل منا يلقاه أخوه أو صديقه أينحني له قال لا قال فيلتزمه ويقبله قال لا قال فيأخذ بيده ويصافحه قال نعم) وقال الشعبي رحمه الله كان أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم إذا التقوا تصافحوا فإذا قدموا من السفر عانق بعضهم بعضا فمنع النبي صلي الله عليه وسلم من الانحناء ء عند التسليم لأن ذلك خضوع للبشر قد يكون وسيلة إلى تعظيم غير الله بالركوع والسجود وكان السجود عند الملاقاة بعد التحية جائزا في بعض الشرائع السابقة ولكن هذه الشريعة شريعة محمدا صلي الله عليه وسلم خاتم النبيين منعت منه سواء كانت من أجل التحية والإكرام أم من أجل التذلل والخضوع أيها الناس إن على الإنسان أن يراعي جانب التوحيد ويعرف للخالق حقه فلا ينقصه ولا يشرك به معه غيره لا بالفعل ولا بالقلب وإن للإنسان أن يعرف للمخلوق حقه ويقوم بما أوجب الله عليه فيه من غير غلو ولا تقصير فلا ينزل المخلوق منزلة الخالق لا بلفظه ولا بفعله ولا بقلبه فإن للخلق جل وعلا حقه المختص به لا يشرك به فيه غيره وللمخلوق حقه الذي يليق به الذي أوجبه الله له لا يزاد عليه ولا ينقص منه أيها الأخوة أن على الإنسان أن يعلم أنه مسئول عن ما ينطق به لسانه كما قال الله تعالى :( ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ) وأنه مسئول عن ما يعمله بجوارحه كما قال الله تعالى ( ولتسألن عما كنتم تعملون ) وانه مسئول عما يكنه في ضميره كما قال الله تعالى : ( أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصد ما في الصدور ) وقال الله تعالى ( يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر ) فاتقوا الله عباد واشكره على ما أنعم عليكم في هذا الدين القويم والصراط المستقيم واسألوه أن يثبتكم عليه إلى أن تلقوه اللهم ارزقنا شكر نعمتك على هذا الدين القويم وارزقنا الثبات عليه إلى أن نلقاك يا رب العالمين اللهم وفقنا لم فيه الخير والصلاح والإصلاح واجعلنا من عبادك الصالحين المصلحين يا رب العالمين والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم إلى يوم الدين . الحمد لله الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين أصطفى وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له له الحمد في الآخرة والأولى وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى صلى الله عليه على آله وأصحابه ومن بهداهم أهتدي وسلم تسليما كثيرا
أما بعد

فإنكم سمعتم إن النبي صلي الله عليه وسلم حمى جانب التوحيد اعظم حماية ومنع من كل ما يكون وسيلة إلى الإشراك بالله عز وجل محبة وتعظيما لأن محبة الله عز وجل يجب أن تكون فوق كل محبه ثم بعد ذلك محبة الرسول صلي الله عليه وسلم نحبه والله احب إلينا من أبناءنا وأمهاتنا وآباءنا نحبه لأنه رسول الله فنحن نحبه لمحبه الله عز وجل إياه أيها الاخوة وان من المهم أن يعلم الإنسان انه لا يحل لأحد أن يعظم المخلوق اكثر مما يجب أن يعظم فلا يحل لأحد أن يمشي للمخلوق على وجه ليس فيه إكرام حاضر كما يفعل بعض الناس يمشي من محل بعيد إلى محل بعيد عند حصول نعمة لأحد أو حدوث نغمة فأن المشي على هذا النحو لا ينبغي إلا أن يكون إلا لبيت الله على انه لا ينبغي للإنسان أن يشق على نفسه المشي أن يمشي إلى مكة طاعة لله عز وجل لقلنا له لا تكلف نفسك امشي واركب فان الله تعالى يقول ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وأمنتم ) إن كل مخلوق مهما علت منزلته في الدنيا فانه لا يستحق شيئا مما له به وانه لمثلك انه بشر ولكنه يتميز عليك بما انعم الله به عليه من تقوى الله عز وجل ولهذا قال الله تعالى ( إن أكرمكم عند الله اتقاكم )وقال النبي صلي الله عليه وسلم: (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ) ولا شك إن الناس شعوبا وقبائل يتفاوتون ولكن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نغلوا في الإنسان مهما علت منزلته حتى نفعل معه مثل ما يفعل لله عز وجل فان حق الله تعالى له خاص به وان حق المخلوق خاص به أيها الاخوة المسلمون عظموا الله عز وجل بقلوبكم أحبوه بقلوبكم أحبوه لما جبلكم من النعم فما بكم من نعمة من الله إذا مسكم الضر إلى من تلجئون إنكم لن تلجئوا إلا إلى الله عز وجل إذن فجالب النعم وكاشف النغم هو الله عز وجل احبوا الله عز وجل بما هداكم فيه إلى الإيمان والتوحيد احبوا الله عز وجل قوموا بطاعته محبه له عظموا الله عز وجل فروا من معصيته مخافة منه وخشية له اللهم اجعلنا من أولئك المتقين المؤمنين وحزبك المفلحين انك على كل شي قدير واكثروا أيها الاخوة من الصلاة والسلام على نبيكم محمد صلي الله عليه وسلم فانه الذي دلكم لكل خير ورغبكم فيه الذي بين لكم الشر وحذركم منه واعلموا إن خير الحديث كتاب الله وان خير الهدي هدي محمد صلي الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل بدعة ضلالة في النار فعليكم بالجماعة فان يد الله على الجماعة ومن شذ، شذ في النار اللهم نسألك في مقامنا هذا أن تعز الإسلام والمسلمين وتذل الشرك والمشركين وتدمر أعداء الدين من الكفار والمنافقين واليهود والنصارى والملحدين يا رب العالمين ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكوناً من الخاسرين عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون و أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون .