خطبة بيان سبب التاريخ الإسلامي الهجري - الحث على الكتابة باللغة العربية والنطْق بها الشيخ محمد بن صالح العثيمين

بيان سبب التاريخ الإسلامي الهجري - الحث على الكتابة باللغة العربية والنطْق بها
السبت 1 جانفي 2000    الموافق لـ : 24 رمضان 1420
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحْيه، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا مُنيرًا، وختمَ به النبوّة فبلّغ صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة، وجاهدَ في الله حق جهاده وترك أمّته على بيضاء نقيّة ليلها كنهارها، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد:

أيها الناس، فإنّنا في هذه الأيام نودِّع عامًا ماضيًا شهيدًا علينا بما علمنا من خير أو شر، نسأل الله تعالى أن يتجاوزَ عنّا ويعفو عنّا .

ونستقبل عامًا جديدًا إسلاميًّا هجريًّا ابتداءُ عقدُ سنواته من أجلِّ مناسبة في الإسلام ألا وهي: هجرة النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - التي ابتدأ بها تكوينَ الأمة الإسلامية في بلد إسلامي؛ في طَيْبة مهاجَر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يحكمه المسلمون، ولم يكن التاريخ السنوي معمولاً به في أول الإسلام «حتى كانت خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففي السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته - رضي الله عنه - كتبَ إليه أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه يأتينا منك كُتبٌ ليس لها تاريخ، فماذا حصل ؟

إنه حدث هامٌّ أن يُبتدأ للأمة الإسلامية تاريخ، فجمعَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جمعَ الصحابة - رضي الله عنهم - فاستشارهم، فيقال: إن بعضهم قال: أرِّخوا كما تؤرِّخ الفرسُ بملوكها: كلّما هلكَ ملك أرّخوا بولاية مَن بعده، فكَرِهَ الصاحبة ذلك، وقال بعضهم: أرِّخوا بتاريخ الروم فكَرِهوا ذلك أيضًا، فقال بعضهم: أرِّخوا من مولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقال آخرون: أرِّخوا من مَبْعَثِه، وقال آخرون: أرِّخوا من مُهاجَرِه، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الهجرة فرّقت بين الحق والباطل فأرِّخوا بها، فأرَّخوا من الهجرة واتَّفقوا على ذلك، ثم  تشاوَروا من أي شهر يكون ابتداء السنة ؟ فقال بعضهم: من رمضان؛ لأنه الشهر الذي أُنزل فيه القرآن، وقال بعضهم: من ربيعٍ الأول؛ لأنه الشهر الذي قدمَ فيه النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - المدينةَ مهاجرًا، واختار عمر وعثمان وعلي أن يكون المبدأ من المحرم؛ لأنه شهر حرام يلي شهر ذي الحجة الذي يؤدّي المسلمون فيه حجهم؛ الذي به تمام أركان دينهم والذي كانت فيه بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكانت فيه العزيمة على الهجرة، فكان ابتداءُ السنة الإسلامية الهجرية من الشهر المحرم الحرام، وما زال المسلمون على ذلك»(1) حتى استعمر الكفار بلادَ المسلمين فقَلَبوا التاريخ الإسلامي إلى تاريخ روميٍّ إفرنجيٍّ لم يُبْنَ على شيء له أساس من الصحة وهذا من المؤسف حقًّا أن يعدل المسلمون - أعني: أكثر المسلمين - اليوم عن التاريخ الإسلامي الهجري إلى تاريخ النصارى الميلادي الذي لا يمتّ إلى دينهم بصلة ولئن كان لبعضهم شبهة من العذر حين استعمر بلادَهم النصارى وأرغموهم على أن يتناسوا تاريخهم الإسلامي الهجري فليس لهم الآن أي عذر في البقاء على تاريخ النصارى الميلادي، وقد أزال الله - عزَّ وجل - عنهم كابوس المستعمرين وظلمهم وغشمهم ولقد سمعتم ما قيل من أن الصحابة - رضي الله عنهم - كَرِهوا التاريخ بتاريخ الفرس والروم .

أيها المسلمون، إننا في هذه الأيام نستقبل عامًا جديدًا إسلاميًّا هجريًّا شهوره الشهور الهلالية التي قال الله عنها في كتابه المبين: +إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ" [التوبة: 36]، الشهور التي جعلها الله - عزَّ وجل - مواقيت للعالَم كلهم، قال الله تعالى: +يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ" [البقرة: 189]، مواقيت للناس كلهم بدون تخصيص بعربٍ ولا مسلمين، لا فرقَ بين عربي وعجمي؛ وذلك لأنها علامة محسوسة ظاهرة لكل أحد يُعرف بها دخول الشهر وخروجه، فمتى رُئي الهلال من أول الليل دخل الشهر الجديد وخرج الشهر السابق وليست كالشهور الإفرنجية شهورًا وهميَّة غير مبنيَّة على مشروع ولا معقول ولا محسوس بل هي شهور اصطلاحيّة مختلفة: بعضها يصل إلى واحد وثلاثين يومًا والبعض الآخر ينزل إلى ثمانية وعشرين يومًا والبعض الثالث بين ذلك، لا يُعلم لهذا الاختلاف سبب حقيقي معقول أو محسوس؛ ولهذا طُرحت في الآونة الأخيرة مشروعات لتغيير هذه الأشهر على وجهٍ منضبط لكونها أضبط وأحسن إلا أنها عورِضت - أي: هذه الفكرة - من قِبَلِ الأحبار والرهبان - أي: من قبل العلماء والعبّاد - أَبَوا أن يغيّروا هذه الشهور .

فتأمّل - أيها المسلم - كيف يعارض رجال دين اليهود والنصارى في تغيير أشهر وهميّة مختلفة إلى اصطلاح أضبط؛ لأنهم يعلمون ما لذلك من خطر ورجال دين الإسلام اليوم ساكتون بل مُقرّون لتغيير التوقيت بالأشهر الإسلامية بل العالَمية التي جعلها الله مواقيت للناس؛ حيث عدل عنها المسلمون أكثرهم إلى التوقيت بالشهور الإفرنجية، وقد سُئل الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - فقيل له: إن للفرس أيامًا وشهورًا يسمّونها بأسماء لا تُعرف فكَرِهَ ذلك أشدّ الكراهة، وروي عن مجاهد أنه كان يكْره أن يُقال: آذار ماه .

وإن من دواعي السرور والاغتباط أنْ كانت المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم في هذه المملكة العربية السعودية التي نسأل الله تعالى أن يُعزّ بها دينه ويحرس بها شعائر الدِّين، كان من النظام أنّ دينها الإسلام ودستورها كتاب الله - عزَّ وجل - وسنّة نبيّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولغتها هي اللغة العربية .

وأمّا المادة الثانية: أن عيدَ الدولة هما: عيد الفطر والأضحى، وأن تقويمها هو التقويم الهجري .

هكذا في نظام الحكم لهذه الدولة التي نسأل الله تعالى أن يعزّها بدينه وأن يعزّ دينَه بها.

أيها المسلمون، إنّنا في هذه الأيام نستقبل عامًا جديدًا إسلاميًّا هجريًّا وليس من السنَّة أن يُحدث عيدٌ لدخوله أو نعتاد التهاني بدخوله؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكنّني لا أستطيع أن أقول إن التهاني بدخوله بدعة إلا أنه لم يكن يُعرف في عمل السلف الصالح لكنه أمرٌ معتاد، فلا أجرؤ على أن أقول إنه بدعة، ولكن مَن هنَّأك به فردّ عليه ولا تبتدئ أحدًا بذلك .

أيها الإخوة المسلمون، إن علينا أن نعتبر ونتّعظ، هذا العام الذي مضى كأنّه يوم واحد أو ساعة واحدة وكم فقدنا فيه من حبيب وقريب ! وكم فقدنا فيه من عالِم وعابد ! فنسأل الله تعالى أن يعوّض الأمة خيرًا .

إن علينا - أيها الإخوة - أن نستقبل أيامنا وشهورنا وأعوامنا بطاعة الله - عزَّ وجل - ومحاسبة أنفسنا وإصلاح ما فسدَ من أعمالنا ومراقبة مَن ولانا الله تعالى عليه من الأهل: من زوجات وأولاد - بنين وبنات - وأقارب، فاتّقوا الله - عباد الله - وقوموا بما أنتم به معنيّون وعنه يوم القيامة مسؤولون، +قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" [التحريم: 6] .

قوموا - أيها الإخوة - بذلك على الوجه الأتمّ الأكمل أو على الأقل بالواجب منه، واعلموا أن أعضاءكم ستكون عليكم بمنزلة الخصوم يوم القيامة، يوم يُختم على الأفواه وتكلِّم الأيدي والأرجل بما كسب الإنسان، قال الله عزَّ وجل: +حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا" - أي: جاؤوا النار - +شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [فصلت: 20-23] .

عباد الله، إن كل عام يستقبله المرءُ يجب أن يستقبله بعزيمة صادقةٍ وجِدٍّ واجتهاد؛ فإن الأيام تمضي سريعًا ولا يدري الإنسان إلا والأجَلُ حاضر وهو مفارق لدار العمل إلى دار الجزاء .

أيها الإخوة المسلمون، واللهِ، واللهِ ما قامت الدنيا إلا بقيام الدِّين، ولا نالَ العزّة والكرامة والرفعة إلا مَن خضعَ لرب العالمين، ولا دامَ الأمن والطمأنينة والرخاء إلا باتّباع منهج المرسلين .

فاجتهدوا أيها المسلمون، اجتهدوا بالأعمال الصالحة ولا تغترّوا بالدنيا وزينتها وزهرتها؛ فإن ذلك قد يكون استدراجًا من الله تبارك وتعالى .

اللهم إنَّا نسألك علْمًا نافعًا، وعملاً صالِحًا، ورزقًا طيِّبًا واسعًا، تُغنينا به عن غيرك ولا تغنينا به عنك يا رب العالمين؛ إنك على كل شيء قدير .

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وإليه يُرجع الأمر كله، فمنه المبتدى وإليه المنتهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث إلى العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد:

أيها الناس، فقد سمعتم عن التاريخ الإسلامي وأن الذي غيّره هم المستعمرون للبلاد الإسلامية، ومازال المسلمون يؤرّخون بالتاريخ الهجري إلى أنْ استعمرهم المستعمرون، وانظروا كتبَ التاريخ السابقة وكتبَ تراجم العلماء تجدوها كلّها مقْرونة بالتاريخ الإسلامي الهجري، ولقد ابتُلي المسلمون -أعني: أكثرهم - بهذا التاريخ فصاروا لا يعرفون إلا هذا التاريخ ولئن سألتهم عن الأشهر العربيّة لَمَا عرفوها، ولكن إذا قال قائل: إذا ابتُلي الناس بهذا فكيف المخرج ؟

فالمخْرَج: أن يؤرَّخ بالتاريخ الإسلامي الهجري ثم يُقال: الموافق كذا وكذا وهذا لا بأس به إن شاء الله .

وهنا مسألة أخرى أُحبّ أن أُنَبِّهَ عليها وهي: أن كثيرًا من الناس اليوم يستعملون الكتابة باللغة الإنجليزية حتى في فواتير البقّالَة تجدها مكتوبة باللغة غير العربية، وكذلك في وثائق المرض وكشف الدواء تجدهُ مكتوبًا في غير اللغة العربية وهذا ذلٌّ وهوانٌ، كيف يليقُ بنا أن نستعمل هذه اللغة في هذه الأمور التي تخفى على كثير من الناس ؟ فماذا يُدري المريض إذا قُدِّم له كشفٌ بغير اللغة العربية، ربما يستعملُ الدواء على غير الوجه المطلوب فيتضرّر به .

كذلك أصحاب البقّالات وأصحاب المعارض: نجد كثيرًا من فواتيرهم تكون بغير اللغة العربية وهذه انهزاميّة واضحة، نحن الآن عرب مسلمون لا نعرف إلا العربيّة فكيف تُقدَّمُ لنا هذه الفواتير السائرة بغير اللغة العربية ؟

إنني أسأل الله - تبارك وتعالى - أن يهدي المسؤولين في هذه الحكومة إلى تتبّع ذلك ومنع أي كتابة بغير اللغة العربية .

نَعَم، لو جاء إنسان لا يعرفُ العربية وطلب أن نكتب له فاتورة بلغته فهذا لا بأس به للحاجة إليه .

واعلموا - أيها الإخوة - أن اللغة قوامُ الأمم وأن الأمم تفرح إذا تحوّل الناس إلى لغتها كتابةً أو مشافهة؛ لأن ذلك عزٌّ لها؛ ولأن ذلك انهزامٌ لِمَن كتبوا هذه اللغة التي ليست لغتهم أو نطقوا بها .

تأمّلوا التاريخ تجدوه كذلك، فلا ينبغي أن نجعل لهذه الأمم التي لا تنطق بالعربية أن نجعل لها العزّة علينا بل نحن أمة مستقلّة، أمة إسلامية .

أسأل الله - تبارك وتعالى - أن يثبّتنا جميعًا على دينه، وأن يجعلنا أعزاء بديننا أغنياءَ عن غيرنا، وألا يحرمنا من العزَّة بدين الله عزَّ وجل .

أيها الإخوة، إن خير الكتاب كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .

هكذا جاء: كل ضلالة في النار، على أن بعض أهل العلم لم يثبتوها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن يكفي أن كل بدعة ضلالة .

فالْتزموا بكتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا تعدلوا بهما شيئًا إن كنتم تريدون العزّة في الدنيا والكرامة في الآخرة .

وأكْثروا من الصلاة والسلام على نبيّكم تمتثلوا بذلك أمر الله عزَّ وجل، وتقضوا شيئًا من حقوق نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتنالوا فضل ذلك؛ فإن الله أمركم بهذا في قوله: +إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" [الأحزاب: 56]، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَن صلى عليَّ مرّة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا»(2) .

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبّته واتّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفّنا على ملّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النَّعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيِّين، والصديقين، والشهداء والصالحين .

اللهم ارضَ عن زوجاته أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنّا معهم بمنِّك وكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين .

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل بلدنا هذا آمنًا وسائر بلاد المسلمين .

اللهم ادفع عنّا البلاء والوباء والربا والزنى والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم انصر إخواننا في الشيشان، اللهم انصرهم، اللهم ثبّت أقدامهم، اللهم اغفر لمواتهم، اللهم اجمع شَمْل أحيائهم يا رب العالمين .

اللهم أَنْزل بأسَكَ الذي لا يُرد عن القوم المجرمين على دولة الروس يا رب العالمين، اللهم أبدلها بعد القوة ضعفًا، وبعد العزّ ذُلاً، وبعد الاستكبار خُذلانًا وهوانًا يا رب العالمين، وبعد الغنى فقرًا، وبعد الاجتماع تفرّقًا وبعد الائتلاف عداوةً وبغضاء، اللهم اجعلها حربًا شعواء في أسواقهم وبيوتهم يا أرحم الراحمين؛ إنك على ذلك قدير .

أيها الإخوة، إن أدنى واجب علينا بالنسبة لإخواننا في الشيشان أن ندعو الله لهم في أوقات الإجابة وفي أحوال الإجابة؛ في أوقات الإجابة كما بين الأذان والإقامة وكما في آخر الليل، في أحوال الإجابة كما في السجود وكما في التشهد الأخير بعد أن نقرأ وندعو بما وردَ، هذا أقلّ واجب لهم علينا، فنسأل الله تعالى أن يذكّرنا ذلك ويُعيننا عليه .

أيها الإخوة المسلمون، لقد استسقى الناس في هذا العام ست مرّات: كل شهر مرّة ولم ينزل ما يريده الناس من رب العالمين عزَّ وجل، وما ذلك إلا لِيُذيقنا بعض الذي عملنا لعلّنا نرجع إليه كما قال الله عزَّ وجل: +ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" [الروم: 41] .

كثيرٌ منكم يعرف ماذا حدث في الآونة الأخيرة من المنكرات الكبيرة العظيمة، فنسأل الله تعالى أن يُعاملنا بعفوه، نسأل الله أن يعاملنا بعفوه ومغفرته، ونسأل الله - تبارك وتعالى - ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا؛ إنه على كل شيء قدير .

«دخل رجلٌ يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يخطب، فطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو الله أن يغيثهم، فدعا صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأرسل الله سحابةً فلمَّا توسطت السماء انتشرت ورعدت وبرقت وأمطرت فلم ينزل النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من المنبر إلا والمطر يتحادَرُ من لِحْيته»(3) .

اللهم أَغِثْنا، اللهم أَغِثْنا، اللهم أَغِثْنا، اللهم أسقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا عذاب ولا هدم ولا غرق، اللهم أنت الغني ونحن الفقراء فأَنْزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوّة لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين، +رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" [آل عمران: 147] .

اللهم أَغِثْنا، اللهم أَغِثْنا، اللهم أَغِثْنا .

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

---------------------

(1)ذكر هذه القصة النووي -رحمه الله تعالى- في كتابه: «تهذيب الأسماء واللغات» [1/47]، والله أعلم .

(2)أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في م [15759]، والنسائي في كتاب: «السهو» [1366]، والدارمي في كتاب: «الرقائق» [2645]، من حديث أبي طلحة رضي الله تعالى عنه، ت ط ع .

(3)أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه المبارك في كتاب: «الجمعة»، من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، [957]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب: «صلاة الاستسقاء» [1493]، ت ط ع .