خطبة أمور هامة ـ حديث (14) خصلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

أمور هامة ـ حديث (14) خصلة
السبت 1 جانفي 2000    الموافق لـ : 24 رمضان 1420
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وأعطاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر شهادة له بصدقه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا شريك له في ألوهيته وملكه وحكمه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بلغ ما أنزل إليه من ربه على أكمل وجه وأتمه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه في هديه وسلم تسليما

أما بعد

أيها الناس اتقوا الله تعالى عباد الله إنما خلقتم لعبادة الله وحده لا شريك له وخلق الله لكم جميع ما في الأرض وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأنعم عليكم نعماً لا تحصى وبين لكم الحق وبين الله الباطل لتحذروه فاحذروا أيها المسلمون يا عباد الله احذروا أسباب سخط الله وعقابه وتوبوا إلى الله عز وجل بالرجوع عن معصيته إلى طاعته ومن أسباب سخطه إلى أسباب رضوانه احذروا ما حذركم منه نبيكم صلى الله عليه وسلم فإنه والله الناصح الأمين المبلغ المبين فلقد حذركم صلى الله عليه وسلم من أمور فيها هلاككم لتحذروها وبينها لكم لتعلموها وجاء عنه صلى الله عليه وسلم التحذير من أمور أصبحتم اليوم واقعين فيها أو في بعضها فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا أتخذ الفيئ دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وتعلم لغير الدين وأطاع الرجل امرأته وعصا أمه وأدنى صديقه وأقصى أباه وظهرت الأصوات في المساجد وساد القبيلة فاسقهم وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور ولعن أخر هذه الأمة أولها فارتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء وزلزلة وخسفاً ومسخاً وقذفا وآيات تتتابع كنظام قطع سلكه فتتابع ) أخرجه الترمزى وهذا الحديث وإن كان ضعيف السند لكن له شاهد من الحديث وشاهد من الواقع فإن الخصال المذكورة في هذا الحديث صارت في زمننا حقائق مشهودة ملموسة فاستمعوا لتطبقوا الخصلة الأولى اتخاذ الفيئ دولا والفيئ ما أفائه الله على المؤمنين فإذا صرف عن أهله المستحقين له إلى آخرين لا يستحقونه من أهل الشرف والجاه والغنى والقوة فقد أتخذ دولا قال الله عز وجل (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ)(الحشر: من الآية7) الخصلة الثانية إتخاذ الأمانة مغنماً وهذه ذات معان كثيرة منها أن يكون المؤتمن في أمانته التي أئتمن عليها فينكرها أو يتصرف فيها كما يتصرف الغانم في غنيمته ومنها أن يتخذ الإنسان ماله مغنماً يغش ويكذب ويخدع عباد الله ويرى أن ما كسبه من وراء ذلك غنيمة وهو في الحقيقة خسارة وندامة يوم القيامة الخصلة الثالثة إتخاذ الزكاة مغرما فتجد الإنسان عندما يريد أن يؤدي الزكاة يؤديها كأنها غرامة وضريبة خسرها لا يؤديها بطيب نفس واحتساب أجر وتعبد لله عز وجل وقيام بفريضة من فرائض الإسلام ولكن يؤديها بتثاقل وكراهية إلا من شاء الله ولذلك تجد بعض الناس يطلب كل طريق يتمكن به من إسقاط الزكاة عنه ولو بتتبع رخص العلماء ومن أجل إتخاذ الزكاة مغرما تجد بعض الناس يبخل بها ويؤدي ما يؤدي منها إما بنقص وإما بكراهة وهذا خلاف ما أمر الله به ورسوله وربما يضعها في غير موضعها يضعها في قرابته لا لأنهم مستحقون لها ولكن لأنهم قرابة له أما الخصلة الرابعة فأن يتعلم العلوم الشرعية لغير الدين يتعلم علوم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لغير الدين فلا يتعلمها تقرباً إلى الله ولا حفظاً لشريعة الله ولا رفعاً للجهل عن نفسه وعن عباد الله وإنما يتعلمها لنيل المال والشهادة والجاه والرئاسة أما الخصلة الخامسة والسادسة فأن يطيع الرجل امرأته ويعق أمه ويعصيها إذا أمرته زوجته بشئ لبى جميع طلبها سريعا وإذا أمرته أمه بشئ أعرض وتثاقل أو أتى به ناقصا أما الخصلة السابعة والثامنة فأن يدني الرجل صديقه ويقصي أباه تجده ملازماً لصديقه يظهره على أسراره ويستشيره في أموره ويبين له كل ما في نفسه أما مع أبيه فمتباعد عنه كاتم عنه أسراره لا يأنس بالجلوس عنده ولا ينبسط بالتحدث معه ولا يخبره عما في نفسه وهذا موجود بكثرة والعلة فيه قد تكون من الأبناء أحياناً وقد تكون من الأباء أحياناً فإن من الأباء من يكون عنده جفوة وغلظة ينظر إلى أولاده بامتهان واحتقار وهذا مما يجعلهم ينفرون منه أما الخصلة التاسعة فهي ظهور الأصوات في المساجد حتى تصبح المساجد لا قيمة لها ولا احترام لها يزعق الناس فيها ويصرخون كما يزعقون ويصرخون في بيوتهم وأسواقهم غير مبالين ببيوت الله التي بنيت لعبادته وذكره أما الخصلة العاشرة فأن يسود القبيلة فاسقهم أي أن يكون الفاسق العاصي لله ورسوله سيد قبيلته وذلك إما لظهور الفسق في القبيلة وكون الفسق ذا قيمة في نفوسهم فيكون السيد فيهم من بلغ غاية الفسق وإما لكون الدين لا أثر له في السيادة والقيادة والأثر كله للمال والجاه فصاحب المال والجاه هو السيد وإن كان فاسقا أما الخصلة الحادية عشرة فأن يكون زعيم القوم أرذلهم والزعيم الرئيس وكان ينبغي على الرئيس أن يكون أعلى قومه ديناً وخلقاً ورجولة وشهامة ولكن الأمور تنعكس فيكون هذا الرئيس أرذل القوم في هذه الأمور أما الخصلة الثانية عشرة فأن يكرم الرجل مخافة شره لا يكرم الرجل لأنه أهل للإكرام في دينه أو خلقه أو جاهه أو إحسانه إلى الناس بل هو خال عن ذلك كله فليس أهلاً للإكرام ولكنه رجل شرير ذو عدوان على عباد الله فيكرمونه خوفاً منه أما الخصلة الثالثة عشرة فهي ظهور القينات والمعازف والقينات هن المغنيات والمعازف آلات اللهو آلات اللهو كلها العزف والطرب ولقد ظهرت القينات والمعازف في زمننا الحاضر ظهوراً فاحشا ما ظهرت مثله قط فيما نعلم ظهوراً مسموعاً بالآذان ومشهوداً بالعيان في كل وقت وفي كل مكان في البيت والسوق والدكان وفي وقت الصلاة ومع الأذان حتى صارت المعازف متعة كثير من الناس ومنتهى أنسهم أنسوا بما يصرفهم عن ذكر الله ونسوا ما خلقوا له من عبادة الله وتعلقت قلوبهم بمعصية الله وسيجدون والله سيجدون والله غب هذا الأنس وحشة وبعد هذا التعلق إنقطاعاً وزوالا سوف يغادرون هذه الدنيا وهم متحسرون نادمون على ما أمضوه في مثل هذه المعاصي أيها المسلمون عباد الله إن الحليم من الرجال ليقف حيران أمام هذا الإنسياب الجارف إلى آلات اللهو والمعازف وأمام هذا التغير السريع في مجتمعنا يجلس الواحد من رجل أو امرأة ليستمع إلى صوت مغني أو مغنية أو يشاهد صورته غير مبال بذلك غير مبال بمعصية الله غير مبال بزوال الوقت وذهابه وإن زوال الوقت وذهابه لأشد حسرة وندامة من زوال المال وذهابه إن الإنسان إذا حضره الموت يقول كما ذكر الله عز وجل (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون:99-100) إن الحليم أيها الناس إن الحليم ليقف حيران لا يدري أشيئ ران على القلوب حتى إلتبس الأمر عليها وغشي بصائرها ما يمنع الرؤيا فصارت لا ترى الحق وشكت في تحريم ذلك أم شئ أزاغ القلوب فانصرفت عن الحق مع علمها به وارتكبت المعصية على بصيرة هما أمران أحلاهما مر أيها المسلمون إن كل من عرف نصوص كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشك في تحريم المعازف حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرنها بالزنا والخمر والحرير ففي صحيح البخاري عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحرا والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة يعني يأتيهم الرجل الفقير لحاجة فيقولوا ارجع إلينا غداً فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة ) أفبعد هذا الحديث يشك عاقل يعرف مدلول اللغة العربية أن المعازف حرام أتدرون ما الحر الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام يستحلون الحرا أي يستحلون الفروج وهو إتيانها بالزنا وأما الحرير فهو حرام على الرجال وأما الخمر فهو كل مسكر وهو حرام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين ولهذا قال العلماء من استحل تحريم الخمر وهو قد عاش بين المسلمين فإنه كافر مرتد لأنه مكذب للكتاب والسنة وإجماع المسلمين وما علم بالضرورة من الدين المعازف هي الرابعة لهذه الأمور قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحرا والحرير والخمر والمعازف ) قال ابن القيم رحمه الله وهو أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله البارزين قال بيان تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصريح لآلات اللهو والمعازف ثم ساق الأحاديث الدالة على ذلك وهي كثيرة ساقها في كتابه إغاثة اللهفان وهو كتاب متداول من أحب الرجوع إليه فليرجع إليه أيها المسلمون لقد كنا إلى زمن قريب ننكر آلات اللهو وتكسر أمام المساجد بعد صلاة الجمعة إتلافاً لها ومنعاً لانتشارها فصار الوضع إلى ما ترون فلا أدري أنزل وحي بحلها لمن يستحلها لمن يمارسها ( فليأتوا ببرهانهم إن كانوا صادقين ) أم أنها التبعية لأكثر الناس بلا روية فاقرءوا قول الله عز وجل اقرءوه إن شئتم (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (الأنعام:116) فاللهم عفواً اللهم عفواً اللهم عفواً وغفراً وهداية وصلاحاً وإصلاحاً واستقامة على دينك وبعداً عن معاصيك يا رب العالمين أما الخصلة الرابعة عشرة فهي شرب الخمور وهي المسكرات من أي نوع كان قال النبي صلى الله عليه وسلم أنصح القائلين من بني آدم وأفصح العرب وأعلمهم بما يقول قال صلى الله عليه وسلم ( كل مسكر خمر ) ولقد شربت الخمور وكثر شاربوها حتى صارت وأقولها على إغماض حتى صارت في بعض بلاد المسلمين تباع علنا وتشرب بالأسواق كأنما يشربون الشراب الحلال الطيب وربما سموها بغير إسمها خداعاً وتزيناً في النفوس حتى وصل بهم الحد والاستهتار بأن سموها الشراب الروحي ألا قاتلهم الله أين المتعة للروح في شراب يسلبها عقلها ثم يعقب تلك السكرة هم وغم لا يزول إلا بالعودة للشرب مرة ثانية وثالثة حتى يقضي على العقل والجسم والروح فأين الشراب الروحي قاتلهم الله أن يؤفكون الخصلة الخامسة عشرة أن يلعن آخر هذه الأمة أولها يلعن آخر هذه الأمة أولها الذين هم الطريق لنا إلى دين الله وشرع الله فمن أين أتانا القرآن إلا من طريقهم ومن أين أتتنا سنة نبينا إلا من طريقهم إن خير هذه الأمة أولها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) هذه الخصلة التي قال فيها في هذا الحديث أن يلعن آخر هذه الأمة أولها أو قال ولعن آخر هذه الأمة أولها فاللعن إما أن يكون بلفظه فيقول اللهم العن كذا وكذا وقد وجد من هذه الأمة من يسب اللعنات على بعض السلف الصالح وإما أن يكون اللعن بمعناه بالقدح في السلف الصالح وذمهم وذم طريقتهم واعتقاد أنها طريق رجعية لا تصلح لهذا العصر ولا أدري لماذا لا تصلح طريق السلف لهذا العصر إن السلف هم الذين ملكوا مشارق الأرض ومغاربها هم الذين فتحوا ممالك كسرى وقيصر واستولت طريقتهم المهدية التي هدوا بها إلى الصراط المستقيم وهدوا بها عباد الله استولت على القلوب ففتحتها قبل أن تفتح البلدان والله لو رجعنا إلى ما كانوا عليه لدانت لنا الأمم حاضرها وباديها في كل مكان فنسأل الله تعالى أن يعيد لهذه الأمة مجدها وكرامتها وعزها ونصرها بدين الله ولدين الله أيها المسلمون إن هذه الخصال إذا حصلت هذه الخصال الخمس عشرة إذا حصلت فإننا مهددون بتلك العقوبة بريح عاصفة حمراء تحمل الرمال وتدمر المساكن وبزلزلة تصدع الأرض وتفسد العمران وبخسف تتغير به معالم الأرض وتزول به جبال عن أماكنها وبمسخ يمسخ به الإنسان قرداً وخنازير وبقذف بحجارة من السماء كما أرسل على قوم لوط وبآيات أخرى من العقوبات من حروب طاحنة وسيول جارفة وغير ذلك والله عز وجل يقول (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (لأنفال:25) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ) وتلى قوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102) اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم نسألك اللهم أن تجنبنا أسباب سخطك وعقابك وأن تهب لنا من لدنك رحمة وأن تغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الحمد لله أحمده وأشكره وأستعينه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد

أيها الناس اتقوا الله تعالى وأعلموا أن ربكم حكيم عليم له الحكمة فيما قدره وله الحكمة فيما شرعه وقد حد لنا جل وعلا حدوداً في شرائعنا وفرائضنا ونوافلنا وقال جل ذكره (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(البقرة: من الآية229) وإن مما حدده الله لنا في كتابه إجمالاً وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم تفصيلاً إن مما حدده لنا كذلك أوقات الصلوات الخمس قال الله عز وجل (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ )(الاسراء: من الآية78) أقم الصلاة لدلوك الشمس وهو زوالها إلى غسق الليل وهو منتصف الليل لأن الغسق شدة الظلمة وتنتهي شدة الظلمة بنصف الليل فهذا الوقت من زوال الشمس وبه ينتصف النهار إلى انتصاف الليل كله أوقات لصلوات أربع متوالية فالظهر إذا زالت الشمس إلى أن يصير ظل كل شئ مثله زائداً على الظل الذي زالت عليه الشمس من زوال الشمس إلى أن يصير ظل الشيء مثله زائداً عن الظل الذي زالت عليه الشمس ووقت العصر من ذلك الوقت إلى أن تصفر الشمس ويمتد وقت الضرورة إلى غروبها لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ) فإذا غربت الشمس دخل وقت المغرب إلى مغيب الشفق الأحمر ثم بعده يدخل وقت العشاء إلى منتصف الليل ومن منتصف الليل إلى طلوع الفجر ليس وقتاً للفريضة وإنما هو وقت لقيام الليل ثم يدخل وقت الفجر إذا تبين الفجر إلى أن تطلع الشمس ومن طلوع الشمس إلى زوالها ليس وقتاً للفريضة ولكنه وقت للنافلة أن يصلي الإنسان في الضحى ركعتين أو ما شاء الله هذه الأوقات التي أشار الله إليها في القرآن إجمالاً وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم تفصيلاً يجب علينا أن نتقيد بها فمن صلى قبل الوقت فصلاته باطلة لو كبر للإحرام قبل أن يدخل الوقت فإن صلاته باطلة ولو كان معظمها في الوقت وكذلك لا يجوز لأحد أن يؤخر الصلاة عن وقتها عمداً فإن أخرها عن وقتها عمداً فإنها لا تقبل منه ولو صلاها ألف مرة أما من أخرها لعذر كالنسيان والنوم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) ثم تلا قوله تعالى ( وأقم الصلاة لذكري ) وإذا كانت الصلاة موقته محدودة بحدود لا يجوز أن تتعداها لا سابقاً ولا لاحقاً فإن على المؤذنين أن يراعوا هذه الأوقات ولا يحل لهم أن يؤذنوا قبل دخول الوقت فإن فعلوا كان آذانهم باطلاً لأنه ليس على الوجه الذي أمر الله به ورسوله فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ) فقيد الأذان بحضور الصلاة ومن المعلوم أن الصلاة لا تحضر إلا إذا دخل وقتها وأريد فعلها وعلى هذا فإن من أذن قبل الوقت يكون قد أذن أذاناً ليس عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ثم إن في آذانهم قبل الوقت محظوراً عظيماً وذلك أن من سمعهم فإنه سوف يصلي إذا كان ممن يصلون في البيت كالنساء والمرضى وحينئذ يصلون قبل أن يدخل الوقت فيكون إثم صلاتهم قبل الوقت على هذا المؤذن الذي غرهم ولقد كان الناس في هذه الأيام كان منهم من يقدم الآذان قبل الوقت حتى إني سمعت أن بعض الناس في أطراف البلد يؤذنون لصلاة العصر في الساعة الثالثة إلا ثلثاً ومعنى ذلك أنهم أذنوا قبل الوقت بربع ساعة فما ظن هؤلاء إذا قام أحد بعد الأذان يتوضأ بنحو خمس دقائق أو أقل ثم صلى بنحو سبع دقائق أو عشر فمعنى ذلك أنه أتم صلاته قبل أن يدخل الوقت وكذلك في أذان الفجر ولهذا أرى أن المؤذنين يختارون التوقيت الزوالي لأن التوقيت الزوالي أضبط حيث إن الساعات لا تختلف فيه أما التوقيت الغروبي فإن الساعات تختلف وأكثر الناس يهملون ساعاتهم ولا يضبطونها والتوقيت الزوالي لا يمكن الإختلاف فيه بل إذا حصل عندك شك فراجع التلفون فإن التلفون يعطيك الساعة بالضبط اضرب تسعة ستة واحد وحينئذ يخبرك بالساعة تماماً حتى تضبط ساعتك عليها والتوقيت الآن كما تعرفون موجود بالتوقيت الغروبي والزوالي ولست بكلامي هذا أرغب التوقيت الزوالي أكثر من الغروبي ولكن أقول إن الإنسان لا ينبغي له أن ينكر الواقع إذا لم يكن الواقع مخالفاً لكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ....نهاية الشريط