خطبة الحث على شكر نعمة الله تعالى بالدين الإسلامي الشيخ محمد بن صالح العثيمين

الحث على شكر نعمة الله تعالى بالدين الإسلامي
السبت 1 جانفي 2000    الموافق لـ : 24 رمضان 1420
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله تعالى رحمة للعالمين وقدوة للعاملين وحجة على المبعوث إليهم أجمعين فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد

أيها الناس اتقوا الله تعالى اتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه على نور وبصيرة ترجون ثواب الله فيما فعلتم من أوامره وتخشون عقاب الله إن أنتم وقعتم فيما نهى عنه أيها المسلمون أذكروا نعمة الله عليكم بدين الإسلام الذي هداكم له وأضل عنه كثيراً من الناس إن نعمة الله بدين الإسلام لا يماثلها نعمة لا نعمة البدن ولا نعمة العقل ولا نعمة المال والترف لأن في نعمة الدين قوام الدين والدنيا يقول ربنا عز وجل (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97) أيها الناس إن البصير إذا نظر إلى حال العالم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وجدهم في حال مذرية ديانات باطلة سوى بقايا من أهل الكتاب مجتمعات متفككة قبائل متناحرة يعبدون الأوثان يعبدون اللآة والعزى ومناة ويستقسمون بالأذلام ويدفنون البنات وهم أحياء ويحكمون الكهان ويتخذون أرباباً من الأحبار والرهبان يتفاخرون بالأنساب يدعون بدعوى الجاهلية يشعلون الحروب لأدنى سبب يقطعون الطرق بالقتل والنهب والسلب يشربون الخمور يتعاملون بالربا والميسر يقولون قول الزور إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا نظر الله إليهم فمقتهم عربهم وعجمهم أي أبغضهم أشد البغض إلا بقايا من أهل الكتاب فلما اشتدت الحاجة وقامت الضرورة إلى نور الرسالة الإلهية بعث الله تعالى في خلقه خاتم النبيين محمداً رسول الله إلى الخلق أجمعين إلى الناس كافة عربهم وعجمهم فأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد أمرهم بعبادة الله وحده ونبذ الشرك كله وأوجب عليهم التحاكم إلى الله ورسوله وأمرهم بالتآلف والمحبة والإجتماع على الحق والإصلاح وأنزل عليه فيما أنزل (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طـه:123-126) يقول الله عز وجل (مَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) لا يضل في علمه ولا يشقى في عمله لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة وذكرهم الله عز وجل ذكر الله تعالى المؤمنين بنعمته عليهم بذلك في قوله (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران:164) فاللهم لك الحمد على هذه النعمة اللهم أجعلنا من المؤمنين بها الشاكرين لك عليها يا رب العالمين فاجتمع الناس على دينهم بعد الفرقة وتآلفوا بعد العداوة وتحابوا بعد البغضاء وفي ذلك يقول الله تعالى لنبيه ( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لأنفال:62-63) ويقول الله تعالى للمؤمنين آمراً إياهم أن يبقوا على هذه النعمة التي أنعم الله بها عليهم يقول عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران:102-103) أيها المسلمون على ضوء هذه الأوامر والإرشادات صارت الأمة الإسلامية ذاكرة لهذه النعمة ماشية على أمر الله محكمة لكتاب الله وسنة رسوله ولما كانت كذلك كانت أمة عظيمة واحدة أمة مهيبة بين الأمم وكان لها الحظ الأوفر من قول النبي صلى الله عليه وسلم ( نصرت بالرعب مسيرة شهر ) فكان أعداء المسلمين في ذلك الوقت في رعب تام من هذه الأمة العظيمة كانوا في رعب منها وذعر ملكت القلوب قبل البلاد واندكت بها عروش الجبابرة قبل الميعاد فلما نسي المسلمون هذه النعمة لما نسوها بالترك والإهمال والغفلة وتقهقر الكثير عن أمر الله وحكموا عقول البشر في عقائدهم وفي أحكامهم وتركوا الكتاب والسنة سلطت عليهم الأمم من كل جانب وتفرقوا شيعاً في الدين والمنهاج كل حزب بما لديهم فرحون وحينئذ دب فيهم الضعف ودب فيهم البلاء فطمع فيهم الطامعون فجاءت فتنة التتار وسقطت الخلافة الإسلامية فتمزقت الأمة واحتل جانب كبير من البلاد الإسلامية من قبل التتار ثم من قبل النصارى ثم من قبل اليهود ثم من قبل الشيوعيين وأدهى من ذلك أن سلطت الأمة الإسلامية بعضها على بعض وجعل بأسها بينها حتى صارت الأمة الإسلامية على كثرتها وسعت مساحتها غثاءاً كغثاء السيل عاجزة عن انتشال نفسها عما هي عليه وستبقى كذلك في هذا الذل والهوان والمهانة ستبقى في ذلك ستبقى على ذلك وكذلك ما دامت على وضعها لأن هذه سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير سنة الله في الذين خلوا من قبل ( وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)(الأحزاب: من الآية62)إنها سنة الله إنها سنة الله المنوطة بحكمته وسببها لا يمكن أن يتخلف المسبب عن سببه ولا المعلول عن علته إن الذي أناط العزة والكرامة بالتمسك بالإسلام إنه سوف يزيل هذه الكرامة والعزة إذا تخلف الناس عن الإسلام أيها المسلمون إن هذا التخلف إن هذا الذل والهوان إن هذا البلاء الذي حل بالأمة إن هذا البلاء الذي حل بالأمة الإسلامية لهو مقتضى سنة الله الكونية كما أنه مقتضى نصوص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (الأنعام:65) وإذا كان الله عز وجل هو القادر على ذلك فإنه متى وجدت أسبابه واقتضت حكمته تبارك وتعالى أن يحل بنا شيء من ذلك فإنه لابد أن يحل بنا نسأل الله العافية أيها المسلمون استمعوا إلى قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر:18-19) أي شئ أقرب إليك من نفسك أي شئ من المخلوقات أعز عليك من نفسك أي شئ من المخلوقات أهم إليك من نفسك ولكنك إذا نسيت الله فلم تقم بأوامره ولم تنته بنواهيه إنك إذا نسيت الله أنساك نفسك فأضعت دنياك وآخرتك وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ما نقض قوم عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إذا ظن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتركوا الجهاد واتبعوا أذناب البقر أدخل الله عليهم ذلاً لا ينزعه حتى يتوبوا ويرجعوا إلى دينهم ) إذا ظن الناس بالدينار والدرهم أي بخلوا بهما ولم يؤدوا ما أوجب الله عليهم فيهما سواء كان ذلك من الزكوات أو من النفقات الواجبة أو من الحقوق الواجب عليك أداؤها إذا ظننت بالدينار والدرهم فهذا هو البخل بها أما قوله وتبايعوا بالعينة فالتبايع بالعينة من التحايل على الربا وله صور منها أن يبيع الإنسان الشئ بثمن مؤجل ثم يشتريه نقداً بأقل مما باعه به وكذلك ما يستعمله الناس اليوم بل ما يستعمله غالب الناس اليوم من المداينة فإنها من العينة كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو رواية عن الإمام أحمد فهذا التبايع بالعينة الذي شاع بين المسلمين اليوم إن خطره عظيم لأنه وقوع في الربا المحرم ولكنه على سبيل التحايل والخداع والمكر على سبيل التحايل على من يكون هذا التحايل يكون على رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور إن المتحايلين على محارم الله مخادعون لله وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون أيها المسلم إن المال عارية عندك وإنك أنت عارية في هذه الدنيا سوف يذهب المال عنك أو تذهب أنت عن المال لا تبع دينك بدنياك لا تخسر دينك ودنياك إن الإنسان إذا فضل حطام الدنيا على ما يبقى في الآخرة فإنه يحرم هذا وذاك فاتق الله أيها المؤمن تبايع بالبيع الموافق لشريعة الله مبتعداً عن الربا وعن التحايل على الربا واتق الله في نفسك واتق الله في أولادك لا تخلف لهم مالاً ربوياً مبنياً على ما حرم الله عليك أيها المسلمون إن هذه النصوص من الكتاب والسنة وإن سنة الله في الأولين من الأمم لتدل على أن هذه الأمة ستبقى على ما هي عليه من الذل والهوان والتفرق وتسلط الأعداء حتى ترجع إلى دينها رجوعاً حقيقياً عن إيمان واقتناع يصدقه الفعل والواقع أيها المسلمون إن الرجوع إلى دين الله ليس بالتمني ولا بالتحلي إن كل إنسان يمكنه أن يتمنى وكل إنسان يمكنه أن يتحلى ولكن الرجوع حقيقة أن يكون ناتجاً عن عقيدة صحيحة عقيدة سليمة عقيدة يعبد الإنسان بها ربه بقلبه قبل أن يعبده بجوارحه أيها المسلمون إن الأمة الإسلامية لا يمكن والله أعلم أن تنتصر وهي أحزاب شتى ليست تحت حزب واحد وهو حزب الله إن الأمة الإسلامية لا يمكن أن تنتصر والحكم بين الناس في كثير من دولها الحكم بين الناس بغير ما أنزل الله إن الأمة الإسلامية لا يمكن أن تنتصر والكثير من شعوبها منهمك في طلب الدنيا معرض عن طلب الآخرة إن الأمة الإسلامية لا يمكن أن تنتصر والصالح من شعوبها في الغالب لا يسعى في إصلاح غيره إن الأمة الإسلامية لا يمكن أن تنتصر وهي بهذا الوضع أو أوضع فذلك بعيد حسب تصورنا ومفهومنا من دلالة النصوص والواقع وأسأل الله تعالى أن يهيئ للامة الإسلامية من أمرها رشدا أيها المسلمون من أجل هذه الحقيقة المؤلمة من أجل هذا الوضع المخيف فكر بعض قادة المسلمين في عقد المؤتمرات الكبرى على مستوى القيادات العليا في الدول الإسلامية لمحاولة إزالة الخلافات وتقريب الأمة الإسلامية بعضها من بعض لعل الله تعالى يعيد لهم بعض ما فقدوه من مجد وعزة وأسأل الله أن تكون نية هؤلاء العاقدين للمؤتمرات نية صالحة يقصدون بها إقامة دين الله وحلول شريعة الله في عباد الله عقدت مؤتمرات متعددة وها هو المؤتمر الخامس الذي سيعقد إن شاء الله تعالى في هذا الأسبوع في إحدى عواصم الدول الإسلامية إنه يرجى لهم التوفيق وإن مهمتنا نحن الشعوب أن نسأل الله لهم الثبات على دين الحق وأن يجعل غايتهم غاية شريفة لا يقصد بها المحافظة على مناصب الحكم وإنما يقصد بها إقامة شرع الله وحلول دين الله بين عباد الله وبهذه النية السليمة وبالعزم الجاد وبالعمل المثمر الدؤوب الذي يقصد بها وجه الله وكذلك الشعوب اتجاهها اتجاهها اتجاهاً سليماً بالإتجاه السليم وتنفيذ دين الله ما استطاعوا فإذا توافق القائد ومن تبعه وتوافق الرئيس والمرؤوس على نية صالحة وعزم أكيد وعمل في دين الله تعالى دؤوب لا يخشون لومة لائم لا يخشون إلا الله فإن النصر سوف يكتب لنا بعزة الله وقدرته اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تبرم لهذه الأمة الإسلامية أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر وتقام فيه راية الإسلام عالية خفاقة في كل مكان اللهم إنا نسألك أن تصلح للمسلمين ولاة أمورهم اللهم من كان من ولاة أمور المسلمين غير مؤمن بك ولا قائم بشرعك ولا مصلح لخلقك على وفق دينك اللهم فأبعده عن المسلمين وأبدلهم بخير منه يا رب العالمين أو اهده إلى الإسلام فإنك على كل شئ قدير اللهم من كان من ولاة أمور المسلمين مؤمناً بك قائماً بشرعك حريصاً على مرضاتك ناصحاً لعبادك فثبته على ذلك وأيده وادحر من ناوئه وعانده يا رب العالمين اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تهئ لولاة أمورنا بطانة صالحة تدلهم على الخير وتحثهم عليه وتزينه في قلوبهم اللهم أبعد عن ولاة أمورنا كل بطانة سوء اللهم أبعد عن ولاة أمورنا كل بطانة سوء اللهم أبعد عن ولاة أمورنا كل بطانة سوء اللهم ألقي في قلوب ولاة أمورنا البغض لكل بطانة سيئة لا تدلهم على الخير ولا تحثهم عليه يا رب العالمين اللهم إنك على كل شئ قدير اللهم فتقبل دعائنا اللهم تقبل دعائنا اللهم تقبل دعائنا يا رب العالمين اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الحمد في الآخرة والأولى وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اهتدى وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد

أيها الناس اتقوا الله تعالى عباد الله اعلموا أن الله عز وجل له الحكمة فيما أعطى وله الحكمة فيما منع وله الحكمة فيما أخذ وله الحكمة فيما أبقى فهو العزيز الحكيم العزيز في ملكه الحكيم في تدبيره سبحانه وبحمده أيها الناس إن ما أصاب الناس هذا العام من القحط والجدب إنه لمصيبة إنه يخشى من عواقبها وإن من أصيبوا بالقحط والجدب في البلاد المجاورة أو البعيدة إنه لأمر لا يغيب عن بال الناس اليوم وهم يشاهدون عواقبه ونتائجه وإنه لا غنى للخلق عن الله عز وجل طرفة عين وما أصابهم من مصيبة فإنه بما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير والله ما أصبنا بمصيبة في النفس وما أصبنا بمصيبة في الأهل وما أصبنا بمصيبة في المال وما أصبنا بمصيبة في الأوطان وما أصبنا بمصيبة في الأمان والله ما أصبنا بمصيبة في ذلك إلا بما كسبت أيدينا وإننا لنؤمن بأن الله عز وجل لو يؤاخذ الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى على حسب ما تقتضيه حكمته ورحمته وحلمه أيها المسلمون استسقى الناس في هذا العام مرتين يخرجون إلى مصلى العيد يستسقون ربهم عز وجل واستسقى الناس أكثر من مرتين على منابر الجمعة ومع ذلك فإن الله تعالى بحكمته منع القطر لعل الناس يرجعون إلى ربهم رجوعاً حقيقياً باستغفاره من ذنوبهم بأداء ما قصروا به من حقوق ربهم وأداء ما يجب عليهم من حقوق عباد الله ففكروا في أنفسكم يا عباد الله فكروا في المظالم هل أنتم مستمرون على الظلم في حق الله وفي حق عباد الله إن كنتم كذلك فاخرجوا من المظالم اخرجوا من المظالم قوموا بالعدل قوموا بالقسط أنصفوا من أنفسكم إن لربكم عليكم حقا وإن لأهلكم عليكم حقا وإن لمن عاملكم عليكم حقا فأدوا لكل ذي حق حقه فإنكم إذا قمتم بذلك مؤمنين بالله متقين لعذاب الله فاستمعوا إلى جزائكم من الله (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ )(لأعراف: من الآية96) اللهم إنا نستغفرك من ذنوبنا ونسألك أن تعيننا على الخروج من مظالمنا ونسألك اللهم أن تعيننا على القيام بما أوجبت علينا من حقك وحق عبادك يا رب العالمين اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار اللهم إنا عبادك أتينا إلى هذا المكان لأداء فريضة من فرائضك نبتغي فضلك ونخشى عقابك اللهم فحقق لنا ما نرجوه من فضلك وأمنا مما نخافه من عذابك اللهم أنت الغني ونحن الفقراء أنت القوي ونحن الضعفاء أنت الغفور ونحن المسيئون نسألك اللهم أن تغفر سيئاتنا اللهم أغفر سيئاتنا وارفع درجاتنا ووفقنا لما تحب وترضى يا رب العالمين عباد الله أكثروا من الاستغفار فإن من أكثر بالاستغفار باللسان والقلب والجوارح فإن الله تعالى يقول في كتابه (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ )(هود: من الآية3) فإذا استغفر الناس ربهم وتابوا إليه توبة حقيقة فإن الله يمتعهم متاعاً حسناً متاعاً حسناً في الدنيا والآخرة ويؤتي كل ذي فضل فضله حتى يكون الناس على العدل فيما بينهم وفي حقوق الله عز وجل عباد الله إني أقولها بحق فكروا في أنفسكم ما هذا التقصير الذي منع الله به القطر عنكم انظروا ما قصرتم به هل أنتم مقصرون في الصلاة هل أنتم مقصرون في الزكاة هل أنتم مقصرون في الصيام الواجب عليكم هل أنتم مقصرون في الحج الواجب عليكم هل أنتم مقصرون في حقوق العباد هل عندكم حقوق للناس حالة تستطيعون وفاءها فلم تقوموا بها هل أنتم تتحيلون على أخذ مال الدولة بالكذب والخيانة واستعارة الأسماء الكاذبة هل أنتم تغشون في بيعكم وشراءكم هل أنتم تغشون في إجارتكم هل أنتم لا تقومون بتربية أولادكم من بنين وبنات هل أنتم مقصرون هل أنتم مفرطون هل أنتم مفرطون متجاوزون لحدود الله فكروا في هذه الأمور وغيرها مما لا يحصى مما كلفتم به وهو يسير عليكم إذا يسره الله أما أن نبقى هكذا والجرح تحته العفن وظاهره أنه برئ سليم فإن هذا لا ينبغي أبداً إن الجروح لا تبرأ إلا بشقها واستخراج العفن منها علينا أن نفكر حقاً وبجدية تامة ماذا نحن قصرنا فيه من واجبات وماذا نحن وقعنا فيه من محرمات حتى نستقيم على دين الله وإذا استقمنا على دين الله