خطبة حر الصيف والتذكير بنار جهنم الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

حر الصيف والتذكير بنار جهنم
الجمعة 19 جمادة الأولى 1427 هـ   الموافق لـ : 16 جوان 2006 م
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

حرّ الصيف والتذكير بنار جهنم

خطبة جمعة بتاريخ / 20-5-1427 هـ

 

الحمد لله عاقَب بين الليالي والأيام ، ونوّع سبحانه وتعالى بين الشهور والفصول والأعوام ، أحمده تبارك وتعالى على نعمائه، وأشكره سبحانه على منّه وفضله وعطائه , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

معاشر المؤمنين عباد الله : اتقوا الله تعالى ، فإن من اتقى الله وقاه ، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه .

عباد الله : إن الله تبارك وتعالى خلق الناس وأوجدهم في هذه الحياة الدنيا وجعلها لهم ميداناً للابتلاء والامتحان، وداراً للعمل والطاعة والتقرب إلى الله جلّ وعلا ، وجعل سبحانه هذه الدر داراً فانيةً زائلة ، وجعل الناس منتقلون منها إلى دار القرار ، وفي دار القرار أعدّ الله تبارك وتعالى ثوابه وجنته لمن أطاعه ، ونارَه وعقابه لمن عصاه ؛ فالكَيِّسُ من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أَتبعَ نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.

عباد الله : إن الدار الآخرة هي دار الحساب ؛ فيها جنة ونار ، فيها نعيم وعذاب ، النعيم أعده الله لأهل الطاعة ، والعذاب أعده سبحانه لأهل الإضاعة ، ومن نعمته سبحانه وحكمته أن جعل في هذه الدار - الدارِ الدنيا- علاماتٍ على ما أعده في الدار الآخرة ؛ فالإنسانُ في هذه الحياة الدنيا يمر بأفراحٍ وآلام ، ويمر بمنحٍ ومحن ، ويمر بعطايا ومصائب ، فما يمر به من نعمة يذكّر بنعيم الآخرة ، وما يمر به بألمٍ يذكِّر بألم الآخرة ، ولهذا - عباد الله- تنوعت البراهين في هذه الدار الدالةِ للمتفكر والمتأمل بما أعده الله تبارك وتعالى يوم القيامة ؛ وبما أننا - عباد الله - نعيش في هذه الأيام أوائلَ أيام الصيف ، فهذه وقفة - عباد الله - نتذكر فيها أمراً عظيما ومقاماً شديدا يذكِّر به هذا الصيف ؛ إذ هو علامةٌ واضحة وبرهانٌ صادق على ما أعده الله تبارك وتعالى يوم القيامة ، وهو من جملة العلامات والدلالات ؛ الصيفُ - عباد الله - ولاسيما إذا اشتد حرُّه يذكِّر بنار جهنم يوم القيامة ، وقد جاء في الحديث الصحيح المخرج في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ)) .

فالصيف - عباد الله - واشتداد حرارته يذكِّر بنار جهنم يوم القيامة , وكلنا - عباد الله - يتقي حرارة الصيف بالأجواء الباردة , والظل الوفير ، وبالذهاب للمناطق الباردة خوفاً من شدة حرارته ، ولهذا قال بعض السلف: "عجبا لمن اتقى حر الصيف في الدنيا ، كيف لا يتقي باجتناب الذنوب حر جهنم يوم القيامة " .

عباد الله : ومما يذكِّر بالنار شدةُ الظهيرة ولاسيما في فصل الصيف ، وقد جاء في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ)) , فهذا عباد الله مُؤَشِّرٌ وتذكرة للمتقين ، وقد كان بعض السلف رحمهم الله إذا انصرف من الصلاة يوم الجمعة في شدة الحر تذكر انصراف الناس يوم القيامة ؛ انصرافهم إما إلى الجنة وإما إلى النار , فإن الناس عباد الله يوم القيامة - ويوم القيامة يكون يوم جمعة ؛ فإن القيامة تقوم يوم الجمعة - ولا يأتي منتصف ذلك النهار إلا وقد أقال أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار , قاله ابن مسعود رضي الله عنه وتلا قول الله تبارك وتعالى: ﴿أَصْحَابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً﴾ [الفرقان:٢٤] .

عباد الله : ومما يذكِّر بنار يوم القيامة الشمس التي جعل الله في هذه الحياة ؛ فهذه الشمس شأنها كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ﴾ [النبأ:١٣] سراجا : أي مضيئة ، وهاجّا : أي حارة . فحرارة الشمس عباد الله تذكر بحر النار يوم القيامة ، بل إنها - عباد الله - تذكِّر الناس شأنها عندما تدنو من الخلائق يوم القيامة ، يوم يقفون على أرضٍ عفراء مستوية لا ظلَّ فيها ولا مأوى ولا مسكن إلا من يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .

ومما يذكِّر بالنار عباد الله : ما يكون في هذه الحياة من الحوادث غير المعتادة ؛ كالصواعق المهلِكة ، والرياح المهلكة، والرياح المحرقة ، والبراكين الملتهبة ، فإن هذه الأمور تذكّر بنار يوم القيامة ، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ ﴾ [الرعد:١٣] , وقال الله تعالى: ﴿ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ﴾ [البقرة:٢٦٦] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

ومما يذكِّر بنار القيامة - عباد الله : ما يصيب بني آدم في هذه الحياة، وقد جاء في سنن ابن ماجة بسند ثابت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الْحُمَّى كِيرٌ مِنْ كِيرِ جَهَنَّمَ فَنَحُّوهَا عَنْكُمْ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ )) , وورد في بعض ألفاظ الحديث ((وَهِيَ حَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنَ النَّارِ )) , ولهذا ينبغي على عبدِ الله المؤمن إذا أصابته الحمى أن يحتسب ذلك كفّارةً عند الله عز وجل وتطهيراً وتمحيصا .

ومما يذكِّر بنار يوم القيامة : هذه النار التي عندنا في الدنيا ، وقد قال الله عز وجل : ﴿ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ﴾ [الواقعة:٧٣] أي تذكرةً للناس بالنار التي أعدّها الله يوم القيامة ، وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ)) , أعاذنا الله وإياكم ، ووقانا ووقاكم .

عباد الله : عجباً ، ثم عجباً ، ثم عجبا ؛ ندري بنارٍ وجنّةٍ وليس لذي نشتاق  أو تلك نحذر !! نسأل الله عز وجل أن يوقظ قلوبنا ، وأن يصلح نفوسنا ، وأن يجعلنا من عباده المعتبرين المتبصرين ، وأن يفقِّهنا في دينه وأن يرزقنا البصيرةَ بشرعِه وأن يأخذ بنواصينا إلى كل خير . أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على جوده وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه ، أما بعد:

عبادَ الله : اتقوا الله تعالى ، وراقبوه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعه ويراه .

عباد الله : لو تفكّرنا جيدا وتأمّلنا مليا لوجدنا أن أجسامنا هذه الضعيفة لا تحتمل نار يوم القيامة , أجسامنا     -عباد الله- لا تحتمل نار يوم القيامة ، ونار يوم القيامة لابد أن يجعل العبد بينه وبينها وقاية كما قال الله عز وجل : ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم:٦] ، ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء:١٢٣] , تفكّر أحد السلف في هذا الأمر الجلل فقال كلمة عظيمة ، قال: " إنا نظرنا في هذا الأمر فوجدنا أن صبْرنا على طاعة الله في الدنيا أهون من صبرنا على ناره يوم القيامة " .

عباد الله : إنك عندما تتأمل في واقع كثيرٍ منا ؛ تجد الواحد منا يتجنب أنواعاً من الأطعمة المباحة ، وإذا سألته عن ذلك قال : أتجنبها خشيةَ الداء . فيا من تتجنب لذيذ الطعام خشية الداء ، ما بالك لا تتجنب المعاصي خشية ومخافة نار الله يوم القيامة ؟! .

عباد الله : نسأل الله جلّ وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجيرنا من النار ، اللهم أجرنا من النار ، اللهم أجرنا من النار ، اللهم أجرنا من النار ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار , تعوذوا عباد الله من النار ، تعوذوا بالله من النار ، وأعِدوا لذلك اليوم عدته ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم:٧١–٧٢] ، نعوذ بالله من النار ، نعوذ بالله من النار ، نعوذ بالله من النار, اللهم أجرنا من النار ، اللهم أجرنا من النار ، اللهم أجرنا من النار.

عباد الله : وصلوا وسلموا - رعاكم الله - على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي .

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين , اللهم وآمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفق ولي أمرنا لهداك ، واجعل عمله في رضاك . اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك اللهم من النار وما قرّب إليها من قول أو عمل . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى أله وصحبه أجمعين .