خطبة الأمانة في الإمتحان الشيخ محمد بن صالح العثيمين

الأمانة في الإمتحان
السبت 24 رمضان 1420 هـ   الموافق لـ : 1 جانفي 2000 م
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

الحمد لله أحمده وأشكره وأتوب إليه سبحانه وأستغفره قضي بالحق وأمر بالعدل وهو السميع البصير وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي قام بعبادة ربه ونصح أمته وبلغ البلاغ المبين فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ..

أما بعد

فيا أيها المسلمون إنكم تقرأون قول الله عز وجل )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء:58) تقرأونها فهل أنتم تتدبرونها؟ هل أنتم تعرفون ما تشتمل عليه من معانٍ سامية ومسؤوليةٍ عظيمة؟ هل أنتم تقومون بمقتضى هذه المعاني وهذه المسؤولية؟ إنكم تقرأون قول الله عز وجل )إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب:72) سبحان الله ما أظلم الإنسان وما أجهله تعرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال فيمتعن عن حملهن أرأيتم لو أنكم أمام جبلٍ عظيم تتصورون كيف يمتنع هذا الجبل وهو واحدٌ من ملائيين الجبال كيف يمتنع هو وأمثاله من الجبال بل السماوات والأرض كلها تمتنع أن تتحمل الأمانة ثم يأتي هذا الإنسان الضعيف الظلوم الجهول فيتحملها نعم إن الإنسان يتحملها لأن الله تعالى وهبه أمرين وهبه عقلاً ووهبه إرادةً وتصرفاً فله عقلٌ يتحكم به على حسب ما يريد ويتصرف وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أم تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين وقال الله عز وجل )فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ )(الروم: من الآية30) أيها المؤمنون بهذا الكتاب المنزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم إنكم بلا شك تؤمنون بأن هذا الكتاب كلام الله عز وجل أنزله على نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم بلسانكم العربي لتعقلوه وتفهموه ويكون حجةً لكم أو عليكم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (القرآن حجةٌ لك أو عليك) فإن عملت به وقمت بما أوجب الله له من تصديق الأخبار وتنفيز الأحكام كان حجةً لك وإن أنت أعرضت عنه واستكبرت عن القيام بما فيه من أحكام وكذبت ما فيه من أخبار فإن النار مثوىً لك أيها المؤمن إن الأمانة مسؤوليةٌ عظيمة وإنها عبءٌ ثقيلٌ لكنها خفيفة ويسيره على من يسرها الله عليه إن الأمانة التزام الإنسان بالقيام بحق الله وحق عباده من غير تقصيرٍ ولا غلو فكما أن الإنسان يحب أن يقوم غيره بحقوقه فإنه كذلك يجب أن يقوم بحق الغير كما يحب أن يقوم الغير بحقوقه أيها المسلمون إن الله أمرنا أن نودي الأمانات إلى أهلها وأمرنا إذا حكمنا بين الناس أن نحكم بالعدل هذان أمران لا تقوم الأمانة إلا بهما أداء الأمانات إلى أهلها والحكم بين الناس بالعدل وإننا الآن على أبواب اختبار الطلبة من ذكورٍ وإناث وإن الاختبارات أمانةٌ وحكم فهي أمانةٌ حين وضع الأسئلة وأمانةٌ حين المراقبة وحكمٌ حين التصحيح أمانةٌ حين وضع الأسئلة فيجب على واضع الأسئلة مراعاتها بحيث تكون على مستوى الطلبة المستوى الذي يبين به مدى تحصيل الطالب في عام دراسته بحيث لا تكون سهلةً لا تكشف عن تحصيل ولا صعبةً تؤدي إلى التعجيز والاختبارات أمانةٌ حين المراقبة فعلى المراقب أن يراعي تلك الأمانة التي ائتمنته عليها إدارة المدرسة ومن ورائها وزارةٌ أو رئاسة وفوق ذلك دولة بل ائتمنه عليها المجتمع كله فعلى المراقب أن يكون مستعيناً بالله يقظاً في رقابته مستعملاً حواسه السمعية والبصرية والفكرية يسمع وينظر ويستنجد من الملامح والإشارات على المراقب أن يكون قوياً لا تأخذه في الله لومة لائم يمنع أي طالبٍ من الغش أو محاولة الغش لأن تمكين الطالب من الغش خيانة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من غش فليس منا) إن تمكين الطالب من الغش ظلمٌ لزملائه الحريصين على العلم المجدين في طلبه الذين يرون لعلو همتهم يرون من العيب أن ينالوا درجة النجاح بالطرق الملتوية إن المراقب إذا مكّن أحداً من هؤلاء المهملين الفاشلين في دراستهم إذا مكنهم من الغش فأخذ هذا الطالب الغاش درجة نجاحٍ يتقدمون بها على الحريصين المجدين كان ذلك ظلماً لهم وكان ذلك ظلماً للطالب الغاش أيضاً فإن الطالب الغاش إذا نجح من أجل غشه فهو في الحقيقة مغشوش حيث أنخدع بدرجة نجاحٍ وهمية لم يحصل بها على ثقافةٍ ولا علم ليس له من ثقافته ولا من علمه سوى بطاقةٍ يحمل بها شهادة زيفٍ لا حقيقة وإذا بحثت معه في أدنى مسألةٍ مما تتنبأ عن هذه البطاقة لم تحصل منه على علم إن تمكين الطالب من الغش خيانةٌ لإدارة المدرسة وللوزارة أو الرئاسة التي من ورائها وخيانةٌ للدولة وخيانةٌ للمجتمع كله وإن تمكين الطالب من الغش أو تلقينه جواب بتصريحٍ أو تلميح ظلمٌ للمجتمع وهدمٌ لحقه حيث تكون ثقافة المجتمع ثقافةً مهلهلة يظهر فشلها عند دخول ميادين السباق ويبقى مجتمعنا دائماً في تأخر وفي حاجةٍ إلى الغير ذلك لأن كل من نجح عن طريق الغش لا يمكن إذا رجع الأمر إلى اختياره أن يدخل مجال التعليم والتثقيف لعلمه أنه فاشلٌ فيه وحينئذ نبقى في جهلٍ دائمٍ مستمر إن تمكين الطالب من الغش كما يكون خيانةً وظلماً من الناحية العلمية والتقديرية يكون كذلك خيانةً وظلماً من الناحية التربوية لأن الطالب بممارسته الغش يكون مستسيقاً له ويهون الغش في نفسه فيتربى عليه ويربي عليه أجيال المستقبل ومن سنّ في الإسلام سنةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة أيها الأخوة هل تظنون أن طالباً نجح بالغش إذا قدر يكون مراقباً في المستقبل هل تظنون أنه يمكن الطلبة من الغش أو أنه يحرص عليهم حتى لا يغشوا؟ إن الجواب هو بالأول وليس بالثاني إلا أن يمن الله عليه بتوبةٍ نصوح إن على المراقب أن لا يراعي شريفاً لشرفه ولا قريباً لقرابته ولا غنياً لماله إن على المراقب أن يراقب الله عز وجل الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور عليه أن يؤدي الأمانة كما تحملها لأنه مسؤولٌ عنها يوم القيامة ولربما قال قائلٌ من المراقبين الناصحين إذا أديت واجب المراقبة إلى جنب من يضيع ذلك فقد أرى بعض المضايقات فجوابنا على ذلك أن نقول له أتق الله تعالى فيما وليت عليه وأقرأ قول الله تعالى ) وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)(الطلاق: من الآية2) ) وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)(الطلاق: من الآية4) فأصبر إن العاقبة للمتقين وتأمل ما جرى للرسل صلى الله عليهم وسلم ولأتباعهم من أئمة المسلمين وعلماء المسلمين ماذا جرى عليهم من المضايقات في تطبيق شريعة الله وتبليغها إلى عباد الله فهل هم رأوا الأرض مفروشةً لهم بالورود أم أنهم رأوا الصعوبات والمضايقات؟ ولكن كانت العاقبة لهم ولله الحمد فأصبر يا أخي المراقب الناصح اصبر واحتسب الأجر وأنت إذا نصحت وقمت بما يجب عليك فقد تكون قدوةً حسنة وإماماً لغيرك يقتضي بك المؤمن يقتضي بك الخائن الذي لا يبالي في مراقبته إن على المراقب أن يخشى الله فيمن يراقبهم فلا يجوز له أن يؤدي الواجب أو يشدد فيما هو أعلى من الواجب على شخصٍ بينه وبينه عداوة أو بينه وبين أبيه عداوة ثم يهمل في الأشخاص الآخرين فإن هذا من الظلم وهو خلاف العدل فأتق الله أيها المراقب في نفسك وأتق الله في من تراقبهم أيها المسلمون إن الاختبارات حكمٌ حين التصحيح فإن المعلم الذي يقدر درجات أجوبة الطلبة ويقدر درجات سلوكهم هو حاكمٌ بينهم لأن أجوبتهم بين يديه بمنزلة حجج الخصوم بين يدي القاضي فإذا أعطى طالباً درجاتٍ أكثر مما يستحق فمعناه أنه حكم له بالفضل على غيره مع قصوره وهذا جورٌ في الحكم وإذا كان لا يرضى على أن يقدم على ولده من هو دونه فكيف يرضى لنفسه أن يقدم على أولاد الناس من هو دونهم إن من الأساتذة من لا يتق الله تعالى في تقدير درجات الطلبة فيعطي أحدهم ما لا يستحق إما لأنه ابن صديقه أو قريبه أو ابن شخص ذي شرفٍ أو مالٍ أو رئاسةٍ أو وزارة ويمنع بعض الطلبة ما يستحق إما لعداوةٍ شخصيةٍ بينه وبين الطالب أو بينه وبين أبيه أو غير ذلك من الأسباب وكل هذا خلاف العدل الذي أمر الله به ورسوله فإقامة العدل واجبةٌ بكل حال على من تحب ومن لا تحب فمن أستحق شيئاً أيها المسلمون من أستحق شيئاً وجب إعطاءه إياه ومن لا يستحق شيئاً وجب حرمانه منه أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة إلى اليهود في خيبر ليخرس عليهم الثمار والزوع ويضمنهم ما للمسلمين منها فأراد اليهود أن يعطوه رشوة فقال رضي الله عنه منكراً عليهم تطعموني السحت والله قد جئتكم من عند أحب الناس إلي يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير ولا يحملني بغضي لكم وحبي إياه أن لا أعدل عليكم فقالوا بهذا قامت السماوات والأرض ، عباد الله تأملوا رحمكم الله هذا الكلام من عبد الله بن رواحة رضي الله عنه كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من محبة أي إنسان بل يحبه أعظم من محبته لنفسه ويبغض اليهود أشد من بغض القردة والخنازير حبٌ بالغٌ للنبي صلى الله عليه وسلم وبغضٌ شديدٌ لليهود يصرح بذلك رضي الله عنه لهم ولا يبالي بهم ثم يقول لهم لا يحملني بغضي لكم وحبي إياه أن لا أعدل عليكم رضي الله عن عبد الله بن رواحة ورضي الله عن جميع الصحابة ورضي الله عن التابعين لهم بإحسان رضي الله عن أهل العدل الذين يقيمون العدل في أنفسهم وأهليهم ومن ولاهم الله عليه إن العدل أيها الأخوة لا يجوز أن يضيع بين عاطفة  الحب وعاصفة البغض يقول الله عز وجل )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)(النساء: من الآية135) ويقول تعالى )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة:8) ويقول تعالى ) وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(الحجرات: من الآية9) ويقول تعالى )وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) (الجـن:15) فهناك فرق بين المقسطين وبين القاسطين القاسطون هم الجائرون وهم من حطب جهنم والمقسطون هم العادلون وهم من أحباب الله وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن المقسطين عند الله على منابر من نورٍ عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أهل الجنة ثلاثة ذو سلطانٍ مقسطٌ متصدقٌ موفقٌ ورجلٌ رحيمٌ رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم وعفيفٌ متعففٌ ذو عيال) رواهما مسلم اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أهل الجنة اللهم اجعلنا من أهل الجنة اللهم اجعلنا من أهل الجنة يا أكرم الأكرمين يا حي يا قيوم يا منان ويا بديع السماوات والأرض نسألك اللهم بكل أسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تجعلنا من أهل الجنة اللهم اجعلنا من أهل الجنة اللهم اجعلنا من أهل الجنة أصحاب النعيم المقيم الذين يتنعمون بما أنعمت عليهم فيها ويتنعمون بالنظر إلى وجهك الكريم يا رب العالمين فاتقوا الله عباد الله وكونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ولا يحملنكم بغض أحدٍ على أن لا تعدلوا فالعدل أقرب للتقوى اللهم إنا نسألك أن توفقنا لأداء الأمانة والحكم بالعدل والاستقامة اللهم ثبتنا على الهدى وجنبنا أسباب الهلاك والردى إنك جوادٌ كريم اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..

الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم المحشر وسلم تسليماً كثيراً .

أما بعد

أيها الناس فإننا نكرر التذكير في أيام الإمتحانات بمثل هذه الخطبة التي سمعتموها نكرر ذلك من باب التذكير وإلا فإننا نرجو أن يكون إخواننا المدرسون وأن يكون إخواننا المراقبون على أتم المسؤولية والتحمل لها وأنهم يراقبون الله عز وجل قبل أن يراقبوا عباد الله لأن من راقب الله عز وجل وأتقاه إتقاه الناس ومن خاف الله خافه الناس أما من راعى شعور الناس ولم يبالي بما يرضي الله عز وجل فإن الله يسخط عليه ويسخط عليه  الناس فأتقوا الله أيها المسلمون وراقبوا الله عز وجل قبل كل شيء ولا يهمنكم أحد إذا كان ما بينكم وبين الله تعالى سليماً مقبولاً مرضياً عند الله عز وجل فإن الذي سوف يحاسبكم وسوف ترجعون إليه وسوف تقفون بين يديه فرادى كما خلقكم أول مرة هو الله عز وجل وإن أشفق الناس عليكم وأحب الناس إليكم هو الذي ينصرف عنكم بعد دفنكم وإنفرادكم في قبوركم إن أشفق الناس عليكم هو الذي يحملكم إلى مواضع تدفنون فيها ثم ينصرف عنكم ويدعكم تنفردون بأعمالكم لا يبقى مع الإنسان إلا عمله الصالح كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ( إذا مات العبد إتبعه ثلاثة يتبعه ماله وأهله وعمله فيرجع إثنان ويبقى واحد يرجع ماله وأهله ويبقى عمله ) هو جليسه في قبره وهو أنيسه فيه حين ينفرد بعمله فراعوا أيها الأخوة راعوا هذا الصاحب الملازم ولا يهمنكم أحدٌ إذا أرضيتم الله ورسوله فإن الله ورسوله أحق أن ترضوه إن كنتم مؤمنين أيها المسلمون لقد نبهنا قبل ذلك أنه لا ينفع أن يصوم الإنسان ستة أيامٍ من شوال وعليه قضاءٌ من رمضان نبهنا على ذلك لأن بعض الناس يظنون أنه يجوز تقديم صيام الأيام الستة قبل قضاء رمضان وغفلوا عن معنى الحديث فإن معنى الحديث واضحٌ جداً أن هذه الأيام لا تصام إلا إذا أستكمل الإنسان صيام رمضان إستمعوا إلى الحديث وتدبروه قال النبي صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان ثم أتبعه بستٍ من شوال كان كصيام الدهر) فتأملوا قوله من صام رمضان فإن من كان عليه قضاء لا يصدق عليه أنه صام رمضان بل يصدق عليه أنه صام بعض رمضان وكلام النبي صلى الله عليه وسلم محكم لأنه صادرٌ من أعلم الناس بما يقول وأنصحهم لعباد الله وأفصحهم بياناً وبلاغة فلا إشكال في الحديث أبداً إن بعض الناس أشتبه عليه الأمر حيث ثبت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان فيقول إن أم المؤمنين عائشة لا يمكن أن تدع صيام ستة أيامٍ من شوال مع أنها لا تقضي ما عليها إلا في شعبان فنقول له ما الذي أدراك أن عائشة كانت تصوم ستة أيامٍ من شوال؟ هات الدليل على ذلك وإلا فإن الاحتمال ليس بدليل بل إن العلماء يقولون إن الاستدلال إذا تطرق إليه الاحتمال فسد الاستدلال به ثم نقول إن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أفقه وأعلم من أن تدع الواجب عليها وتصوم التطوع فإن هذا كما أنه مخالفٌ لظاهر الشرع فهو مخالف للعقل والحزم أيضا كيف يدع الإنسان الواجب عليه ثم يذهب يتطوع بالشيء الذي من جنسه هذا خلاف المعقول وخلاف ظاهر المنقول ولذلك فإننا نقول مرةً أخرى في هذا المقام إن صيام ستة أيامٍ من شوالٍ قبل قضاء رمضان لا يحصل به الأجر الذي رتب النبي صلى الله عليه وسلم على صيامها عباد الله تفقهوا في دين الله لتعبدوا الله تعالى على بصيرة فإنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون لا يستوي الذين يعبدون الله على علم من الذين يعبدون الله على غير علم يعبدون الله على مجرد تقليدٍ قد يكون صواباً وقد يكون خاطئاً اللهم إنا نسألك أن تعلمنا ما ينفعنا اللهم علمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا وزدنا علماً يا رب العالمين اللهم اجعل ما علمناه حجةً لنا ودليلاً لنا إليك يا رب العالمين اللهم لا تجعله حجةً علينا إنك على كل شيءٍ قدير وأعلموا أيها المسلمون أن خير الحديث كتاب الله كتاب الله الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته إن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أوصانا بكتاب الله عز وجل أن نقوم بحقه على الوجه الذي يرضي الله تبارك وتعالى فهذا القرآن هو النظام الذي شرعه الله لكم في عباداتكم ومعاملاتكم وهو الذي به سعادتكم ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلن في خطب الجمعة أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ في دين الله بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار فعليكم بالجماعة عليكم بالجماعة وهي الاجتماع على دين الله وعدم التفرق فيه ومنها أن نصلي جماعةً في المساجد الصلوات الخمس فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار وأعلموا أن الله أمركم بأمر بدأه بنفسه فقال جل من قائلٍ عليماً )إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب:56) اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم أجزيه عنا أفضل ما جزيت نبياً عن أمته اللهم ارزقنا محبته وأتباعه ظاهراً وباطناً اللهم توفنا على ملته اللهم اسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم أجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين و الصديقين والشهداء والصالحين اللهم أرضى عن خلفائه الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي أفضل أتباع المرسلين اللهم أرضى عن بقية الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين اللهم اجعلنا من التابعين لهم بإحسانٍ يا رب العالمين اللهم أرضى عنا كما رضيت عنهم يا أكرم الأكرمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام بأهله وأعز المسلمين بإسلامهم يا رب العالمين اللهم أنصر المجاهدين في سبيلك بالعلم والبرهان والرمح والسنان يا رب العالمين اللهم أنصر كل من قام لتكون كلمتك هي العليا إنك على كل شيءٍ قدير اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر الداعين إلى الخير يا أكرم الأكرمين ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ..