خطبة مصيبة الدين – حقوق العمال الشيخ محمد بن صالح العثيمين

مصيبة الدين – حقوق العمال
السبت 1 جانفي 2000    الموافق لـ : 24 رمضان 1420
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

الحمد لله العلي الجبار القوي القهار له العزة جميعاً وله القوة جميعاً وبيده ملكوت كل شيء كل شيءٍ عنده بمقدار يكور النهارعلى الليل ويكور الليل على النهار وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العظمة والجلال والإقتدار وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ ما تعاقب الليل والنهار وسلم تسليماً.

أما بعد

فيا أيها الناس أتقوا الله تعالى وسيروا في الأرض بقلوبكم وأفكاركم سيروا فيها في العصور الخالية وفي العصور الحاضرة سيروا فيها لتنظروا كيف كان عاقبة المكذبين لله ورسله المستكبرين عن عبادته وأمره سيروا في الأرض بأفكاركم وقلوبكم لتنظروا كيف كانت عاقبة هؤلاء لقد كانت عاقبتهم أسوأ العواقب أخذوا بالعذاب في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأبقى سيروا بنا لننظر كيف كانت العاقبة في الماضي وفي الحاضر فلنبدأ بقصة نوح أول الرسل عليهم الصلاة والسلام دعا قومه إلى عبادة الله ونبذ الأصنام ولكنهم كذبوه واستكبروا عن دعوته قال الله تعالى )كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) (القمر:9) )فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (القمر:10) )فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ)(القمر: من الآية11)  ففتحنا أبواب السماء وهذه إجابة دعوة نوحٍ عليه الصلاة والسلام )فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ) (القمر:11) )وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (القمر:12) تصوروا هذه الصورة المزعجة المروعة فتّحت أبواب السماء كلها بماءٍ غزيرٍ متدفقٍ بقوة وفجّرت الأرض كلها عيونا حتى كان التنور الذي هو أيبس الأرض وأحرها يفور بالماء فالتقت مياه الأرض وماء السماء حتى علا الماء قمم الجبال وهل أنجاهم ذلك من عذاب الآخرة؟ استمعوا الجواب من القرآن قال الله عز وجل )مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً) (نوح:25) فاجتمعت عليهم العقوبات عقوبة الدنيا وعقوبة الآخرة  القصة الثانية قصة عاد ومن عاد؟ عادٌ قومٌ هود عادٌ ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد لم يخلق مثلهم في البلاد لقوتهم وشدة بأسهم حتى بغوا وطغوا واستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة قال الله عز وجل ) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً)(فصلت: من الآية15) وماذا كان مصير هؤلاء الأقوياء العتاة؟ كان مصيرهم أن أهلكهم الله عز وجل بالهواء الذي هو من ألطف الأشياء كثافة الهواء الذي لا يرى في العيون قال الله تعالى )كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) (القمر:18) )إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) (القمر:19) )تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (القمر:20) وقال عز وجل )سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) (الحاقة:7) سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام إذن فقد ابتدأهم العذاب في الصباح وهل كفاهم ذلك عن عذاب الآخرة؟ أستمع الجواب من كلام الله قال الله تعالى )فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) (فصلت:16) الثالثة قصة ثمود ثمود قوم صالح هداهم الله بما بيّن لهم من الآيات هداهم هداية دلالة ولكنهم استحبوا العمى على الهدى وكذبوا نبيهم صالحاً إلا قليلاً منهم وعقروا الناقة التي جعلها الله تعالى آيةً لهم فماذا كانت عاقبتهم؟ قال الله عز وجل )إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) (القمر:31)  وقال تعالى )فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) (لأعراف:78) فأهلكوا بصيحةٍ ورجفة كانوا فيها جاثمين في ديارهم كأنهم هشيم صاحب الخضار القصة الرابعة قصة قوم لوط وما أدراك ما قوم لوط قوم لوطٍ قومٌ جمعوا إلى الكفر بالله ورسوله تلك الفاحشة النكراء التي تدل على انقلاب ثقلهم وعقولهم فكانوا يأتون الذكور ويذرون النساء فذكرهم نبيهم بذلك ووبخهم عليه وقال لهم أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قومٌ عادون فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوطٍ من قريتكم إنهم أناسٌ يتطهرون فماذا كانت عاقبتهم؟ قال الله عز وجل )إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (العنكبوت:34) وقال تعالى )فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ) (هود:82) )مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (هود:83) وماذا كان عقابهم في الآخرة؟ كان عقابهم في الآخرة نار جهنم كما قال الله تعالى )إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) (الأحزاب:64) )خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) (الأحزاب:65) القصة الخامسة قصة فرعون وما أدراك ما فرعون فرعون المتكبر الجبار الذي بغى وطغى وأنكر العلي الأعلى وقال لقومه أنا ربكم الأعلى وقال لهم ما علمت لكم من إلهٍ غيري وقال مفتخراً بما أوتي من الملك والرفاهية والبساتين المثمرة والزروع النضرة والكنوز وغيرها قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون وقال محتقراً لموسى رسول رب العالمين أم خيرٌ من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين فلو لا ألقي عليه أسورةٌ من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين ثم ماذا كانت عاقبة فرعون وقومه يقول الله عز وجل )فَلَمَّا آسَفُونَا)(الزخرف: من الآية55) يعني أغضبونا ) انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)(الزخرف: من الآية55) )فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) (الزخرف:56) وقال تعالى )كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (الدخان:25) )وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ) (الدخان:26) )وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ) (الدخان:27) وهل أنجاهم ذلك من عذاب الآخرة؟ استمع إلى قول الله تعالى )إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) (هود:97) )يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) (هود:98) )وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) (هود:99) أيها المسلمون هذه خمس قصص والقصص كثيرةٌ في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتبر بها أولوا الألباب ويغفل عنها أصحاب الغفلة الذين أغفل الله قلوبهم عن ذكره وأتبعوا أهوائهم فكانت أمورهم فرطا وفاتت عليهم الدنيا وستفوت عليهم الآخرة أيها المسلمون سيروا بقلوبكم وأفكاركم في الأمم السابقين وأعتبروا بما جرى للمكذبين المستكبرين وتأملوا حكمة الله فيمن أتاهم العذاب صباحاً وكان هذا من الحكمة العظيمة أن يكون العذاب في الصباح حين يستقبل هؤلاء حياتهم في نهارهم وحين تنفتح آمالهم في أفكارهم لأنهم يستقبلون يوماً جديداً يؤملون فيه أن يحصلوا على ما كانوا عليه حاصلين فإذا أخذوا في الصباح كان ذلك أعظم صدمة وأشد أخذة أيها المسلمون ثم سيروا بقلوبكم وأفكاركم في الأمم المعاصرين وما يجري الله عز وجل في عصرنا هذا من العواصف المدمرة والفيضانات المغرقة والزلازل الراجفة وأقرب مثلاً لذلك ما جرى يوم الأربعاء الموافق للثامن والعشرين من الشهر الماضي في مقاطعة أرمينيا حيث أمر الله العلي الأعلى القوي القهار أمر الله عز وجل الأرض أن ترجف بأهلها قال الله عز وجل )وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (القمر:50) وفي لمح البصر حصل من الدمار في كبريات مدن تلك المقاطعة حصلت من الدمار ما أدهش العالم وأفزعه فتلفت الأموال وتهدم البناء ودمرت الآلات والمعدات وهلكت المواشي ومات الناس فكانوا تحت الأنقاض بعد أن كانوا على سقوفها حتى بلغ عدد الوفيات حسب الإحصاءات الرسمية خمسةً وخمسين ألف نسمة في لحظةٍ واحدة ما أعظم الله ما أعظم قدرته إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون هذا أيها المسلمون بالله هذا كله بأمر واحد من فاطر السماوات والأرض كلمحٍ بالبصر لو اجتمعت قوى العالم على أن تدبر هذا الدمار في مثل هذه السرعة وفي هذه اللحظة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ولكنه قول من يقول للشيء كن فيكون أيها المسلمون ماذا يقول الناس عن مثل هذه الكوارث العظيمة التي يعجز عن مثلها البشر ماذا يقولون فيها؟ ينقسم الناس فيها إلى قسمين قسمٌ عالمون بالله وآياته يرون ذلك واقعاً بأمر الله لأمرٍ تقتضيه حكمته ليخوف الله بها عبادته يعتبرون بذلك فيرجعون إلى الله خوفاً منه ويعلمون أنه ما من قوة وإن عظمت إلا وهي تحت قوة الله عز وجل يرون أنه لا عاصم من أمر الله عز وجل يرون أن الله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون يقرئون قول الله عز وجل )أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) (محمد:10) يحشون من هذه الآية من قوله تعالى ) وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا)(محمد: من الآية10) يخشون إذا كفروا بالله وأعرضوا عن أوامر الله أن يصيبهم ما أصاب هؤلاء وما ذلك على الله بعزيز وليس بين الله وبين عباده نسب ولا قرابة أكرمهم عنده أتقاهم لله فمن كفر به فله مثل أمثاله من الكافرين أما القسم الثاني الذين هم جاهلون بالله قلوبهم خاليةُ من الإيمان أو قاسيةٌ مما ران عليها من العصيان يقولون هذه كوارث طبيعية فلا يهتمون بها ولا يعتبرون بها وكأنها أمرٌ عادي حل بالناس كما ينزل المطر على المعتاد لا ينظرون إلى هذه الكوارث نظر من يعتبر بها لأنها من عند الله القوي القهار ولكنهم ينظرون إلى المصاب بها نظر رحمة ولا يفرقون أيضاً بين من يستحق الرحمة ومن لا يستحق الرحمة فهم كمن قال الله فيهم )وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ) (الطور:44) أيها المسلمون إن الواجب علينا ونحن ولله الحمد نقوله تحدثاً بنعمة الله ونحن ولله الحمد نؤمن بالله وآياته ونشهد أنه رب السماوات والأرض ونشهد أنه ما في الكون من صغيرٍ ولا كبير إلا بأمر الله عز وجل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد الواجب علينا ونحن كذلك أن نكون معتبرين بآيات الله خائفين من الله نخاف إن لم نصب بمثل هذه المصائب أن نصاب بما هو مثلها أو أعظم من قسوة القلب والإعراض عن طاعة الله فإن قسوة القلوب والإعراض عن طاعة الله والانهماك بالدنيا وزينتها وزخرفها ونسيان الآخرة كل ذلك مصيبةٌ أعظم والله من مصيبة دمار الديار إن دمار القلوب وقسوة القلوب وإعراضها عن ربها أعظم من أن تتهدم الديار ويكون الناس في العراء بعد أن كانوا تحت السقوف إن المصيبة في قسوة القلب والإعراض عن الله والإعراض عن طاعة الله نسأل الله تعالى أن ينجينا منها ألم تروا أيها المسلمون أن الله قال لرسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم ) فَإِنْ تَوَلَّوْا)(المائدة: من الآية49) أي تولوا عن الشريعة ) فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ)(المائدة: من الآية49) فجعل الله تعالى تولي الإنسان عن شريعة الله مصيبةً حلت به بسبب ذنبه فاتقوا الله أيها المسلمون وفكروا هل أنتم أصبتم اليوم في دينكم أم أنتم على المستوى المطلوب منكم إن بلادكم هذه هي قائدة البلاد الإسلامية فاتقوا الله في أنفسكم فإنكم قدوة العالم إذا أعرضتم عن دين الله فغيركم بالإعراض أولى وإذا تمسكتم بدين الله كان الناس تبعاً لكم أيها المسلمون إن مصيبة الدين أعظم من مصيبة المال وأعظم من مصيبة الديار وأعظم من مصيبة الأبدان ولهذا كان من دعاء المؤمنين اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من المؤمنين المتقين الذين يحاسبون أنفسهم فيتوبون إليك يا رب العالمين اللهم صلي وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين..

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الحمد في الآخرة والأولى وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم إهتدى وسلم تسليماً كثيراً .

أما بعد

فيا عباد الله اتقوا الله تعالى اقلبوا نصيحة الناصح لكم اهتدوا بهدى الله عز وجل وتمسكوا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم أيها المسلمون فكروا في أنفسكم هل قمتم بما أوجب الله عليكم من الصلاة هل قام الرجال منكم بأداء الصلاة جماعةً في المساجد هل الإنسان يتفقد جيرانه وأصحابه في الصلاة هل هو يتفقد أبنائه أن يصلوا في المساجد في الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء أو هو ترك الحبل على القارب نحوهم فكروا في أنفسكم هل أنتم آتيتم الزكاة هل تبرأتم منها هل أعطيتموها مستحقها أعني زكاة الأموال سواءٌ كانت الأموال من النقود أم من المواشي أم من الزروع كل مالٍ أوجب الله عليك زكاته فإنه يجب عليك أن تتفقد نفسك هل أنتم قمت بالواجب أم لم تقم بالواجب تفقدوا أنفسكم هل قمتم بما أوجب الله عليكم من الحقوق بعضكم لبعض فإن كل إنسانٍ يكون مسؤولاً عن أحد فإنه يجب عليه أن يقوم بما أوجب الله عليه من مسئوليته كل إنسانٍ عليه حقٌ لأحد يجب عليه أن يؤدي حقه ولقد عجبت من قوم يكون عليهم أطلاب للناس إما قروض أو ثمن مبيعات أو أجرة مستأجرات أو غير ذلك ومع هذا يماطلون  بحقوقهم يأتيه صاحب الحق يقول أعطني حقي ولكنه يماطل به مع أنه قادرٌ على الوفاء والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (مطل الغني ظلم) أي أن الإنسان إذا مطل غيره بأن منعه حقه مع وجوب الوفاء به فإن ذلك ظلم والظلم ظلماتٌ يوم القيامة وكل ساعةٍ تمضي عليك وأنت في مماطلتك بالحق الذي يجب عليك دفعه فإنك لا تزداد إلا إثماً ولا من الله إلا بعداً وإن من الظلم ما يفعله بعض الناس الكفلاء الذين يكفلون القادمين للعمل في هذه البلاد فيظلمونهم حقهم يبخسونهم الحق فلا يعطونهم إياه إلا بعد التعب والعنا ربما يبقى الحق شهرين أو ثلاثة لا يوفونه ربما يبقى ما أكثر ومن الناس من يظلم العمال من وجه آخر يقول للعامل اذهب وأشتغل وأعطني في الشهر كذا وكذا يحدد شيئاً معيناً ربما لا يقدر عليه العامل وربما يقدر على أكثر منه أضعافاً مضاعفة وهذا محرمٌ لا يجوز في شريعة الله وهو محرمٌ أيضاً من جهةٍ أخرى لأنه مخالفٌ لنظام الدولة فيما نعلم ومن المعلوم أن أنظمة الدولة إذا لم يكن فيها معصيةٌ لله ورسوله فإنه يجب علينا أن نأخذ بها وأن نتمشى عليها إتباعاً بل امتثالاً لأمر الله عز وجل فإن الله يقول )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )(النساء: من الآية59) فأمر بطاعة ولي الأمر لكن جعل طاعته تابعةً لطاعة الله ورسوله ولهذا لم يكرر الفعل بل قال )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْر)(النساء: من الآية59) ولم يقل وأطيعوا أولي الأمر لأنه لو قال وأطيعوا أولي الأمر لكانت طاعة ولاة الأمور مستقلة ولكنه قال وأولي الأمر لتكون طاعة ولاة الأمور تابعةً لطاعة الله ورسوله ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الطاعة في المعروف) وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (اسمع وأطع) يعني لولي الأمر (وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك) فعلى الإنسان أن يقوم بطاعة الله فيما يجب عليه لولاة الأمور وأن يكل ولاة الأمور إلى الله عز وجل فالله تعالى يحاسبهم إذا ظلموا عباد الله بأي مظلمة سوف يحاسبهم عليها ولكن نحن علينا أن نطيع ولاة أمورنا فيما يأمروننا به من غير المعصية فإذا كان نظام الدولة لا يبيح لك أن تجعل العامل يعمل وما حصّل فهو بينكما أو تفرض عليه شيئاً معيناً تأخذه منه وما زاد فهو له وما نقص فعليه فإن هذا لا يجوز لك لا من ناحية الشرع ولا من ناحية ولاة الأمور الذين أمرنا بإتباعهم فيا عباد الله اتقوا الله تعالى وفكروا في الأمر في دقيقه وجليله لا تتهاونوا فإنكم عن هذه الدنيا منتقلون وبأعمالكم مجزيون وسوف يندم حين لا ينفع الندم سوف يقول يا ليتني قدمت لحياتي ولكن حين يفوت الأوان لا ينفع الندم ولا التمني أيها المسلمون إن الناس في هذا العام تأخر عليهم المطر تأخر تأخراً لم يعهد مثله في الأعوام القريبة وصار الناس يتساءلون ما هو السبب؟ وإني أقول إن الله عز وجل هو ذو الفضل العظيم وهو الذي يعطي من يشاء ويمنع من يشاء لحكمة ما منعنا الله عز وجل إلا لحكمة فما هي هذه الحكمة؟ استمع إلى قول الله تعالى )ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41) فالناس إذا اشتدت حاجتهم إلى المطر ولجئوا إلى الله بصدق وعلموا أنه لا يكشف الضر إلا الله ولا يجيب المضطر إلا الله فحينئذ يلجئون إلى الله تعالى لجو صدق يفتقرون إليه وهو سبحانه وتعالى عند المنسكرة قلوبهم من أجله فاتقوا الله أولاً في أداء ما يجب عليكم واجتناب ما حرم الله عليكم ثم أقبلوا بقلوبكم إلى الله عز وجل وألجئوا إليه وأنتم تؤمنون بأنكم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد وحينئذ تجابون إن شاء الله عز وجل لقول الله تعالى )وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر:60) اللهم إنا قد دعوناك اللهم إنا ندعوك فأجبنا يا رب العالمين اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم اسقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاءٍ ولا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرق اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم صلي على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد..