خطبة الحج الشيخ محمد بن صالح العثيمين

الحج
السبت 1 جانفي 2000    الموافق لـ : 24 رمضان 1420
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

الحمد لله الذي فرض الحج على عباده إلى بيته الحرام ورتب على ذلك جزيل الأجر ووافر الإنعام فمن حج البيت  فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه نقيا من الذنوب والآثام والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة دار السلام وأشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من صلى وزكى وحج وصام صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ما تعاقبت الليالي والأيام وسلم تسليما كثيرا

أما بعد

فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى عباد الله أدوا ما فرض الله عليكم من الحج إلى بيته حيث استطعتم إليه سبيلا فإن الله عز وجل يقول :( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(آل عمران: من الآية97) إن الله جعل ذلك على الناس إن الله جعل ذلك على الناس إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا وبين أن من كفر عن هذا الأمر والواجب فإنه لن يضر إلا نفسه لأن الله غني عن العالمين وقال النبي صلى الله عليه وسلم في عد أركان الإسلام وحج (وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا) وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإسلام بني على خمس (شهادة ألا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت) فلا يتم إسلام عبد حتى يحج ولا يستقيم بنيان إسلامه حتى يحج وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جدة أي كل من له غنى ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين عباد الله إن فريضة الحج ثابتة بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبإجماع المسلمين عليها إجماعا قطعيا فمن أنكر فريضة الحج فقد كفر ومن أقر بها وتركها تهاونا فهو على خطر لأن الله قال بعد ذكر أيجابه على الناس ( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(آل عمران: من الآية97) أيها المسلمون كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه وهو يعلم أنه من فرائض الإسلام وأركانه كيف تطيب نفس المؤمن أن يبخل بماله على نفسه في أداء هذه الفريضة وهو ينفق الكثير من ماله فيما تهواه نفسه كيف يوفر نفسه عن التعب في الحج وهو يرهق نفسه في التعب أمور دنياه كيف يتثاقل فريضة الحج وهو لا يجب في العمر إلا مرة واحدة كيف يتراخى في أداء الحج  وهو لا يدري فلعله لا يستطيع الوصول إليه بعد عامه فاتقوا الله عباد الله وأدوا ما فرض الله عليكم من الحج تعبدا لله ورضا بحكمه وسمعا وطاعة لأمره إن كنتم مؤمنين ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب:36) أيها المسلمون إن المسلم إذا أدى الحج والعمرة بعد بلوغه مرة واحدة فقد اسقط الفريضة عن نفسه وأكمل بذلك أركان إسلامه ولم يجب عليه بعد ذلك حج ولا عمرة إلا أن ينذر الحج أو العمرة فيلزمه الوفاء بما نذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) أيها المسلمون إن من تمام رحمة الله ومن بالغ حكمته أن جعل لفرائضه حدودا وشروطا لتنضبط الفرائض وتتحدد المسئولية وجعل هذه الحدود والشروط في غاية المناسبة للفاعل والزمان والمكان ومن هذه الفرائض الحج إلى بيت الله عز وجل فله شروط لا يجب على المسلم إلا بها فمنها البلوغ ويحصل في الذكور بواحد من أمور ثلاثة إنزال المني بشهوة أو تمام خمس عشرة سنة أو نبات شعر العانة وفي الإناث بهذه الثلاثة وزيادة أمر رابع وهو الحيض فمن لم يبلغ فلا حج عليه ولو كان غنيا ولكنه لو حج صح حجه تطوعا وله أجره فإذا بلغ أدى الفريضة لان حجه قبل البلوغ لا يسقط به الفرض حيث إنه لم يفرض عليه بعد فهو كما لو تصدق بمال ينوي به الزكاة قبل أن يملك النصاب فإن هذا المال لا يكون زكاة بل يكون صدقة وعلى هذا وعلى هذا فمن اصطحب أبناءه أو بناته الصغار فإن حجوا معه كان له أجر ولهم ثواب الحج وإن لم يحجوا فلا شئ عليه ولا عليهم وإنه ينبغي في هذه الحال أن ينظر الإنسان المصلحة فإذا كان من المصلحة أن يحجوا حججهم وإلا فلا يحججهم إذا كان يخاف من الزحام والمشقة عليه عليهم ومن شروط وجوب الحج أن يكون الإنسان مستطيعا بماله وبدنه لان الله شرط ذلك للوجوب في قوله (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) فمن لم يكن مستطيعا فلا حج عليه فالاستطاعة بالمال أن يملك الإنسان ما يكفي لحجه زائدا عن حوائج بيته وما يحتاجه من نفقة وكسوة له ولعياله وأجرة سكن وقضاء ديون حالة فمن كان عنده مال يحتاجه لما ذكر لم يجب عليه الحج ومن كان عليه دين حال لم يجب عليه الحج حتى يوفيه والدين كل ما ثبت في ذمة الإنسان من قرض وثمن مبيع وأجرة وغيرهما فمن كان في ذمته درهم واحد حال فهو مدين  ولا يجب عليه الحج حتى يبرأ منه بوفاء أو إسقاط لان قضاء الدين مهم جدا حتى أن الرجل ليقتل في سبيل الله شهيدا فتكفر عنه الشهادة كل شئ إلا الدين فإنها لا تكفره الدين لا تكفره الشهادة وحتى إن الرجل ليموت وعليه الدين فتتعلق نفسه بدينه حتى يقضى عنه أما الدين المؤجل فان كان موثقا برهن يكفيه لم يقسط به وجوب الحج فإذا كان على الإنسان دين وقد أرهن به طالبه ما يكفي الدين وبيده مال يمكنه أن يحج به فانه يجب عليه الحج لانه قد استطاع إليه سبيلا أما إذا كان الدين المؤجل غير موثق برهن يكفيه فان الحج لا يجب على الإنسان ولو كان الدين مؤجلا حتى يبرأ منه والاستطاعة بالبدن أن يكون الإنسان قادر على الوصول بنفسه إلي البيت إلى البيت بدون مشقة فان كان لا يستطيع الوصول البيت أو يستطيع الوصول لكن بمشقة شديدة كالمريض فان كان يرجو الاستطاعة في المستقبل انتظر حتى يستطيع ثم يحج بعد ذلك فان مات حينئذ أخرج الحج عنه من تركته وان كان لا يرجو الاستطاعة في المستقبل كالكبير والمريض الميئوس من مرضه كالكبير والمريض الذي يئس أهله من برئه فانه يوكل من يحج عنه من أقاربه أو غيرهم فان مات قبل التوكيل حج عنه من تركته وإذا كان للمرأة محرم فليس عليها وإذا لم يكن للمرأة محرم فليس عليها حج لأنها لا تستطيع السبيل إلي الحج فإنها ممنوعة شرعا من السفر بدون محرم قال ابن عباس رضي الله عنهما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول:  ( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا  وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : انطلق فحج مع امرأتك ) فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك الغزوة التي أكتتب بها وأن يذهب ويحج مع امرأته و لم يستفصل النبي صلي الله عليه وسلم  من هذا الرجل  هل كانت امرأته شابة أو كان معها نساء أو لا وهو دليل على أن المرأة يحرم عليها السفر على أي حال وعلى أي مركوب سواء كانت على الطائرة أو السيارة أو غير ذلك  فمن حجت بلا محرم فهي عاصية آثمة  من حين أن تخرج من بلدها إلى أن ترجع إليه ولابد أن يكون المحرم بالغا عاقلا فمن كان دون البلوغ فإنه يكون محرما ومن كان غير عاقل فإنه لا يكون محرما أيها المسلمون من رأي من نفسه أنه قد استكمل شروط وجوب الحج فليبادر به ولا يتأخر فإن أوامر الله ورسوله على الفور بدون تأخير قال ابن القيم رحمه الله وهو من أكبر تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميه أو هو أكبرهم قال رحمه الله من ترك الحج عمدا مع القدرة عليه حتى مات أو ترك الزكاة لم يخرجها حتى مات فإن مقتضى الدليل وقواعد الشرع إن فعلهما بعد موته لا يبرئ ذمته ولا يقبل منه  قال: والحق أحق أن يتبع ومع هذا فمن أخر الحج مع وجوبه عليه ثم قضاه عنه ورثته فإنه لا يقبل ذلك منهم لأنه تركه متهاونا به مع اللقدرة عليه فاتقوا الله عباد الله واسمعوا قول الله عز وجل : (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ* وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ  لا تَشْعُرُونَ* أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الزمر:54-58) اللهم أنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تعيننا على القيام بفرائضك اللهم وفقنا لما تحب وترضى  اللهم أعنا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما .

أما بعد

 أيها الناس فإن ها هنا ثلاث مسائل تتعلق بالحج المسألة الأولي إن بعض العوام يظنون أن الإنسان الذي لم يعق عنه أي لم يتمم له لا يصح حجه وهذا ظن فاسد لا أصل له فالحج يجوز وإن كان الإنسان لم يتمم له ويقبل ولو كان الإنسان لم يتمم له ولا علاقة بين التميمة وبين الحج لأن التمائم متعلقة بالوالدين بل متعلقة بالأب وحده وهو المسئول عنها وإذا قدر أنه كان حين الولادة فقيرا لا يستطيع أن يتمم فإنه لا تميمة عليه لأن الله (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)(البقرة: من الآية286) و ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا ) (الطلاق: من الآية7) أما المسألة الثانية فهي قضاء رمضان فإن بعض الناس يظنون أن من عليه قضاء أن من عليه قضاء من رمضان فإنه لا يحج وهذا ظن غير صحيح أيضا فلا علاقة بين قضاء صوم رمضان وبين الحج فيجوز للإنسان أن يحج ولو كان عليه أيام من رمضان لأن قضاء رمضان موسع للإنسان أن يؤخر القضاء حتى يبقي حتى يبقي على رمضان المقبل مقدار ما عليه من الأيام أما المسألة الثالثة فهي أن بعض الناس  يكون عليه الدين فيتهاون ويحج وهذا خطأ لأن قضاء الدين واجب والحج إذا كان على الإنسان دين لا يكون واجبا عليه وعلى هذا فليطمئن إخواننا الذين عليهم الدين وليعلموا أنه ليس عليهم حج والحج ليس بواجب عليهم لا يأثمون بتركه ولا يعاقبون عليه لو ماتوا قبل ذلك لأن الله تعالى لم يفرض الحج إلا على من إلا على من استطاع إليه سبيلا وإني أضرب لكم مثلا يتضح به المقام لو أن فقيرا قال أريد أن أزكي وندم لعدم الزكاة فإن ذلك ليس بصحيح لأن الفقير لا زكاة عليه ولا يأثم بعدم دفعها لأنها لم تجب عليه أصلا وهكذا المدين لا يجب عليه الحج  حتى يوفي دينه ولكن إذا كان الدين مؤجلا وكان مقسطا وكان الإنسان كل ما حل عليه قسط أن يوفيه من راتبه أو غير ذلك فحينئذ لا حرج عليه أن يحج بل نقول بوجوب الحج  عليه ولكن مع ذلك لا نفضل أن يحج حتى يقضي عليه دينه حتى يقضي دينه لأن الدين مهم جدا وإياكم أيها الأخوة أن تتهاونوا في مسألة الدين فإنه كما سمعتم في الخطبة الأولي لو مات لو قتل الإنسان شهيدا في سبيل الله فإن الشهادة تكفر كل الذنوب إلا الدين فإنها لا تكفره واعلموا أيها الأخوة أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم  وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ؛ شذ في النار وأعلموا إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل من قائل عليما  (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب:56) اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهرا وباطنا اللهم توفنا على ملته اللهم احشرنا في زمرته اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم اسقنا من حوضه اللهم أجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم أرضَ عن خلفائه الراشدين وعن زوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم ارضَ عنا معهم وأصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين اللهم إنا نسألك أن تصلح ولاة أمور المسلمين اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين صغيرهم وكبيرهم يا رب العالمين اللهم أصلح لهم البطانة وأعنهم على أداء الأمانة إنك على كل شيء قدير عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان إيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .