خطبة ما يكون عند الموت والقبر الشيخ محمد بن صالح العثيمين

ما يكون عند الموت والقبر
السبت 1 جانفي 2000    الموافق لـ : 24 رمضان 1420
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

الحمد لله الذي خلق الخلق ليعبدوه وجعل لهم أجلاً للقائه هم بالغوه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو المعبود المألوه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة فنعم الأصحاب أصحابه ونعم الأتباع تابعوه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بالإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً ...  

أما بعد ...

فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأعبدوه حق عبادته واذكروا نعمته عليكم وأشكروه وتذكروا بدايتكم ونهايتكم تعرفوا بذلك آيات ربكم وتعظموه فقد خلق أدم من طين وجعل نسله من سلالة من ماء مهين فسواهم في بطون أمهاتهم ونفخ فيهم الروح فالجنين في بطن أمه يتنقل إلى أربعة أطوار يكون أربعين يوماً نطفة ثم أربعين يوماً علقة ثم أربعين يوماً مضغة فهذه مائة وعشرون يوماً أربعة أشهر كاملة ثم يبعث الله إليه ملكاً فينفخ فيه الروح ويكتب رزقه وأجله وعمله وشقائه أو سعادته ويبقى بعد ذلك ما شاء الله أن يبقى في بطن أمه ثم يخرجه الله عز وجل  إلى دار العمل والكسب فيمكث فيها ما شاء الله أن يمكث أجلا مسمي لا يتقدم ولا يتأخر ثم ينتقل إلى دار الجزاء فإذا مات أنقطع عمله إلا من ثلاث( إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) فيبقى في البرزخ إلى قيام الساعة والبرزخ ما بين موت الإنسان وقيام الساعة سواء دفن في الأرض أو ألغي في البحر أو أكلته السباع أو ذرته الرياح فالبرزخ هو الحاجز الفاصل بين موت الإنسان وقيام الساعة وحينئذ يقوم الناس من قبورهم لرب العالمين عارية أسجادهم حافية أقدامهم شاخصة أبصارهم (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) (القمر:8) (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَبِيهِ)  ( يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (عبس:34- 37) فإذا (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ) (المؤمنون:101) أيها المسلمون إن لكم حين انتقالكم من دار الدنيا إلى الدار الآخرة أحوالاً ثلاثاً بينها الله تعالى في كتابه في آخر سورة الواقعة في قوله تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ* وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ* فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (الواقعة:88-96) أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من المقربين الذين يتلقون بالروح والريحان وجنة النعيم ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم بالتفصيل ماذا يكون عند الموت و في القبر فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (كنا في جنازة رجل من الأنصار في البقيع فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله كأن على رؤوسنا الطير والأنصاري يلحد له فقال النبي صلى الله عليه وسلم :(أعوذ بالله من عذاب القبر أعوذ بالله من عذاب القبر أعوذ بالله من عذاب القبر) ثم قال صلى الله عليه وسلم :( إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا نزلت إليه ملائكة كأن وجوههم الشمس معهم كفن من الجنة وحنوط من الجنة فيجلسون منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فم السقاء فيأخذها يعني ملك الموت فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها إلى السماء فتفتح لها أبواب السماء ويشيعه مقربوها إلى السماء الثانية وهكذا بقية السماوات فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الطيبة فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي يدعى بها في الدنيا حتى تصل إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم وفي رواية من نبيك فيقول هو رسول الله فينادي منادي من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة فيأتيه من ريحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول ربي أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي) قال النبي صلى الله عليه وسلم:( وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم كفن من النار وحنوط من النار فيجلسون منه مد البصر ثم يجيئ ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب فتتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط ويخرج منها كأخبث ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الريح الخبيث فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي يدعى بها في الدنيا حتى ينتهي به في السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ  الْخِيَاطِ)(لأعراف: من الآية40) فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلي فتطرح روحه إلى الأرض طرحا ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)(الحج: من الآية31) فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هاه؛ هاه لا أدري فينادي منادي من السماء أن كذب عبدي فافرشوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبرة حتى تختلف أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوئك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الذي يجئ بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول ربي لا تقم الساعة ) وفي الصحيحين عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الميت إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه وذكر الحديث وفيه فيقال أنظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة قال النبي صلى الله عليه وسلم :(فيراهما جميعا) فاتقوا الله تعالى أيها المسلمون واعدوا لهذا الأمر العظيم عدته وتعوذوا بالله من عذاب القبر وأسالوا الله أن يجعل لكم القبور روضة من رياض الجنة كح : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو غفور رحيم.

الحمد لله حمداً كثيراً طيبا مباركا فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجوا بها النجاة والسعادة يوم نلاقيه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ...

أما بعد ...

أيها المسلمون اتقوا الله تعالى وأعلموا أنكم في الحياة الدنيا لا تبقون فيها لحظة إلا هذه اللحظة تبعدكم من الدنيا وتدنيكم من الآخرة فكل يوم فكل يوم يمضي على الإنسان فإنه محسوب من عمره حتى ينتهي حتى ينتهي إلى أجله الذي اجله الله له وما يدري الإنسان متي يكون هذا الأجل فإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك أيها المسلمون أن الأنفاس نفيسه وإن الأعمار قصيرة ولكن الله من على هذه الأمة بالخير الكثير والمدرار العظيم  من عمل حسنة فله عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة فاتقوا الله عباد الله وبادروا بال بادروا الأيام بأعمالكم الصالحة ولا تفوتنكم الأعمال في هذه الأيام القصيرة إنها والله إنها والله لقصيرة ولكنها مباركة إذا استعملها الإنسان في طاعة ربه واستغلها فيما يرضي الله عز وجل وإن الإنسان العاقل الكيس الفطن ليجعل من عاداته عبادات يتقرب بها إلى الله فيأكل الأكلة يسمي الله عند بدئه ويحمد الله عند انتهائه فينال بذلك رضي الله عز وجل ( إن الله ليرضي عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها) وإن الغافل المهمل وإن الغافل المهمل ليغفل عن هذه الأمور يأكل الطعام تشهيا يتمتع به كما تتمتع الأنعام فاتقوا الله أيها المسلمون أخلصوا النية لله استحضروا كل ما تقولون وكل ما تفعلون تنووا به التقرب إلى الله عز وجل فإنكم إذا فعلتم ذلك اتصفتم بمن وصفهم الله في قوله : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ*الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) (آل عمران:190-191) فهم يذكرون الله في كل حال وعلى كل حال لأنهم يستحضرون ما يقولون وما يفعلون يتقربون به إلى الله عز وجل وبذلك يكون العمر معمورا بطاعة الله أما إذا غفل الإنسان وأهمل  فإنه يفوته خير كثير وربما تكون عباداته عادات يفعلها على وجه العادة لا على وجه التقرب إلى الله ففرق بين الإنسان الغافل المهمل وبين الإنسان الفطن أسال الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن يغتنمون الأوقات بالطاعات أسال الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن يغتنمون الأوقات بالطاعات ويستحضرون ما يفعلونه عند الله قربات حتى تكون أعمارنا معمورة بطاعة مولانا وإلاهنا أيها المسلمون أعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار وأعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل من قائل عليما ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب:56) فصلوا أيها المسلمون وسلموا على نبيكم امتثالا لأمر ربكم امتثالا لأمر ربكم وقضاء لبعض حق نبيكم عليكم واحتسابا للأجر عند الله عز وجل فإن من صلي على نبيه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرا اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهرا وباطنا اللهم توفنا على ملته اللهم أحشرنا في زمرته اللهم أسقنا من حوضه اللهم ادخلنا في شفاعته اللهم أجمعنا به في جنات النعيم مع أوليائك المتقين وحذبك المفلحين مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم اجعلنا ممن يفوز بالنظر إلى وجهك الكريم  اجعلنا ممن يفوز بالنظر إلى وجهك الكريم اللهم اجعلنا ممن يفوز بالنظر إلى وجهك الكريم يا ذا الجلال والإكرام اللهم أرض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلى أفضل أتباع المرسلين اللهم أرض عن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم أرض عنا معهم وأصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أنصر المجاهدين في سبيلك بأموالهم وأنفسهم بأقلامهم وسيوفهم اللهم أنصر المجاهدين في سبيلك على كل وجه وفي كل زمان ومكان يا رب العالمين اللهم أتمم لإخواننا في أفغانستان اللهم أتمم لهم النصر وأرزقهم الائتلاف بينهم اللهم لا تفرقهم بعد الجمع ولا تشتتهم بعد الائتلاف يا رب العالمين اللهم وفقهم لما فيه خيرهم وصلاحهم اللهم أنصر كل إخواننا في ارتريا وفي فلسطين وفي غيرها من بلاد المسلمين اللهم أنصرهم على عدوهم يا ذا الجلال والإكرام اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم اللهم من كان من ولاة أمور المسلمين غير حاكم بكتابك وسنة نبيك ولا ناصح لأمتك ولا ناصح لأمته فأبدلهم بخير منه يا ذي الجلال والإكرام اللهم أصلح لولاة أمور المسلمين بطانتهم اللهم أرزقهم بطانة صالحة تدلهم على الخير وتعينهم عليه اللهم أبعد عنهم كل بطانة سيئة تسدهم عن الخير وتدلهم على الشر يا ذا الجلال والإكرام اللهم أبعد عنهم هذه البطانة وأبدلهم ببطانة خير منها إنك على كل شيء قدير ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا أنك رؤوف رحيم اللهم بارك لنا في أعمارنا وبارك لنا في أعمالنا وبارك لنافي ذرياتنا وبارك لنا في أهلنا وبارك لنا في ثمارنا وبارك لنا في زروعنا وبارك لنا في جميع أحوالنا يا رب العالمين إنك ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..