خطبة محاذير إسلامية الشيخ محمد بن صالح العثيمين

محاذير إسلامية
السبت 1 جانفي 2000    الموافق لـ : 24 رمضان 1420
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومصطفاه وخليله أرسله الله تعالى إلى العالمين بشيرا ونذيرا فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده بماله ونفسه وترك أمته على محجة بيضاء  ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد

فقد قال الله تعالى ممتناً على عباده (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (لأعراف:26) ففي هذه الآية الكريمة بين الله تعالى ما منً به على عباده حيث أنزل عليهم ثلاثة أنواع من الألبسة نوعان حسيان ونوع معنوي فأما النوعان الحسيان فهما لباس ضروري يواري الإنسان به عورته ويكسو به بدنه لا بد له منه صيفا وشتاء ولباس ريش ويقال رياش وهو لباس الجمال والزينة الزائد عن اللباس الضروري وأما اللباس المعنوي فهو لباس التقوى تقوى الله عز وجل بامتثال أمره واجتناب نهيه لأن ذلك يواري سوءة الإنسان ولهذا لما أكل أبونا آدم من الشجرة وقد نهاه الله تعالى عن الأكل منها بدت له ولزوجه سوءاتهما (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّة)(لأعراف: من الآية22) فتعريا من اللباس لأنهما خالفا أمر الله قال الله عز وجل (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)(طـه: من الآية121) (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) (طـه:122) وهذا اللباس أعني لباس التقوى خير من النوعين الحسيين وذلك لأنه يواري سوءة الإنسان في الدنيا و الآخرة (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)(الطلاق: 2) (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب)(الطلاق: من الآية3) (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)(الطلاق: 4) (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) (الطلاق:5) أيها المسلمون إن هذا اللباس هو الزينة التي أخرج الله لعباده وأحلها لهم وأنكر على من يحرمها بدون برهان (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(لأعراف: من الآية32) إن في إضافة هذه الزينة إلى الله ووصفها بأنه الذي أخرجها لهم لأكبر برهان على أنه ليس لنا أن نتحكم بهذه الزينة  في تحليلٍ أو تحريم وإنما حكمها إلى الله وحده لأنه هو الذي أخرجها لعباده وليس من حقنا كذلك أن نستعمل هذه الزينة كما نشاء وإنما نستعملها على الوجه الذي حدده ربنا بدون تعد لحدود الله (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ )(الطلاق: من الآية1) أيها المسلمون لقد حدد الله لنا استعمال هذا اللباس نوعا وكيفا حلا وحرمة لئلا نتجاوز بها إلى حد لا يليق بنا أما الحل فإن الحل من هذا اللباس هو الأصل لأن الله يقول (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعا)(البقرة: من الآية29) واللباس مما خلق الله لنا في الأرض فهو حل لنا حتى يقوم دليل على تحريمه ولهذا كان الحل من اللباس أكثر بكثير من المحرم ولهذا لو قال لنا قائل هذا اللباس حرام قلنا له ما دليلك على التحريم ولو قال قائل هذا اللباس حلال لم نطالبه بالدليل لأن الأصل الحل وما كان هو الأصل فإنه لا يحتاج إلى دليل على منعه لأن الأصل باقي حتى يثبت الدليل وإذا نظرنا أيها المسلمون إذا نظرنا إلى المحرم من اللباس وجدناه قليلا بالنسبة إلى ما أحل الله عز وجل  لأن عطاء الله أوسع من منعه ولا يمنع شيئا إلا لحكمة بالغة اقتضت المنع فمن اللباس المحرم لباس الصور ولباس ما فيه صورة أما لباس الصور فإنه يوجد في بعض الحلي ما يكون على صورة ثعبان أو على صورة فراشة أو نحو ذلك فلباس الصور محرم ولباس ما فيه صورة محرم لأن عائشة رضي الله عنها اشترت نمرقة والنمرقة الوسادة أو المخدة وكان فيها تصاوير فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رآها قام على الباب ولم يدخل قالت فعرفت في وجهه الكراهية فقلت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما بال هذه النمرقة فقلت اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة فيقال لهم أحيوا ما خلقتم ثم قال إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة رواه البخاري ومسلم فالنبي صلى الله عليه وسلم قام على الباب ولم يدخل لأن في البيت مخدة فيها صورة وظهرت كراهية ذلك على ملامح وجهه حتى أعلنت أم المؤمنين عائشة التوبة من أجل ما رأت في وجهه ومن العجب أن قوما من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ممن يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله من يصطحبون الصور في ملابسهم فيلبسون الصور أو يلبسون ما فيه الصور ولا شك أن هذا من الجهل والمسئولية تقع أولا على أهل العلم من العلماء والطلبة عليهم أن يبينوا للناس ذلك ويحذروهم منه لأن هذه الصور التي غزتنا إنما جاءت من أعدائنا من أعدائنا أعداء الإسلام أتونا بها من كل فج ورمونا بها من كل ناحية وضعوا هذه الصور في ملابسنا فكان في بعض الأقمشة صور الحيوانات الكبيرة  أو الصغيرة بالتلوين تارة وبوضع قصاصات أو مطاط على صورة حيوان تارة وبما يدرك باللمس تارة وتجدون هذا في الألبسة الجاهزة وصنعوا لنا حليا من الذهب أو غيره على صورة الحيوان صورة فراشة أو سمكة أو ثعبان أو غير ذلك لنلبسه فتفارقنا الملائكة بلبسه صنعوا لنا ذلك كله وأكثروا علينا منه ليهون علينا أمره ولننسى أمر الله ورسوله فيه أو نتهاون في أمر الله ورسوله وإن لباس هذه المصورات محرم وبيعها محرم وشراءها محرم وكسبها محرم فهو من السحت الذي لا خير فيه ولا بركة لأنه إعانة على الإثم وقد قال الله تعالى (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(المائدة: من الآية2) وكما لا يجوز للمسلم أن يلبس الصورة أو ما فيه صورة فإنه لا يجوز له أن يمكن صبيه الصغير ذكرا كان أم أنثى من أن يلبس هذه لأنه هو المسئول عنه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)(التحريم: من الآية6) فضم الله تعالى أهلينا إلى أنفسنا لأننا مسؤولون عنهم فلا يجوز لنا أن نمكن صبياننا الذكور أو الإناث من لباس ما فيه الصورة قد يقول بعض الناس إن هذه الألبسة ملأت الأسواق فماذا نصنع إننا لا نجد ثوبا إلا فيه صورة فنقول سبحان الله إن الله لم يحرم الشيء على عباده ليضيق عليهم وإن الله لم يحرم شيئا إلا فتح لعباده ما هو خير منه  وأكثر فأنت إذا لم تجد ألبسة جاهزة إلا ما فيه الصورة فإنه يمكن أن تعامل خياطا يخيط لك ثيابا على ما تريد ليس فيها صورة ونحن إذا قاطعنا هذه الثياب ويجب علينا أن نقاطعها أقول لكم هذا من على هذا المنبر لئلا تغتروا بكثرتها يجب أن تقاطعوها ولا تشتروا منها شيئا إننا إذا قاطعناها فسوف تكون خسارة على من هي عنده ثم لا يعود إلى جلبها مرة ثانية وهذا هو ما نريده فيما إذا ورد علينا أعداءنا ما يحرمه ديننا أن نقاطعه حتى لا يكون له سوق رائجة وحينئذ ينقطع عن أسواقنا بكل سهولة أما إذا فتحنا صدورنا ومددنا أيدينا وأرخينا أكياس نفقاتنا لهذه الألبسة ولغيرها من الأشياء المحرمة فإنها سوف تملأ الأسواق لأن أعدائنا يعلمون إن المعاصي التي نرتكبها تكون مطايا لنا إلى معاصي أكبر فيرتقي الإنسان من الصغائر إلى الكبائر ثم إلى الكفر والعياذ بالله ولهذا قال العلماء رحمهم الله إن المعاصي بريد الكفر ينزلها الإنسان مرحلة مرحلة حتى تصل به إلى الأسفل إلى الكفر البواح نعوذ بالله من ذلك أيها المسلمون إن علينا إذا ابتلينا بذلك أن نقاطعه وأن نعدل إلى شيء خير منه  أما إذا أمكن أن نزيل هذه الصور بمحوها أو بفتحها أو بغير ذلك مما يزيلها أو يزيل الرأس فإنه لا بأس من اللبس حينئذ وفي صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي أن على ابن أبي طالب رضي الله عنه قال له ألا أبعثك على ما بعثتي عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته وإن من اللباس المحرم الذي هو من كبائر الذنوب ما يحرم على الرجال خاصة وهو لبس ما نزل عن الكعبين من السراويل أو القميص أو المشلح أو غيرها لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أسفل من الكعبين أو ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار رواه البخاري وقال ابن عمر رضي الله عنهما ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص فلا يحل للرجل أن ينزل شيئا من ثيابه أسفل من الكعبين لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد على ذلك بالنار ولا وعيد إلا على فعل محرم فيا أخي المسلم يا من تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إن من مقتضى شهادتك أن محمدا رسول الله أن تصدق خبره وأن تمتثل أمره وأن تجتنب نهيه وقد علمت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يتوعد بالنار إلا على فعل محرم بل على فعل من كبائر الذنوب ولقد ظن بعض الناس أن هذا الحديث فيمن نزًل ثيابه خيلاء والخيلاء أن يتخيل الشخص لنفسه منزلة عالية فيتعاظم في نفسه ويعجب بها أقول ظن بعض الناس أن هذا الحديث أعني قول النبي صلى الله عليه وسلم ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار ظن أنه فيمن نزله خيلاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث آخر من جرّ  ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه فأراد هذا الظان أن يحمل ذلك المطلق على هذا المقيد ولكن هذا لا يصح لأن الوعيد فيهما مختلف والسبب مختلف فالوعيد فيمن جر ثوبه خيلاء أن الله لا ينظر إليه والوعيد فيمن نزل ثوبه عن كعبيه أنما نزل في النار فالعقوبة هذه جزئية والعقوبة الأولى عقوبة كاملة لا ينظر الله إلى الإنسان وهو أعظم من  تعذيب جزء من بدنه بالنار وأما السبب فمختلف أيضا فأحدهما إنزال الثوب إلى أسفل من الكعبين بدون خيلاء والثاني جره خيلاء وهذا أعظم ولهذا كانت عقوبته أعظم وقد قال العلماء من أهل أصول الفقه وغيرهم إنه إذا اختلف السبب والحكم في الدليلين لم يحمل أحدهما على الآخر وعلى هذا فلا يحل للرجل أن ينزل شيئا من ثيابه تحت الكعبين سواء كان ذلك سراويل أم قميصا أم مشلحا أم غيرهما فإن فعل فعقوبته أن يعذب موضع النازل بالنار ولا يحل له أن يجر شيئا من ذلك خيلاء فإن فعل فعقوبته أن لا ينظر الله إليه بل ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر  إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم فهذه ثلاث عقوبات قالها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا فقال أبو ذر خابوا وخسروا يا رسول الله من هم قال المسبل أي المنزل ثوبه ولكن هذا مقيد بما سبق أي بما يكون خيلاء والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ودخل شاب من الأنصار على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين طعن دخل يثني عليه مع الناس فلما أدبر الشاب إذا إزاره يمس الأرض فقال رضي الله عنه ردوا عليّ الغلام فردوه عليه فقال يا ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك فرضي الله عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب  رضي الله عنه لم تمنعه الحال التي كان عليها من النهي عن المنكر وبهذا اللطف وبهذا الحكم وبهذا التعليل قال متلطفا يا ابن أخي ارفع ثوبك ثم علل ذلك بأنه أبقى للثوب وأتقى للرب فجزى الله أمير المؤمنين عمر ابن  الخطاب عن أمة محمد خيرا وجزى سلفه أبا بكر رضي الله عنه عن أمة محمد خيرا وصلى الله وسلم على نبينا محمد قائد المتقين وإمامهم وجزاه الله عن أمته خيرا أيها المسلمون قد يقول متهور من أنا لا أبالي إذا تلف أسفل ثوبي فجوابنا عليه فهل لا تبالي أيضا إذا أضعت تقوى الله هل تبالي إذا استعنت بنعمه على معاصيه هل تبالي إذا انقلبت نعم الله عليك والمتعة ألما ونقما اتقي الله يا أخي المسلم ارفع ثوبك إلى ما فوق الكعب لا تكن هذه النعمة نقمة عليك يوم القيامة ثم كن دائما على ذكر قول الله تعالى (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (التكاثر:8) أيها المسلمون أختم خطبتي هذه بذكر حديث واضح يبين أن الحديثين ما أسفل من الكعبين ففي النار ومن جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه لا يمكن تقييد أحدهما بالآخر فيما رواه مالك وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ازرة المؤمن إلى نصف ساقه لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين وما كان أسفل من ذلك فهو في النار ومن جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه يوم القيامة ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بين اللبستين تفريقا بينا واضحا فنسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح عباد الله اتقوا الله تعالى واستعينوا بنعمه على طاعته واحفظوا حدوده وأقيموا فرائضه واعرفوا حق المعرفة بعمق وبعد نظر ماذا ير يد أعداءكم بكم من انحرافكم عن دينكم وتضييعكم حدود الله وكونوا منهم على حذر ولا تقبلوا منهم شيئا إلا ما كان فيه منفعة ولا مضرة فيه في الدنيا ولا في الآخرة أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحمد في الآخرة والأولى وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اهتدى وسلم تسليما كثيرا

أما بعد

فقد قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أكثر ما يخطئ الناس من التأويل والقياس الفاسد وصدق رحمه الله فإن الخطأ الذي يقع من العلماء أو من دون العلماء إنما يكون بالتأويل الفاسد بحمل كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على غير ما أراد الله ورسوله فيفسر القرآن بغير ما أراد الله أو يشرح السنة بغير ما أراد رسول الله فيضل بذلك ويضل أما القياس الفاسد فإنه يقيس مجهول الحكم عنده على معلوم الحكم من الكتاب والسنة ولكنه يخطئ في القياس فيضل ويضل ومن الفهم الفاسد ما فهمه بعض النساء وبعض الرجال من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة حيث ظن بعض النساء وربما بعض الرجال أنه يجوز للمرأة أن تكشف لأختها الأخرى ما فوق السرة وما تحت الركبة وهذا فهم خاطئ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجه النهي إلى اللابسة وإنما وجه النهي إلى الناظرة اللابسة لها حكم خاص والناظرة لها حكم خاص والحكم هنا موجه إلى الناظرة لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة وعلى هذا فاللابسة مأمورة بأن تلبس لباسا ضافيا ساترا فإن لم تفعل فإنها تدخل فيما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم صنفان من أهل النار لم أرهما بعد قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا فاللباس الضيق واللباس الخفيف الذي يصف من ورائه الجلد وكذلك اللباس القصير داخل في قوله صلى الله عليه وآله وسلم كاسيات عاريات فلا يجوز للمرأة أن تلبس ثوبا لا يستر إلا ما بين السرة والركبة حتى عند النساء وحتى عند المحارم نعم عند الزوج وفي غرفة النوم لها أن تلبس ذلك بل لا بأس بما دون ذلك أيضا أيها الأخوة المسلمون إن علينا أن نفهم مراد الله ومراد رسوله على ما أراد الله ورسوله وعلينا أن لا نتبع المتشابه من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا رأيتم الذين يتبعون المتشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم ومن الذين سمى الله استمعوا إلى قول الله عز وجل (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ )(آل عمران: من الآية7) أي هن المرجع الذي يرجع إليهن عند التشابه قال الله عز وجل ( هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)(آل عمران: من الآية7) فالذين يتبعون المتشابه من الكتاب أو من السنة هم الذين في قلوبهم زيغ والذين يتبعون الظواهر دون النظر إلى القواعد العامة من الشريعة الإسلامية هم القراء وليسوا هم الفقهاء وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه محذرا من هذه الحال كيف بكم إذا كثر قراؤكم وقل فقهاؤكم نسأل الله تعالى أن يكثر فينا الفقهاء وهم الفقهاء في دين الله في علم العقائد والتوحيد وفي علم الأحكام العملية أيها المسلمون لقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله إن نساء الصحابة كن يلبسن في بيوتهن ثيابا تستر ما بين كف اليد إلى كعب الرجل إذا هيً تستر جميع الجسم هذا لباس نساء الصحابة بكلام الرجل الثقة العدل عندنا وعند عامة المسلمين المستقيمين أما إذا خرجت المرأة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنها تلبس كساءاً أسود وتمشي بهدوء ولا تمشي تبخترا وتجر ذيلها إلى شبر وإلى ذراع كما استئذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك وإنما أباح لهن النبي صلى الله عليه وسلم أن يرخين ذيولهن أي أطراف ثيابهن إلى شبر وإلى ذراع من أجل أن لا تنكشف أقدامهن عند المشي ولهذا ينبغي للمرأة أن تستر يديها ورجليها بالشراب وكفيها بالقفاز فإن نساء الصحابة رضي الله عنهن كن يلسن القفازين في أيديهن إلا عند الإحرام ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم المحرمة أن تلبس القفازين والمهم أن ننتبه إلى هذا الغلط الذي ظنه بعض النساء وربما بعض الرجال من أن المرأة لا حرج عليها أن تلبس من الثياب ما يستر ما بين السرة والركبة فإن هذا غلط على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يرد ذلك قطعا لأنه لا يمكن أن يعقل أن المرأة يجوز لها أن تلبس ثوبا لا يستر إلا ما بين السرة والركبة ثم تخرج بين النساء قد ظهرت ثديها وبطنها وظهرها هذا أمر ينكره العقل وأمر ينكره الشرع ولا أظن هذا يوجد في أكبر دولة من دول العالم أيها المسلمون اتقوا الله تعالى ولا تتبعوا المتشابه من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا طريق الزائغين الذين زاغت قلوبهم نسأل الله أن يحيي قلوبنا وإياكم بالعلم النافع والإيمان الصادق إنه على كل شيء قدير أيها المسلمون اتقوا الله تعالى أنتم الرجال أنتم القوامون على النساء لا تدعوا النساء يلعبن على ما يردن إن المرأة  ناقصة العقل والدين  مهما كان عندها من العلم والثقافة  فإنها لن تعدوا الفطرة التي خلقها الله عليها إن أصدق البشر محمد صلى الله عليه وسلم قال ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ومن يخاطب أيها المسلمون إنه يخاطب نساء الصحابة  رضي الله عنهن أكرم النساء وأعفهن وأصدقهن إيمانا أرأيتم حين قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا معشر النساء تصدقن فإنكن أكثر حطب جهنم أرأيتم ماذا فعلن جعلت المرأة تأخذ الخرص من أذنها فتلقيه في ثوب بلال رضي الله عنه وتأخذ السوار وتأخذ الخاتم حتى ألقين حليهن أو ما شاء الله منه في ثوب بلال رضي الله عنه أيها المسلمون كونوا رجالا بمعنى الرجولة كونوا قوامين بمعنى القوامة كونوا موجهين غاية التوجيه لأهليكم من نساء وأولاد وأهل حتى تكونوا قائمين بما أمركم الله به (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6) غلاظ في الطباع شداد في الأجسام فهم أقوياء وهم غلاظ في الطباع لا يلينون لأن الله تعالى لم يأمرهم أن يلينوا لأهل النار أعاذني الله وإياكم منها واعلموا أيها المسلمون أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها والمحدثة هي المحدثة في دين الله هي التي يتعبد الإنسان بها بدون شرع من الله عز وجل أما ما أحدث من أمور الدنيا  فإنه لا يدخل في ذلك ولكنه إما إن كان نافعا فهو خير وإن كان ضارا فليجتنب كل بدعة في دين الله ضلالة وكل ضلالة في النار فعليكم أيها المسلمون بالجماعة وهي الاجتماع على دين الله أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر تعاون على البر والتقوى دعوة إلى الخير هذه هي الجماعة ومن شذ شذ في النار وأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإنه والله هو الذي دلكم على كل خير ورغبكم فيه وبين لكم كل شر وحذركم منه اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهرا وباطنا اللهم توفنا على ملته اللهم احشرنا في زمرته اللهم اسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم أرضى عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أفضل أتباع المرسلين اللهم أرضى عن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم أرضى عنا معهم وأصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين اللهم إنا نسألك أن تنصر إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك اللهم أنصرهم على عدوهم اللهم ثبت أقدامهم اللهم أنزل بعدوهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين اللهم اجعل لنا من هذا الفعل المنكر الذي قام به النصارى عبرة وعظة حتى نعرف مدى ما يكنه النصارى من بغضاء وعداوة للمسلمين وحتى نحذرهم وحتى نبغضهم بكل قلوبنا لأنهم أعداء لله وأعداء لرسول الله أرأيتم ماذا يماطلون بقضية البوسنة والهرسك هذه المماطلة العجيبة التي كل من عرفها وكل من سمعها يعلم ما يكيد أعداء الإسلام للمسلمين فنسأل الله تعالى إذ كادوا لنا كيدا أن يكيد لهم كيدا وإنا لنرجوا الله عز وجل أن يرينا بهم ما يسرنا قريبا غير بعيد إنه جواد كريم أيها المسلمون إن الله تعالى يقول (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10) فنقول (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)(الحشر: من الآية10) عباد الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90) (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (النحل:91) واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .