خطبة الجمعة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

الجمعة
السبت 1 جانفي 2000    الموافق لـ : 24 رمضان 1420
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

الحمد لله الذي جعل يوم الجمعة افضل أيام الأسبوع وجعله عيدا للأيام فاختصه بخصائص منها أن فيه ساعة الدعاء فيها مجاب ومسموع وأشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له منه المبدأ وإليه الرجوع وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل هادي وأفضل متبوع صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان في الهدى والتقى والخضوع والخشوع وسلم تسليما كثيرا 

أما بعد

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن لله الأمر كله وبيده الخير كله يخلق ما يشاء ويختار والله ذو الفضل العظيم و اشكروا نعمة الله عليكم فيما خصكم به من الفضائل من بين سائر الأمم وخصكم بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم  وبدين الإسلام الذي هو أفضل الأديان دين الحنيفية السمحة دين تقوم به مصالح الناس في الدنيا والآخرة يدعوا إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال مع التوحيد الخالص لله عز وجل والاتباع الخالص لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومما خصكم الله به من الفضائل هذا اليوم يوم الجمعة الذي ضل الله عنه اليهود والنصارى وهداكم الله تعالى له فإن اليهود والنصارى اختلفوا فيه فضلوا عنه فأضلوا عنه فصار لليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد وضلوا عن عيد الاسبوع الحقيقي وهو يوم الجمعة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم خير من يوم الجمعة هدانا الله له وضل الناس عنه فالناس لنا فيه تبع هو لنا ولليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد) وقد خص الله تعالي هذا اليوم بخصائص كونية وخصائص شرعية فمن خصائصه الكونية ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه إن النبي صلي الله عليه وسلم قال عن يوم الجمعة: ( فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة و فيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة) وفي هذا اليوم ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي فيسأل الله عز وجل خيرا إلا أعطاه إياه وأرجى ساعات هذا اليوم ساعتكم هذه التي تقيمون فيها صلاة الجمعة ففي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (هي ما بين أن يجلس الإمام يعني على المنبر إلى أن تقضى الصلاة ) وكذلك  بعد صلاة العصر إلى الغروب ولكن هذه الساعة ارجي مما بعد العصر فاجتهدوا فيها بالدعاء سواء في الصلاة أو في التأمين على دعاء الخطيب أو فيما بين الخطبتين ومن خصائص هذا اليوم الشرعية أن فيه صلاة الجمعة التي دل الكتاب والسنة على فرضيتها واجمع المسلمون على ذلك قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة:9-10) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( لينتهين أقوام عن تركهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم فليكونا من الغافلين ) وقال صلي الله عليه وعلى آله وسلم: ( من تارك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه ) وقد خص الله تبارك وتعالي هذه الصلاة صلاة الجمعة بخصائص لم تكن للصلوات الأخرى فمنها الغسل فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله :( غسل الجمعة واجب على كل محتلم ) وقال: ( إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) ودخل عثمان بن عفان رضى الله عنه ذات جمعة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب يخطب الناس فعرض به عمر به وقال: ( ما بال رجال يتأخرون بعد النداء)  فقال عثمان رضي الله عنه : ( يا أمير المؤمنين ما ذدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم أقبلت) فقال عمر  فقال عمر رضي الله عنه: ( والوضوء أيضا ) أي وتفعل الوضوء أيضا دون الغسل ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ( إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل) فتأمل أخي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب تكلم على عثمان بحضرة الناس لأنه ترك الغسل ليوم الجمعة ومن خصائص صلاة الجمعة مشروعية التطيب لها ولبس أحسن الثياب ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم  قال (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى أتي المسجد ويركع إن بدا له ولم يؤذي أحدا ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى ) ومن خصائص هذه الصلاة أنه يسن التبكير إليها ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة يعني مثل غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولي فكأنما قرب بدنه ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا اقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ) وفي رواية ( إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول فإذا خرج الإمام أو قال جلس طووا صحفهم وجاءوا يستمعون الذكر ) هذه الساعات تختلف باختلاف طول النهار وقصره ولكن علامة ذلك أن تقسم ما بين طلوع الشمس إلى مجيء الإمام خمسة أقسام فالأول هو الساعة الأولي ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة  ومن خصائص هذه الصلاة وجوب الحضور إليها على من تلزمه من الرجال البالغين العقلاء عند سماع الأذان لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) (الجمعة:9) فلا يجوز التشاغل بعد الآذان الثاني ببيع ولا شراء ولا أجاره ولا غيرها من العقود ؛ولا يصح شيء من الواقعة ممن يلزمه الحضور حتى ولو كان في طريقه إلى المسجد فمثلا لو كان رجلان يمشيان إلى مسجد بعد آذان الجمعة الثاني وباع أحدهما على الأخر شيئا فان البيع حرام والعقد باطل ويجب عليهما أن يترادا فيرد المشتري السلعة إلى صاحبها ويرد السعلة الثمن إلى المشتري ومن خصائص هذه الصلاة وجوب تقدم خطبتين يتضمنان موعظة الناس بحسب ما تقتضيه الحال ووجوب استماع هاتين الخطبتين على كل من يريد الحضور إلى المسجد لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت ) وروي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال ( من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا والذي يقول له أنصت ليست له جمعة ) وعلى هذا فإذا كان الرجل أقبل على المسجد والإمام يخطب وهو يريد أن يصلي في هذا المسجد فإنه لا يحل له أن يتكلم إما إذا سمع خطبة مسجد وهو لا يريد الصلاة فيه  فإنه لا حرج عليه أن يتكلم لأنه ليس بحاضر لهذا المسجد فلا يحل لأحد أن يكلم أحدا والإمام يخطب حتى لو عطس وحمد الله فلا تشمته وإذا سلم عليك فلا ترد السلام فإذا سكت الخطيب فأخبره بما يجب حتى لا يكون في نفسه شيء عليك ومن خصائص هذه الصلاة أنها لا تصلى  في موضعين من البلد بل يجب أن يجتمع الناس في البلد على أمام واحد وفي مسجد واحد إلا ان يكون هناك ضرورة او حاجة فلا بأس بالتعدد حسب الحاجة ومن خصائص هذه الصلاة أنه لا تجمع إليها صلاة العصر فلو فرض أن رجلا مسافرا حضر صلاة الجمعة وهو يريد أن يمشي من حين الصلاة فإنه لا يجمع إليها صلاة العصر حتى ولو كان ذلك في المسجد الحرام لأن صلاة الجمعة صلاة منفردة مستقلة وليست كصلاة الظهر أيها الأخوة المسلمين اغتنموا هذا اليوم بكثرة  الصلاة علي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه من صلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرا اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم ارزقنا اتباعه ظاهرا وباطنا اللهم توفنا على ملته اللهم احشرنا في زمرته اللهم اسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يا رب العالمين والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

الحمد لله على إحسانه وأشكره على توفيقه وامتنانه واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له في الوهيته وربوبيته وسلطانه واشهد محمد عبده ورسوله الذي أيده الله تعالى ببرهانه صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه وأنصاره واعوانه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد

 فيا عباد الله فقد علمتم ما في هذا اليوم المبارك من الخصائص الكونية وبعض الخصائص الشرعية وهذا يعني انه لا ينبغي أن يمر بكم هذا اليوم المبارك مرور سائر الأيام بل اغتنموا المزايا التي جاءت في هذا اليوم وإن كثيرا من الناس وإن كثيرا من الناس لا يهتمون بهذا اليوم ولا يشعرون به وكأنه يوم من سائر الأيام ولكن هذا من الغفلة أو التهاون عظموا ما عظمه  الله ورسوله وانتهزوا الفرصة في هذا اليوم المبارك حتى تكونوا شاكرين لله عز وجل على نعمته التي حباكم بها وأضل عنها اليهود والنصارى مع أنهم كانوا يريدونها وتنازعوا فيها واختلفوا ثم نزعت منهم لأن الاختلاف والنزاع سبب لنزع البركة والخير ولهذا لما خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رمضان ليخبر الناس عن ليلة القدر تلاحا رجلان أي تخاصما تنازعا وتخاصما فرفعت أي رفع  علمها في تلك أي في تلك السنة وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يريد أن يخبرهم بها فالنزاع شر فإياكم والتنازع ولا سيما طلاب العلم فإن عليهم أن يتقوا الله تعالى في أنفسهم وأن يتقوا الله تعالى في مجتمعهم وألا يتنازعوا في دين الله فإن النزاع شر ولهذا لما أتم أمير المؤمنين عثمان ابن عفان رضي الله في مني لما أتم الصلاة بعد ان مضي من خلافته ست او سبع سنين أو ثمان وبلغ ذلك عبد الله ابن مسعود استرجع رضي الله عنه قال إنا لله وإنا إليه راجعون لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ومع أبي بكر وعمر ولكن كان رضي الله عنه يصلى مع عثمان أربعا مع أنه كان ينكرها فقيل له لما يا أبا عبد الرحمن كيف تنكر الإتمام ثم تتم مع عثمان فقال رضي الله عنه الخلاف شر وكان الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله يري أن القنوت في الفجر بدعة وليس بسنة وهو كذلك القنوت في الفجر بدعة وليس بسنة ومن العلماء من ذهب إلى أنه سنة اجتهادا منهم قال الإمام أحمد فإذا صليت وراء إمام يقنت في صلاة الفجر فتابعه على ذلك وأمن على دعائه كل هذا من أجل اجتماع الكلمة وإن بعض الناس ولا سيما بعض طلبة العلم يتنازعون في مسألة من أسهل المسائل وأيسرها وفيها سعة ولكنهم يختلفون فيها البغضاء بينهم وهذه والله محنة؛ محنة عظيمة توجب أن يذل أهل الخير من طلبة العلم عليكم أيها الأخوة عليكم بالاجتماع والائتلاف فإن الله تعالى شرع لهذا المعني العظيم المقصود شرط الاجتماع في الصلوات الخمس والاجتماع في صلاة الجمعة والاجتماع في يوم عرفة وإلى غير ذلك من الأمور التي يتبين للإنسان المتأمل أن الشارع الحكيم له نظر بالغ في اجتماع الناس واجتماع كلمتهم اللهم أجمع كلمتنا على الحق اللهم أجمع كلمتنا على الحق اللهم أجمع كلمتنا على الحق اللهم اجعلنا متآلفين متناصرين في دين الله عز وجل أنك على كل شيء قدير واعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة يعني في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة واكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعظم الله لكم بها أجرا وتمتثلوا بذلك أمر الله عز وجل وتؤدوا شيئا من حقوق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد  اللهم أرض عن خلفائه الراشدين وهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أفضل أتباع المرسلين اللهم أرضى عن الصحابة أجمعين اللهم أرض عن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين  اللهم اجعلنا ممن تبعوهم بإحسان وأرض عنا كما رضيت عنهم يا رب العالمين اللهم انا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وقوتك التي لا تضام وعزك الذي لا يرام نسالك اللهم أن تنصر إخواننا في الشيشان اللهم انصر اخواننا في الشيشان اللهم ثبت أقدامهم اللهم أغفر لموتاهم اللهم اجمع شمل أحيائهم يا رب العالمين اللهم يا يقوي يا عزيز يا غالب يا قهار نسألك اللهم ان تنزل بالروس باسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين اللهم انهم خلق من خلقك أذلاء بين عزتك نسألك اللهم أن تكتب عليهم الذل والخزي والعار حتى يكونوا عبرة للناس اللهم ابدلهم بعد القوة ضعفا و بعد العز ذلا وبعد الغنى فقرا وبعد الجاه خزيا وبعد الاجتماع  تفرقا وبعد الائتلاف تمزقا اللهم أجعلها حربا في اسواقهم وبيوتهم يا رب العالمين اللهم اجعل بأسهم بينهم اللهم أقر أعيننا بخذلانهم سريعا عاجلا غير آجل يا رب العالمين اللهم صلى وسلم على عبدك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .