خطبة سيرة النبي صلي الله عليه وسلم الشيخ محمد بن صالح العثيمين

سيرة النبي صلي الله عليه وسلم
السبت 1 جانفي 2000    الموافق لـ : 24 رمضان 1420
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ونشكره على ما أولانا من واسع كرمه وفضله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هدى من هدى بفضله وأضل من أضل بحكمته وعدله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المجتبى المختار من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين

 أما بعد

فيا أيها  المسلمون احرصوا على معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن معرفة سيرته تزيد الإنسان إيماناً به وحباً له وإتباعاً لشريعته وصلاح في قلبه وهذا يعرفه يعرفه من  طالع سيرة  النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن أحسن من كتب في سيرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما كتبه ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية والنهاية وما كتبه ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد الميعاد في هدي خير العباد أيها المسلمون إني أحث نفسكم وإياكم على معرفة سيرة نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما في ذلك من الفوائد التي ذكرناها ولما في ذلك قضاء حقه علينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنه لا يليق بنا ونحن نؤمن بالله ورسوله أن نجهل متى ولد الرسول أو نجهل متى هاجر الرسول أو نجهل ما هي غزوات الرسول أو نجهل متى مات الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم نعم إنه لا يليق بنا أن نجهل ذلك وهو رسولنا وإمامنا وأسوتنا وقدوتنا وقائدنا إلى مرضاة الله عز وجل فنسأل الله تعالى أن يملأ قلوبنا بمحبته ومحبة رسوله وأن يجعلنا من المتبعين له ظاهراً وباطنا أيها الأخوة في هذا الشهر شهر ربيع الأول من العام الثالث عشر من البعثة وصل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة مهاجراً من مكة البلد الأول للوحي وأحب البلاد إلى الله ورسوله بإذن من ربه بعد أن أقام بمكة ثلاثة عشر سنه يبلغ رسالة ربه ويدعو إليه على بصيرة فلم يجد من أكثر......قريش   والإذاء الشديد للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن آمن به حتى آل بهم الأمر إلى تنفيذ خطة المكر والخداع لقتل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكنهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين أجتمع كبار قريش في دار الندوة وتشاورا ماذا يفعلون بهذا الرجل الذي سفه عقولهم وعاب أصنامهم ماذا يفعلون به حين رأءوا أصحابه أيضاً يهاجرون إلى المدينة لأنه لابد أن يلحق بهم ويجد النصرة العون من الأنصار الذين بايعوه رضي الله عنهم على أن يمنعهم مما يمنعون منه أبناءهم ونساءهم وحينئذ تكون له الدولة على قريش فقال عدو الله أبو جهل الذي كان يلقبه قريش أبو الحكم ولكنه بعيد عن الحكمة بل هو سفيه جاهل ولهذا كان أصدق وصف عليه أن يوصف بأبي جهل قال أبو جهل الرأي أن نأخذ من كل قبيلة فتى شاباً جلدا ثم نعطي كل واحد سيفاً صارما ثم يعمد إلى محمد فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه ونستريح منه ويتفرق دمه في القبائل فلا تستطيع بنو عبد مناف يعني عشيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يحاربوا قومه جميعاً وحينئذ يرضخوا ويرضون للدية فنعطيهم إياها الله أكبر يا عباد الله هكذا يخطط أعداء الله للقضاء على رسول الله وإذا قضوا على رسول الله فإنما يقضون على ما بقي من شريعة الله هكذا يخططون وبهذا القدر من المكر والخديعة ولكنهم يمكرون ويمكر الله كما قال الله عز وجل : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) ثلاثة آراء ليثبتوك يعني الحبس أو يقتلوك أو يخرجوك قال الله عز وجل : ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) فأعلم الله نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما أراد المشركين وأذن له بالهجرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يخرج من البلد الذي أنزل الله له الوحي فيه إلا بإذن الله عز وجل فأذن الله له بالهجرة وكان أبو بكر رضي الله عنه قد تجهز من قبله للهجرة إلى المدينة فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي فتأخر أبو بكر رضي الله عنه ليصحب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت عائشة رضي الله عنها فبينما نحن في بيت أبي بكر في نهر الظهيرة في منتصف النهار إذا برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند الباب متقنعاً فقال أبو بكر فداء له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر فدخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال لأبي بكر أخرج من عندك لأن الكلام كلام سر خطير قال له أخرج من عندك فقال يا رسول الله إنما هم أهلك بأبي وأمي فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له كلمته السرية أنه قد أذن لي في الخروج فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله قال نعم فقال يا رسول الله فخذ إحدى راحلتين هاتين فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالثمن وأبا أن يقبل ذلك هدية لأنه سوف يرتحل هذه الناقة إلي المدينة مهاجراً بأمر الله عز وجل قال النبي صلى الله عليه وسلم بالثمن ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر فأقاما في غار جبل ثور ثلاثة ليالي يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما وكان غلاماً شاباً ذكياً واعياً ينطلق في آخر الليل فيصبح مع قريش فلا يسمع بخبر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبه إلا وعاه حتى يأتي به إليهما حين يختلط الظلام فجعلت قرش تطلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كل وجه حين علموا بخروجه وتسعى بكل وسيلة ليدركوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى جعلوا لمن يأتي بهما أو بأحدهما ديته كاملة مائة من الإبل ولكن ولكن الله كان معهما يحفظهما بعنايته ويراعاهما برعايته حتى إن قريشاً يا عباد الله ليقفون على باب الغار فلا يرونهما قال أبو بكر رضي الله عنه قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أن أحدهما نظر إلى قدميه لأبصرنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم قال بقلب ثابت مطمئن لا تحزن إن الله معنا ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما وماذا هذا وماذا هذا القلب المطمئن إلا مؤمناً بالله عز وجل واثقاً بنصره فانظروا أيها الأخوة إلى طمأنينة قلوب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في المضايق الحرجة كيف يؤمنون بالله ويثقون به أتم الثقة واربطوا هذه القضية بقضية موسى مع قومه حين خرج من مصر فأتبعه فرعون فلما وصلوا إلى البحر الأحمر قال أصحاب موسى إن لمدركون البحر أمامنا وفرعون وجنوده خلفنا فنحن مدركون هالكون فقال موسى كلا إن معي ربي سيهدين فأمر الله موسى أن يضرب بعصاه البحر فضربه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم فأنجى الله موسى وأهلك فرعون وقومه أيها الأخوة المسلمون هكذا يكون الإيمان في حال الشدة وفي حال الحرج متعلقاً بالله واثقاً به وثق أيها الأخ المؤمن أنك متى وثقت بالله عز وجل فستجد الكفاية : ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية يا رب العالمين أيها الأخوة أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الغار حتى إذا سكن الطلب عنه وعن صاحبه خرجا من الغار بعد ثلاث متجهان إلى المدينة على طريق الساحل فلحقهما سراقه بن مالك المدلجي على فرس له وانتبهوا لهذه القصة لحقهم على فرس له فألتفت فقال يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا تحزن إن الله معنا فدنى سراقه منهما حتى إذا سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم غاصت يداه فرسه في الأرض حتى مس بطنها الأرض وكانت أرض صلبة ولكن الله عز وجل جعلها رخوة بأمره وكل شيء خاضع لأمر الله فنزل سراقه فزجر الفرس فنهضت فلما أخرجت يداها فلما أخرجت يديها صار لأثرهما عثان  ساطع في السماء مثل الدخان قال سراقه فوقع في نفسي أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فناديتهم بالأمان فوقف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن معه فركبت فرسي حتى جئتهم وأخبرتهم بما يريد الناس بهم وعزمت وعرضت عليهم الزاد والمتاع وقال للنبي صلى الله عليه وسلم أعني سراقه إنك تمر على إبلي وغنمي بمكان كذا فخذ منها حاجتك فقال لا حاجة لي في ذلك فقال أخفي عنا فرجع سراقه رضي الله عنه وجعل لا يلقى أحد من الطلب الذين لا يريدون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا رده وقال كفيتم هذه الجهة أيها الأخوة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر رجل ينطلق على فرسه طالباً النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبه ليلحق بهما فيفخر بتسليمها إلى أعدائهم من الكفار فلم ينقلب حتى عاد ناصراً معيناً مدافعا يعرض عليهم الزاد والمتاع وما يريدانه من إبله وغنمه ويرد عن جهتهما كل من أقبل نحوهما وهكذا أيها الأخوة كل من كان الله معه فلن يضره أحد وستكون العاقبة له اللهم اجعلنا من المتقين المحسنين الذين يفوزون بمعيتك يا رب العالمين إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ولما سمع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار بخروج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليهم كانوا رضي الله عنهم يخرجون صباح كل يوم إلى الحرة ينتظرون قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه حتى يطردهم حر الشمس فلما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتعالى النهار وأشتد الحر رجعوا إلى بيوتهم وإذا رجل من اليهود على أطوم من آطام المدينة ينظر إلى حاجة له فأبصر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه مقبلين يزول بهم السراب فلم يملك هذا اليهودي أن نادى بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدكم يعني هذا حظكم وعزكم الذي تنتظرون فهب المسلمون للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم السلاح تعظيماً وإحلالاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإذناً باستعدادهم والدفاع دونه رضي الله عنهم فتلقوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بظاهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين ونزل في بني عمرو بن عوف في قباء وأقام فيهم بضع ليال وأسس المسجد ثم أرتحل إلى المدينة والناس معه وآخرون يتلقونه في الطرقات قال أبو بكر رضي الله عنه خرج الناس حين قدمنا المدينة في الطرق وعلى البيوت والغلمان والخدم يقولون الله أكبر جاء رسول الله الله أكبر جاء محمد وقال أنس بن مالك رضي الله عنه إني لأسعى بين الغلمان وأنا يومئذً غلام والناس يقولون جاء محمد جاء محمد هكذا يرددون هذه الكلمات فرحاً بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أحق الناس إليهم فيا له من مقدم ملأ القلوب فرحاً وسروراً وملأ الآفاق بهجة ونورا فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكل قبيلة من الأنصار تنازع الأخرى زمام ناقته النزول عندنا يا رسول الله في العدد والعدة والمنعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول دعوها فإنها مأمورة وإنما أنزل حيث أنزلني الله عز وجل صلوات الله وسلامه عليه ما أعظم عبوديته للرب وما أوثق نفسه بوعد الله فلما انتهت به الناقة إلى مكان مسجده الآن بركت فلم ينزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر هل بروكها لحكمة أم لغير ذلك لم ينزل عنها حتى وثبت ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أطلق لها الزمام فسارت غير بعيد ثم ألتفت خلفها فعادت إلى مكانها الأول فبركت فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا إن شاء الله المنزل وكان هذا المكان لغلامين يتيمن فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فساومهما ليشتريهما منهما ليتخذه مسجدا فقال بل نهبه لك يا رسول فأبى أن يقبله منهما هبه وحينئذ قد تقولون لماذا أبتاع النبي صلى الله عليه وسلم هذين اليتمين وهما يتمان لا يصح تصرفهما بذلك ولكننا نقول إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أولى بالمؤمنين بأنفسهم ولهذا لما عرضوا المكان هبه أبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقبله هبه لأن لا يضيع ماهيتهما عليهما حتى اشتراه منهما وقال أي بيوتنا أقرب قال أبو أيوب أنا يا رسول الله هذه داري وهذا بابي قال فأنطلق فهيئ لنا مقيلا ففعل أبو أيوب رضي الله ثم جاء فقال قوما على بركة الله ثم جاء في أثناء ذلك عبد الله بن سلامة رضي الله عنه وكان حبراً من أحبار اليهود أي عالم من علمائهم فقال أشهد أنك رسول الله وأنك جئت بحق ولقد علمت اليهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلهم وابن أعلمهم فادعوا فأسألهم عني قبل أن يعلموا أني أسلمت فإنهم إن علموا أني أسلمت قالوا في ما ليس في فأرسل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى اليهود فأتوا إليه فقال يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق قالوا ما نعلم ذلك وصدق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكذبت اليهود قال فأي رجل فيكم عبد الله بن سلامة قالوا سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا قال أرايتم إن أسلم قالوا حاشى لله من كان أن ليسلم فأعاد عليهم فأعادوا وكان عبد الله بن سلامه قد أختبى لينظر ماذا يقولون فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا ابن سلامة أخرج عليهم فخرج فقال يا معشر اليهود اتقوا الله يقوله عبد الله بن سلامة يا معشر اليهود اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو أنكم لتعلمون أنه رسول الله وأنه جاء بحق فقالوا كذبت ولكنه صدق وكذبت اليهود فأخرجه النبي صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألم أخبرك يا رسول أنهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور أيها المسلمون هذه هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج من بلده ليقيم دعوة الله ويصلح بها عباد الله وكان من جملة إصلاحاته التي أبتدأ بها قبل إصلاح مساكنه كان من ذلك إقامة المسجد قبل المسكن فقد بني صلى الله عليه وسلم المسجد قبل أن يبني بيوت أهله ولهذا يجب على مخططي الأراضي أن يعتنوا بأمكنة المساجد وأن يجعلوها في الأماكن المناسبة قبل أن تخطط البيوت أيها المسلمون اتخذوا من هذه الهجرة عبره اتخذوا من هذه الهجرة عبره واقرءوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لتدركوا منها ما تطمئن بها القلوب ويزداد الإيمان ويرتقي بها الإنسان إلى معالي الأخلاق اللهم إنا نسألك أن تهدينا إلى أحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي إلى أحسنها إلا أنت وأن تصرف عنا سيئ الأخلاق والأعمال لا يصرف عنا سيئها إلا أنت اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين         

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين أصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الحمد في الآخرة والأولى وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اهتدى وسلم تسليماً

 أما بعد

أما بعد فيا أيها الناس فلقد سمعتم ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الهجرة حيث كان في بلد لم يهتم به ولم يقبل دعوته إلا قليل من الناس أما الكبراء والأعيان فلم يقبلوا ذلك ولكن الله سبحانه وتعالى أذن لرسوله بالهجرة ليقم دولة إسلامية وأمة متمسكة بدين الله ثم أذن الله لهم بالقتال حتى دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في السنة الثامنة من الهجرة في رمضان دخل مكة فاتحاً منصوراً مظفرا ووقف على الباب يقول لكبراء مكة ما تظنون أني فاعل بكم قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال اذهبوا فانتم الطلقاء ولعلكم تتسألون هل انقطعت الهجرة بعد الهجرة الأولى التي هاجر فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مكة والجواب لا لم تنقطع لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها ولكن هناك هجر أخرى غير هجر الأوطان ألا وهي هجرة المعاصي أن يهجر الإنسان معاصي الله عز وجل أن لا يرتكب ما حرم الله عليه أن لا يترك ما أوجب الله عليه وهناك هجرة أن يهجر الإنسان قرناء السوء أن يهجر الإنسان قرناء السوء فلا يجلس إليهم ولا يتحدث إليهم حديثاً يآثم به ولكن لا مانع من أن يدعوهم إلى الله وينصحنهم النصية الواجبة عليه هناك أيضاً هجرة أخرى أن تهجر أهل المعاصي إذا كان في هجرهم فائدة وانتقالهم من المعاصي إلى الطاعات فإن هجرهم حينئذ يكون واجبا وقد أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يهجر الصحابة كعب بن مالك رضي الله عنه وصاحبيه فهجروهم حتى أنزل الله توبتهم فإذا كان الإنسان يرى إنسان مصر على المعصية فنصحه ولكن أصر فإنه يهجره إذا كان في هجره مصلحة وفائدة أما إذا لم يكن في هجره مصلحة وفائدة فإنه لا يهجره لأنه مؤمن وهجر المؤمن محرم فوق ثلاث لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهم الذي يبدأ بالسلام وإنما قلت إن العاصية إن العاصية مؤمن لا أريد أنه كامل الإيمان بل هو مؤمن ناقص الإيمان إيمانه ناقص بحسب ما ترك من واجب أو فعل من معصية ولكن أصل الإيمان في قلبه فالرجل الذي يفعل المعاصي لكن معه أصل الإيمان ليس بكافر لكنه مؤمن ناقص الإيمان وحينئذ لا نهجره إلا إذا كان في هجره فائدة أما الكافر فيهجر فإذا كان رجل لا يصلي فإننا نهجره لأنه لا فائدة من الكلام معه إذا أن الذي لا يصلي كافر خارج عن ملة الإسلام ليس من المسلمين في شيء لكن علينا أن دعوه إلى الله علينا أن ندعوه إلى الدخول في الإسلام مرة أخرى ليجدد إسلامه من جديد والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير كما قال الله تعالى للمؤمنين : (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) اللهم إنا نسألك أن تعيننا على هجر المعاصي ما ظهر منها وما بطن اللهم اجعلنا من المؤمنين المتقين الذين يهجرون ما تكره ويفعلون ما تحب يا رب العالمين وأعلموا أيها الأخوة أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد رسول الله وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ , شذ في النار وأعلموا أن الله أمركم بأن تصلوا وتسلموا على نبيه في قوله : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) اللهم سمعنا لك وطاعة اللهم صلي وسلم على عبد ورسولك محمد اللهم ارزقنا محبته وإتباعه ظاهراً وباطنا اللهم توفنا على ملته اللهم احشرنا في زمرته اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم اسقنا من حوضه اللهم أجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم أرضى عن خلفائه الراشدين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم أرضى عنا معهم واصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين اللهم إنا نسألك أن تنصر المسلمين في كل مكان اللهم أنصر المسلمين في كل مكان اللهم أنصر المسلمين في كل مكان اللهم أجمع كلمتهم على الحق اللهم يسرهم لليسرى وجنبهم العسرى وأغفر لهم في الآخرة والأولى اللهم أنصر إخواننا البوسنة والهرسك على أعدائهم الصرب اللهم أنصرهم عليهم نصراً موزراء وأفتح عليهم فتحاً مبيناً يا رب العالمين اللهم دمر الصرب ومن ساعدهم على المسلمين يا رب العالمين اللهم إنا نسألك أن تزلزل بالصرب الطاغيين الظالمين اللهم زلزل أقدامهم اللهم أهزمهم اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد على القوم المجرمين يا رب العالمين اللهم أكتب ذلك لكل من اعتدى على المسلمين إنك علي كل شيء قدير ربنا أغفر لنا وإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم أيها الأخوة إنني اكرر وأعيد أن تقرءوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من الكتب المعتمدة مثل البداية والنهاية لأبن كثير وزاد المعاد لأبن القيم وفقني الله وإياكم لكل خير وجنبا كل شر إنه على كل شيء قدير والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين