إن الحمد لله نحمده نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير وأشهد أن محمد عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن على هديهم يسير وسلم تسليماً كثيرا

 أما بعد

فيا عباد الله تحدثنا إليكم قبل جمعة عن هذا الدين القويم الذي بعث الله به محمد خاتم النبيين وإمام المتقين بعثه رحمه للعالمين وحجة على من أرسل عليهم أجمعين أكمل الله هذا الدين في العقيدة وفي العبادة وفي الأخلاق وفي المعاملة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق وتكلمنا في ما تحدثنا به سابقاً على آداب في الأكل وآداب في الشرب وآداب في التخلي منهما ونرجوا الله تعالى أن يكون حديثنا حل في آذان سامعة وقلوب واعية فبشر عباد الذين يستعمون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولي الألباب أما في هذه الجمعة سيكون حديثنا إن شاء الله في آداب في اللباس وآداب في النوم وآداب في دخول المنزل وآداب في الخروج منه وآداب في معاملة الناس وآداب عامة إن أمكننا أن نحيط بذلك كله وإلا فبما تيسر ففي اللباس أمتن الله تعالى على عباده فقال جل وعلا : (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً) قال العلماء الريش هو ثياب الزينة ولكن الله تعالى بين أن هناك لباساً ثالثاً خير منهما وهو لباس التقوى فقال : ( وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ ) فهل يمكن أن نحول هذا اللباس الذي يواري سوآتنا وهذا الريش الذي به تجملنا فهل يمكن أن نحوله إلى لباس من التقوى نعم يمكن هذا إذا تأدبنا بالآداب التي جاءت بها شريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمن ذلك إذا أردت أن تلبس فأبدأ باليمين أدخل اليد اليمني قبل اليسرى أدخل الرجل اليمني في السروال قبل اليسرى وفي الخلع على العكس من ذلك فأخلع اليسرى قبل اليمنى هكذا جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم  حتى في لباس النعل أبدا باليمنى وفي الخلع باليسرى وإذا لبست شيئاً جديداً فأحمد الله الذي رزقك إياه من غير حول منك ولا قوة فلو لا أن الله أن تعالى رزقك إياه ما استطعت أن تلبسه إما لعدم النفقة وإما لعدم هذا اللباس ولكن الله تعالى يسره لك فأحمد الله على ذلك قل الحمد الذي رزقني إياه من غير حول مني ولا قوة وأحرص على أن يكون لباسك جميلاً من غير سرف ولا مخيلة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم  رغب في ذلك حين قال الصحابة رضي الله عنهم إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسن ونعله حسنا فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن الله جميل يحب الجمال يعني يحب التجمل ثم قال الكبر بطر الحق وغمط  الناس وبطر الحق رده وغمط الناس احتقارهم وليس الكبر أن يلبس الإنسان شيئاً جديداً أو شيئا حسنا لا الكبر هو بطر الحق وغمط  الناس كما عرفه بذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأجتنب ما حرم الله عليك من اللباس أجتنب ما حرم الله عليك من اللباس فمنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حرم على ذكور أمته لباس الذهب سواء كان خاتماً أو قلادة أو سواراً أو ساعة أو غير ذلك وتوعد النبي صلى الله عليه وسلم الرجل وتوعد النبي صلى الله عليه وسلم الرجل ينزل ثوبه أو سرواله أو عباءته عن الكعبين فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قالها ثلاثة صلى الله عليه وعلى آله سلم تحذيراً من ذلك فقال أبو ذر رضي الله عنه خابوا وخسروا يا رسول الله من هم قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب وقال ما أسفل من الكعبين ففي النار قد يقول قائل ما أسفل من الكعبين ففي النار إذا كان خيلا ولكن هذا القول لا يصح لأنه هنا عملين وجزأين كلاهما مختلف أما العمل الأول فهو الذي يسبل حتى يجر ثوبه خيلا فجزاءه هذا أن الله لا يكلمه يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم أربعة جزاءات عظيمة أما الثاني فهو الذي يكون ثوبه أو سرواله أو مشلحه أسفل من الكعبين هذا لا يكون عليه هذا الجزاء ولا يستحق ولكنه يستحق أن يعذب ما نزل عن الكعبين في النار بمعنى أن عذابه يكون عذابه جزئياً بقدر ما نزل من ثوبه أو سرواله أو عباءته ولعل قائل يقول كيف يكون العذاب الجزئي على بعض البدن فنقول نعم هكذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألم تر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين رأى في أصحابه تفريطاً في غسل الأقدام عند الوضوء نادى بأعلى صوته قال ويل للأعقاب من النار فجعل العقوبة هنا جزئية لأن التفريط إنما حصل في جزء من البدن فكانت العقوبة على هذا الجزء ولا هذا لا يصح أن يحمل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما أسفل من الكعبين ففي النار علي قوله من جر ثوبه خيلا لم ينظر الله إليه وذلك للفرق بين العملين والجزأين وحرم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتشبه الرجال بالنساء أو الرجال بالنساء في اللباس أو غيره حتى في تقليد الأصوات لا يحل للرجل أن يقلد صوتاً امرأة ولا لامرأة أن تقلد صوت رجل لأن الله تعالى فارق بين الجنسين خلقةً وخلقاً واستعداداً واستقبالاً وتنفيذ فقد أعلن صلى الله عليه وسلم قوله ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن فاستغرب النساء ذلك فقالوا يا رسول الله ما نقصان دينها قال أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم قالوا وما نقصان عقلها قال أليست شهادة الرجلين بشهادة امرأتين فأنظر كيف أورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين أن يبين السبب في التميز بين الجنسين فأجاب بهذا الجواب السديد الصواب وبه يعرف وبه يعرف ضلال من حاول أن يساوي بين الجنسين في الأمور كلها وقال عن هذا من مقتضى الدين الإسلامي لأن الدين الإسلامي دين المساواة هكذا زعم والدين الإسلامي ليس دين المساواة الدين الإسلامي دين العدل (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ) فهو دين العدل الذي يعطي كل إنسان ما يستحق فإذا تساوي الناس في أسباب الحقوق ومتقضياتها صاروا سواءً أما مع الاختلاف فلا شك أن الإسلام يفرق بين المتفرقين ويساوي بين المتساوين ولهذا نرى أن هذه العبارة أن الدين الإسلامي دين المساواة عبارة غير صحيحة وأن العبارة الصحيحة هي أن تقول إن الدين الإسلامي دين العدل ( وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) أعدلوا هو أقرب إلى التقوى ولم يأت نص واحد يقول فيه أن دين الإسلام دين المساواة إن دين الإسلام دين المساواة أبداً وهذه العبارة ربما يقصد بها قائلها أمراً لا يجتمع مع الإسلام في شي مثل أن يقول المؤمن والفاسق سواء المؤمن والكافر سواء كل منهم إنسان كل منهما من بني آدم وما أشبه ذلك من العبارات الموهمة أيها الأخوة هذه آداب اللباس وبه يعرف أن اللباس الحسي يمكن أن يتحول إلى لباس معنوي أي لباس التقوى وذلك بالتزام الآداب الإسلامية في الثياب وغيرها من اللباس وأما الآداب في النوم فمن المعلوم أن النوم أمر طبيعي لا يمكن أن يتخلي الإنسان منه إلا لمرض واختلال طبيعة فهل يمكن أن يكون هذا النوم الذي هو مقتضى الطبيعة أن يكون من الأمور الشرعية نعم يمكن أن يكون منامك أجراً وثواباً وحسنات إذا التزمت في ذلك الآداب الشرعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمن ذلك أن تنوي بمنامك راحة بدنك أن تنوي بمنامك راحة بدنك لأن نيتك هذه لك فيها ثواب ولهذا لما قال رجل من الرجال الثلاثة أنا أقوم ولا أنام بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ذلك ليس من سنته ولما قال عبد الله بن عمرو بن العاص أقوم ولا أنام قال له النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم قم ونم فإن لنفسك عليك حقا ولربك عليك حقا وينبغي للإنسان إذا أراد أن ينام أن ينام علي الجنب الأيمن كما أمر بذلك النبي صلي الله عليه وسلم ويقرأ آية الكرسي إذا أوي إلي فراشه وآية الكرسي هي قول الله تعالي : (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) إلي قوله : ( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) في أول الجزء الثالث من القرآن الكريم وهذه الآية هي أعظم آية في كتاب الله كما ثبت ذلك عن النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم ومن قراءها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح ويقرأ كذلك إذا أوى إلى فراشه : (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) يجمع كفيه وينفث فيهما ويقرأ هذه السور ثم يمسح بهما استطاع من جسده ثلاثة مرات ويقول أيضاً إذا أوى إلى فراشه باسمك اللهم أحيا وأموت ويقول أيضاً إذا وضع جنبه باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فأرحمها وإن أرسلتها فأحفظها بما تحفظ عبادك الصالحين هكذا يقول لأن الله تعالى قد يمسك النفس عند النوم حتى يموت الإنسان ويموت وهو نائم قال الله تعالى : (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ) فسبحانك اللهم وبحمدك الأمر كله بيدك والملك ملك والعباد عبادك وإذا أستيقظ فليذكر الله تعالى يقول لا إله إلا الله وليقرأ قول الله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ) حتى يكمل السورة سورة آل عمران وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أستيقظ من منامه قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور وقوله أحيانا بعد ما أماتنا لأن النوم ميتة صغرى يستدل بها الإنسان على قدر الله عز وجل وأن الذي رد روحه بعد موته هذه الميتة الصغرى قادر على أن يردها إذا أحياه من قبره يوم القيامة ولهذا قال بعد قوله بعد ما أماتنا قال وإليه النشور أي سوف ننشر إلى الله عز جل يوم القيامة أسال الله سبحانه وتعالى أن يرزقني وإياكم علماً نافعا وعملاً صالحا ورزقا طيباً واسعا وأن يرزقنا التمسك بهدي سيد المرسلين وإمام المتقين حتى نكون حتى نكون من أولئك المتقين المفلحين الذين يحشرون في زمرته إنه على كل شيء قدير والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسيكون تكميل الآداب الإسلامية في خطبة قادمة إن شاء الله تعالى

الحمد لله كثيراً كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشكر به وكفر وأشهد أن محمد عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب محشر وللتابعين لهم بإحسان ما بدأ الفجر وأنور وسلم تسليماً كثيرا

أما بعد