خطبة الحث على زكاة الفطر وبعض أحكامها الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

الحث على زكاة الفطر وبعض أحكامها
الجمعة 25 رمضان 1426 هـ   الموافق لـ : 28 أكتوبر 2005 م

تفريغ الخطبة

  الحث على زكاة الفطر وبعض أحكامها

خطبة جمعة بتاريخ / 25-9-1426 هـ

 

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد عباد الله : اتقوا الله والتمسوا من العمل ما يحبُّه ويرضاه لعلكم ترحمون ، واجتنبوا ما يُسخطه ويكرهه لعلّكم تتقون .

عباد الله : هذا شهر رمضان قد تقارب تمامه وتصرَّمت لياليه الفاضلة وأيامه ؛ فمن كان منّا محسناً فيه فعليه بالإكمال والإتمام ، ومن كان مقصِّراً فليختمه بالتوبة والاستدراك ؛ فالعمل بالخِتام .

واعلموا - رعاكم الله - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فرض في تمام هذا الشهر صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والعبد والصغير والكبير ؛ صاعٌ من برّ أو أقطٍ أو تمر أو زبيب أو شعير ، وأمَر أن تُؤدَّى قبل الصلاة ، وكان الصحابة رضي الله عنهم - وهم النهاية في المسابقة والفضائل - يؤدونها قبل العيد بيوم أو يومين، فطهِّروا -عباد الله- صيامكم بإخراجها رغبة في اتباع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم واغتناماً لأجرها العظيم ، وحسِّنوها وكملوها ولتكن من أطيب أموالكم الذي تجدون ، فــ ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحبُّونَ﴾ [آل عمران:٩٢] ، ولا تيمموا - عباد الله - الخبيث وهو الرديء منه تنفقون ، فكيف ترضون لربكم ما ليس لأنفسكم ترضون!!

عباد الله : من فهم ما في زكاة الفطر من المنافع والحكم والأسرار وما توجبه من الثواب وتحطه من الأوزار لم يتوقف في اختيار الأجود فيها ، ولم يُطع الشُّح في العدول إلى الرديء فإن الله جلّ وعلا قد وقف عليها الفلاح ، والنبي صلى الله عليه وسلم جعلها من الفرائض العظيمة لعظيم ما تحوي عليه من الإصلاح والصلاح ؛ فهي من أجلّ القُرب إلى رب العالمين ومن أفضل ما حض عليه سيد المرسلين ، وهي طُهرة للصائم من اللغو والرفث ، وجبرٌ لما حصل في الصيام من النقص وكفارة ، وهي - عباد الله - من جملة شكر نعمة الله بالتوفيق لصيام رمضان ، وتزكيةٌ للنفوس من الأخلاق الرذيلة وتحليةٌ لها بالأخلاق الفاضلة الجميلة، وفيها - عباد الله - إِغناءٌ للفقراء في ذلك اليوم الكريم الذي يتكرر على المسلمين بالخير والسرور والفضل العظيم ، وهي شكر لله لنعمه سبحانه بسلامة الأديان والأبدان ، وفداءٌ وكفارة للصائمين .

عباد الله : إن المؤمن الموفَّق يحمد ربه سبحانه حيث أقدره على أداء هذه الفريضة الجليلة فيختار لها من أجود ماله ما يدرك به الأجور الجزيلة ، ويري من نعمة الله عليه أن جعل يده هي العليا .

ثم عباد الله : على من أُخرجت عنه الزكاة من ولدٍ وزوجةٍ وأهلٍ وخادم أن يحمد الله إذ كان عاجزاً عنها فأوجب على من عليه الأمر - لا على هذا - أوجب عليه أن يُخرج عنه الزكاة ، وعليه أن يشكر من قام بها ويدعو له في حياته وبعد مماته ، فمن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق كما ثبت بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأي معروفٍ أجلّ من معروف من أدَّى عنك فريضة عظيمة تزكي بدنك وأخلاقك وتطهِّر صيامك ويكمل بها إسلامك!! .

عباد الله : وإيّاكم أن تضعوا هذه الزّكاةَ في غير مستحقها الفقيرِ المحتاج ، فمن أعطاها من يعرف أنه غير محتاج لم يُجزِه هذا الإخراج ، ولا يجوز - عباد الله - إخراجها من المال بل الواجب إخراجها من الطّعام . ثم - عباد الله - من علم من نفسه أنه غير محتاج للزّكاة فإنه لا يحلُّ له الأخذ ، فإنْ أخذها فهي حرام عليه لأنها مُخرجة لفقراء المسلمين ومَحاويجهم .

عباد الله : ولا تفرغ الصلاة وأنتم لم توصلوها إلى مستحقها أو وكيله الذي وكله في قبضها ، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى(15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى:١٤-1٧] بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد عباد الله : ومما شرع الله تبارك وتعالى لعباده في تمام الشهر تكبيرُ الله عز وجلّ ، تكبير المانّ والمتفضِّل سبحانه بالصيام والقيام وعموم الطاعات وأنواع العبادات ، قال الله تعالى: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة:١٨٥] .

عباد الله : والسنة في التكبير أن يقول المسلم عند إهلال ليلة العيد : " الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد " يقولها تلك الليلة وفي صبيحة ذلك اليوم وهو في رواحه إلى المصلى إلى أن تبدأ الصلاة .

والسُّنة - عباد الله - أن يقولهَاَ كل مسلم بمفرده ، أما التكبير الجماعي في المساجد أو غيرها فليس من هدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ولا مما كانَ عليه الصحابة الكرام ، فعليكم بالسنة تُفلحوا ، وبالإقتداء بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام تفوزوا وتربحوا ، والكيسُ - عباد الله - من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أَتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله الأماني .

وصلوا وسلموا رعاكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبى بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان ذي النورين ، وأبي الحسنين علي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين ، واحمِ حوزة الدين يا رب العالمين . اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين ، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعنه على البر والتقوى وسدده في أقواله وأعماله ، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة ، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لتحكيم شرعك واتباع نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم .

اللهم آت نفوسنا تقواها ، زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير ، والموت راحةً لنا من كل شر ، اللهم أصلِح ذات بيننا وألف بين قلوبنا ، واهدنا سبل السلام ، وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا واجعلنا مباركين أينما كنا . اللهم أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين يا ذا الجلال والإكرام .

اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنَّا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ، اللهم واجعلنا من عتقائك من النار يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك اللهم من النار وما قرب إليها من قول أو عمل ، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا ، اللهم اسقنا وأغثنا ، اللهم اسقنا وأغثنا ، اللهم اسقنا وأغثنا ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وزدنا ولا تنقصنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن ترزقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .