تفريغ الخطبة
الجزاء من جنس العمل
خطبة جمعة بتاريخ / 4-2-1430 هـ
الحمد لله الكبير المتعال ، له الأسماء الحسنى والصّفات العُلا وله المجد والكمال ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واسع الفضل والعطاء والنَّوال ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله وسلّم عليه وعلى الصّحب والآل أما بعد عباد الله : اتقوا الله تعالى وراقبوه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعه ويراه ، واعلموا أنّ تقوى الله جلّ وعلا خير زاد يبلّغ إلى رضوان الله .
ثم اعلموا - رحمكم الله - أنّ الله جلّ وعلا بحكمته قضى أنَّ الجزاء من جنس العمل في الخير والشّر ، ليعرف العباد أنه حليمٌ عليمٌ رؤوفٌ رحيم ، وليرغبوا في الخير ويحذروا من أسباب العذاب الأليم ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) .
فالله جلّ وعلا طيّب لا يقبل من الأعمال والأقوال والنفقات إلا طيّباً ، جوادٌ يحب أهلَ الجود ، كريمٌ يحبُّ أهل الكرم ، وما نقصت صدقة من مالٍ بل تزيده ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً ، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه ، ومن أحسن إلى الخلق أحسن الله إليه ، ومن عفى عنهم عفى الله عنه ، ومن تكبّر عليهم وضعه الله ، ومن يسَّر على معسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن فرَّج عن مسلمٍ كربة ًمن كرب الدّنيا فرّج الله عنه كربة ًمن كرب يوم القيامة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه , ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة ، ومن أنفق لله أخلف الله عليه ، ومن أمسك عمّا عليه أتلفه الله ، وما ظهر الغلول وأكل المال بغير الحق في قوم إلا أوقع الله في قلوبهم الرعب وابتلاهم الله بالذّل ، وما نقص قومٌ من المكيال والميزان إلا قَطَع عنهم الرِّزق ، وما نكث قومٌ العهد إلا سلَّط الله عليهم الأعداء ، وما فشا في قوم ٍالزنا إلا كثُر فيهم الوباء والموت ، وما حكم قوم بغير ما أنزل الله إلاّ جعل الله بأسهم بينهم ، ومن وصل رحمه وصله الله ومن قطعها قطعه الله ، ومن آوى إلى الله آواه الله ، ومن استحى من الله استحى الله منه ، ومن أعرض عن الله أعرض الله عنه ، ومن تقرّب إلى الله تقرّب الله منه أكثر من ذلك ، ومن أشبع مسلماً من جوع ٍأطعمه الله من ثمار الجنة ، ومن خذَله خذله الله ، ومن تتبّع عوراتِ المسلمين تتبَّع الله عورتَه وأظهر عيوبه ، ومن سترهم وأغضى عن معائبهم ستره الله ، ومن يستعفف يعفّه الله ، ومن يستغنِ يُغنِه الله ، ومن يصبر يصبِّره الله ، ومن أقال مسلماً بيعته أقاله الله عثرته يوم القيامة ، ومن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّاها الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ، ومن فرَّق بين والدةٍ وولدها فرَّق الله بينه وبين أحبّته ، ومن جمع بين متحابين جمع الله بينه وبين أحبته.
منَّ الله علينا جميعاً بالقيام بالأسباب النّافعة وحمانا من الأسباب الضارّة .
قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] ، وقال تعالى : ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن:٦٠] ، وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى﴾[الروم:١٠]
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم . أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلّى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد عباد الله : اتقوا الله تعالى ، واعلموا - رحمكم الله - أنّ هذه الدار الدنيا دارُ عمل وجدٍّ واجتهادٍ في طاعة الله ، والدّار الآخرة هي دار الجزاء والحساب ، وكل من الدارين مرتحِلة ؛ الدار الدنيا مرتحلة بإدبار ، والدار الآخرة مرتحلة بإقبال كما قال علي رضي الله عنه: " ارْتَحَلَتْ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً وَارْتَحَلَتْ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ ؛ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ ".
والكيّس - عبادَ الله - من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ؛ واعلموا - رحمكم الله - أن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدى محمد ٍصلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمور محدثاتها ، وكلّ محدثة بدعه ، وكلّ بدعة ضلالة ، وعليكم بالجماعة فإنّ يد الله على الجماعة .
وصلُّوا وسلِّموا - رعاكم الله - على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).
اللهم صلِّ على محمّدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد . وارضَ اللهمّ عن الخلفاء الراشدين الأئمّة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهمّ عن الصّحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهمّ أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين ودمِّر أعداء الدين ، اللهم احمِ حوزة الدِّين يا ربَّ العالمين. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمّتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتّبع رضاك يا ربّ العالمين ، اللهمّ وفقْ ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك وأعنه على طاعتك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفّق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك واتّباع سنة نبيّك محمّد ٍصلى الله عليه وسلم .
اللهم آتِ نفوسنا تقواها ، زكِّها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم أصلح ذات بيننا وألِّف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا واجعلنا مباركين أينما كنا . اللهم أصلح لنا شأْننا كلَّه ، اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين وتبْ على التائبين، اللهمّ اشفِ مرضى المسلمين وارحمْ موتاهم ، اللهمَّ وارفع عنّا الغلا والوبا والمحن كلّها والزلازل والفتن ما ظهر منها وما بطن . اللهم أصلح لنا شأننا كلَّه ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهمّ سُقيا رحمة لا سُقيا هدم ولا عذاب ولا غرق. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين ، اللهم اغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر . اللهم إنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنّك أنت الله لا إله إلا أنت يا من وسعت كلَّ شي رحمةً وعلماً أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهمّ اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله وسلّم وبارك وأنعم على عبده ورسله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .