خطبة بعض أنواع الفتن وأسباب السلامة منها الشيخ علي بن يحيى الحدادي

بعض أنواع الفتن وأسباب السلامة منها
الجمعة 20 أفريل 2018    الموافق لـ : 04 شعبان 1439
2.7M
00:11:50
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

الحمد لله الذي (خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعدّ للذين آمنوا وعملوا الصالحات جناتِ الفردوس نزلاً خالدين فيها لا يبغون عنها حِوَلاً وتوعد من أزاغته الفتن بنار جهنم وأعد لهم فيها من فوقهم ومن تحتهم من النار ظُللَاً ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله حذر أمته من الفتن وأمرهم بالتمسك عند هبوبها بالكتاب والسنن صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله تعالى يختبر عباده في هذه الدنيا ويبتليهم ليتبين ويمتاز من يثبت عند الفتن على كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ممن يتبع هواه فيدع ما يعلم من الحق اتباعاً للشبهات أو استمتاعاً بالشهوات. قال تعالى {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} وقال تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} وقال تعالى {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } والفتن متنوعة متعددة حتى ربما لا يخلو الإنسان في لحظة من حياته من فتنة ولكنها تتفاوت كِبرَاً وصِغَراً وخطورة وأثراً. فمن الفتن فتنة المال والولد كما قال تعالى (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) أي أن حب المال قد يوقع العبد في معصية الله وغضبه وذلك حين يكتسبه من وجه حرام كأكل مال اليتيم والسرقة والنهب والاختلاس والرشوة والمتاجرة بالخمور والمخدرات ونحو ذلك، أو يبخل به فيمسكه عن إنفاق ما أوجب الله عليه كمن يبخل بالزكاة والنفقات الواجبة. وحب الولد والزوجة قد يغلب على الإنسان حتى يترك ما أوجب الله عليه من الصلاة المفروضة أو صلاة الجماعة أو طلب العلم الواجب عليه أو الجهاد الواجب عليه أو يحمله على تلبية مطالبهم ورغباتهم التي فيها سخط الله وغضبه. فمن آثر حب الله على حب ماله وأهله وولده وخاف من مقام ربه أشد من خوفه من غضبه أهله وولده فليبشر بالأجر العظيم ولذا قال تعالى {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }  أي من صبر وصابر وثبت فله عند الله أجر عظيم. ومن الفتن فتنة شهوة الفرج والنظر والسمع فإن النفس أمارة بالسوء والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم يزين له معصية الله ويثبطه عن طاعة الله. ومن رحمة الله ولطفه بعبده أن يصرف عنه وجود هذه الفتن فلا يكون له سبيل إليها. لكن إذا وجدت الأسباب وتهيأت السبل كان الاختبار شاقاً شديداً على النفس. فحين يكون السماع المحرم والنظر المحرم والعلاقات المحرمة قريبةَ الحصول سهلة المتناول تكون الفتنة أشد ومجاهدة النفس عن الانزلاق في أوحالها أشق، لذا فإن على المسلم مع تسارع الفتن وانفتاح أبواب الشرور فلا يأتي يوم إلا وهو أشد مما قبله أن يجتهد في تحصيل أسباب العصمة والسلامة والثبات، ومن تلك الأسباب مباعدة أماكن الفتن واجتنابها، ومنها الإقبال على تلاوة القرآن وتدبره والاتعاظ بمواعظه، ومنها دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكيف كانوا يجاهدون الفتن ويحذرونها، ومنها كثرة الدعاء والإلحاحُ فيه بالثبات على الهدى والرشد والاستقامة و كثرة الاستعاذة بالله من الفتن والزيغ والضلالة.  ومنها قيام الليل والاستكثار من نوافل الطاعات فقد رغّب النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة في الفتنة فقال (العبادة في الهرج كهجرة إلي) رواه مسلم. ولما استيقظ صلى الله عليه وسلم فزعاً من نومه مما فتح تلك الليلة من الخزائن وما أنزل تلك الليلة من الفتن قال:  “من يوقظ صواحب الحجرات يعني من يوقظ نساءه للصلاة بالليل والدعاء والتضرع فإنه وقت مبارك ولا سيما في ثلثه الأخير منه. ومنها طلب العلم الشرعي والدراسة على أهله ومصاحبة الأخيار الأبرار العاملين بعلمهم فإن ذلك كله مما يعين العبد بعد توفيق الله على العصمة والسلامة من الفتن. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فاتقو الله عباد الله واعلموا أن من الفتن ما هو أخطر من فتنة الأموال والبطون والفروج ألا وهي فتنة الأهواء المضلة والاعتقادات الفاسدة التي ينشأ عنها تنكب سنة سيد المرسلين ومخالفة سبيل المؤمنين كفتنة عبادة القبور والأضرحة والأولياء بشبهة محبتهم والتوسل بهم إلى الله، وفتنة الغلو في أهل البيت باعتقاد عصمتهم وقدرتهم على التصرف في الكون وجعلهم شركاء لله وأنداداً، وفتنة الإلحاد في أسماء الله وصفاته بجحودها أو تحريف معانيها. وفتنة تكفير المسلمين الموحدين المصلين واستحلال دمائهم، وفتنة الخروج على ولاة الأمور وتخريب الديار وسفك الدماء ونهب الأموال وإفساد الأمن والاجتماع، وفتنة الشك في الله تعالى وفي كتابه ورسوله وفي الدين من أصله أو الكفر بالله واليوم الآخر بسبب مخالطة الملاحدة والكفار والمشركين أو القراءة لهم والاستماع لهم. ومن الفتن التفرق والتنازع في الدين بين الدعاة إلى الله تنازعاً يثمر التباغض والتدابر والتقاطع والتهاجر والتنابز بالألقاب وتجاوز الردود العلمية المبنية على الحجة والدليل مع نزاهة القلم واللسان المعهودة في كل كتب الردود لأئمة السلف إلى المسابة والمشاتمة وغير ذلك مما لا يحسن ذكره.  عباد الله إنها فتن تتفاوت في أحكامها وتبعاتها ولكنها تشترك في أصل الخطر والضرر على دين العبد وآخرته مع ما قد يصيبه من عقوبة عاجلة في هذه الدنيا. فلنحذر يا عباد الله ولنطلب السلامة لأنفسنا ولنتدبر ما نقول وما نكتب وما نأتي وما نذر فنتحرى أن يكون ذلك كله موافقاً للكتاب والسنة وما عليه معتقد سلف الأمة، وليكن الوقوف بين يدي الله وتذكرُ الجزاء والمحاسبة نصبَ أعيننا فهذا يضعف سلطان الهوى والمجاملات لمن لا ينفع رضاه ولا يضر سخطه. معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين. اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئنا وسائر بلاد المسلمين اللَّهُمَّ آمننا في أوطاننا، وأصلح سلطاننا، وولِّ علينا خيارنا، برحمتك يا أرحم الراحمين. عبادَ الله،{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }فاذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.