تفريغ الخطبة
خطبة الاستسقاء بتاريخ 27/2/1427 هـ
الحمد لله العظيم الحليم المجيد ، ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾[الشورى:٢٨] ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أهل الثناء والتمجيد ، شهادةً خالصةً لوجهه الكريم فيها البراءة من الشرك والكفر والتنديد ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الدّاعي إلى كل خُلُقٍ حميد وفعلٍ رشيد وقول سديد ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه صلاةً دائمةً مستمرة في دوامٍ ومزيد .
أما بعد عباد الله : فاتقوا الله تعالى وراقبوه ، راقبوه مراقبةَ من يعلمُ أن ربَّه يسمعُه ويراه ، وأقبِلوا على طاعة الله جلّ وعلا في الشدّة والرخاء ، وتعرَّفوا إليه سبحانه في العُسر واليُسر والمنشَط والمكرَه وفي كل الأحوال .
وإن من عجيب أمر المؤمن - عبادَ الله - أن أمره كله في خير ؛ في شدَّته ورخائه ، وفي سرَّائه وضرائه ، وفي عُسرِه ويُسرِه وفي جميع أحواله ، وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )) رواه مسلم ؛ فالمؤمن - عبادَ الله - في سرّائه شاكرٌ لله جلّ وعلا على نعمائه وجزيلِ عطائه ، وفي ضرائه صابرٌ يرجو ثوابَ الصابرين المحتسبين ، في النعماءِ شاكرٌ لنعماء الله ، وفي ضرائه صابر على قضاءِ الله ، وهو في كل أحواله يرجو رحمةَ الله ويطمَعُ في نوالِه ويعلم أن الفضلَ بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
المؤمن في كل أحواله - عبادَ الله - مُقبِلٌ على الله جلّ وعلا بإخلاصٍ وإنابةٍ وصدقِ ورجاءٍ يطمع في رحمة الله ويخاف من عذابه ويرجو فضله جلّ وعلا ، وهو يعلمُ أن الأمرَ كله بيد الله جلّ وعلا فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، يقول الله جل وعلا : ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل:٦٢] .
عبادَ الله : وإنكم تعلمون ما يحصل في الديار والزروع وللبهائم بسبب قلَّة الأمطار وجُدوبة الأرض من الأضرارِ المتنوعة ، لأن الماءَ هو مادةُ حياتِها كما قال الله عز وجلّ : ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ [الأنبياء:30] ، وقد ندب الله جلّ وعلا عبادَهُ عند احتباسِ الأمطار وقِلَّة نزولِها وجدوبةِ الأرض إلى الإقبال على هذه الصلاةِ الجامعة ، وإلى التوبة والاستغفار ودعاء الله جلّ وعلا بصدقٍ وإلحاح مع يقينٍ تام وثقةٍ بالله أنه جلّ وعلا يجيبُ المضطرين ويغيث الملهوفين ويجبُر المكسورين ، وأنه جلّ وعلا الذي بيده أزمّة الأمور سبحانه ؛ فعلينا -عبادَ الله - أن نقبِل على الله جلّ وعلا بقلوبٍ منيبة ودعواتٍ صادقة وإلحاحٍ على الله جلّ وعلا بدون قنوطٍ أو يأسٍ من روح الله ؛ فـإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .
عباد الله : وإن من أعظم ما يُندب إليه في هذا المقام العظيم الإكثارُ من الاستغفار ، يقول الله جلّ وعلا فيما حكاه عن نبيه نوح عليه السلام أنه قال لقومه : ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح:١٠-١٢] .
خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالناس للاستسقاء فما زادَ على الاستغفار ، فقيل له في ذلك ؟ قال: " لقد سألتُ الله جلّ وعلا بمجَادِيحِ السماء التي يُستَنزلُ بها المطر " . وجاء رجلٌ إلى الحسن البصري رحمه الله يشكو إليه الفقرَ فقال استغفِر الله ، فجاءه آخرُ يشكو جفافَ بستانه فقال: استغفِر الله ، فجاءه ثالثٌ يشكو عدمَ الإنجاب فقال له : استغفِر الله ، فقيل له في ذلك ؟ قال: " لم أزد على كتاب الله جلّ وعلا ، فتلا قول الله سبحانه وتعالى : ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ " .
اللهم إنا نستغفرُك ونتوبُ إليك ، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك ، نستغفرُ الله الحيَّ القيومَ الذي لا إله إلا هو ونتوب إليه ، اللهم اغفر لنا ذنبنا كلَّه دِقَّه وجِله أوله وآخره سِرَّه وعلنه ، اللهم اغفر لنا ما قدّمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت .
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياءِ منهم والأموات ، اللهم اغفر ذنوبَ المذنبين من المسلمين ، وتُب على التائبين ، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونَنَّ من الخاسرين ، لا إله إلا الله ، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين ، اللهم اغفر لنا وتب علينا ، اللهم اغفر لنا وتب علينا ، اللهم اغفر لنا وتب علينا إنك أنت التواب الغفور . لا إله إلا أنت العظيمُ الحليم ، لا إله إلا أنت الولي الحميد ، اللهم أنت الغني ونحن الفقراء فأَنْزِل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين .
اللهم اسقنا وأغثنا ، اللهم اسقنا وأغثنا ، اللهم اسقنا وأغثنا ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وزدنا ولا تنقُصنا ، وآثرنا ولا تُؤْثِر علينا ، اللهم إنا نتوجه إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العظيمة وبأنَّكَ أنت الله الذي لا إله إلا أنت ، يا مَنْ وَسِعْتَ كل شيء رحمةً وعلما اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم سُقيا رحمة لا سُقيا هدمٍ ولا عذابٍ ولا غَرَق ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين ، اللهم أَغِثْ قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر ، اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثا ، هنيئاً مريئا سَحاً طبقا ، نافعاً غير ضار ، عاجلاً غير آجل ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم لا تُؤَاخذنا بما فعله السفهاء منا ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين ، اللهم رحمتَك نرجو فلا تكلنا إلا إليك ، اللهم لا تكلنا إلا إليك ، اللهم لا تكلنا إلا إليك ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم .
وتأسَّوا - رعاكم الله - بنبيكم صلى الله عليه وسلم بقلْب الرداء، تفاؤُلاً بتغير الأحوال وتبدُّلِ الأمور . وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .