تفريغ الخطبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن التفقهَ في الدين هو نِعْمَ العونُ على تقوى الله، فإنَّ العلمَ هو الهادي المرشدُ إلى ما أمركَ الله به، وما نهاكَ عنه، ولـمَّا كانتِ العباداتُ لا تصِحُّ إلا إذا وافقتْ هديَ رسولِ الله ﷺ كان لزاماً على كل مُكلَّفٍ أن يتعلمَ ما تصح به عبادتُه. ومِن هنا جاءَ شَرفُ العلمِ وفضلهُ وأهميتُه قال تعالى منوِّهاً بشأنِ العلمِ وأهلِه: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ وقال تعالى ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ وقال ﷺ: “طلب العلم فريضة على كل مسلم” رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
ومِنْ أَولى العباداتِ بالتفقُّهِ فيها عبادةُ الحج فإنّها لا تؤدى إلا مرةً واحدةً في حالِ عامّةِ الناس، وبعضُ الأخطاءِ في الحجِّ قد تُفضي إلى بطلانهِ أو فَسادِه، وقد يتعذَّرُ تداركُ الخطأ أو يَشقُّ على كثيرٍ ممن يقع فيه للمشقة، أو بُعْدِ المسافة، أو قِلّةِ ذاتِ اليد، لذلك يتأكَّدُ في حقِّ مَن عزم على الحَجِّ أن يتزوَّدَ له بالتفقُّهِ في أحكامه، وأخلاقهِ وآدابهِ، قبل أن يخرجَ إليه؛ حتى يؤديَهُ على أكملِ وجهٍ يمكنه، فإنَّ النبيَّ ﷺ كان حريصاً أن تتعلمَ أُمَّتُه أحكامَ الحجِّ حتى يؤدوه على الوجه المشروع فقد علّم ﷺ الناسَ في المدينة بعضَ أحكامِ الحج قبل أن يخرجوا إلى مكة، وكان يعلمهم وهو في طريقهِ إليها، وكان يؤدي المناسك في حجة الوداع ويقول: ” لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ” رواه مسلم. وكان يركبُ ناقتَهُ في بعضِ المشاعرِ حتى يراهُ الناسُ فيعلِّمَهم، ويسألونه ويجيبَهم.
ومع انفتاحِ مصادرِ المعلوماتِ في هذا العصرِ فإنَّ على المسلمِ أنْ لا يتلقّى المعلوماتِ الشرعيةِ إلا من المصادرِ الموثوقةِ الـمَبْنِيَّةِ على الكتابِ والسنةِ وآثارِ الصحابةِ والتابعينَ لهم بإحسان، وليحذرْ من استفتاءِ الجُهالِ والمجاهيلِ وأهلِ الأهواء وأصحابِ الفتوى بالآراءِ الشاذّةِ المهجورة، فإنّهُ إذا استفتاهم أو رجعَ إلى كتبهم أو مواقِعِهم أضلّوه، وزيَّنوا له البدعَ والمحدثاتِ، والتعبُّدَ للهِ بما لم يشرعه الله ولا رسوله ﷺ.
ومما نحمدُ اللهَ تعالى عليهِ أن وفَّق حكومةَ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ لتيسيرِ سُبلِ التفقُّهِ في الدينِ لكلِّ راغبٍ في تَعَلُّمِ المناسك، وذلك من خلالِ وزارة الشؤون الإسلامية والدعوةِ والإرشاد، فقد سخَّرتْ أمانتَها العامةَ للتوعيةِ الإسلاميةِ لإرشادِ الحجاجِ وإفتائِهم عبرَ علمائِها ودعاتِها ومكاتِبها وهاتِفها المجّاني واتصالها المرئي، وإصداراتها المقروءةِ والمسموعةِ والمرئِيّةِ بعشراتِ اللغات. فجزى اللهُ ولاةَ أمورِنا خيرَ الجزاء، وجعلَ ذلك في موازينِ حسناتِهم. أقولُ هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى، واعلموا أنَّ من رحمةِ الله بعباده أنّه إنما أوجبَ الحجَّ على المستطيع، وأما غيرُ المستطيعِ فلا يجبُ عليه، قال تعالى ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ وإنَّ الدولة وفقها الله بِحُكْمِ مسؤوليتِها عن إدارة الحج، والحفاظِ على أرواحِ الحُجّاجِ وسلامَتِهم والتزامها بتقديمِ أفضلِ الخدماتِ لهم ألزمتْ من أرادَ الحج أن يستخرج تصريحاً بالحج، تحصيلاً للمنافع، ودَفْعاُ للمضار، وإنّ طاعةَ وليِّ الأمرِ من طاعةِ اللهِ وطاعةِ رسولهِ ﷺ، فلا تحجوا إلا بتصريح، ومن لم يحصلْ عليه فهو معذورٌ لأنهُ غيرُ مستطيع، قالت هيئة كبار العلماء في بيانها عن الحج” لا يجوزُ الذهابُ إلى الحج دون أخذِ تصريح، ويأثمُ فاعله؛ لما فيهِ من مخالفةِ أمرِ وليِّ الأمرِ الذي ما صدرَ إلا تحقيقاً للمصَلحةِ العامة، ولا سيما دَفْعَ الإضرارِ بعمومِ الحُجاج، وإن كان الحجُّ حجَّ فريضةٍ ولم يتمكنِ المكلفُ مِنِ استخراجِ تصريحِ الحج فإنّهُ في حُكمِ عَدمِ المستطيع، قال اللهُ تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾، وقال سبحانه؛ ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ انتهى.
اللهم احفظ الحجاجَ والمعتمرين، ويسّرْ لهم أداءَ مناسكِهم آمنين، واجزِ حكومةَ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ خيرَ الجزاء على ما تقومُ به من خدمةٍ فريدةٍ للحرمينِ الشريفينِ وقاصدِيْهما من الحُجّاجِ والعُمّارِ والزُّوار، اللهم أَعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، وانصر عبادَكَ الموحدين، اللهم وفّقْ إمامَنا ووليَّ عهدهِ لما فيهِ رضاك، واجعلْ عملَهم موافقاً لهُداك، وارزقهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا سميع الدعاء، اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذابَ النار. اللهم اغفر للمسلمينَ والمسلمات، والمؤمنينَ والمؤمنات، الأحياءِ منهم والأموات، اللهم صلِّ وسلّمْ على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.