خطبة مكانة الدعاء في شهر الصيام الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

مكانة الدعاء في شهر الصيام
الجمعة 12 أوت 2011    الموافق لـ : 12 رمضان 1432
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

مكانة الدعاء في شهر الصيام

خطبة جمعة بتاريخ / 12-9-1432 هـ

 

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، مَن يهده الله فلا مضلّ له ، ومَن يُضلل فلا هاديَ له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله وصَفيُّه وخليلُه وأمينُه على وحيه ومُبلِّغ الناسِ شرعَه ، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمةَ عليه ولا شرًّا إلا حذَّرها منه  فصلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى ؛ فإن من اتقى الله وقاه ، وأرشدَه إلى خير أمور دينه ودنياه .

أيها المؤمنون : وتقوى الله -جلّ وعلا- عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .

أيها المؤمنون عباد الله : لا نزال نعيش أيام هذا الشهر المبارك - أيامه الفاضلة ولياليه المباركة - فما أشرفها من أيام وما أكرمه من وقت وما أعظم شأنه وأجلَّ مكانته ، وحري بالمؤمن الذي كرَّمه الله -جل وعلا- ومنَّ عليه بإدراك هذه الأيام الفاضلة والأوقات الشريفة الكريمة أن يحسِن اغتنامها .

عباد الله : ومما ينبغي أن نعلمه في هذا المقام ما لشهر رمضان من خصوصيةٍ بالدعاء ؛ فهو شهرٌ عظيمٌ حريٌّ فيه بإجابة دعاء الداعين وسؤال السائلين ، فإن الله - جل وعلا - قال في سورة البقرة في أثناء آيات الصيام : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] ؛ فهذه الآية - عباد الله - جاءت مسبوقةً بأحكام الصيام ومتبوعةً بأحكام الصيام وفي ذلكم إيماءٌ كما بيَّن أهل العلم في كتب التفسير إلى ما لرمضان - شهر الصيام - من خصوصية بالدعاء وأنه شهر مرجوَّةٌ فيه الإجابة ، شهرٌ حريٌّ بعباد الله المؤمنين أن يكثروا فيه من الدعاء ، فالآية الكريمة فيها حث على الإكثار من الدعاء والعناية به مطلقاً في كل وقت وحين ، وفي سياقها إشارةٌ إلى أهمية العناية بالدعاء والإكثار منه في شهر رمضان المبارك لما له من خصوصية بالدعاء ولاسيما - عباد الله - لياليه العشر الأخيرة لعظم أجرها وفخامة أمرها، ولأن فيها ليلة القدر وهي ليلة عظيمة مباركة يُتحرى فيها الدعاء ولاسيما بالدعاء العظيم الذي أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ألا وهو أن يقول الداعي: " اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي " .

أيها المؤمنون : شهر رمضان شهر تفتح فيه أبواب الجنان وتغلَّق فيه أبواب النيران وتصفَّد فيه مردة الشياطين ، ولله -تبارك وتعالى- عتقاء وذلك في كل ليلة من ليالي رمضان ، وهو شهر التوبة والغفران ، ويا عُظْم خسارة من أدرك رمضان ثم انسلخ ولم يُغفر له .

أيها المؤمنون عباد الله : حري بالمؤمن أن يغتنم هذه الأوقات الفاضلة بالإقبال على الله تعالى فإننا في أرجى أوقات الإجابة وأعظمها ؛ ولاسيما - عباد الله - إذا تحرى الداعي في دعائه وقت السجود ، وأدبار الصلوات قبل أن يسلِّم ، وثلث الليل الآخر ، وغيرها من الأوقات التي يُتحرى فيها إجابة الدعاء ، وأن يقبِل في دعائه على الله مخلصاً بقلبٍ منيب ، موقنٍ بالإجابة لا أن يكون داعٍ بقلب غافل لاه ، وأن يمد يديه إلى الله مد الفقير الذليل فإن الله حييٌ كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا ، وليتحرَّ في دعائه شروط الدعاء وآدابه ، وليكن طامعاً في نوال الله -تبارك وتعالى- وعطائه ، وليكن على ثقةٍ بأن الله -جل وعلا- لا يخيِّب من دعاه ولا يرد من ناداه ، كيف وهو القريب المجيب !! وقد مر معنا قوله :  { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } ، وقال جل وعلا : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر:60] .

اللهم يا إلهنا ويا ربنا ومولانا اجعلنا من أهل دعائك حقاً وصدقا ، ووفقنا يا إلهنا لإجابة الدعاء وتحقيق الرجاء ولا تردنا خائبين . أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .    

 

الخطبة الثانية :

الحمدُ لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله ؛ صلى اللهُ وسلّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى .

عباد الله : كلنا يعلم ويسمع بما تمر به أمة الإسلام في هذه الأزمان من فتنٍ متلاحقة ومصائب عظيمة وبلايا متعددة ولاسيما وبشدةٍ وقوة في بعض أوطان المسلمين وديارهم ؛ فهاهي حال إخواننا المسلمين في سوريا وحالهم في ليبيا وفي فلسطين وفي العراق وفي ديار عديدة وما يعاينونه من شدة ومصائب عظام : دماء تراق ، وحرمات تنتهك ، وتعديات وظلم وبغي وعدوان ، وهاهي أحوال إخواننا المسلمين في الصومال وما يعاينونه من مجاعات شديدة وهلاك مفظع في جوع وعطش إلى غير ذلكم من مصائب متنوعة هنا وهناك . أليس - عباد الله - من الجدير بنا ونحن في شهر الدعاء والرجاء في شهر الخيرات والبركات في شهر العطايا والهبات أن نقبِل أجمعين يداً واحدة نمدُّ يد الضراعة إلى الله ملحِّين عليه بصدق مقبِلين عليه إقبال الراجين المؤمِّلين في رب عظيم لا يخيب من دعاه ولا يرد من ناداه ، فالمسلمون - عباد الله - مثلهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر .

عباد الله : ما أحوجنا أجمعين إلى تحقيق عبودية الدعاء بصدقٍ وإلحاحٍ على الله -عز وجل- في أن يكشف الغمة وأن يفرِّج الهموم وأن يجلو عن المسلمين المصاب وأن يرفع عنهم الشدة والبلاء ، وهو -جل وعلا- لا يخيِّب من دعاه ولا يرد -جل وعلا- من ناداه .

اللهم يا ربنا ويا سيدنا ومولانا يا مجيب الدعاء يا مجيب دعوة المضطرين يا كاشف الشدة والبلاء يا من لا يخيِّب من دعاه ولا يرد من ناداه نتوجه إليك إلهنا وسيدنا بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا من وسعت كل شيء رحمة وعلما يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أن تفرِّج همَّ المهمومين من المسلمين وتنفِّس كرب المكروبين ، اللهم يا حي يا قيوم كن لإخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ناصراً ومعينا وحافظاً ومؤيدا ، اللهم كن لنا ولهم ولا تكن علينا ، اللهم وانصرنا ولا تنصر علينا ، وامكر لنا ولا تمكر علينا ، واهدنا ويسِّر الهدى لنا ، وانصرنا على من بغى علينا . اللهم يا حي يا قيوم يا قاصم ظهور البغاة المعتدين والطغاة الظلمة المعتدين عليك -يا حي يا قيوم- بأعداء دينك وخصوم شرعك وأعداء أوليائك وعبادك ؛ عليك بهم فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم .

اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم يا حي يا قيوم ارزقنا وجميع المسلمين في أوطاننا وديارنا الأمن والإيمان والسلامة والإسلام ، اللهم آمنّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم يا حي يا قيوم أشبِع جائع المسلمين ، واروِ عطشانهم ، وسُدَّ حاجتهم وفاقتهم ، وكن لهم حافظاً ومؤيدا ومعيناً .

اللهم لا يكشف الكربات إلا أنت ، أنت الذي تجيب دعوة المضطرين وتكشف كربات المكروبين ، اللهم أنت الذي لا ترد من دعاك ولا تخيب من ناداك ؛ اللهم لا ترد دعوتنا ولا تخيب رجاءنا ، اللهم وأعطنا سؤلنا يا حي يا قيوم ، اللهم دعوناك فلا تردنا خائبين . اللهم إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . )رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .