للصيامِ مفسداتٌ يجبُ على المسلمِ أَنْ يعرفَها; ليتجنَّبَها, ويحذرَ منها; لأَنَّها تُفّطِّرُ الصائمَ, وتفسدُ عليه صيامه, وهذه المفطِّرات منها:
1- الجماع: فمتى جامعَ الصائمُ, بطل صيامُه, ولزمه قضاء ذلك اليومِ الذي جامع فيه, ويجب عليه مع قضائه الكفارةُ, وهي:
عتق رقبةٍ, فإِنْ لم يجد الرقبة أو لم يجد قيمتها, فعليه أن يصوم شهرين متتابعين, فإن لم يستطعْ صيامَ شهرين متتابعين, بأَن لم يقدر على ذلك لعذرٍ شرعيٍّ, فعليه أَنْ يُطْعِمَ ستين مسكينًا, لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ من الطعام المأكول في البلد.
2- إِنزال المَنِيّ: بسبب تقبيل أو لمس أو استمناء أو تكرار نظر, فإذا حصل شيءٌ من ذلك, فسد صومه, وعليه القضاءُ فقط بدونِ كفارةٍ; لأنَّ الكفارةَ تختصُّ بالجماع.
والنائم إذا احتلمَ فأنزل, فلا شيءَ عليه, وصيامَه صحيح; لأنَّ ذلك وقعَ بدون اختيارِه, لكنْ يجبُ عليه الاغتسالُ من الجنابة.
3- الأَكلُ أَو الشربُ متعمِّدًا; لقوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة/ ١٨٧]
أَمَّا مَنْ أَكل وشرِبَ ناسيًا, فإِنَّ ذلك لا يؤَثِّر على صيامه; وفي الحديث: ((من نسيَ وهو صائم فأَكل أَو شرب فليتمَّ صومَه; فإنما أَطعمَهُ اللهُ وسقاه)) ([1])
ومما يفطر الصائمَ:
· إيصالُ الماءِ ونحوِه إلى الجوف عن طريقِ الأَنفِ, وهو ما يسمَّى بالسَّعُوطِ.
· وأَخْذُ المغذِّي عن طريق الوَرِيدِ, وحَقْنُ الدمِ في الصائم. كلُّ ذلكَ يفسد صومه, لأَنَّه تغذيةٌ له.
· ومن ذلك أيضًا حَقْنُ الصائم بالإِبر المغذية; لأَنَّها تقوم مقامَ الطعام, ولذلك يُفسِدُ الصيامَ.
أما الإِبر غير المغذية: فينبغي للصائم – أيضًا - أن يتجنبها محافظةً على صيامه; ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((دع ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك)) ([2]) ويؤخرها إلى الليل.
4- إخراج الدم من البدن: بحجامة أو فَصدٍ أو سَحب دم ليتبرَّع به لإسعاف مريض, فيفطر بذلك كلِّه.
أما إخراج دم قليل كالذي يُستخرج للتحليل, فهذا لا يؤَثر على الصيام, وكذا خروج الدم بغير اختياره برُعافٍ أو جُرحٍ أو خَلعِ سن, فهذا لا يؤثر على الصيام.
5- ومن المفطرات: التقيؤ وهو: استخراج ما في المعدة من طعامٍ أو شراب عن طريق الفم متعمِّدًا, فهذا يفطر به الصائم.
أما إذا غلبه القيء, وخرج بدون اختياره, فلا يؤثر على صيامه, لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من ذَرَعه القيءُ, فليس عليه قضاءٌ, ومن استقاءَ عمدًا, فليقضِ)) ([3])
ومعنى ((ذرعه القيءُ)) أي: خرج بدون اختياره, ومعنى قوله: ((استقاء)) أي: تعمَّد القيءَ.
*وينبغي: أن يتجنب الصائم الاكتحال ومداواة العينين بقطرةٍ أو بغيرها وقت الصيام؛ محافظة على صيامه.
*ولا يُبالغُ في المضمضة والاستنشاق؛ لأنَّه ربما ذهبَ الماء إلى جوفه؛ قال - صلى الله عليه وسلم -:((وبالغ في الاستنشاق, إلاَّ أن تكون صائمًا)) ([4])
*والسواك لا يؤثر على الصيام, بل هو مستحبٌّ ومرغَّبٌ فيه للصائم وغيرِه في أول النهار وآخره على الصحيح.
*ولو طار إلى حلقة غبارٌ أو ذبابٌ, لم يؤثر على صيامه.
*ويجب على الصائم اجتناب كذبٍ وغيبةٍ وشتمٍ, وإن سابَّه أحدٌ أو شَتَمه, فليقل: إني صائمٌ, فإن بعض الناس قد يَسْهلُ عليه ترك الطعام والشراب, ولكن لا يسهل عليه ترك ما اعتاده من الأقوال والأفعال الرديئة, ولهذا قال بعض السلف: أهون الصيام تركُ الطعامِ والشراب.
فعلى المسلم: أن يتقي الله ويخافه ويستشعر عظمة ربه وإطلاعه عليه في كل حين وعلى كل حالٍ, فيحافظ على صيامه من المفسدات والمنقِصاتِ؛ ليكون صيامه صحيحًا.
*وينبغي للصائم: أن يشتغل بذكر الله وتلاوة القرآن والإكثار من النوافل؛ فقد كان السلف إذا صاموا, جلسوا في المساجد, وقالوا: نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدًا, وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ لم يدعْ قول الزورِ والعمل به, فليسَ للهِ حاجة في أنْ يدعَ طعامَه وشرابَه)) ([5]) ؛ وذلك لأنه لا يتم التقرُّب إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله عليه في كل حال من الكذب والظلم والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم.
روي عن أبي هريرة مرفوعًا: ((الصائمُ في عبادةٍ ما لم يغتب مسلمًا أو يؤْذِه)) ([6]), وعن أنس: ((ما صامَ من ظَلَّ يأكلُ لحومَ الناس)) ([7])؛ فالصائمُ يترك أشياء كانت مباحة في غير حالة الصيام, فمن باب أولى أن يترك الأشياء التي لا تحِلُّ له في جميع الأحوالِ؛ ليكون في عداد الصائمين حقًّا.
المصدر: الملخص الفقهي - باب في مفسدات الصوم - الجزء الأول / ص [382 – 386]