لما فقدت السوق الأدبية أدباءها الكبار، ومفكريها. نبتت نابتة قفر لا تملك من الأدب إلا اسمه، ولا تلتقي مع الأدباء إلا في الزي والشكل. وهذه السمة للأدباء المزيفين مؤشر من المؤشرات الناطقة ـ بلسان حالها ـ إلى تهافت المجتمع في هوة سحيقة، وقعر بعيد، يحفه التخلف مع كل جانب. إذ منصب الأدب منصب رفيع بيده زمام المجتمع، يقدمه، ويؤخره كيف شاء، ولا غرو، فان حضارة أي أمة من الأمم، إنما تقاس بمبلغها الأدبي، وثروتها الفكرية.
وإن نظرة فاحصة في كثير من كتابنا ـ اليوم ـ لتوحي إليك بضعف البنية الأدبية عندهم، بل بعقمها. والعجب أن بعضهم يقضي زمناً كثيراً، وعمراً مديداً، في كتابة المقالات، ورصف الابيات، ومستواه الأدبي إن لم يكن في تدن فهو في ثبوت دائم، لا يحاول التجديد في أسلوبه، ولا في موضوعه، ولا يتعنى الاستعداد والتأهب لكتابة ما يمليه فكره، ويسطره قلمه، للملايين من الناس، ولا ينتقي الألفاظ الآسرة، ولا الجمل المؤثرة، كما لا يتحاشى تشويه مقاله أو كتابه بالألفاظ السوقية، والجمل الركيكة. بل قصارى جهده، ومحط أمله، أن ينزل اسمه على تلك الحروف المجموعة، والفقرات الملوية، حتى يقرأه الناس، ويتناقلونه في مجالسهم.
وعندما حط كثير من الكتاب رحالهم عند هذا المقصد، فقد الأدب مجلسه المشهود، فقل رواده، وكثر ساخطوه، وانعدم تأثيره في المجتمع اصلاحًا وتقويماً وتقدماً، بل انعكس إلى بؤرة سوء تسئ للآداب، وتنال من الأخلاق.
ولنا أن نتساءل: أين عشاق الأدب الذين استمرأوا المشاق في سبيله، واتسعت لهم مجالسه الضيقة.
أين الذين إذا علموا بأن معروفاً أو شوقي سيلقون قصيدة، ضاقت بهم الرحاب الوسيعة، وهجروا إلى مكان الالقاء؟
لا نرى منهم أحداً اليوم. لماذا؟ هل انعدم اكتراث الناس بالأدب؟ لا، بل لأن الأدباء غير الأدباء. وإلا فالأدب بضاعة واحدة، هي مرعى اهتمام الناس، ومثار اعجابهم، في كل زمان ومكان. ولكنها تحتاج إلى تاجر مجيد، يهتم بتسويقها، ويشقى في نشرها، حتى تورق أشجارها، وتينع ثمارها.
عبد السلام آل عبد الكريم. الرياض